تاريخ الصراع والعلاقات بين السودان ومصر (4): عصر الأسر التي استقلت بحكم مصر 7 – 20 م

 


 

 

 

 

ahmed.elyas@gmail.com

ذكرنا في الحلقات الماضية أننا نتناول تاريخ مصر من خلال مرحلتين متميزتين.
المرحلة الأولى: تاريخ مصر الفرعوني 32 – 11 ق م
المرحلة الثانية: تاريخ الحكام الأجانب لمصر، وتنقسم هذه المرحلة إلى فترتين:
- فترة الحكام الأجنب قبل الإسلام 11 ق م – 7 م وتضمن حكم الليبيين والسودانيين والأشوريين والفرس واليونان/بطالمة والرومان/بيزنطيين.
- فترة الحكام الأجانب المسلمين 7 – 20 م وتتضمن فترة ولاة مصر في عصر حكم الخلافة العباسية المركزي والأسر التي استقلت بحكم مصر حتى القرن العشرين. وتنقسم إلى الآتي:
أ‌- عصر الولاة بين القرنين 7 – 9 م
ب‌- الأسرة الطولونية من نهاية العقد السابع من القرن التاسع وحتى مستهل القرن العاشر الميلادي، دام نحو ثلاثة عقود ونصف. وعادت مصر إلى الحكم المركزي للخلافة العباسية في بغداد نحو ثلاثة عقود، ثم انفصلت مرة أخرى تحت حكم الأسرة الإخشيدية.
ت‌- الأسرة الإخشيدية من العقد الرابع من القرن العاشر وحتى نهاية العقد السابع من القرن العاشر الميلادي. حكمت نحو ثلاثة عقود ونصف.
ث‌- الأسرة الفاطمية التي أسست الخلافة الفاطمية منفصلة كلية عن الخلافة العباسية في نهاية العقد السابع من القرن العاشر الميلدي وحتى بداية العقد الثامن من القرن الثاني عشر الميلادي. حكمت نحو 200 سنة.
ج‌- الأسرة الأيوبية من بداية العقد الثامن من القرن الثاني عشر الميلادي وحتى منتصف القرن الثاني عشر الميلادي. حكمت نحو ثمانية عقود.
ح‌- أسر المماليك من منتصف القرن الثاني عشر الميلادي وحتى العقد الثاني من القرن السادس عسر الميلادي. حكموا نحو قرنين وسبعة عقود.
خ‌- عصر الولاة العثمانيين منذ العقد الثاني من القرن السادس عشر وحتى منصف القرن العشرين، خضعت خلالها مصر لحكم الدولة العثمانية المباشر كواحدة من الولايات العثمانية، وفي مستهل القرن التاسع عشر استقلت أسرة محمد على الألبانية بحكم مصر معترفة بالسيادة الاسمية للدولة العثمانية. وعندما
ضعفت قبضة الدولة العثمانية على ولاياتها احتلت بريطانيا مصر عام 1882 مع بقاء الأسرة الألبانية. وعند قيام الجرب العالمية الأولى عام 1914 دخلت مصر تحت الحماية البريطانية. وفي عام 1922 أعلنت بريطانيا من جانب واحد استقلال مصر مع بقاء السيطرة البريطانية والجنود في قنال السويس. وفي 1949 وقعت مصر معاهدة مع بريطانيا تقرر أن تنسحب الجيوش البريطانية من مصر ما عدا منطقة قنال السويس، أثناء الحرب العالمية الثانية كانت مصر المقر الرئيس لجنود بريطانيا والحلفاء. وتم جلاء القوات البريطانية من قنال السويس عا 1956 بعد قيام ثورة يوليو 1952 بقيادة محمد نجيب وإنهاء حكم الأسرة الألبانية.

وقد تنازل الموضوع السابق (رقم 3) مصر تحت حكم الولاة، وسنتابع هنا بقية بإيجاز العلاقات بين السودان ومصر في عصور الحكام لأجانب المسلمين.

