تحذير: واحد + واحد يساوي أتنين، النظام السوداني ينهار وعلى الجميع سند السقف بكتوفهم (1)
حمد الناير
21 May, 2023
21 May, 2023
alnaierhamad20@gmail.com
هذه المقالة في جزئين، جوهرها تحذير لمكونات النظام السياسي السوداني الذي أنتج هذه الكارثة الماثلة. التحذير الأول موجه للحركة الاسلامية مع اعتبار انقسامها الحالي واختطافها من قبل جماعة صغيرة هي بدورها اختطفت الجيش الوطني. الجزء الثاني موجه لقحت/ المجلس المركزي ودعاة الاتفاق الإطاري وايضا موجه لدعاة التغيير الجذري. فلهما، الاطاري والجذري، مسؤولية لا يمكن أن التنصل منها في إنتاج هذا الوضع البائس. هذه الأزمة في الأساس هي أزمة الديمقراطية في نظامنا الحزبي فلم تكن الحركة الإسلامية لترتكب هذه الحماقة الكبرى لولا سيطرة أقلية تحسب في أصابع اليد الواحدة على مقدراتها، ولم يكن لبقية الأحزاب أن تتمتع بهذا الكسل الفكري والبدائية حيال التدابير الواجب اتخاذها لتجنب حافة الحرب الأهلية لولا سيطرة اقلية في كل حزب وفي كل تحالفاتها لا تأبه بالرأي الآخر ولا تسمع غير روحها الصدئة.
ينطلق هذا المقال من فكرة أن هذا القتال، ولا ادعوه حرب اهلية بعد، فهو إنقلاب عسكري واسع النطاق، هذا القتال هو بداية النهاية لكتاب السياسة السودانية القديم بنظامه الحزبي ومؤسساته وانقلاباته. فصفحة الانقلابات العسكرية ذاهبة في سبيل التمزق في هذا البلد إلى الأبد، إن بقي منه شيء بعد هذه المغامرة، فهذا الذي يحدث الآن عبارة عن إنقلاب العسكري فاشل منى بفشل أعظم من فشل إنقلاب 25 أكتوبر 2021، بل هو تتويج لسياسة الإنقلابات العسكرية منذ فجرها وقد اسميته قبل ايام من وقعه ب"وقائع انقلاب معلن"، فقد كان الجميع يعلم به.
ومع ذلك، إن النظام الحزبي السوداني قد شاخ وتداعى دون استثناء اي حزب أو حركة، جديد أو قديم، فالعجز البنيوي أنتج هذه الحالة المأساوية التي صار معها النظام الحزبي بمجمله شاهد فقط أو شريك صامت في عملية افلتت تماما من ايدي كل الفاعلين بمافي ذلك المتورطين فيها من عسكريين ومدنيين. وما إنهيار المؤسسات الصحية الوشيك، وانهيار السوق والبنوك وحكم القانون والطمأنينة العامة إلا تعبيرا عن إنهيار صحة النظام العام، والنظام العام هنا يعني نظام الدولة والسلطة والسياسة. والمفارقة الكبرى، بل المؤشر الأعظم لإنهيار النظام اقديم أن هذه المقتلة تشتعل اول ما تشتعل في العاصمة ثم تنداح الى الاطراف بينما في تاريخ التمردات التقليدية في كل العالم تبقى العاصمة آخر هدف. هذا يعني أن النظام القديم منخورا نخرا شديدا من مركزه ولا تجدى معه في العلاج صفحة واحدة من الكتاب القديم.
فيما يخص الاسلاميين، فقدت حركتهم الإتجاه بعد اختطافها من قبل جناح مغامر، بعد كل ما جري (المفاصلة)، وراحت تتخبط اليوم في محاولة يائسة لإعادة عجلة التاريخ مستعملة كل أسلحتها التقليدية وكل حيل الكتاب القديم بمافي ذلك الجيش، وذلك لم يعد يجدى، وبنفس القراءة القديمة لصفحات كتاب السياسة السودانية القديم ارتكبت خطيئة عمرها، وقد تكون قد اتجهت صوب الانتحار بإشعال هذه المقتلة. يبدو ذلك واضحا في إدارة الحرب في العاصمة والأطراف، ويبدو أكثر في اساليب دعاية عفى عنها الزمن ولن تنتج شيئا.
