تجربة ثورة ديسمبر ودروسها (17): استمرار الصراع داخل سلطة الشراكة

 


 

 

بعد فشل المحاولة الانقلابية ، ومع اقتراب نهاية فترة رئاسة المكون العسكري في مجلس السيادة ، استمرت الاتهامات المتبادلة التي ما أن تنفجر وتهدأ تعود من جديد ، بين المكون العسكري والمدني ، وتحميل كل منهما مسؤولية الفشل للآخر ، لكن واقع الحال أن الشريكين بشقيهما العسكري والمدني يتحملان مسؤولية الفشل في انجاز مهام الفترة الانتقالية كما في الآتي :.
- البطء في القصاص لشهداء مجزرة القيادة العامة وبقية الشهداء، والمحاسبة علي الجرائم ضد الانسانية،عدم إلغاء القوانين المقيدة للحريات، والقمع الوحشي للتجمعات والمظاهرات السلمية، وإشعال الفتن والحروب القبلية في دارفور والشرق وجبال النوبا، وإجازة قانون النقابات 2021 الذي يهدد وحدة الحركة النقابية وديمقراطيتها واستقلالها وعدم إصلاح النظام العدلي والقانوني وقيام المحكمة الدستورية.
- الانقلاب على "الوثيقة الدستورية "كما في اختطاف عملية السلام من مجلس الوزراء والتوقيع على اتفاق جوبا الذي تعلو بنوده على الوثيقة الدستورية وتكوين مجلس الشركاء، وتعطيل قيام التشريعي والمفوضيات، تدهور الأوضاع في دارفور واستباق المؤتمر الدستوري في إعلان الحكم الإقليمي لدارفور وتعيين مناوي حاكمًا لدارفور.
- تجاوز المجلس التشريعي في إصدار قوانين هي من صميم اختصاصاته مثل: إجازة قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص، قانون الاستثمار، قانون التعدين، إلغاء قانون مقاطعة إسرائيل للعام 1958... الخ، والتطبيع مع الكيان العنصري الصهيوني.
- التهاون مع "الفلول" في تخريب الاقتصاد وإشعال الفتن القبلية في الشرق والغرب وجنوب كردفان. الخ، ونسف خطوط السكة الحديد، وتخريب محطات الكهرباء والمياه، نسف الأمن وتهريب العملة والسلع وتجارة المخدرات والبشر والمضاربة في الأراضي.
- تأخير تسليم البشير ومن معه للمحكمة الجنائية الدولية، وتعطيل محكمة قادة انقلاب 30 يونيو 1989، وعدم هيكلة الشرطة والجيش والأمن وإصلاح النظام العدلي والقانوني وقيام المحكمة الدستورية ومجلسي القضاء العالي والنيابة، وعدم حل المليشيات من دعم سريع وجيوش الحركات ومليشيات الإسلامويين وقيام الجيش القومي المهني الموحد، والبطء في عودة العسكريين والمدنيين المفصولين، وعدم عودة شركات الجيش والأمن والدعم السريع والمحاصيل النقدية والماشية والاتصالات للدولة، وتغيير العملة.
- التفريط في السيادة الوطنية كما في الارتباط بالأحلاف العسكرية (اليمن- الأفريكوم- الحلف العسكري مع مصر. الخ)، وربط البلاد بمؤتمرات "شاتم هاوس" والمانحين وباريس وتجاوز المجلس التشريعي بإدخال البلاد في الدول المثقلة بالديون "الهيبك" المدمر للاقتصاد بالمزيد من تنفيذ شروط الصندوق القاسية التي تسحق الكادحين مقابل الوعد بالإعفاء من الديون، وقيام قواعد عسكرية لروسيا وأمريكا على البحر الأحمر، والتفريط في أراضي البلاد (حلايب، شلاتين، الفشقة... الخ)، حتى وصل الأمر للصفقة الاماراتية المعيبة حول الفشقة التي رفضتها جماهير شعبنا.
إضافة للاستمرار في أساليب النظام في الأكاذيب والمراوغة وعدم الشفافية والمبدئية وخرق العهود والمواثيق كما في الانقلاب على "الوثيقة الدستورية"، وتوصيات المؤتمر الاقتصادي، والخضوع لابتزاز الإسلامويين كما في إبعاد د. القراي من إدارة المناهج، وبروفيسور محمد الأمين التوم من وزارة التربية والتعليم، وعدم إعادة تعيينه بحجة الفحص الأمني!!، وحتى الآن وزارة التربية بلا وزير في حكومة ثورة!! وجاءت مبادرة حمدوك لتؤكد الفشل في إنجاز مهام الفترة الانتقالية التي أشار إلى قضاياها في حين المطلوب تنفيذها.