الأسر التي حكمت مصر بين القرنين 10 – 20 م.
ساد التوتر والحروب العلاقات بين السودان ومصر في هذا العصر ما عدا بلاد البجة التي سادها الأمن وتحسنت العلاقات بعد مصاهرة قبيلة الحداربة لقبيلة ربيعة العربية نحو منتصف القرن العاشر الميلادي. (ابن حوقل، ص 73 والمسعودي ص 51)

 

أما علاقات الأسر الحاكمة في مصر بمملكة مقرة فقد سادتها الاضطرابات والحروب ورغم اتناول المصادر العربية الكثير من أحداث تلك العلاقات إلا أنها جاءت في شكل حوليات اهتمت بتدوين الحدث أكثر من اهتمامها بالأسباب التي أدت إلية وبنتائجه. وتبدأ هذه الفترة بحكم الأسرة الطولونية التركية الأصل والتي تولت حكم مصر بعد نهاية عصر الولاة في نهاية العقد السابع من القرن التاسع الميلادي. ويبدو أنه لم يحدث شيء يستحق التدوين في العلاقات في عصر هذه الأسرة، إذ لم تهتم المصادر العربية بذلك حتى نهاية حكم الأسرة في مستهل القرن العاشر الميلادي.

وبعد نهاية حكم الأسرة الطولونية عادت مصر لسلطة الخلافة المركزية لفترة قصيرة في النصف الأول من القرن العاشر الميلادي. وتطالعنا المصادر (النويري ص 22 وابن الفرات، ص 258) في هذه الفترة بحملة تكين التركي على مملكة مقرة. ولم توضح المصادر أسباب هذه الحملة وما تمخض عنها من نتائج، بل أشارت فقط إلى أن مقُرّة لم تفتح. أي أن ما حدث كان مجرد غارة دخلت فيها جيوش المسلمين أراضي مملكة مقرة.

وفي منتصف العقد الرابع من القرن العاشر الميلادي عادت مصر مرة أخرى إلى حكم الأسر، إذ تمكن كافور الاخشيدي الحبشي الأصل من السيطرة على الأوضاع في مصر. وكان كافور قائداً في فرقة الأسرة الصغدية التركية الأصل من أواسط آسيا والتي كانت تحمل لقب الإخشيد وهو لقب فارسي قديم لملوك فرغانة يعني ملك الملوك. وهو اللقب الذي عرف به كافور الإخشيدي.

ورغم قصر فترة حكم الأسرة الإخشيدية – نحو 34 سنة - إلا أن العلاقات اتسمت خلالها بالتوتر الشديد الذي تمخض عن عدد من الحروب بين الجانبين. ويلاحظ أن أغلب تلك الحروب أتت من جانب مملكة مقرة، إذ هاجمت مملكة مقرة مصر ثلاث مرات: مرة على الواحات واثنتان على صعيد مصر، بينما أغار الإخشيديون مرة واحدة على مملكة مقرة. ولم ترد في المصادر العربية معلومات مفصلة عن تلك الحروب. وقد عاصر الإخشيديون حكم الملك جورج الثالث وكابل بن سرور لمملكة مقرة (أنظر قائمة ملوك مملكة مقرة في الفصل الثالث من كتاب السودان: الوعي بالذات وتأصيل الهوية)

وكان السبب الرئيس وراء توتر العلاقات بين مصر ومملكة مقرة عدم التزام الأسر الحاكمة في مصر ومملكة مقرة بتنفيذ بنود شروط الصلح الموقعة بين الطرفين منذ اتفاق عبد الله بن سعد (اتفاق البقط) والذي ينص على أن يدفع حكام مصر مؤن وأشياء أخرى وضحتها الاتفاقيات التي وقعت بين الطرفين وتعديلاتها مقابل الرقيق الذي تدفعه مملكة مقرة. النويري ص 22 وابن الفرات، ص 258

كما كان من بين أسباب توتر العلاقات بين حكام مصر ومملكة مقرة تعرض قادة الكنيسة القبطية في مصر في بعض الأحيان لسوء المعاملة من الحكام، فكان ملوك مقرة يتدخلون لحمايتهم لأن كنيسة مملكة مقرة كانت تابعة للكنيسة القبطية. ولما كان هدف هذه الموضوعات التعريف الموجز لتلك العلاقات فلا سبيل البحث عن أوضاع الأقباط إبان حكم الأسرة الإخشيدية