لحسن الحظ هنالك أمل، ليس فقط لإنقاذ ما يمكن إنقاذه بل أكثر. ولكن على الجميع أن يستمع لصوت غير صوته.
بالنسبة لضباط الجيش الاسلاميين ومن تبقى من تنظيمات الإسلاميين المنقسمة – نعم أُماهي بين الجيش وحركة الإسلاميين في الوقت الراهن- ولا وقت للاسترسال في ذلك، أقول ما يلي:
- هذه مغامرة كبرى مهما كانت نهايتها فإن تياركم هو الخاسر الأكبر:
• حتي إذا انتهي ما توهمتم إنها الحرب الخاطفة، التي أثبتت الايام إنها ليست خاطفة، وحتى إذا اندحر الدعم السريع بمعجزة ما، وهزيمته الكاملة مستبعدة، وإن حدث وخرج من الخرطوم، سينفصل إقليم دارفور عن السودان مرة والى الأبد. كل الوقائع تشير لذلك، ولن توجد قوة في المركز، عسكرية او مدنية أو هجين، تستطيع إعادة دار فور الى حضن الدولة الواحدة وسينتقل عدم الإستقرار الى كردفان، وستظهر تحالفات جديدة بين قبائل عربية/عربية وبين قبائل أفريقية/افريقية وبين قبائل عربية/افريقية حسب المظالم والأيديولوجيا والمصالح وحسب قصور المركز الذي صار عبئا. عندها ستتدخل حتما التدابير الأممية، ليس فقط لأن القوة تعوزكم لحفظ وحدة البلاد، وهذا واقع، بل إن ما يحدث هناك يعيد للذاكرة الأممية مأساة رواندا، بل مأساة الاقليم نفسه، وفوق ذلك لأهمية الأقليم الدولية الآن من حيث قربه من دول الساحل التي هي تركيز العالم الغربي اليوم من حيث الظهور الجديد للقاعدة وداعش. سيفرض البند السابع مجددا و سيفرض على دارفور فقط وليس على السودان جميعه لأن للمنظمة الأممية خبرة في ذلك الاقليم ولأن الموظفون الأمميون اتجاه واحد لا يعرفون غيره. ولان ذلك أقل كلفة للمجتمع الدولي وحل عملي لخلق حاجز بل فاصل للخط القاري الجديد الذي تهدف المنظمات المتطرفة من خلاله لربط الساحل بقلب القارة. وهنا انتهى الدرس فيما يتعلق بوحدة البلاد. هل تريدون أن تحكموا الإقليم السناري فقط تحت ظل جوار مضطرب؟ هذا أيضا غير ممكن.
• إذا افترضنا أن المجتمع الدولي ببطئه التقليدي لم ينجح في ذلك سريعا - سيتحرك في نهاية الأمر- واعطاكم الفرصة لالتقاط الانفاس حتى يرتب عبقري الحركة الاسلامية حيلة جديدة من الكتاب القديم، ماذا سيحدث؟ سيلجأ الدعم السريع، إن هزم،– وهذا لن يحدث بسهولة إن تحقق- لحاضنته التقليدية ، ومهما كانت خسارته إلا انه أكثر تنظيما وتجربة من أي حركة مسلحة واجهها الجيش والاسلاميين بل كان أداتهم وأداة الجيش في تحييد الحركات الدارفورية والبطش بها وسيبني تحالفات جديدة، ربما مع نفس الحركات، ولن تستطيع حكومة، مدنية أو عسكرية، إعادة دار فور وستكونون مرة ثانية مسؤولين مسؤولية مباشرة، بعد إنفصال الجنوب، عن انكماش السودان الدولة الى الحدود السنارية. حقيقة الأمر، إن انقرض ال دلقو عن بكرة أبيهم، فإن الدعم السريع لم يعد منظمة عسكرية فقط بل ثقافة، ثقافة سياسية/عسكرية تمسك بتلابيب الإقليم وصارت طريقة للعيش ووسيلة للحياة ويمكن أن تتحور أكثر وتتخذ شكلا لا استطيع التكهن به الآن، لكنه في نهاية الأمر ليس حركة عادية وإنما تعبير عن فشل الدولة السودانية بكل مؤسساتها بما في ذلك عظم ظهرها الأمني، ذلكم الجيش الذى تخلى عن مهامه، ظالمة ام عادلة، و استأجر من يقوم بها.
