بروتوكولات ملالى ايران … بقلم: علاء الدين حمدى

 


 

 


(3) العلاقات الايرانية ـ الأمريكية
ـ استعرض الكاتب الأردنى الأستاذ " على باكير " كتابا صدر مؤخرا للدكتور " تريتا بارسي" أستاذ العلاقات الدولية في جامعـة " جون هوبكينز " الأمريكيـة ، ورئيس المجلس القومي الإيرانى - الأمريكي ، عنوانه " التحالف الغادر: التعاملات السرية بين إسرائيل وإيران وأمريكا "
Treacherous Alliance: THE SECRET DEALING OF ISRAEL, IRAN AND THE U.S.
كشف فيه المؤلف عن الكثير من الوثائق والمعلومات التى تؤكد  وجود تحالف شيطانى بين المشروعين الأمريكى والايرانى ، كما سبق وطرحت من تصورات فى المقالين السابقين ، اتضحت أبعاده فى عملية غزو العراق بحيث يستفيد المشروع الأمريكى من البترول ويقترب المشروع الايرانى من تحقيق المرحلة الأولى من حلمه للسيطرة على منطقته الاقليمية ، ويكشف المؤلف كذلك ، كما بين الأستاذ " باكير " ، أن الايرانيين وجدوا فرصة ذهبية أخرى لكسب الدعم الأمريكى ، خلاف تعاونهم مع اسرائيل ، وذلك عن طريق تقديم مساعدة أكبر وأهم للامريكيين في غزوهم للعراق عام 2003 , فقدموا وقتها عرضا احتوى على مجموعة مثيرة من التنازلات السياسية فى عدد من المواضيع الحساسة منها برنامجهم النووي , محاربة القاعدة ، والتفاوض على أسلحة الدمار الشامل  والإرهاب و الأمن الإقليمي والتعاون الاقتصادي كما ورد فى " الجزء " الذى اكتفى الأستاذ " باكير " بتناوله من هذا الكتاب .
ـ وليسمح لى القارىء أن أستكمل استعراض الكتاب من حيث توقف " باكير " وأضيف هنا ما طلبته ايران مقابل هذه التنازلات ، حسب ما ذكره مؤلف الكتاب ولخصه فى عدة نقاط أهمها الغاء تصنيف ايران كدولة داعمة للارهاب ورفع العقوبات الاقتصادية والتجارية عنها والافراج عن أموالها المجمدة فى البنوك الغربية وعدم دعم حركة مجاهدي خلق المعادية لنظام الملالى واحترام مصالحها الدينية في العراق والسماح بوصولها الى الطاقة النووية السلمية والحصول على التكنولوجيا البيولوجية والكيماوية ، ولكن الأخطر من كل ما سبق كان مطلب ايران الحصول على إقرار واعتراف أميركي بها كقوة إقليمية فى المنطقة ، وهو ما يعنى أن تصبح ايران صاحبة اليد العليا في الخليج  وهو ما رفضه الأميريكيون الذين رأوا ان ايران ساوت نفسها بالولايات المتحدة الأمر الذي ما كان يتم قبوله للاتحاد السوفياتي " الراحل " فكيف بايران ! وهو ما حال دون اتمام الصفقة ، حسب رأى المؤلف الذى يمكننا تلخيصه فى أن هناك حالة من " العداء " مع أمريكا دفعت الايرانيين الى تقديم هذا العرض ! هذا ما أورده الكتاب الذى تناوله آخرون غير الأستاذ " باكير " منهم  " مارشا كوهين " الباحثة بمركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة فلوريدا الأمريكية ، الى جانب كتب أخرى لا تقل أهمية تحدثت عن العلاقات الايرانية الامريكية ولكن من منظور آخر منها كتاب " الصداقة المُرّة فى أحضان الأعداء " للصحفية الأمريكية " باربارا سليفن "
Bitter Friends, Bosom Enemies: Iran, the U.S. and the Twisted Path to Confrontation
وهو كتاب لا يقل أهمية عن غيره ، وربما أعود لاستعراضه على حضراتكم اذا سنحت الظروف فى مناسبة أخرى .
