كلام عابر
abdullahi.algam@gmail.com
في فترة الديمقراطية الثالثة (1986-1989) ظهر نوع جديد من الصحافة تميزت به صحف جبهة الميثاق الاسلامي،التي تغير اسمها خلال تلك الفترة إلى الجبهة القومية الإسلامية. كان الإخوان المسلمون شركاء لنميري منذ 1977 حتى قبل أسابيع قليلة من سقوطه، وفي هذه الفترة استطاعوا عبر ذراعهم المالي الخبيث"بنك فيصل الاسلامي" أن يتمكنوا من مفاصل الإقتصاد الوطني، وبعد سقوط نميري استطاعوا اللحاق بقطار الثورة بمساعدة أذرعهم في المجلس العسكري والحكومة الانتقالية مثل سوار الدهب والجزولي، كأن شيئا لم يكن وكأنهم لم يكونوا شركاء نميري طوال ثماني سنوات، ولهذا أتيح للجبهة القومية الاسلامية الحفاظ على مكتسباتها من مشاركتها السياسية مع نميري وأهم هذه المكتسبات امبراطوريتها المالية، فأصبحت تملك الثروة والاستقرار التنظيمي والوسائط الإعلامية،وهو مالم يتوفر لغيرها من الأحزاب التي خرجت منهكة من مقاومتها الطويلة لنظام النميري.
كان الجبهة القومية الإسلامية تملك أكثر من صحيفة ولكن كانت أشهره هذه الصحف صحيفة "ألوان" لصاحبها ومؤسسها حسين خوجلي. نهجت هذه الصحيفة نهج صحف التابلويد البريطانية من حيث الأسلوب الساقط والبذاءة وهو أسلوب قد لا يثير انتقادا في المجتمعات الغربية لكنه يظل غريبا ومستهجنا في مجتمع مثل المجتمع السوداني. سبقت تجربة حسين خوجلي تجربة المرحوم محمد مكي محمد صاحب جريدة "الناس" في انتقاد الخصوم السياسيين وإطلاق الأوصاف البذيئة عليهم ولكنه،أي محمد مكي، كان أكثر حشمة واحتراما للذات وللآخرين من حسين خوجلي. اتضح فيما بعد أن حسين خوجلي ينفذ الجزء الخاص به من الإطاحة بالنظام الديمقراطي من خلال الإنتقاص من قدر رموز النظام الديمقراطي وإطلاق الشائعات الخبيثة وغير ذلك فتكامل هذا الدور مع الأدوار الأخرى التي انتهت بالانقلاب العسكري فجر 30 يونيو 1989 والذي أطاح بالنظام الديمقراطي ليحل محله حكم عسكري مختلف الاشكال بسنواته الثلاثين العجاف.
لم تكن تجربة حسين خوجلي المحطة الأخيرة في السقوط، فاستنسخ بعضهم التجربة من جديد عقب سقوط نظام الكيزان، ولكن على وسائط التواصل الاجتماعي التي لم تكن موجودة آنذاك. لم يقتصر الأمر على إنتقاد الثورة والحكومة الإنتقالية فحسب، مستفيدين من جو التراخي والتسامح الشديد الذي تمارسه حكومة الثورة، ولكن لجأ بعضهم لنفس المسلك القديم بإطلاق الأوصاف على رموز النظام الديمقراطي ،تماما مثلما كانوا يفعلون إبان فترة الديمقراطية الثالثة. درج بعضهم على إطلاق لقب الحبوبة والخالة على الأستاذة عائشة موسى عضو مجلس السيادة والأستاذة أسماء محمد عبدالله وزيرة الخارجية، ليس بدافع الإحترام والتبجيل ولكن بقصد السخرية والتهكم من هذين الرمزين الوطنيين ومن غيرهما. وهو فعل لا يوصف بأفضل العبارات بغير قلة الأدب الصريحة حتى لو كان الكاتب ناقلا للوصف القبيح.
إستجابة لدعوة كريمة من أخ صديق أعزه كثيرا جدا، نفسي عضوا في "قروب" وتساب مقر إدارته في بلد غربي أسسه ويديره نفس الأخ الصديق. أتابع القروب بشكل غير منتظم وفي يوم من الايام وجدت نفس قلة الأدب التي أبغضها على صفحات القروب ..نفس لقب خالة وحبوبة. وصفت ذلك الفعل بأنه قلة أدب. انبرى من مارس فعل قلة الأدب يطالبني بالاعتذار،أي أعتذر أنا عن قلة أدبه. يبدو أن اسمي لم يكن ظاهرا على الشاشة فطالب مشرف القروب بالكشف عن اسمي لأن مشرف القروب يدخل في القروب الناس من طرف على حد قوله القاصر. ليس ذلك فحسب ولكنه واصل السقوط مستنكرا عدم ردي وعدم اعتذاري وكأني ملزم بالقام كل كلب يعوي حجرا فيصبح الصخر مثقالا بدينار. واصل الرجل،ولا أعرف اسمه، نهجه السوقي "يا زول ما بخليك..ما تقول بنساك".واضح تماما أنه لا يعرفني.
الأسافير تجمعنا أحيانا رغما عنا بمثل هذه النماذج السيئة. إحترامي الشديد لمؤسس ومشرف القروب المذكور يمنعني من المبادرة بالإنسحاب منه رغم كل هذا السقوط، لكني امتنعت عن الإطلاع على كل القروب.