• يجب أن ندرك دون مواربة أن الجيش ليس مؤهلا لنصر حاسم، فلم يعد الجيش هو الجيش القديم بعد انشغال مؤسسة الرئاسة باضعافه. لم يعد هنالك تدريب، لم يعد هنالك تخطيط، لم يعد الضباط يبعثون الى العالم الغربي أو حتى باكستان او مصر للتعلم والاحتكاك، إلا في رحلات تعيسة لاسواق السلاح الرخيص. لم يعد هناك مناورات يعتد بها منذ مطلع الثمانينات. أسأل نفسك كضابط عظيم عن تضاؤل فرص الابتعاث بل انعدامها منذ جيل ضباط جاوز عمرهم الستين عام. أحسب نسبة التضاؤل في نيل فئة الضابط لدرجة الأركان حرب بحق وحقيقة، بالطرق القديمة المجربة المتعبة، والتعويض عنها بضباط يحملون درجات علمية ما انزل الله بها من سلطان من جامعة إفريقيا العالمية في علوم جدير بها الأئمة والوعاظ وليس الضباط. ماذا جرى في العقود الماضية لمدارس المشاة والمدفعية؟ بل مدارس سلاح الإشارة التي كانت تستوعب بصورة دورية الموظفين المدنيين من البوستة السودانية والتلغراف تحسبا للكوارث القومية في اطار خطط عامة وضعها ضباط سودانييون في ريعان العمر نالوا درجة الماجستير في العلوم العسكرية من امريكا وبريطانيا؟ الجيش غير موجود في العاصمة، الجيش موجود في أطرافها. كأنما الجيش هو الحركة المتمردة! من أنتج هذا الوضع الغريب؟ الاجابة دون تردد: كتاب السياسة السودانية القديم الذي لم يعد يجدى.
• الخطر الأكبر عليكم هو استعداء قطاعات واسعة من المجتمع بنفس القراءة من كتاب السياسة السودانية القديم. كأنكم لم تتعلموا شيء في السنوات الماضية. فالواقع يقول ليس لديكم قاعدة واسعة في الشمال، مهما توهمتم حول الموروث الثقافي بما فيه الاسلام، بسبب فساد الحكم الفضائحي وعوامل اخرى، ولا سبيل لإنتاج نظام الانقاذ برموز جديدة أو قديمة مع ثورة التواصل التكنولوجية الآن إلا إذا كنتم لا تزالون تعتقدون أن السودان وشعوبه لا يزالون يعيشون في العصر الوسيط وأن الناس على دين ملوكها. والقول بتوازن القوى العسكري كعامل حاسم في الاستقرار في الشمال النيلي كذب بواح فأهم عامل لاستقرار سلطة ما هو القبول المجتمعي الغالب وعليكم ان تسألوا أنفسكم عن ذلك بعيدا عن طيش الأيديولوجيا والتعصب. هل أنتم مقبلون لتحكموا بقوة السلاح أو بغيره؟ هل لايزال الشرط التاريخي كما كان عام 1989؟
