بين منتدى الرتز…. ومستشفى حمد (3-3)

 


 

 


4/6/2012م
واصل أصحاب منتدى الرتز إطلاق أفكارهم الحرة في فضاء حوار وطني غير مسبوق. منذ مؤتمر الخريجين في أوخر ثلاثينيات القرن الماضي تنازل المثقفون عن دورهم الأصيل ليصبحوا تروساً في مكنات الأحزاب أو أبواقاً لها وتخلوا عن دورهم في تقويم الحياة السياسية التي ما انفكّ إعوجاجها يعصف بالبلاد. من حاول منهم التمرد على الأطر والأفكار البالية للأحزاب وجد نفسه ملعوناً ومطارداً ليس من حوش الحزب فقط بل تم إقصاؤه حتى من فضاء الساحة السياسية. مثل منتدى الرتز مبادرة خلاقة لصنع منصة شفافة وعادلة يتعرف فيها المثقفون على بعضهم وعلى القواسم التي تجمعهم ولتأسيس اختلافاتهم بصورة موضوعية والانتقال من حالة اللا مبالاة التي رزحوا تحتها لسنوات إلى حيز الفعل الإيجابي بطرح الأفكار ثم المبادرة بالقيادة والتوجيه.
تدفق الحوار ساخناً وبدا تشخيص الحالة السودانية من كافة الزوايا. قرأت حتى الآن عشر أوراق تفيض بالرؤى الجديدة والأفكار, تنوعت المداخل لرؤية الأزمة وكذلك تنوعت أطروحات المخارج والحلول. ثلاث ملاحظات استوقفتني وأنا أقرأ الأوراق التي كتبت بعناية وهي:
أولاً: لم يدّع أحد من المشاركين أنه يملك مفاتيح الحل، أو أن له الكلمة الفاصلة والنهائية في شؤون البلاد. عرض الجميع أفكارهم بموضوعية، وأخذوا وردّوا دون أن يسفّه أحد رأي الآخر.
ثانياً: لم يختلف كل المنتدين حول حقيقة الأوضاع التي تعيشها البلاد.. اتفقوا جميعاً على أن الوطن في أزمة ولم يكابر أحد ولم يستطع صوت أن يرتفع بلجاجة ما بالإنكار أو التبرير وهذا دليل عافية.
ثالثاً: لم يصدر المنتدون توصيات ولا بيان ختامي.. اكتفوا فقط بنثر أفكارهم في الهواء الطلق؛ لا يعني ذلك أن الحوار فشل أو أنه لم يتوصل إلى شيء بقدر ما يعني أن ليس للمنتدين أجندة معدة ومطبوخة سلفاً يحاولون فرضها وتسريبها لجسد الحياة السياسية بليل. هذه الفكرة زادت المشاركين اطمئناناً على نزاهة المنبر وسمو أهدافه.
2
في مستشفى حمد أطلّ صباح اليوم التالي فتدفق السودانيون بكافة أطيافهم ليحيطونني بعناية فائقة لا أظن أنني أستحقها. كل الذين أعرفهم ومن لم التقهم في حياتي كانوا حولي, لم يخلُ المستشفى من الزائرين منذ الصباح الباكر حتى الساعات الأولى من فجر اليوم التالي. يالهذا الشعب العظيم كيف لي أن أرد جميل مغتربي قطر وخاصة زملائي من الصحفيين؟ لهم التحيات الزاكيات جميعاً.
3
مما عجل بعافيتي تلك الأنباء السعيدة التي كانت تتدفق من منتدى الرتز. ولم ألبث إلا قليلاً حتى كان كل المشاركين في منتدى الرتز يتحلقون حول سريري بالمستشفى. للحظة وأنا أتفرس وجوههم شعرت أن كل السودان حولي؛ وهو إحساس جميل يهبك نشوى غامضة كتلك التي نحس بها ونحن بين الأهل والأحباب في الأعياد. يا أصدقاء لكم خالص محبتي وشكري على اهتمامكم وتواصلكم.
4
ما عساي أن أقول لأسرة مستشفى حمد. لقد وصلت إليهم وأنا على أبواب الوداع.. وبفضل لطف الله تعالى ورعايتهم الطبية المميزة خرجت معافى.. أحمد ربي وأشكر لهم صنيعهم. لكل آل قطر شكري ومحبتي.
5
سنعود مرة أخرى إلى منتدى الرتز للحوار حول المستقبل وإلى أين نحن ذاهبون بعد يومين من أروع أيام المثقفين السودانيين. سنحاول نشر الأوراق التي قدمت بالمنتدى بهذه الصحيفة لتشارك مجموعات أخرى في الحوار الذي جرى والذي سيتواصل بين المثقفين. إن كانت ثمة وصية في فترة الصمت هي أن نواصل الحوار فرادى وجماعات حول الأفكار التي تعن لنا حتى نلتقي في مرة أخرى.من أهم الأشياء أن نحفظ الإيقاع فلا نسرع ولانبطئ إلا بقدر ما يحتاجه سيرنا في الاتجاه الصحيح.
6
أخيراً لملم المثقفون أوراقهم وجفت أقلامهم وخرجوا من منتدى الرتز بتوصية وحيدة اقترحها عليهم صديقي الواثق كمير(منع عادل الباز من السفر للمنتديات كونه غير لائق طبياً). شكراً يا واثق الفيك اتعرفت.

عادل الباز

 

آراء