تشييع الامام … ضربات في “الانكل” لدعاة الكراهية و الاقصاء

 


 

 

 

-١- 

كرونا حبست حشودا ضخمة من وداع الإمام، رغم عن ذلك فاضت سوح ام درمان عن سعتها لمقابلة التزاحم البشري العفوي، لا أظن أن كل هذه الانفاس تنتمي إلى طائفة الأنصار و حزب الأمه بل تتجاوزتها لكثير من الفئات المجتمع السوداني الواسع العريض ، ليرسل بهذا الاجماع رسائل بالغة الأهمية لجهات عديدة في هذا وقت حساس
-٢-
لا أُضيف على كُتّاب كُثر تناولوا الفقد العظيم من وجهات نظر مختلفة لكن اركز على تلك الجنازة الضخمة في معانيها و اسرارها .
أنا في شرخ الصبا اسكن في منزل لا يفصلني من سكن السيد الصادق إلى خطوات معدودة في شارع "الدوما" الشهير بأمدرمان.... حيث يبدأ الشارع بمنزل الراحل "الصادق عبدالله عبد الماجد" مرورا بمنازل آل "شاخور" القطب المريخي الكبير و يتوسطه منزل الامام حيث كانت تسكن السيدة "حفية" زوجته ، و ينتهي هذا الشارع المزدحم بمشاهير الشعراء و المجتمع و السياسة بمنزل الراحل مولانا "دفع الله الحاج يوسف"، شارع واحد في امدرمان يحتوي على كل الزخم من النسب الرفيع الى العبقرية في الفن و الشعر و الطرفة اللاذعة حيث يوجد منزل الراحل "موسى ود نفاش"
-٣-
رأينا الامام من صبانا الباكر، و شهدنا أحداث الإعتداء على مسجد الأنصار و من ثم أحداث يوليو ١٩٧٦ و نحن في مرحلة الثانوية العامة.
كل هذا الزمان كان الامام يشبه مزاج الناس السودانين من إعتدال و وسطية و نفور مضطرد من التطرف و العدوان رغم مرارة الظلم في كثير من الاحيان، تسامح نبيل يفوق الوصف هذا ماعهدناه من الامام الصادق و هذا بعض ما أتى إليه للناس في مثواه الاخير، حيث رحل من الدنيا الفانية و البلاد أشد حاجه إلى تجربته و خبرته و سماحته و معالجته للقضايا
-٤-
بعد ثورة ديسمبر ٢٠١٩ أنتمى حزب الامة لقوى الحرية و التغير، التي جمعت طائفة واسعة من أحزاب اليسار التي لا وجود لها في الشارع السوداني ، فكانت كفة الامام هي الأثقل بينما كانت كفة أحزاب اليسار هي الانشط في تدمير الشعارات الثورية " حرية،سلام،عدالة" .
بعد الانهيار الكارثي لحكومة الثورة و فشل معالجتها الاقتصادية و الخدمية بشكل مريع غير الضرر المتعمد لأحزاب اليسار في نفث سموم الكراهية و التفشي ، لم يتحمل الامام تلك الطريقة الفظة لبناء الامم و تصحيح الرؤيا لمشروع وطني جديد .
-٥-
من الاقوال المشهورة للراحل الامام "منْ فش غبينتو خرّب مدينتو" هذه الرؤية التي تحقق العدالة أفسدتها بعض قوى الحرية و التغير ،فأورثوا فترة الانتقال حتى اللحظة تدمير ممنهج للحياة الاجتماعية السودانية و محاولة إستثنائية لتكسير قيّم سودانية مثال علاقة الجار و احترام الكبير و العطف على الصغير و احتواء الفتيات من غير تطاول و الحفاظ على خفرهن من غير حرج او جرح .
-٦-
طائفة كبيرة من الناس التي خرجت لوداع الامام... جزعين بلهفة بالغة على ضياع تلك القيّم و مجموعة الاخلاق التي إمتاز بها الكثير من السودانين .
ثمة رسالة اخرى من تشييع الامام أن جذر الاسلام ضارب في التربة السودانية عميقا و أصيلا و راسخا رغم كل الهجمات و محاولات الهدم ، فالقباب و المساجد و الخلاوي و الزوايا منتشرة مثل التراب ، و رمل الصحاري و النخيل و النيل .
-اخيرا-
لم يترك الراحل الصادق الشباب في مفترق الطريق لوحدهم لليسار يحشوهم باسم الثورة بالحقد و الكراهية ، فالجموع الحاشدة التي ودعت الامام لمثواه الاخير ارسلت رسالة مهمة انهم اقسموا بقوة لبرنامج الاعتدال و الوسطية.

 

آراء