2
الواقع أن الصراع والملاسنات بين المكونين المدني والعسكري تنفجر كلما تفاقمت أزمة الحكم واشتد ضغط الحركة الجماهيرية عليهما ، كما في :
- رد رئيس الوزراء حمدوك علي الفريق كباشي الذي وصف اتفاق 3 سبتمبر 2020 بين حمدوك والحلو علي فصل الدين عن الدولة أن الاتفاق عطاء من لا يملك لمن لا يستحق،بقوله : " إن فكرة وجود شخص يوزع الاستحقاقات فكرة قاصرة، مضيفاً (من يعطي ومن لا يستحق).
وواصل حمدوك وقال : إن الوثيقة الدستورية تحدثت صراحة أن ملف السلام من اختصاص الحكومة التنفيذية، وانها منحت رئيس الوزراء الحق في جلب السلام بأي وسيلة، وأضاف (لا خطوط حمراء في التفاوض مع الحلو ونحن حا نمشي في هذ الملف إلى أي حد)
- شكوي حمدوك من وجود الشركات العسكرية خارج ولاية المالية بقوله في أغسطس 2020 من أن80 في المئة من الشركات العسكرية هي "خارج ولاية وزارة المالية"، مضيفًا أن الوزارة لا تطّلع سوى على 18 في المئة من مداخيلها.
- في الذكرى الأولي لمجزرة فض الاعتصام ارتفعت حدة المطالب بالقصاص للشهداء ومتابعة المفقودين، ومحاولة المكون العسكري القاء شماعة فشل الحكومة علي الآخرين، وتكاثرت التصريحات حول مجزرة فض الاعتصام في استباق لنتيجة التحقيق لتبرئة مكونات التحالف العسكري الذي ساهم في المجزرة، كما وضح من المقابلة التي أجرتها (قناة سودانية 24) مع قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو ( حميدتي) الذي اتهم أطرافا في السلطة الانتقالية في البلاد بالتآمر علي قوات الدعم السريع و ” شيطنتها”، ونفي ارسال قوات ” مرتزقة ” الي ليبيا.
وأشار الي أن حزب المؤتمر الوطني المنحل وأحزابا محسوبة علي ق.ح.ت الشريكة المدنية تقف خلف المؤامرات ومحاولات ” الشيطنة” التي تتعرض لها قوات الدعم السريع، وتخوف دقلو من وجود تآمر عليه بتحميله مسؤولية فض الاعتصام ( صحيفة الشرق الأوسط 26 /5/2020).

