ايام الترابي تعيد سيرتها الاولي في السودان بعد طرد 15 دبلوماسيا إماراتيا

 


 

محمد فضل علي
11 December, 2023

 

قرار غرفة عمليات الحركة الاسلامية التي تدير السودان الراهن بطرد 15 دبلوماسيا إماراتيا بصورة درامية يحمل كل بصمات نظام الانقاذ في ايامه الاولي في اعقاب نجاح عملية الاحتلال الاخواني المسلح للبلاد في 30 يونيو 1989 عندما كان الدكتور الترابي يحكم السودان بالحديد والنار وفق منهج عقائدي صارم لتنفيذ اجندة الحركة الاسلامية السودانية التي اعدت سلفا لادارة البلاد علي نفس الطريقة الايرانية بعد عودة الامام الخميني الي بلاده اواخر السبعينات .
كانت الاولوية القصوي في ايام سيطرة الترابي علي الحكم لتفكيك القوات المسلحة السودانية واجهزة الامن والشرطة عبر اكبر عملية احلال وابدال تم تنفيذها بكل دقة عقب مذبحة ضباط الجيش السوداني السابق وشهداء حركة رمضان .
ومن ضمن الاولويات الاخري في ايام الترابي الاولي في حكم البلاد كانت هناك خطة قد اعدت للتخلص من حركة جون قرنق باي طريقة من الطرق باعتبارها عقبة كبري في تنفيذ اجندة الحركة الاسلامية في ادارة البلاد وكانت البداية بمحاولة استقطاب دعم مصري خليجي عن طريق الجامعة العربية لتسليح الجيش العقائدي الجديد في السودان ولما فشلت العملية اتجهوا مباشرة الي القيام باكبر حملة للحشد والتعبئة الجهادية وعسكرة الدولة و المجتمع .
واستغلوا عملية غزو النظام العراقي للكويت مطلع التسعينات واعتبروها فرصة مناسبة لتصفية الحسابات مع مصر والسعودية ودول الخليج بسبب رفضها تمويل الحرب في الجنوب وكانت مواكبهم في تلك الايام تهتف بمنتهي الانتهازية
" اضرب اضرب يا صدام من الاهرام الي الدمام "
الي جانب توجية ضربة قاصمة للبعثة التعليمية المصرية في السودان التي كانت لها مدارس في السودان ومعظم المدن العربية من اليمن الي ليبيا والمغرب العربي الي فلسطين و الشام باعتبارها واحدة من اعظم انجازات ثورة الثالث والعشرين من يوليو التحررية في مصر واغلاق جامعة القاهرة فرع الخرطوم وتصفية نظام البعثات التعليمية المصرية والتعليم الجامعي المصري المجاني للسودانيين تحت ستار مكافحة المخابرات المصرية في السودان وحرمان قطاعات كبيرة من ابناء الاسر المحدودة الدخل من السودانيين من ميزة التعليم المصري المجاني .
ويتلاحظ ان النظام قد فقد اتزانه بعد اتساع نطاق الرفض والمعارضة التي اتخذت من مصر مقرا لقيادتها المركزية منذ مطلع التسعينات ممثلة في التجمع الوطني المعارض وصدور صحف سودانية يومية معارضة من العاصمة المصرية في اول تجربة من نوعها لصحافة مهجر سودانية الي جانب تدهور الموقف الامني في جنوب البلاد واستفادة حركة التمرد الجنوبية من حالة الفراغ في قمة الهرم العسكري والقيادة العامة للجيش السودان التي اصبحت تحت السيطرة التامة للاسلاميين بعد خروج الراحل المقيم الفريق فتحي احمد علي ورفاقة في هيئة القيادة العامة للجيش السوداني من البلاد والتحاقهم بركب المعارضة السودانية وترتب علي الامر سقوط عدد كبير من حاميات الجيش السوداني في الجنوب مما جعلهم يتوسعون في حملات التعبئة الجهادية القسرية وفتح معسكرات التجنيد الاجباري بتفاصيلها المرعبة المعروفة .
ثم اسقط الامر في يدهم واطاحوا بزعيمهم والاب الروحي للحركة الاسلامية الدكتور الترابي وهرعوا يستعطفون نفس الدول العربية في مصر والسعودية ودول الخليج واعلنوا التوبة عن كل مافعلوا من تحرش وعدوان ونسبوا كل ماحدث للترابي وعادت علاقاتهم مع الدول المشار اليها تدريجيا .