• ومع انتشار السلاح اليوم في السودان وتأسس لجان المقاومة من فيئة الشباب التي ليس لديها أي رغبة في الحياة إلا تحت ظل حكم مدني ديمقراطي ومع تجارب الأسابيع الماضية، ومع تجارب القتل في المظاهرات وفقد الاصدقاء والخوة والحنين للشهادة الذي يعبر عنه الشباب في صفحات الفيسبوك وتويتر كل يوم منذ إنقلاب 25 أكتوبر، مع كل ذلك لا أحد يستطيع أن يتكهن بالقوى الكامنة التي يمكن أن تنهض من هذا الركام والتي سينتجها حتما استمرار المقتلة خاصة إن اتبعتم فصول الكتاب القديم في قمع المعارضين. ما يحدث الآن في الوطن لا يمكن علاجه بصفحة من الكتاب القديم، فقد انفجر الدمل. أخطر عامل يمكن أن يطيح بهذا البلد أكثر مما هي عليه الآن هو تحول طاقة الشباب الذي يمثل ما يزيد عن 64% من المجتمع من العمل المدني السلمي للعمل المسلح. هذه المحاولة اليائسة اليوم لتسليح الشباب التي عبر عنها بعض قادتكم (التعبئة العام واعلان حالة الطواريء) هي بإختصار بمثابة اخارج الجني من القمقم ، هي أخطر قراءة لواقع اليوم وهي قراءة اسيرة لكتاب السياسة السودانية القديم. كما أن اتهام الجيش للجان المقاومة بالتعاون مع الدعم السريع ذاك الإتهام الذي افتقد كل الحكمة، هو الآخر صفحة من الكتاب القديم، ورعونة تعبر عن هذا العمى السياسي المطبق. إن الاعتقال التعسفي لأعضاء لجان المقاومة والاتجاه لاستعداءها سياسة مكلفة لو تعلمون. لماذا تسعون بظلفكم لتسوية التربة وبذر البذور لحركات مسلحة جديدة؟
• ادراك هذه العوامل التي تمور تحت أقدامنا جميعا الآن يقود الى فكرة وحيدة هي إيقاف هذه الحرب الآن وفورا، فكلما مضت الايام صارت التكلفة عالية لإيقافها. والمضي في هذا الطريق يقود الى مزيد من الأخطاء. كفاية لهذا الحد، فمشاعر السخط الشعبي في باطن المجتمع إن كنتم لا تعلمون لا تمييز بينكم وبين الدعم السريع وهذه الغلالة الشفافة للتستر بحجاب الجيش الوطني لن تصمد كثيرا مع الآلام اليومية ومشاعر السخط المتصاعدة. ومهما كانت نهاية هذه الحرابة المكلفة، فواقع المجتمعات بعد كل حرب يحفل بالف دمل والف الف حبن حتما ينفجر في وجه المنتصر والمهزوم معا .
• لا أحد يستطيع أن يحدد للإسلاميين كيف يمكن أن يستردوا حركتهم المختطفة ولا أحد يستطيع أن يحدد لهم كيف يمكن أن يساهموا في إيقاف هذه الكارثة الوطنية مع بقية أبناء وطنهم. هذا متروك لهم. لكن مدى إعتراضهم على هذه المغامرة وسخطهم في الاحاديث الجانبية لم يعد خافيا والأمر يتطلب شجاعة لا مراء فيها خاصة مع أختام التخوين التي يحملها بعضهم. لكن الوقوف موقف المتفرج العاجز أو المتواطيء الصامت حيال هذه الكارثة له كلفة ثقيلة على مستقبل البلاد وعلى مستقبل حركتهم على وجه الأخص. أقول للإسلاميين أمسكوا شراركم وضعوا حدا لهذه الحرب. ارفعوا الكتوف مع بقية إخوانكم من السودانيين وشدوا القامات لسند البيت السوداني فالسقف ينهار فوق رؤوس الجميع، فهذا الجنون يقتضي كل جهد من ابناء الشعب السوداني جميعا لإيقافه وقد يكون إيقافه فرصتنا الأخيرة لبداية جديدة في الوطن.