3
- أما الفريق ياسر العطا فيقول في تنوير بالمنطقة العسكرية ببحري: “لن نسلم السلطة ل(قحت) طالما بها الحزب الشيوعي وحزب البعث ، وهذه الأحزاب ليس لها قبول اقليمي ودولي، وهناك خيارت كثيرة وقطعنا فيها شوطا كبيرا”، مما يشير لتدبير شئ في الخفاء، فما هي هذه الخيارات؟، علما بأن “الوثيقة الدستورية” حددت الفترة الانتقالية بثلاث سنوات بعدها يتم تسليم السلطة لحكومة منتخبة، فلا دخل ولا وصايا للعسكر بمن يفوز فيها من الأحزاب!!، مما يعزز التخوفات أن انقلاب اللجنة الأمنية جاء ليقطع الطريق أمام الثورة، ولن يسلم السلطة لحكم مدني ديمقراطي.
- كما جاءت تصريحات الفريق الكباشي ليعزز ذلك الاعتقاد في عدم تسليم السلطة ، في مخاطبته لدي قيادات عسكرية وقبلية في كادوقلي التي رفض حديث العودة للثكنات واعتبره ” كلام فارغ”، تساءل ( لو عدنا في زول بحكم تاني) ، واقسم أنهم ساعة لن يحكموا، علما بأن حكم العسكر استغرق 53 عاما من عمر الاستقلال البالغ 64 عاما فقدت فيها البلاد أجزاء عزيزة من الوطن مثل : اغراق حلفا ، وتعميق حرب الجنوب أيام الفريق عبود، وترحيل الفلاشا وفقدان السيادة الوطنية، وتصاعد الحرب والكراهية بعد قوانين سبتمبر 1983 مما عزز التيارات الانفصالية أيام الديكتاتور نميري، وانفصال الجنوب، وفقدان أراضي عزيزة من الوطن، حلايب وشلاتين والفشقة أيام الطاغية البشير، التي خلفت التوترات الحالية في الحدود الشرقية مع اثيوبيا .
- جاء حديث حميدتي بشمال دارفور في تأبين مبارك نميري أحد قادة حركة مناوي ليلقي المزيد من الضوء علي التصدع داخل شراكة الدم ، والذي فجرته مجزرة 29 رمضان الثانية الذي أشار أنه لو لاتدخله لما تم التغيير، وازاحة عمر البشير من السلطة،وأنه ليس هناك تغيير في السودان وان ما حدث هو إدخال عمر البشير السجن وبعض قيادات نظامه فقط، وأردف: ونحن الذين ادخلناهم، وتعهد قائد الدعم السريع بكشف كل المؤامرات التي تحاك ضد الشعب السوداني، وقال لن نصبر أكثر من كدا، وزاد: والله أي زول بعد كدا يتعرف كان بيعمل في شنو.
وقال حميدتي إنه الشخص الوحيد في اللجنة الأمنية الذي رفض فض الاعتصام قبل خلع الرئيس عمر البشير، وأشار إلى “أنهم” اختصروا دوره في أن يكون مقاتلا في الخلاء لمحاربة قادة التمرد، لكنه لن يتعرض للخديعة مستقبلا.
، رغم حديث حميدتي عن رفضه لفض الاعتصام قبل اسقاط البشير، الا أنه شارك مع اللجنة الأمنية في مجزرة فض الاعتصام.
- كما جاءت مبادرة رئيس الوزراء حمدوك الأربعاء 22 يونيو 2021 ، التي اعترفت بالأزمة وفشل الحكومتين برئاسته في تحقيق مهام الفترة الانتقالية التي أثارها في مبادرته، وتاكيد التشظي المعروف داخل الشراكة المتشاكسة بين العسكريين والمدنيين ، وبين العسكريين والدعم السريع، وبين المدنيين والمدنيين ، وتأكيد الصراع داخل السلطة بوضوح بعد مارشح في الإعلام أن هناك مخطط من داخل قوي الشراكة لازاحته ، فضلا عن تناقضه مع أقواله السابقة أن : الشراكة نموذجية وتعمل في انسجام وتناغم ، و” الشراكة بين المدنيين والعسكريين متينة ومتفردة” ( الاتحاد : 7 يناير 2020)، الخ.