كما ينبغي البحث أيضاً عن سبب هجوم مملكة مقرة على الواحات التي لم تكن تابعة لحكومة مصر. فقد ذكر المقريزي (المواعظ، في مسعد ص 313) أن ملك مقرة سار عام 339 هـ / 950 م "في جيش عظيم إلى الواحات فأوقع بأهلها وقتل منها وأسر كثيراً" وقد تمتعت الواحات – كما ذكر المقريزي – باستقلال داخلي إذ لم تخضع للأسر التي تعاقبت على حكم مصر بعد دخول الاسلام. (المقريزي، المواعظ، موقع الوراق ج 1 ص 22)

أما عن سبب حملة الإخشيديين على مملكة مقرة فقد ذكر المقريزي أن ملك مقرة هجم على أسوان "وقتل جمعاً من المسلمين فخرج إليه محمد بن عبد الله الخازن على عسكر مصر من قِبَل أُونوجور بن الإخشيد في محرّم سنة خمس وأربعين، [955 م]. فساروا في البرّ والبحر [يقصد النيل]، وبعثوا بعدد من النوبة أسروهم، فضربت أعناقهم، بعدما أوقع بملك النوبة، وسار الخازن، حتى فتح مدينة ابريم وسبى أهلها" (المواعظ، موقع الوراق ج 1 ص150)

ابريم يعتبر من المدن المهمة شمال الشلال الثاني، فقد أسس فيه الرومان قلعة لحماية حدودهم الجنوبية في مصر. وحافظ على دوره في المنطقة. وتناولت عدد من المصادر العربية منذ القرن الرابع الهجري (10م) أخبار ابريم. فقد كانت مقر حاكم الإقليم الشمالي لمملكة مقرة الذي بعرف بصاحب الجبل (أبو صالح الأرمني ص 144وكانت تمثل خط الدفاع الأول لمملكة مقرة أمام قوات المسلمين.

ويلاحظ أن هذه هي المرة الأولي التي ذكرت فيها بالتحديد المدى الذي بلغه توغل جيوش المسلمين في ممالك النوبة، باستثناء رواية المقريزي عن وصول عبد الله بن صعد لمدينة دنقلة. فقد وصلت هذه الحملة إلى إبريم التي تقع تقريباً في منتصف المسافة بين أسوان وحلفا. ورغم ذلك فإن الشاعر أنشد كما ذكرت المصادر (النويري ص 223 وابن الفرات ص259)

ولما غزا كافور دنقلة غدا ..... بجيش لطول الأرض من مثله عرض
غزا الأسود السودان في رونق الضحى ... فلما التقى الجمعان أظلمت الأرض

فحملة كافور الاخشيدي لم تتوغل جنوب ابريم أي لم تصل إلى منطقة حلفا ناهيك عن مدينة دنقلة، ورغم ذلك أنشد الشاعر "غزو دنقلة" فدنقلة هنا تشير إلى المملكة وليست المدينة. وبنفس هذا المعنى ورد ابن عبد الحكم (ص 10) في بيت شعر الذي رواه عن حملة عبد الله بن سعد المرتبطة بمعاهدة البقط ويُستشهد به لوصول الحملة إلى مدينة دنقلة، حيث ورد:

لم تر عيني مثل يوم دِمقلة والخيل تعدو والرياح مُثقله
وقد وضحنا فيما سبق – كما ذكر ابن حوقل – أن حروب عبد الله بن سعد دارت في منطقة أسوان، وكانت – كما ذكر المسعودي – مع ملك مريس وليس ملك دنقلة.

تمكنت الأسرة الفاطمية – التي تنتسب إلى فاطمة بيت الرسول ﷺ من انتزاع حكم مصر من الأسرة الاخشيدية، وكان الفاطميون قد أسسوا الخلاقة الفاطمية في منطقة تونس الحالية في مستهل القرن الرابع الهجري (10 م). وبدأ الفاطميون علاقتهم بمملكة مقرة بإرسال جوهر الصقلي قائد جيش الفاطميين ابن سليم الأسواني عام 966 م حاملاً رسالة إلى ملك مقرة جورج الثاني يدعوه للإسلام ويطلب منه دفع ما عليه من البقط.