هذه المقالة في جزئين، جوهرها تحذير لمكونات النظام السياسي السوداني الذي أنتج هذه الكارثة الماثلة. التحذير الأول موجه للحركة الاسلامية مع اعتبار انقسامها الحالي واختطافها من قبل جماعة صغيرة هي بدورها اختطفت الجيش الوطني. الجزء الثاني موجه لقحت/ المجلس المركزي ودعاة الاتفاق الإطاري وايضا موجه لدعاة التغيير الجذري. فلهما، الاطاري والجذري، مسؤولية لا يمكن أن التنصل منها في إنتاج هذا الوضع البائس. هذه الأزمة في الأساس هي أزمة الديمقراطية في نظامنا الحزبي فلم تكن الحركة الإسلامية لترتكب هذه الحماقة الكبرى لولا سيطرة أقلية تحسب في أصابع اليد الواحدة على مقدراتها، ولم يكن لبقية الأحزاب أن تتمتع بهذا الكسل الفكري والبدائية حيال التدابير الواجب اتخاذها لتجنب حافة الحرب الأهلية لولا سيطرة اقلية في كل حزب وفي كل تحالفاتها لا تأبه بالرأي الآخر ولا تسمع غير روحها الصدئة.
ينطلق هذا المقال من فكرة أن هذا القتال، ولا ادعوه حرب اهلية بعد، فهو إنقلاب عسكري واسع النطاق، هذا القتال هو بداية النهاية لكتاب السياسة السودانية القديم بنظامه الحزبي ومؤسساته وانقلاباته. فصفحة الانقلابات العسكرية ذاهبة في سبيل التمزق في هذا البلد إلى الأبد، إن بقي منه شيء بعد هذه المغامرة، فهذا الذي يحدث الآن عبارة عن إنقلاب العسكري فاشل منى بفشل أعظم من فشل إنقلاب 25 أكتوبر 2021، بل هو تتويج لسياسة الإنقلابات العسكرية منذ فجرها وقد اسميته قبل ايام من وقعه ب"وقائع انقلاب معلن"، فقد كان الجميع يعلم به.
ومع ذلك، إن النظام الحزبي السوداني قد شاخ وتداعى دون استثناء اي حزب أو حركة، جديد أو قديم، فالعجز البنيوي أنتج هذه الحالة المأساوية التي صار معها النظام الحزبي بمجمله شاهد فقط أو شريك صامت في عملية افلتت تماما من ايدي كل الفاعلين بمافي ذلك المتورطين فيها من عسكريين ومدنيين. وما إنهيار المؤسسات الصحية الوشيك، وانهيار السوق والبنوك وحكم القانون والطمأنينة العامة إلا تعبيرا عن إنهيار صحة النظام العام، والنظام العام هنا يعني نظام الدولة والسلطة والسياسة. والمفارقة الكبرى، بل المؤشر الأعظم لإنهيار النظام اقديم أن هذه المقتلة تشتعل اول ما تشتعل في العاصمة ثم تنداح الى الاطراف بينما في تاريخ التمردات التقليدية في كل العالم تبقى العاصمة آخر هدف. هذا يعني أن النظام القديم منخورا نخرا شديدا من مركزه ولا تجدى معه في العلاج صفحة واحدة من الكتاب القديم.
فيما يخص الاسلاميين، فقدت حركتهم الإتجاه بعد اختطافها من قبل جناح مغامر، بعد كل ما جري (المفاصلة)، وراحت تتخبط اليوم في محاولة يائسة لإعادة عجلة التاريخ مستعملة كل أسلحتها التقليدية وكل حيل الكتاب القديم بمافي ذلك الجيش، وذلك لم يعد يجدى، وبنفس القراءة القديمة لصفحات كتاب السياسة السودانية القديم ارتكبت خطيئة عمرها، وقد تكون قد اتجهت صوب الانتحار بإشعال هذه المقتلة. يبدو ذلك واضحا في إدارة الحرب في العاصمة والأطراف، ويبدو أكثر في اساليب دعاية عفى عنها الزمن ولن تنتج شيئا.
