بيدي لا بيد أمريكا !! … بقلم: العبيد أحمد مروح

 


 

 

 بسم الله الرحمن الرحيم

       قلنا في مقال الاسبوع الماضي ، أن الولايات المتحدة الأمريكية ، وخلال العقدين الماضيين ، استثمرت سياسيا واعلاميا واقتصاديا ، استثمارات ضخمة في ما أسمته مكافحة الارهاب والأصولية ، مستهدفة بالأساس القضاء على التيارات الاسلامية ومنظمات العمل الخيري في بلاد المسلمين ؛ باعتبار أنها بزعمهم تخلق البيئة التي تفرخ الارهاب والتطرف ، وذلك بناء على قراءات منقوصة ومغرضة من خبراء يساريين وعلمانيين ، أسسوا نصائحهم على تصفية حسابات وثأرات سياسية ، على خلفية انهيار الاتحاد السوفيتي وانتصار المجاهدين في أفغانستان !!
    ومثلما جاء في المثل السائر : الغرض مرض ، فمن الواضح  أن الغرض أعمى ادارات امريكية متعاقبة ، وعلى رأسها ادارة الرئيس جورج بوش الابن في عهدها الأول ، من أن تستثمر كذلك في تعزيز وحماية قيم الديمقراطية والحرية والتعدد السياسي بين الشعوب العربية ، اذ سرعان ما تراجعت الادارة الأمريكية وأستبدلت عين المساوئ (  الحمراء ) التي كانت فتحتها باسقاط حكم طالبان في أفغانستان وحكم الرئيس صدام حسين في العراق ، بعين الرضا عن أنظمة عربية بين المحيط والخليج  انخرطت بكل ما أوتيت من جهد في التضييق على شعوبها وقمع التيارات الاسلامية فيها ، بحجج الانخراط في الخطط والبرامج الغربية لمكافحة الارهاب  !!
   انتظرت الشعوب العربية عقدا كاملا من الزمان وهي ترقب تطورات الأحداث حتى تبينت أكذوبة وخداع  الأنظمة الغربية في الدفاع المخلص عن حرية التعبير والتنظيم ، وحتى ثبت لها أن الدول الغربية تؤمن بقيم الديمقراطية والحرية بشرط ألا يتمتع بها الاسلاميون ؛ ولم تر الشعوب العربية من الادارات الأمريكية المتعاقبة فعلا واضحا سوى النظر لقضايا الشعوب وهمومها من خلال العين الاسرائيلية ، والانخراط في خدمة أجندة الدولة العبرية  في المنطقة  وهي التي تصر على أن يعترف العرب بيهوديتها ، وغض الطرف عن هيمنة وفساد أنظمة متسلطة  تسوم شعوبها كل أشكال العسف ، وتتباهي بمحاربة الأصولية والارهاب .
       ثم لما يئست الشعوب من عون أمريكي لاسترداد كرامتها ، واستعادة حريتها وهويتها ، قررت الانتظام في سلك الثورة على طريقتها الخاصة ، ففاجأت بذلك الراصدين والمحللين الذين ظلوا يلقنوننا دروسا مستمرة خلاصتها أن تسعة وتسعين بالمائة من الحل بيد أمريكا ، وأنه لا ارادة فوق الارادة الأمريكية لها القدرة على الفعل ، وأن هذه الأخيرة هي حامية حمى القيم الديمقراطية في العالم .
       وعلى اثر اندياح رياح التغيير في المنطقة العربية ، خلافا للارادة والهوى الأمريكيين ، أخذ البعض عندنا ، ممن تلبستهم حالة الهيجان الثوري ، يصور طبيعة التغيير المطلوب في المرحلة القادمة في السودان - على خلفية اختيار أهل الجنوب الاستقلال بدولتهم الخاصة -وحاجة أهل الشمال الي اعادة بناء الدولة الأم أيضا ؛ يصور  ذلك وكأن التغيير شأن مطلوب من الحكومة وحزبها الحاكم فقط ؛ وهذا بتقديري فهم منقوص للأحداث والوقائع سواء على الصعيد الداخلى أو صعيد الأحداث من حولنا .
    شعارات التغيير التي رفعتها الجماهير العربية في أكثر من دولة ، ليست كلها متطابقة تماما ، فبعض أجندة الجماهير العربية تختلف بحسب طبيعة النظام القائم ( ملكي ، مشيخي ، جمهوري ، جماهيري ..الخ ) ففي الأنظمة الملكية أو المشيخية لا تطالب الجماهير بعدم التوريث مثلا ، ولا حتى باسقاط النظام ؛ لكنها تطالب بتغيير الحكومات وتغيير قواعد اللعبة السياسية باعتماد قوانين تضمن اجراء انتخابات حرة ونزيهة ، وتمتد المطالب كما في البحرين مثلا ، لاعادة رسم دور الملكية ، وتضمن بالتالي قيام مؤسسات دستورية فاعلة يتحقق من خلالها الفصل بين السلطات وفاعلية أداء كل سلطة على حدة ؛ بينما يرتفع سقف المطالب في البلدان المسماة جمهورية ، فيمتد الأمر من اطاحة الرئيس ونظامه القائم وقطع الطريق أمام التوريث ، الي مطالب الاصلاح السياسي الأخرى المتعددة .
  ما يهمنا في ذلك هو نحتاج أن نتفق – نحن أهل السودان وقواه الحية – بالحاجة الى التغيير ، وبالحاجة الى التعاطي الايجابي مع كل الشعارات التي رفعتها الجماهير العربية بغض النظر عن طبيعة الأنظمة التي تحكمها ؛ فنحن مثلا بحاجة لقطع الطريق أمام التوريث لكن التوريث الذي يعنينا هو توريث قيادة الأحزاب السياسية ؛ فحزب الأمة القومي مثلا يتوارثة آل بيت المهدي منذ أكثر من ستين عاما ، وكذلك الحزب الاتحادي الديمقراطي يعيش حالة مشابهة ؛ والحال في الأحزاب العقائدية لا يختلف كثيرا عن الأحزاب الطائفية ؛ فالحزب الشيوعي السوداني يتزعمه شخص واحد هو الأستاذ محمد ابراهيم نقد ، أمد الله في أيامه وهداه الي السراط المستقيم ، ويتولى قيادته المركزية نفس الطاقم تقريبا ، وذلك منذ نحو أربعين عاما !!
  نحتاج اذن الى تغيير نصنعه بأيدينا ، ولا تصنعه لنا أمريكا وحلفاؤها ؛ ونحتاج أن نتمثل قيم الحق والخير والعدل في سلوكنا كله ، وأن نكون أكثر ايمانا بفتح المجال واسعا أمام طاقات الشباب للبناء والتعمير ، ولتولي زمام المبادرة والقيادة على مستوي قوانا السياسية كافة ، وعلى مستوى الدولة ، وأن تكون عقيدتنا في ذلك أن زمن الصراعات الحزبية للكسب المحدود في سبيله للتلاشي ، ليحل محله اليقين بأن الأجدر بحب الخلق والناس  هو الأقدر على خدمتهم ، والأحوز على ثقتهم ، وأن هذا هو السبيل الذي يتعين أن يسلكه كل راغب في أن يتصدى للشأن العام .

العبيد أحمد مروح
Obeid51@hotmail.com
 

 

آراء