4
- وبعد المحاولة الانقلابية الثلاثاء : 21 / 9 / 2021 ، تم تبادل الاتهامات بين المكون العسكري والمدني ، وقال البرهان "إنهم في القوات المسلحة أوصياء رغم أنف الجميع على وحدة وأمن السودان" ، .
وأضاف البرهان في كلمة في احتفال تخريج دورة عسكرية بقاعدة المرخيات أن “هناك من لديهم مقاصد للتفريق بين القوات النظامية ، لكن وحدتنا من وحدة السودان ، وطالما نحن متسامين وموحدين لن يستطيع شخص تفتيت وحدة السودان”.
و" لن تتمكن أي جهة من إبعاد القوات المسلحة عن المشهد" ، و"لا يجب إقصاء أي طرف من شركاء الفترة الانتقالية" ، و"لن نسمح لأحد بالاستئثار بالحكم بالمرحلة الانتقالية"، و" دعوات النزول للشارع لحماية الثورة أطلقها باحثون عن المناصب"، "ما جرى أمس يدل على جهات معنية همها الكرسي السياسي"، ،"الجيش والدعم السريع والأجهزة الأمنية مكرسة لحماية وحدة السودان واستقراره". .
- انتقد تحالف قوى الحرية والتغيير في السودان تصريحات رئيس مجلس السيادة ونائبه بشأن المحاولة الانقلابية، عادا إياها نكوصا عن التحول الديمقراطي وأنها ضد أجندة الثورة.
ورأى بيان صدر عن قوى الحرية والتغيير أن ردود أفعال صدرت في أعقاب المحاولة الانقلابية التي جرت فجر الثلاثاء 21 سبتمر 2021، بما في ذلك حديث رئيس ونائب رئيس مجلس السيادة “حفلت بمغالطات واتهامات لا أساس لها من الصحة ضد قوى الحرية والتغيير”.
وأشار الي أن "حديث رئيس مجلس السيادة الانتقالي ونائبه نهار الأمس هو تهديد مباشر لمسار الانتقال الديمقراطي ومحاولة لخلق شرخ بين قوي الثورة المدنية وقوات الشعب المسلحة، وتقويض للأسس التي قامت عليها المرحلة الانتقالية والتي لا تعرف سوى طريق واحد هو التحول المدني الديمقراطي الذي يريد رئيس مجلس السيادة ونائبه النكوص عنه، وهو ما لن نسمح به وسنتصدى له بكل قوة وصرامة".
وواصل في بيانه قائلا : " ان من حق شعبنا أن يطلع على نتائج التحقيق في المحاولة الانقلابية الفاشلة والمحاولات السابقة وأن يقدم من نفذها ومن خطط لها لمحاكمة عادلة وعلنية وأن تشارك أجهزة الدولة المدنية في التحقيقات جنبا الي جنب مع الأجهزة العسكرية.
بعدها ، تراجع البرهان في حديثه لقناة العربية الذي اشار فيه الي : نلتقي مع قوي الحرية والتغيير مع الأهداف المشتركة.
كما تم الاجتماع المشترك لمجلسي السيادة والوزراء الخميس : 23 سبتمبر الذي مرر الميزانية المعدلة للعام 2021.

5
خلاصة الأمر ، لا نتوقع أن يسلم المكون العسكري السلطة للمدنيين بسهولة دون معركة ومواصلة الثورة حتى اسقاطه كما في حديث الفريق الكباشي وياسر العطا والبرهان الذي وصف أن المكون العسكري وصي علي الشعب السوداني ، وحفظ أمنه الذي فشل فيه حتى الآن مع الانفلات الجاري حاليا ، وبعد انقلابه في 11 أبريل 2011 لقطع الثورة أمام تحقيق أهدافها وحماية المصالح الطبقية للرأسمالية الطفيلية العسكرية والمدنية، والابقاء علي شركات الجيش والأمن والدعم السريع خارج ولاية المالية ، وبعد الانقلاب الثاني في مجزرة فض الاعتصام الذي اعترف الكباشي بمسوؤلية المجلس العسكري عنها ، وخوفه من المحاسبة ، كما فعل البشير اصبح السودان رهينة في يد المكون العسكري خوفا من المحكمة الجنائية الدولية بعد اتهامه بالابادة الجماعية في دارفور ، بالتالي ، نتوقع المحاولات الاتقلابية ، وتعطيل تسليم المدنيين للسلطة، مما يتطلب اوسع تحالف ثوري لاسقاط سلطة الشراكة الحالية التي فشلت ، وقيام الحكم المدني الديمقراطي الذي ينفذ أهداف الثورة ومهام الفترة الانتقالية.

alsirbabo@yahoo.co.uk
/////////////////////////

 

آراء