وقاموا بعد ذلك بتدشين اكبر حملة للتسول الرسمي واستعطاف السعودية ودول الخليج ونفس دولة الامارات العربية المتحدة التي ظلت تحتفظ بعلاقات قوية وناصعة ومتكافئة مع السودان الي حد كبير خلال سنين الحكم الوطني في السودان قبل زمن الاسلاميين .
نظرة بسيطة الي ارشيف علاقات نظام المعزول البشير بدولة الامارات تكشف عن حجم الوضاعة والمهانة التي ميزت تلك العلاقات عندما كانت تدير العلاقات الاقتصادية بين الامارات والسودان شبكة من السماسرة المفسدين وعصابات غسيل الاموال الاخوانية وكانت الامارات مجبرة علي التعامل مع الامر الواقع خاصة في مرحلة حرب اليمن التي سارع الاسلاميين الي عرض خدماتهم للمشاركة فيها عن طريق القوة الضاربة من نفس قوات الدعم السريع التي يشنون الحرب عليها اليوم .
الحديث عن تمويل مباشر من دولة الامارات العربية لقوات الدعم السريع مبالغ فيه الي حد كبير وكل مافي الامر ان لقوات الدعم السريع مكاتب وشبه مؤسسات اقتصادية تاسسست بعلم ومعرفة وبل بتزكية من نظام الرئيس المعزول عمر البشير وبالطبع ليس لدي الامارات اي مصلحة في التخلص من علاقات من هذا النوع طالما لاتزال بعض الجيوب الاقتصادية الاخوانية تعمل وحتي هذه اللحظة وحتي اشعار اخر من دولة الامارات ويبدو ان الامارات قد رفضت الزج بنفسها في صراع الاسلاميين مع قوات الدعم السريع فقاموا وعلي نفس النهج الذي اتبعوه مع مصر والسعودية ودول الخليج في مرحلة التسعينات الي فتح جبهة ابتزاز هتافية مع دولة الامارات تم تتويجها بالعرض السخيف الذي وصل الي مرحلة اتهام الامارات بدعم قوات الدعم السريع في الوقت الذي يتابع فيه العالم تفاصيل مايجري علي الارض من قتال في شوارع وطرقات الخرطوم .
ان عملية طرد الدبلوماسيين المتبادلة والتي اتت في اطار رد فعل الامارات علي الاتهامات والتحرش والاساءات المباشرة التي لحقت بها علي الهواء مباشرة تعتبر امر مؤسف ولاينفصل باي شكل عن النهج الانتهازي والاجرامي المعروف لهولاء المتاسلمين وتقلب احوالهم في السلم والخصام وعدم استقرارهم علي حال في التعامل مع الاخرين وعدم تقيدهم بالتقاليد والاعراف في التعامل مع الاشقاء في البلاد العربية والافريقية الي الدرجة التي اصبحوا يتهمون فيها العالم كله بدعم قوات الدعم السريع .
لقد تحول السودان اليوم الي اشلاء وحطام بعد خروج عاصمة البلاد من الخدمة لاول مرة منذ تاسيس الدولة السودانية .
لن يكون هناك فرصة امام المجموعة الاخوانية الحاكمة في السودان للمناورة او العودة لعلاقات طبيعية مع دولة الامارات بعد اليوم والنظام القائم في السودان الان بتدخل الامارات وبدون ذلك ساقط لامحالة ولكن بكلفة عالية جدا للاسف الشديد نتيجة لعدم وجود معارضة تتعامل مع ماحدث في السودان من تطورات وحرب بفهم لطبيعة المرحلة والتعامل معها بما تستحق فهل يعقل ان يظل البعض يطالب وحتي هذه اللحظات بالجمع بين حميدتي والبرهان علي مائدة واحدة من اجل التوصل لقرار بوقف اطلاق النار .
مرحلة مابعد نهاية هذه الحرب ستختلف تماما في كل تفاصيلها عن كل مراحل التحولات السياسية السابقة في السودان .
نهوض الخرطوم من الدمار الراهن وقيام مؤسسات العدالة وانطلاق اكبر حملة داخل وخارج البلاد لملاحقة كل المتورطين في اشعال الحرب والدمار الشامل الذي لحق بالخرطوم وبعض مدن البلاد ستكون عملية مشابهة في كل عناوينها الرئيسية لما حدث في مدينة برلين الالمانية بعد الحرب العالمية الثانية وملاحقة النازيين في كل انحاء العالم .

 

آراء