وقد أو رد المقريزي في كتاب المقفى بعض تفاصيل ما جرى بين ابن سليم وملك مقرة عندما قرأ عليه الرسالة. فذكر أن الملك غضب من دعوته للإسلام وجمع علماءه وأساقفته لمناظرة ابن سليم. وطالت المناظرة بين الجانبين دون أن تؤدي إلى نتيجة يقبلها الطرفان. وأحيراً حمّل الملك ابن سليم كتاباً جواباً على رسالة جوهر يدعوه فيها إلى الدخول في النصرانية. ولم ترد في الكتاب إشارة إلى موضوع البقط.

ويبدو أنه لم يحدث ما يعكر صفو العلاقات بين المقُريين والفاطميين بعد سفارة ابن سُليم، بل حدث في العقد الأخير من القرن الرابع الهجري ما أدى إلى تطور العلاقات وتحسنها بين الطرفين عند ثورة أبي فروة ضد السلطة الفاطمية في منطقة برقة. وتمكن أبو فروة في البداية من هزيمة الفاطميين، إلا أنه انهزم أخيراً وتوجه جنوبا نحو مملكة مقرة.

ولم تفلح مراميه إذ قبض عليه الشيخ أبو المكارم هبة الله، شيخ بني ربيعة في منطقة أسوان وأرسل إلى مصر حيث قتل عام 397 هـ / 1006 م. وكافأ الخليفة الفاطمي الشيخ أبا المكارم وأنعم عليه بلقب كنز الدولة. وقد ساعد اعتراف الدولة الفاطمية بحكم الأسرة وإعطائها لقب "كنز الدولة" في تقوية نفوذها وسيطرتها على منطقة أسوان. (النويري، موقع الوراق، ج 7 ص 461)

وقد توارثت سلالة الشيخ أبو المكارم هذا اللقب وكونوا إمارة عرفت باسم إمارة "أولاد الكنز". ولم يستخدم لفظ "الكنوز" في المصادر العربية إلا نادراً وللدلالة على الأمراء من الأسرة. ثم أصبح اسم "الكنوز" علماً لأتباعهم من السكان المحليين في منطقة أسوان، وأصبح أخيراً اسماً لتجمع كبير من السكان في المنطقة عرفوا بالكنوز.

وظلت العلاقات طيبة بين الفاطميين ومملكة مقرة، ويبدو أن وجود إمارة بني الكنز - حليفة الفاطميين وذات العلاقة الطيبة مع مملكة مقرة - على الحدود بين الجانبين قد ساعد كثيراً في استمرار العلاقات الطيبة حتى منتصف القرن الخامس الهجري في عصر خلافة المستنصر بالله (427 – 487 هـ /1036 – 1094 م)

نشب خلاف بين المستنصر والجنود السودانيين والأتراك في عصر الخليفة المستنصر، وكان عدد الجنود السودانيين أكثر من خمسين ألفاً فقد كانت والدة الخليفة المستنصر امرأة سوداء (المقريزي الخطط ص 315) وانتهى الصراع في القاهرة بهزيمة السود وتقهقروا إلى جنوب مصر (ابن خلدونـ العبر موقع الورق ج 4 ص 63) حيث كان أغلب أولئك الجنود السود من مناطق النوبة الواقعة إلى الجنوب من أسوان، وهم امتداد سكان المنطقة التي أقامت عليها الأسرة الكنزية إمارتها. فهنالك علاقة تربط بين أولئك الجنود السود وسكان إمارة الأسرة الكنزية.

أدت هذه الأحداث على توتر العلاقات بين الفاطميين والإمارة الكنزية، فثار أبناء الكنز ضد السلطات الفاطميين في أسوان عام 469 هـ، وأرسل الفاطميون حملة تمكنت من هزيمته وفرض سيادتها على المنطقة. وربما أدت تلك الأحداث إلى تدخل مملكة مقرة في ذلك الصراع. وبصورة عامة فقد كانت العلاقات بين مملكة مقرة والفاطميين أحسن بكثير مما كانت عليه في عصر الاخشيديين.

أدى ضعف الخلافة الفاطمية والخوف من احتلال الصليبيين لمصر إلى إرسال الدولة الزنكية في الشام فرقة عسكرية لمساعدة الفاطميين، وكان صلاح الدين الأيوبي ضمن قادة هذه الفرقة. وكانت أوضاع الفاطميين قد بلغت مرحلة كبيرة من التدهور مما أدى إلى سيطرة الحملة على مصر وإنهاء حكم الأسرة الفاطمية ووقوع مصر تحت الأسرة الأيوبية الكردية بقيادة صلاح الدين الأيوبي، وعادت مصر إلى ظل الخلافة العباسية في بغداد.

