اوراق من الماضي الجميل: ام درمان .. خمسه سنين معاك (٢)

 


 

صلاح الباشا
28 February, 2023

 

* كانت ام درمان في ذلك الزمان الذي شهد اقامتنا بها خلال السنوات (1970 --- 1975) تعيش كبقية مدن السودان واريافه اوضاعا معيشية متوازنة حيث كان الموظف او العامل يعيش علي راتبه الشهري بكل اطمئنان .. فيسدد حساب الدكان وحساب الجزار وحساب موزع الالبان الذي كان يحوم علي البيوت يوميا بعد العصر .. كما كان يسدد حساب افطاره الشهري لدي صاحب البوفيه في مكان عمله .. فلم يكن الدائنون يحملون هموما في تحصيل مبالغ مبيعاتهم عند نهاية الشهر .. كما لم يكن الفرد يخفق او (يزوغ) من سداد مديونياته لدي الغير ... وهكذا كانت تسير الحياة متناغمة تظللها الطمأنينة ويسودها الاستقرار.
* اذكر اننا كمجوعة من معلمين وايضا طلاب بجامعة القاهرة في ذات الوقت ... نشترك في ترحيل بصات الطلاب للجامعة بمبلغ واحد جنيه فقط نسددها شهريا لسكرتارية الخدمات باتحاد الطلاب والذين يقومون بدورهم بتاجير البصات من شركة مواصلات العاصمة لمديرية الخرطوم قبل ظهور بصات ابورجيلة الصفراء لاحقا .. وكانت البصات تحمل الطلاب من وإلي كل احياء العاصمة المثلثة الي جامعة القاهرة بشارع علي عبداللطيف بالخرطوم غرب .. وكانت الجامعة نفسها انيفة ورشيفة وتمتاز بوسط ممتاز ومثقف من الجنسين .. حيث كانت الجالية المصرية ترفد جامعة القاهرة بالمئات من الطلاب الذين يقيمون مع ذويهم الذين كانوا يعملون إما في الري المصري او معلمين بالمدارس المصرية او بالسودانية ايضا.
* كان مقهي يوسف الفكي هو بمثابة ملتقي للمعلمين وايضا للرياضيين بام درمان حيث يقع المقهي بشارع السوق في مواجهة السينما الوطنية ... حيث كنا نستمتع بكوب الشاي من الحجم الكبير وله نكهة خاصة وبمبلغ ثلاثة قروش فقط للكوب .. كما كان المقهي يقدم الكاكاو بالحليب بخمسه قروش .. اما اذا اردنا السكلانس المثلج وهو الايسكريم بالزبادي فلابد من دفع مبلغ سبعه قروش ... وكان العم يوسف الفكي يجلس داخل دكانه لبيع الاحذية وربطات العنق والقمصان الراقية جدا وارد انجلترا حيث يأتيه الزبائن المميزين من كافة ارجاء العاصمة .. وكان شقيقيه الهادي و خالد يقومان بتوزيع الطلبات علي رواد المقهي من بعد المغرب وحتي منتصف الليل.. ومن المعروف ان يوسف الفكي واخوانه كانوا من كبار اقطاب نادي الهلال .
* كان رواد المقهي يرتادون سينما الوطنية او ام درمان في الدور الثاني بعد ان يخرج منها الطلاب او عمال خدم البيوت الذين يرتادون الدور الاول عادة ( في ماضي الزمان لم يكن هناك شغالات في البيوت) ... حيث يكون جو السينما متاحا وهادئا للعائلات التي كانت السينما هي المكان الترفيهي لبرمجتها المسائية . وسوف نستعرض في حلقات قادمة لمحات من تلك الافلام الباهرة ذات المضامين التي لايزال البعض يتداولها عند الحنين الي الماضي الزاهر قبل ظهور الفضائيات الحالية ... وهنا لابد من ان نتذكر قيمة سعر التذاكر للسينما .. فقد كانت تذكرة درجة الشعب باربعة قروش ويطلقون عليها في مصر ( الترسو ) فيقولون لك مثلا ان فريد شوقي هو ملك الترسو .. اي الطبقات الشعبية حيث كان فريد متخصصا في افلام الضرب واللكم لخصومه في الافلام .. كما كانت قيمة تذكرة اللوج بمبلغ ثمانيه قروش .. اما مقاعد البلكون علي جانبي اللوج بمبلغ ريال واحد .. والريال كان يعني مبلغ عشره قروش .. اما الشلن فهي الخمسه قروش . والفريني هي قرشين فقط ويطلق عليه جزافا ( اب قشرين ) والشلن (اب خمسه) وكان اب قرشين من الفضة ومصمما في شكل خماسي الحواف .
* بعد الخروج من الدور الثاني بالسينما .. كنا ندلف الي حيث تتواجد طبلية الباسطة التي يمتلكها عم ( بين ) ومن يتذوق باسطة عم بين فانه لن يتركها .. وكان عم بين يقوم بتوصيل لمبة كهرباء للطبلية بسلك طويل من صيدلية عقباوي المتواجدة في الركن الشمالي الشرقي من الشارع الرئيسي بالسوق وقبل قهوة يوسف الفكي . وحتي عندما يخرج الجمهور من استادات الهلال او المريخ في منافسات دوري العاصمة فان منهم من يقضون وقتا مقدرا من المساء في قهوة يوسف الفكي او يحملون كمية من باسطة عم بين والتي كان يصنعها بالسمنة البلدي ويحشوها بمكسرات الفول السوداني فتزداد حلاوتها اكثر.
* وللحدائق العامة ذكريات خالدة وهي تقع في مدخل ام درمان بشارع النيل وانت قادم من جهة الخرطوم وبعد كوبري النيل الابيض الصامد حتي اللحظة .. فبعص الناس بسهرون ويتناولون العشاء في حديقتي الجندول او النيلين بشارع نيل ام درمان وتوجد في مكانهما حاليا جامعة القرآن ومسجد النيلين .. كما كان البعض يدلفون الي حديقة الموردة الحالية والتي كانت تشتهر بالسمك البلطي والكوارع ... اما حديقة الريفيرا فكانت متخصصة في المشويات .. غير ان بعض الناس يفضلون تتاول سمك ( الصير ) المقرمش ويباع الكيلو بعشره قروش في مطاعم سوق الموردة المواجهة للحديقة .. و آخرون يدلفون الي مطعم السبكي للسمك.
نواصل في الحلقة القادمة ،،،،،

bashco1950@gmail.com
//////////////////////////

 

آراء