ـ وبعيدا عن رأى " بارسى " وفى رأيى الشخصى ، فان الأمريكيين رفضوا اتمام هذه الصفقة ، اذا صحت ، لأسباب أخرى غير التى أشار اليها الكتاب ، أولها ، وأنا اتحدث بتحليلى الشخصى ، الحرص على سرية العلاقة مع الحليف الايرانى حتى يستمر تأثيره " الديماجوجى " الفعال من خلال تبنيه لعملية " التغييب " والنُصّرَة الدينية المزيفة التى يمارسها على العقل العربى بدعوى الثورة الاسلامية والعداء لاسرائيل وتحدى أمريكا .. الخ ، وبالتالى يصبح هذا الحليف فى وضع مميز يسمح بتمرير أى توجهات أو أيدولوجيات أمريكية الى عقل العربى " الغافل " من خلاله فى الوقت الذى يدور وراء الكواليس أمور أخرى تختلف كليا عن ذلك ، هذه واحدة ، والثانية ، وهى الأهم وان صُنِّفت تحت باب مناورات الذئاب ، هى عدم السماح لايران بالسيطرة على بترول الخليج بسهولة ويسر ، وأقول بسهولة لأن أمريكا تعلم يقينا أن هذه السيطرة ستأتى مع الأيام رغما عنها لا ريب فى ذلك وأنها مسألة وقت لا أكثر ، لأن حكمة الله تعالى وضعت خزانات البترول الخليجية العربية فى المناطق ذات الكثافة السكانية "الشيعية " الكبيرة والمتزايدة والتى من البديهى أن ولائها بالدرجة الأولى سيكون للأب الروحى فى "  ُقم " الايرانية قبل مواطنها الأصلية دون أدنى شك .
 ـ وهذا التصور ، ان صح ، فهو يوضح عمق الاستراتيجيات الأمريكية وحُسن قراءتها لمستقبل المنطقة وقواها الاقليمية وكيفية توظيفها الجيد لخدمة هذه الاستراتيجيات مهما كانت التضحيات ، على عكس الصورة السطحية الاستخفافية التى يخدعنا بها البعض عن غباء الأمريكيين وانجرارهم الى مستنقعات الاحتلال الموحلة بسبب افتقارهم للتخطيط ! وخطأهم فى تقدير قوة المحتَلين أو بنى جلدتهم المجاورين !
ـ لذلك وُضِعت الخطط والاتفاقات منذ عهد " الخمينى " وربما قبل أن يقوم بثورته ، لاحتواء عنفوان هذا الحليف الايرانى الفَتِى المتنامى القوة صاحب السيطرة على البترول فى المستقبل القريب ، وذلك بطرق تضمن مصالح الغرب حاليا ومستقبلا ، وتضمن كذلك تحويل هذا الحليف الصاعد الى حارس من نوع خاص جدا يحمى مصالح السيد الأمريكى فى الخليج ، حارس له دور محدد ومرسوم بدقة متناهية لا تستطع أن تقوم به اسرائيل ، ولا يُوثَق أبدا فى اسناده الى أى دولة عربية مهما كانت قوتها أو حتى ، عفوا ، درجة " انبطاحها " ، وذلك ببساطة لأن أمريكا ، بعيدة النظر الباحثة عن مصالحها فى المقام الأول ، لن تراهن يوما على دول غير مؤسسية تفتقد للثوابت السياسية وتتنقل نُظمها الحاكمة بين القومية والليبرالية والاشتراكية والديمقراطية والرأسمالية و" المهلبية " أيضا !
وهو ما قد يجوز اختصاره فى عبارة " الشرق الأوسط الجديد " أو اعادة تقسيم المُقسم أصلا باتفاقية " سايكس بيكو " من قبل ، مع بقاء محور " اسرائيل ـ ايران " عسكريا واقتصاديا لضبط ايقاع النبض العربى والآسيوى خاصة الاسلامى ، ليظل الجميع يسبح ويقدس صبح مساء بحمد العم " سام " والعياذ بالله ، والا لماذا تغاضت أمريكا عن الاحتلال الايرانى " الاسلامى الثورى " لجُزر "  ُطنب " الاماراتية  بما لها من أهمية استراتيجية فى تهديد خطوط ملاحة ناقلات البترول الا اذا كان لهذا الاحتلال دور مفيد لأمريكا ؟! ولماذا لم تطلب الامارات تحرير هذه الجزر على غرار تحرير الكويت ؟!
ـ سبب آخر يمكننا تلخيصه فى مسألة استيعاب الأمريكيين لتجربة الملك فيصل أثناء حرب اكتوبر 1973 وتزعمه لعملية منع البترول العربى ، عدا بترول العراق وليبيا والجزائر ، عن الدول المتعاونة مع اسرائيل ، ومقولته الشهيرة " لهنرى كيسينجر" وزير الخارجية الأمريكى وقتها : " نحن كنا ولا نزال بدوا , وكنا نعيش في الخيام , وغذاؤنا التمر والماء فقط ، ونحن مستعدون للعودة إلى ما كنا عليه ، أما أنتم الغربيون فهل تستطيعون أن تعيشوا بدون النفط ؟ " فى اشارة واضحة الى استعداده لردم آبار البترول العربية لصالح كرامة العرب والعروبة ، وقتها أصبح " الفيصل " قوة اقليمية عظمى مؤثرة يمكنها تهديد المصالح الغربية فى المنطقة وليس فى بلاده فقط ، فكان قرار اغتياله حتميا ! فى عملية مريبة لم تتكشف كافة حقائقها حتى اليوم .