وقد أدت الأوضاع الداخلية في مصر إبان وبعد إنهاء حكم الفاطميين إلى توتر العلاقات بين الأيوبيين ومملكة مقرة. فقد كانت الأوضاع مضطربة في جنوب مصر، فرغم نجاح الأيوبيين في هزيمة الجنود السودانيين في القاهرة إلا أن أولئك الجنود كانوا لا يزالون أقوياء في جنوب مصر يهددون سلطة الأيوبيين والإمارة الكنزية في أسوان.

وأوضح المؤرخ أبوشامة ما آلت إليه الأوضاع في جنوب مصر فذكر أنه: "اجتمع السودان والعبيد من بلاد النوبة، وخرجوا في أمم عظيمة قاصدين بلاد مصر ... وصمموا على قصد أسوان وحصارها ونهب قراها وكان بها الأمير كنز الدولة، فأنفذ يعلم الملك الناصر وطلب منه النجدة." (أبو شامة ص 198)

أرسل صلاح الدين جيشاً لمساعدة كنز الدولة في أسوان، حيث تقهقر الجنود السودانيون جنوباً داخل حدود مملكة مقرة. وظل خطر الجنود السودان مما أدى إلى إرسال صلاح الدين الأيوبي حملة أخرى بقيادة أخيه شمس الدولة. (أبو شامة ص 198) وذكر المؤرخون سبباً للحملة وهو أن صلاح الدين كانت يخشى من هجوم الدولة النورية في الشام والتي انفصلوا من الولاء لها، فكان يخطط في التوسع جنوباً لحماية أنفسهم إذا ما تعرضوا لذلك الهجوم. (ابن الأثير، مسعد ص 172)

خرجت حملة شمس الدولة عام 568 هـ / 1172 م، وتوغلت الحملة برّاً وبحراً في بلاد مقرة حتى وصلت إلى مدينة إبريم واستولت عليها. وذكر أبو صالح الأرمني (ص 140) أنهم "تركوها خراباً بعد أن فتحوها، وسبوا من بها من النوبة وذُكر أن عدتهم سبعمائة ألف من الرجال والنساء والفتيان والصغار... ووجد بها قطن كثير فحمله إلى قوص وباعه بجملة كبيرة" وذكر أبوشامة (ص 178) أن الجملة "غنمت جميع ما كان فيها من المال والكراع والميرة، وخلصت جماعة من الأسرى وأسر من وجد فيها"

ولم تتعرض المصادر إلى الطرف الآخر في الحرب أي الجانب المقُري. ولكن يوضح توغل الحملة حتى قلعة ابريم وحصار القلعة أن الجانب المقري لابد وأنه كان طرفاً في النزاع، ويعني ذلك أنه أدخل الجنود السودانيين وأتباعهم داخل سور القلعة وحارب معهم جيش المماليك

ورغم المبالغة في عدد الأسرى إلا أنه يمكن النظر إليه كمؤشر لكثافة لسكان المنطقة وربما لكبر عدد الجنود الذين شاركوا في القتال. ويبقى السؤال: هل ساعدت مملكة مقرة الجنود السودانيين فقط لكونهم سودانيين ضد السلطات المصرية؟ أم كانت للمملكة مصلحة أخرى وتحقق بذلك أيضاً مصلحتها الخاصة؟ لا توفر المعلومات المتاحة الاجابة على ذلك.

وقد أرسل ملك النوبة إلى قائد الحملة رسالة بشأن التفاوض وإنهاء الحرب، لكن قائد الحملة كان قد غادر ابريم قبل وصول الرسالة. ولحقة رسول ملك مقرة في مدينة قوص بصعيد مصر. وذكر المقريزي أن قائد الحملة رد على رسالة ملك مقرة وبعث رسولاً مع رسول الملك كان الغرض من بعثته كما وضح المقريزي الوقوف على حالة البلاد. (المقريزي، السلوك ج 1 ص 2)

وكان من بين الأمراء الذين صاحبوا هذه الحملة الأمير إبراهيم الكردي الذي طلب من قائد الحملة شمس الدولة أن يقطعه قلعة إبريم، فأقطعه إياها. وذكر أبو شامة أن إبراهيم الكردي