لحسن الحظ هنالك أمل، ليس فقط لإنقاذ ما يمكن إنقاذه بل أكثر. ولكن على الجميع أن يستمع لصوت غير صوته.
بالنسبة لضباط الجيش الاسلاميين ومن تبقى من تنظيمات الإسلاميين المنقسمة – نعم أُماهي بين الجيش وحركة الإسلاميين في الوقت الراهن- ولا وقت للاسترسال في ذلك، أقول ما يلي:
- هذه مغامرة كبرى مهما كانت نهايتها فإن تياركم هو الخاسر الأكبر:
• حتي إذا انتهي ما توهمتم إنها الحرب الخاطفة، التي أثبتت الايام إنها ليست خاطفة، وحتى إذا اندحر الدعم السريع بمعجزة ما، وهزيمته الكاملة مستبعدة، وإن حدث وخرج من الخرطوم، سينفصل إقليم دارفور عن السودان مرة والى الأبد. كل الوقائع تشير لذلك، ولن توجد قوة في المركز، عسكرية او مدنية أو هجين، تستطيع إعادة دار فور الى حضن الدولة الواحدة وسينتقل عدم الإستقرار الى كردفان، وستظهر تحالفات جديدة بين قبائل عربية/عربية وبين قبائل أفريقية/افريقية وبين قبائل عربية/افريقية حسب المظالم والأيديولوجيا والمصالح وحسب قصور المركز الذي صار عبئا. عندها ستتدخل حتما التدابير الأممية، ليس فقط لأن القوة تعوزكم لحفظ وحدة البلاد، وهذا واقع، بل إن ما يحدث هناك يعيد للذاكرة الأممية مأساة رواندا، بل مأساة الاقليم نفسه، وفوق ذلك لأهمية الأقليم الدولية الآن من حيث قربه من دول الساحل التي هي تركيز العالم الغربي اليوم من حيث الظهور الجديد للقاعدة وداعش. سيفرض البند السابع مجددا و سيفرض على دارفور فقط وليس على السودان جميعه لأن للمنظمة الأممية خبرة في ذلك الاقليم ولأن الموظفون الأمميون اتجاه واحد لا يعرفون غيره. ولان ذلك أقل كلفة للمجتمع الدولي وحل عملي لخلق حاجز بل فاصل للخط القاري الجديد الذي تهدف المنظمات المتطرفة من خلاله لربط الساحل بقلب القارة. وهنا انتهى الدرس فيما يتعلق بوحدة البلاد. هل تريدون أن تحكموا الإقليم السناري فقط تحت ظل جوار مضطرب؟ هذا أيضا غير ممكن.
• إذا افترضنا أن المجتمع الدولي ببطئه التقليدي لم ينجح في ذلك سريعا - سيتحرك في نهاية الأمر- واعطاكم الفرصة لالتقاط الانفاس حتى يرتب عبقري الحركة الاسلامية حيلة جديدة من الكتاب القديم، ماذا سيحدث؟ سيلجأ الدعم السريع، إن هزم،– وهذا لن يحدث بسهولة إن تحقق- لحاضنته التقليدية ، ومهما كانت خسارته إلا انه أكثر تنظيما وتجربة من أي حركة مسلحة واجهها الجيش والاسلاميين بل كان أداتهم وأداة الجيش في تحييد الحركات الدارفورية والبطش بها وسيبني تحالفات جديدة، ربما مع نفس الحركات، ولن تستطيع حكومة، مدنية أو عسكرية، إعادة دار فور وستكونون مرة ثانية مسؤولين مسؤولية مباشرة، بعد إنفصال الجنوب، عن انكماش السودان الدولة الى الحدود السنارية. حقيقة الأمر، إن انقرض ال دلقو عن بكرة أبيهم، فإن الدعم السريع لم يعد منظمة عسكرية فقط بل ثقافة، ثقافة سياسية/عسكرية تمسك بتلابيب الإقليم وصارت طريقة للعيش ووسيلة للحياة ويمكن أن تتحور أكثر وتتخذ شكلا لا استطيع التكهن به الآن، لكنه في نهاية الأمر ليس حركة عادية وإنما تعبير عن فشل الدولة السودانية بكل مؤسساتها بما في ذلك عظم ظهرها الأمني، ذلكم الجيش الذى تخلى عن مهامه، ظالمة ام عادلة، و استأجر من يقوم بها.
