بوفاة الخاتم عدلان أضحي السودان أكثر فقراً واقل حيوية

 


 

 

 عبدالسلام نورالدين- جامعة ليدز

A.N.E.D.Hamad@Leeds.ac.uk

 

من تلك المحاولات اليائسة والبائسة التي تلجأ اليه الرغبات، هروباً من قبضة الوقائع الفظّه، أن تقوم بتخليق الاوهام وتصديقها في ذات الوقت، ثم تخطو قُدماً في إعادة إنتاجها حقائقاً لا يأيتها الباطل أو هكذا فقد بدأ لي (حينما زرت الخاتم بمنزله بشمال لندن مع الشاعر سيد احمد بلال و الأديب الإعلامي عمر الطيب في نهار الاثنين 18/4/ 05).

ترآى لى  إن شُعل  عقل الخاتم  لقادرة بما تملكة من توهجٍ و توقد علي رد الزحف السرطاني علي عقبيه و إبادة كل تشكلات ذراته الدقيقه و إستسلاما لإغراء التفكير بالرغبات، وحينما بدأ الخاتم يتبسم ثم يضحك و يطلق النكات الساخرة قفزت في ذهني فكرة  بدت لي من العلم في شىء وهي :- ان من مفاجات هذا  العقل المتوقد أن يفرز أشعة كهرو-ذهنية لتتعقب مسالك  السرطان في الخلايا فتجتثة من اغوارة الماكرة و تزيل أثارة الحربائية ليعود الجسد الي سابق حيويتة و نضارته، و اذا كان جزءاً أصيلا من وظائف العقل تجديد نسيج الخلايا بحيوات المناعة فلا بد أن يكون من طبائع نشاطه أيضا الحفاظ علي توازن الجسم و مصادمة خبيث الامراض دون أي تدخل أو عون خارجي. و حينما حدثنا الخاتم (و كانه يزيلُ عنا ذلك الإحساس الخامد الذي تسلل الي وجوهنا و اللغة السالبة غير المباشرة التي تنطقها أجسامنا) بأن شهيتة للطعام و التي ذهبت حينما داهمة المرض قد عادت إلي سابق نبضها و تحفزها،عندها إجتاحنا جميعا الارتياح و عثرنا فيه علي أملٍ جديد بأن الشيخوخة التي دبّت في امد جدُّ وجيز الي ملامح الخاتم و تقاطيعه و حجمه و الذي تناقص منكمشا الي حد مثير للاضطراب و الفزع حتي كاد الكرسي الذي يجلس عليه ان يبتلعه تماما  من الاثار الواضحة لفقدان الشهية و الامساك عن الطعام.

  و حينما تأكد للخاتم بانه نجح الي حد كبير في نفض نثار و غبار الاسي من عيوننا و مشاعرنا و انه عبّرَ بنا من عتبات التسِّآل و الخوف عليه الي إمتاع الموانسة عن تفاصيل الحياة اليومية  توادد مع عمر الطيب ودبدر  وسألني عن حالي و أحوالي في اكستر التى تركتها الى ليدز و رجا سيد احمد بلال أن ينظم لقاءاً او أُمسية شعرية وكل ذلك بالطبع من  بشائر العافية و العودة الي مربع الحياة الاول، ثم خرجنا من باب منزله ونحن أكثر تدفقاً وأقلُ وجوماً علي نقيض ما كنا عليه حنيما دخلنا وتفرسنا فيه بكثير من الانقباض و تاكل الروح،  او هكذا جمحت بنا أعنة رغابئنا وقاومنا بضراوة أن نري او نصغي الي الخاتم المريض والذي  تبادل بكياسة وشجاعة الادوار مع عواده و زواره الصحاح فأضحى هو الزائر المعافى و الطبيب المدواي الذي يبعث روح الفرح والدعابة و التفاؤل في عائديه (المرضى الصحاح)

غشيت الخاتم في ثنايا جلوسنا معه إغفاءة لبضع ثانية من الزمان و بدا وكانه في جفن الردى و هو نائم ثم إنتفض وواصل ما أنقطع من الكلام بعقل مضىٌ وكأن تلك الاغفاءة الصغيرة القصيرة فقرة استطرادية في جملة كاملة. بعد أيام أربع من هذا اللقاء الذي سيظل في الذاكراة ما بقيت على قيد الحياة   سجل الخاتم عدلان فى الخامسة من صباح السبت الثالث والعشرين من ابريل اولي هزائمه في ثورتة الدائمة عبر حياته الملأى  بالوقائع والمواقع ومضاء الخطى وضياء البصيرة  و لكنه لن يعود بكل اسف هذة المرة لينقل لنا بوضىء كلماته و توقد قناديل ذهنه و حضوره النافذ النبيل مذاق تجربة ان يودع الحى روحة.

 

 

 

-2-

 

إذا كان بعض المتعلمين و المثقفين السودانيين بوقاتً و طبولاً للدجل و الشعوذة ومعاطن الإستبداد جليا  او خفيّاً،  و أخرين قد بذلوا جهداً عصامياً ليتأهلوا بجدارة ان يكونوا كوراثاً قوميةً علي طوال البلاد و عرضها فإن الخاتم عدلان هذا   القروى القادم  من ام دكت بغرب المناقل  يعدُّ بحق و عن جدارة من ثروات السودان القوميه في التنوير العقلاني ورائد لا يكذب اهلة  للنهوض الاجتماعي  شا هرا ابدا سيف عقلة وجم زمانة  لتوطين الديمقراطية و المجتمع المدني ورفع القواعد من بناء الفكر الفلسفي في بيت السودان الكبير.

أضحي السودان اليوم أكثر فقراً واقل حيوية بوفاة الخاتم عدلان

رفعت الاقلام وجفت الصحف.

رحم الله الخاتم عدلان رحمة واسعة بقدر شجاعة عقله و تماسكه والعزاء للسودان اولا واخيرا .

 

 

عبدالسلام نورالدين- جامعة ليدز

A.N.E.D.Hamad@Leeds.ac.uk

 

 

آراء