"أنفذ معه جماعة من الأكراد والباطلون [الأمراء والجنود الذين لا إقطاعات لهم] فلما حصلوا فيها تفرقوا فرقاً وكانوا يشنون الغارة على بلاد النوبة حتى برّموا بهم واكتسبوا أموالاً كثيرة حتى عظمت أرزاقهم وكثرت مواشيهم، واتفق أنهم عادوا إلى جزيرة من بلاد النوبة تعرف بجزيرة دندان، فغرق أميرهم إبراهيم وجماعة من أصحابه، فرجع من يقي منهم إلى قلعة إبريم، وأخذوا جميع ما كان فيها وأخلوها بعد مقامهم بها سنتين، فعاد النوبة إليها وملكوها." (أبو شامة ص 180)

جدول رقم 2 العلاقات في عصر الأسر المستقلة بحكم مصر بين القرنين 10 – 12 م
التاريخ/ميلادي الحدث المصدر
914 غزا والي مصر مملكة مقرة النويري، وابن الفرات مسعد ص 223 و259
944 صاهرت قبيلة ربيعة البجة المسعودي في مسعد ص 51ـ ص
944 صاهرت قبيلة ربيعة البجة المسعودي، ص 51
950 غزا ملك المقرة الواحات المقريزي (الخطط مسعد ص 313)
955 أغار ملك المقرة على أسوان المقريزي (الخطط مسعد 297
955 غزا الاخشيديون مملكة مقرة النويري وابن الفرات، مسعد ص 223 و259
962 غزا ملك مقرة أسوان أبو المحاسن ص 413
966 سفارة ابن سليم إلى ملك مقر ة المقريزي، كتاب المقفى (مسعد ص 359)
1006 قبض شيخ ربيعة على الثائر أبي ركوة الثائر النويري، موقع الوراق ص 60
1172 غزا الأيوبيون مملكة مقرة النويري ص 222ا بن الفرات ص 258
1172 رسائل بين الأيوبيين ومملكة مقرة أبو شامة ص 180

نواصل العلاقات في عصر المماليك
المراجع

- ابن الأثير، الكامل في التاريخ موقع الوراق
- أحمد الياس حسين، مراجعات في تاريخ السودان الجزء الثالث، الخرطوم: مركز بناء الأمة للبحوث والدراسات 2018.
- ابن خلدون، العبر موقع الوراق
- ابن حوقل، كتاب صورة الأرض. بيروت: منشورات دار مكتبة الحياة 1979
- أبو شامة، كتاب الروضتين في أخبار الدولتين في مسعد، المكتبة السودانية
- أبو صالح الأرمني، تاريخ الشيخ أبي صالح في مسعد، المكتبة العربية
- ابن عبد الحكم، فتوح مصر وأخبارها، تحقيق محمد الحجيري. بيروت: دار الفكر 1996.
- ابن عبد الحكم، فتوح مصر وأخبارها، في مصطفي محمد مسعد، المكتبة السودانية العربية
- ابن عبد الظاهر، تشريف الأيام والعصور بسية الملك المنصور قلاون في مصطفى محمد مسعد، المكتبة السودانية
- ابن الفرات، تاريخ الدول والملوك في مصطفى محمد مسعد، المكتبة السودانية
- بو المحاسن، النجوم الزاهرة في مصطفى محمد مسعد، المكتبة السودانية
- المسعودي، مروج الذهب ومعادن الجوهر. القاهرة: المكتبة التجارية الكبرى، 1958\
- مصطفى محمد مسعد، المكتبة السودانية العربية: مجموعة النصوص والوثائق العربية الخاصة بتاريخ السودان في العصور الوسطى الخرطوم: جامعة القاهرة 1972.
- المقريزي، المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، في مصطفي محمد مسعد، المكتبة السودانية العربية
- المقريزي، المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، موقع الوراق
- المقريزي، كتاب المقفى في مصطفى محمد مسعد، المكتبة السودانية
- المقريزي، السلوك لمعرفة دول الملوك موقع الوراق
- المقريزي، اتعاظ الحنفاء في مسعد، المكتبة العربية
- النويري، نهاية الأرب في فنون الأدب في مسعد، المكتبة السودانية
- النويري، نهاية الأرب موقع الوراق
.

 

آراء