• يجب أن ندرك دون مواربة أن الجيش ليس مؤهلا لنصر حاسم، فلم يعد الجيش هو الجيش القديم بعد انشغال مؤسسة الرئاسة باضعافه. لم يعد هنالك تدريب، لم يعد هنالك تخطيط، لم يعد الضباط يبعثون الى العالم الغربي أو حتى باكستان او مصر للتعلم والاحتكاك، إلا في رحلات تعيسة لاسواق السلاح الرخيص. لم يعد هناك مناورات يعتد بها منذ مطلع الثمانينات. أسأل نفسك كضابط عظيم عن تضاؤل فرص الابتعاث بل انعدامها منذ جيل ضباط جاوز عمرهم الستين عام. أحسب نسبة التضاؤل في نيل فئة الضابط لدرجة الأركان حرب بحق وحقيقة، بالطرق القديمة المجربة المتعبة، والتعويض عنها بضباط يحملون درجات علمية ما انزل الله بها من سلطان من جامعة إفريقيا العالمية في علوم جدير بها الأئمة والوعاظ وليس الضباط. ماذا جرى في العقود الماضية لمدارس المشاة والمدفعية؟ بل مدارس سلاح الإشارة التي كانت تستوعب بصورة دورية الموظفين المدنيين من البوستة السودانية والتلغراف تحسبا للكوارث القومية في اطار خطط عامة وضعها ضباط سودانييون في ريعان العمر نالوا درجة الماجستير في العلوم العسكرية من امريكا وبريطانيا؟ الجيش غير موجود في العاصمة، الجيش موجود في أطرافها. كأنما الجيش هو الحركة المتمردة! من أنتج هذا الوضع الغريب؟ الاجابة دون تردد: كتاب السياسة السودانية القديم الذي لم يعد يجدى.
• الخطر الأكبر عليكم هو استعداء قطاعات واسعة من المجتمع بنفس القراءة من كتاب السياسة السودانية القديم. كأنكم لم تتعلموا شيء في السنوات الماضية. فالواقع يقول ليس لديكم قاعدة واسعة في الشمال، مهما توهمتم حول الموروث الثقافي بما فيه الاسلام، بسبب فساد الحكم الفضائحي وعوامل اخرى، ولا سبيل لإنتاج نظام الانقاذ برموز جديدة أو قديمة مع ثورة التواصل التكنولوجية الآن إلا إذا كنتم لا تزالون تعتقدون أن السودان وشعوبه لا يزالون يعيشون في العصر الوسيط وأن الناس على دين ملوكها. والقول بتوازن القوى العسكري كعامل حاسم في الاستقرار في الشمال النيلي كذب بواح فأهم عامل لاستقرار سلطة ما هو القبول المجتمعي الغالب وعليكم ان تسألوا أنفسكم عن ذلك بعيدا عن طيش الأيديولوجيا والتعصب. هل أنتم مقبلون لتحكموا بقوة السلاح أو بغيره؟ هل لايزال الشرط التاريخي كما كان عام 1989؟
