بينَ الخير وبهاء وآخَرين يبقى القَتَلةُ في حماية الحكومة

 


 

 

كانت النفوس متعطّشه بعد الثوره لترى وتحس ما يُطفِئُ في دواخِلِها غليلاً كَواها لثلاثينَ عاماً. وَصْفْ فترة الأعوام الثلاثين يتجاوَزُ عبارة الحجّاج لشعبِ العراق (أيُّها الناس من تحدّث منكم دققتُ عُنُقَه ومَن لم يتحدّث ماتَ بِغُبنِه ).
بِغُبنِهم في صَمتِهِم مات الكثيرون. وبغُبنِهِم وتَحَدّثوا دُقّت أعناقُهُم. بدأ الأمر بضحايا الصالح العام في كلّ المرافق وحرِصَ النظام ألّا يتولّوا ايّ وظائف أخرى. أعقبهم ضحايا التعذيب والقتل والأختفاء من على ظهر الأرض.
أتت ضربَةُ البدايه مُلَبّيةً لذلك التَّوْق مُفرِجَةٌ عن النفوس من سجونها وذلكَ عندما جلس مولانا الصادق عبد الرحمن على كرسي القضاء لمحاكمة قتلة الشهيد احمد الخير. سقى الرجل نفوسنا التي انهكها اليباس وهدّها القحل حتّى رواها ومضى ثابت الخُطا مُجسّداً العدل أمامنا مرئياً ومحسوساً وقاطعًا وأدّى ما عليه فكان إبناً خَيّراً لهذا الشعب العظيم .. كان ( وَلَد راضِع لِبا أُمّو ). عقِبَ حُكمِهِ ذاك أمِلنا أن نرى سدَنَة ذلك الجهاز مُعَلّقين على أعواد المشانِق بأمرِ القانون بعدَ أن فَوّتَت حكومتنا علينا الشرعيةَ الثوريه ولم يكن ذاك ( الحُلم ) حقدًا ولا غِلّاً ولكنه كانَ رَمزاً للكثيرِ من الذُلّ والهوان من قتلٍ وتعذيبٍ واغتصابٍ وامتهانٍ للكرامه.
موت الشهيد بهاء على ايدي قوات الدعم السريع في احد أقبيتهم لم تستنكره الحكومه بل ولم يُعَلّق عليه اي مسؤول تنفيذي ولم يُعَلّق أحد او يرفَع حواجب الدهشه وبه ما بهِ من خروقات بدءاً بكيف تكون لهذه الميليشيا حقوق القبض والحبس والاعتقال وفي غير الحراسات القانونيه للدوله ناهيك عن تعذيب انسان حتى الموت وأخيراً السعي للتخلص من المسؤوليه وكلّ هذا قابلته الحكومه بكل البرود حتّى تحركت الجماهير الغاضبه فاختشى من اختشى ونَفَخَ البعض اوداجهُم وانتهى الأمر بأن أُعلِن عن تسليم المتهمين وان الاجراءات بدأت في مواجهتهم وكان ذلك نهاية الأمر ولم نسمع عنه حتى الان. ونطرحُ سؤالاً مُهمّاً هو هل البلاغ بهذا الغموض ليستحق كل هذا الزمن ؟ ولماذا لم يقدم الى المحاكمه مادام المتّهمون قد سُلّموا للنيابه حتى ينضمّوا الى زملائهم قتلة احمد الخير ويوقف التنفيذ بأمر الحكومه كما حدث في قضية احمد الخير ؟ . أمّا إذا رأت الحكومه ، حفظاً لزمن الجهات العدليه من الضياع وتوفير منصرفات المحاكم وجدلياتها اللانهائية كما يجري الان ، وإذا رأت أن ترفق بهذا الشعب وتكفيهِ عناء ( السّمبره ) أمام الشاشات ليرى هذه المناظر المؤذيه للعداله وهي تُنتهَك وللقضاء وهو يُذبَح ..
اذا رأت انه لن يتم تنفيذ الأحكام بفرملتها هذه فنحن لا نملك الّا ان ننحني إحتراماً لوجهةِ نظرِها هذه!! وفي كلّ الأحوال يبقى المدانون في قضية احمد الخير والمتهمون بمقتل بهاء وكل من تمّ تهريبهم منذ اوكتاي مرورًا بالآخرين والذين في النيّةِ تهريبهم مستقبلاً وحتى بلاغ المرحوم علي محمود حسنين طيب الله ثراه الذي تحولت محاكمته الى المهزلةِ التي نرى..
يظلون جميعاً تحت حماية الحكومه رغم انف ديسمبر ورغم أنف الشهداء ورغم انف الشوارع المغلوبة على أمرِها.
كانت الإنقاذ دائماً ما تُراهن على الزمن وذلك بتمييع القضايا عقب ارتكاب الجرم ويبدأ النسيان في طي صفحاتها وأكثر من ذلك يموت من يموت من اولياء الدم فترتخي قبضة الصف الثاني فالثالث ويبدو أننا نسير على ذات النهج فيخلو سجل حكومتنا من الحسم ونسير في درب التمييع ( المُتّفق عليه ) حتى يقضي الله أمراً.
لم أكُن اعتقدُ بعدَ سنوات الإنقاذ الفظيعه أنّ رأينا كشعب سينقسم فيما هو واضحٌ أمامنا وأن نبدأ بقبول الفتات من وليمةٍ دفعنا ثمنها غالياً وقمنا بطبخها طيبةً. دَفْع الثمن هذا لم يكن في ديسمبر فقط فقد ظلّ هناك من يدفعون الثمن منذ ١٩٨٩. كلّ اللذين ذهبوا بعد ان وضعوا الامانةَ في اعناقنا لم يدور بخَلَدِهِم أننا أضعنا امانتهُم واستسلمنا لخيانةٍ ذهبت بغرسِهِم وانقسمت صفوفنا بعضُها ، ويا للعار ، يُهلّلُ للوجهِ الآخر للإنقاذ.
ذهبت السيده الفضلى عائشه موسى بعد أن قالت فيهم ما قالت. طُويَت صفحتها بذات الصمت البارد ولم ينبري منهم أحد ( سيادي ، عسكري ، مدني ، تنفيذي ) للرد على ما ذكَرَت في حقّهِم كأنّها كانت في مجلس سياده يتبع لدولةٍ أخرى لا علاقةَ لهُم به. في بالهم اننا شعبٌ من السّوَام والسّوام لا تُستشار ولا داعي لأن تعرِف.
ذهبت السيده في نفس الصمت الذي تركتهم فيه والذي قلنا عنه انهم يقتلون القضايا به ويراهنون على الزمن.
فقط اعلنوا ان استقالتها قد قُبِلَت واستمروا في ال ( قسمه ) بينهم وبين القادمين الجُدُد ونحنُ نُساقُ بنفس سلوك الإنقاذ.. لا شفافيه لا مكاشفه ونفس الصرف البذخي والمرتبات المهوله وسرقة الموارد بواسطةِ حُكّامِنا ( لا يحتاج الأمر لتفصيل ) وفي الأثناء تتمدّد المليشيات والمؤامرات.. ونحنُ ( نعوعي وبصلتنا في النار ) ولا قوّةَ إلّا بالله.

melsayigh@gmail.com

 

آراء