بامية تسوية

 


 

 

لا أدري أي سبب يؤخر إعلان البامية سيدة المائدة السودانية!
فهي خضراء ممشوقة! ولذيذة، ولايووقة، لكن لياقة مُحبّبة، لا يشتكي منها أحد.
اللياقة بالفتح.
وشتان ما بين اللياقة بالكسر واللياقة بالفتح.
في العربية: "لاق، يليق لِياقةً"، بالكسر، وإياكم والفتح، فهو خطأ شائع.
وفي السودانية: "إتْلايق لَياقة" شديدة، وهو خطأ شائع أيضاً، وقاتل.
والبامية خشوم بيوت.
البامية الطبيخ معروفة.
وكذلك البامية المفروكة.
لكن الأمر الجديد هو البامية -التسوية!
ومن البداية خلونا نخلي الأمور واضحة: التسويات أيضاً خشوم بيوت، وليس كل تسوية تسوية. ويحق لأي زول أن يسوي تسويته! وبعدين، العين تشوف واللسان يحكم.
ومن البداية تاني خلونا نخلي الأمور واضحة: ملاح البامية الطبيخ الشايفنو في الصورة أدناه هو نفس ملاح العصيدة. والله العظيم. وهو المسمى هنا بملاح البامية-التسوية.
يمكنك أن تطوف في جميع المدن والأرياف، في السودان، وتدخل جميع البيوت والمطاعم، ولن تجد أبداً من يقدم لك طبيخ البامية بالعصيدة.
هذا النوع من الطبيخ، المعمول بمزيج من البصل المحمر وصلصة الطماطم، لا يصلح، في العرف، إلا مع غير العصيدة: الكسرة والقراصة والرغيف وحتى الأرز.
أما العصيدة فلها البامية المفروكة، وبطبيعة الحال، البامية المجففة المسحونة، وإلا فلا بامية لها.
وبهذه المناسبة، غني عن القول أنه، في السودان، أسوأ شيء أن تكونَ لا بامية لك!
لأن ذلك سيعني أن تُحرم من "اللياقة"!
وتقول أغنية لم يتغنَّ بها أحد بعد:
أكلاً بلا بامية ما ليه حلا
ومن الأمثال التي لم يسمع بها أحد: "زول بلا بامية عديل كدا ما زول"! وإنما البامية هنا كناية عن اللياقة، أي من لا "يتلايق" ليس بزول!
وبطبيعة الحال، نحن "نحكي" عن اللياقة، بالمعنى السوداني، وليس بالمعنى الدبلوماسي، يا جماعة!
نعود إلى التسوية، فنقول إن التسوية الحقيقية لا بد أن تخرج من المربعات المألوفة، من مناطق الراحة، لتتجاوز المعروف والمألوف والمتوقع، وتهشم التقاليد المتخشبة.
في بيت العزابة اتفق الجميع على البامية (طبعاً في السودان، كما قلنا، الكل متفق على اللياقة، بالمعنى غير الدبلوماسي)، ولكنهم اختلفوا على طريقة الطبخ. بعضهم يريدها طبيخاً، وآخرون يريدونها مفروكة. لم يحتد الجدل كثيراً. الكل، في بيت العزابة (ال بالإيجار) يعرف ما يريد ويعرف كيف يحقق ما يريد.
قاموا بتظببط حلة بامية طبيخ كبيرة. ثم قسموها إلى حلتين. حلة بقيت على حالها لمن أرادوها طبيخاً، وحلة سكبوها في الخلاط، وأضافوا إليها ما أضافوا من اللمسات، فخرجت بامية مفروكة معزّزة ومكرّمة بمزيد من البصل المحمر وصلصلة الطماطم...يعني مندكلة.
فمن أراد الطبيخ أكل الطبيخ، ومن أراد المفروكة وجد مفروكة مندكلة.
وهكذا التسوية، إما تسوية مندكلة ولا بلاش!
وعندك واحد بامية تسوية يا معلم!

alrayyah@hotmail.com

 

آراء