• ومع انتشار السلاح اليوم في السودان وتأسس لجان المقاومة من فيئة الشباب التي ليس لديها أي رغبة في الحياة إلا تحت ظل حكم مدني ديمقراطي ومع تجارب الأسابيع الماضية، ومع تجارب القتل في المظاهرات وفقد الاصدقاء والخوة والحنين للشهادة الذي يعبر عنه الشباب في صفحات الفيسبوك وتويتر كل يوم منذ إنقلاب 25 أكتوبر، مع كل ذلك لا أحد يستطيع أن يتكهن بالقوى الكامنة التي يمكن أن تنهض من هذا الركام والتي سينتجها حتما استمرار المقتلة خاصة إن اتبعتم فصول الكتاب القديم في قمع المعارضين. ما يحدث الآن في الوطن لا يمكن علاجه بصفحة من الكتاب القديم، فقد انفجر الدمل. أخطر عامل يمكن أن يطيح بهذا البلد أكثر مما هي عليه الآن هو تحول طاقة الشباب الذي يمثل ما يزيد عن 64% من المجتمع من العمل المدني السلمي للعمل المسلح. هذه المحاولة اليائسة اليوم لتسليح الشباب التي عبر عنها بعض قادتكم (التعبئة العام واعلان حالة الطواريء) هي بإختصار بمثابة اخارج الجني من القمقم ، هي أخطر قراءة لواقع اليوم وهي قراءة اسيرة لكتاب السياسة السودانية القديم. كما أن اتهام الجيش للجان المقاومة بالتعاون مع الدعم السريع ذاك الإتهام الذي افتقد كل الحكمة، هو الآخر صفحة من الكتاب القديم، ورعونة تعبر عن هذا العمى السياسي المطبق. إن الاعتقال التعسفي لأعضاء لجان المقاومة والاتجاه لاستعداءها سياسة مكلفة لو تعلمون. لماذا تسعون بظلفكم لتسوية التربة وبذر البذور لحركات مسلحة جديدة؟
• ادراك هذه العوامل التي تمور تحت أقدامنا جميعا الآن يقود الى فكرة وحيدة هي إيقاف هذه الحرب الآن وفورا، فكلما مضت الايام صارت التكلفة عالية لإيقافها. والمضي في هذا الطريق يقود الى مزيد من الأخطاء. كفاية لهذا الحد، فمشاعر السخط الشعبي في باطن المجتمع إن كنتم لا تعلمون لا تمييز بينكم وبين الدعم السريع وهذه الغلالة الشفافة للتستر بحجاب الجيش الوطني لن تصمد كثيرا مع الآلام اليومية ومشاعر السخط المتصاعدة. ومهما كانت نهاية هذه الحرابة المكلفة، فواقع المجتمعات بعد كل حرب يحفل بالف دمل والف الف حبن حتما ينفجر في وجه المنتصر والمهزوم معا .
• لا أحد يستطيع أن يحدد للإسلاميين كيف يمكن أن يستردوا حركتهم المختطفة ولا أحد يستطيع أن يحدد لهم كيف يمكن أن يساهموا في إيقاف هذه الكارثة الوطنية مع بقية أبناء وطنهم. هذا متروك لهم. لكن مدى إعتراضهم على هذه المغامرة وسخطهم في الاحاديث الجانبية لم يعد خافيا والأمر يتطلب شجاعة لا مراء فيها خاصة مع أختام التخوين التي يحملها بعضهم. لكن الوقوف موقف المتفرج العاجز أو المتواطيء الصامت حيال هذه الكارثة له كلفة ثقيلة على مستقبل البلاد وعلى مستقبل حركتهم على وجه الأخص. أقول للإسلاميين أمسكوا شراركم وضعوا حدا لهذه الحرب. ارفعوا الكتوف مع بقية إخوانكم من السودانيين وشدوا القامات لسند البيت السوداني فالسقف ينهار فوق رؤوس الجميع، فهذا الجنون يقتضي كل جهد من ابناء الشعب السوداني جميعا لإيقافه وقد يكون إيقافه فرصتنا الأخيرة لبداية جديدة في الوطن.