كذلك استيعاب الأمريكيين لتجربة " الشاه محمد رضا بهلوى " وتجربة " الرئيس صدام حسين " ورغبة كل منهما فى الهيمنة على بترول الخليج وتحويل بلده الى قوة بترولية تستطيع لىِّ ذراع الدول العظمى الصناعية لأسباب مختلفة عند كل من الرجلين ، لذلك تخلص الأمريكيون منهما معا لصالح نظام الملالى فى الحالتين ، بدون مصادفة ! وكخطوة أولى على طريق تحقيق مشروع " الخمينى " بالتعاون الأمريكى لانشاء " الهلال الشيعى " بدلا من " الهلال الخصيب " تمهيدا لضم الجزيرة العربية ومصر وشمال افريقيا للمشروع ، وهو بالمناسبة ما ظهر مؤخرا فى الدعوة غير المفهومة التى أطلقها القائد الليبى القذافى لاحياء الدولة الفاطمية الشيعية من جديد ! وهو ما قد نعود اليه بالتفصيل لاحقا باذن الله .
ـ بقى أن نقول أن التحالف الايرانى السرى مع أمريكا ظهرت أواصره فى مناسبتين ، الأولى تسهيل الغزو الأمريكى لأفغانستان ، السُنّية ، والذى لم يكن ليتحقق مطلقا بغير الدعم الايرانى ، راجع خريطة المنطقة ، أى بدون فتح المجال الجوى الايرانى أمام المقاتلات الأمريكية والدعم اللوجيستى المحمول جوا والصواريخ التى تطلق من حاملات الطائرات المتمركزة فى الخليج العربى عبر نفس المجال الجوى الايرانى لتدك جبال " تورابورا " وغيرها من المدن الافغانية لما يقرب من ثلاثة شهور متصلـة حتى انتهت افغانستان ومقوماتها وبنيتها التحتية كدولة ، وانتهت ، أو توقفت الى حين ، " حدوتة طالبان " التى كانت تقُضّ مضاجع ايران ، وليس أمريكا ، ليل نهار بتشددها السُنّى .
ـ المناسبة الثانية كانت فيما قدمه نظام الملالى الى الأمريكيين من دعم وخدمات جليلة مكنتهم من احتلال العراق فى 2003 ، وتسلمه منهم بعدها ، منها الدور المحورى شديد الخطورة الذى قام به " فيلق بدر " العراقى الشيعى المتشدد ، الذى تشكل سنة 1980 كمخلب لايران داخل العراق ثم أصبح جزءا من الحرس الثورى الإيرانى ! حيث كان دوره حماية قوات المارينز الأمريكية القادمة من الكويت لاحتلال العراق وكذلك خطوط دعمها اللوجيستى بعد ذلك من عمليات المقاومة العراقية ، وتأمينه لمنطقة " البصرة " ، ذات الأغلبية الشيعية كما تابعنا وقتها ، وهو ما لخصه تصريح " محمد أبطحي " مدير مكتب الرئيس الايرانى وقتها قائلا " لولا الدعم الإيراني لأمريكا لما استطاعت أن تحتل أفغانستان ثم العراق " !!
ـ اذا ، وفى الحالتين ، افغانستان والعراق ، يمكننا القول أن ما حدث كان تنسيقا بين قوى حليفة بالفعل ولم يكن أبدا مجرد التقاء مصالح ينتهى بانتهاء تحقيق هدف وقتى محدد ، اذ لم يكن الايرانيون ، بطبيعتهم التفاوضية البارعة ، ليفعلوا ذلك دون الاتفاق على المقابل المرضى السَّخى خاصة وهم المشهورون بصناعة السجادة الفاخرة فى ساعة بينما يمكنهم التفاوض حول سعرها لسنة كاملة دون كلل !! وأيضا لم يكن الأمريكيون ليُقدِموا أو يجرأوا على خطوة غزو افغانستان أو العراق قبل التنسيق الكامل مع " الشريك " الايرانى ، وسرا ، فى الوقت الذى أظهروا فيه أمام العالم العربى أن حليفهم الأول فى احتلال العراق هم الحكام العرب ! كما سبق وأظهروا أمام العالم الاسلامى ان حليفهم لاحتلال أفغانستان هو الرئيس الباكستانى وقتها " برويز مشرف " ، الذى لم يع وقاحة الدروس الأمريكية ، ولم ينتبه الى ما يهدد مستقبله السياسى كراعى لأول قنبلة نووية اسلامية ، ان لم يكن يهدد مستقبل حياته كلها ! وهى قصة أخرى حتى لا نخلط الأوراق والمواضيع . 
ـ هذا ما حاولت ايجازه عن برتوكولات العلاقة بين ملالى ايران وأمريكا " الشيطان الأكبر " رغم ضخامة الموضوع وأسانيده ، وعلى قدر امكانى وجهدى المتواضع ، ليبقى لدينا الحديث عن " حدوتة حزب الله " ، وطابور " الملالى العرب "  من غير " الشيعة " ، ان جاز عليهم هذا التعبير ، وذلك ان أراد الله تعالى , ثم أذن مضيفونا ، وكان فى العمر بقية . 
ـ ضمير مستتر :
يقول تعالى : {مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ } فاطر10
علاء الدين حمدى
a4hamdy@yahoo.com

 

آراء