تكوَّرت الدُنيا في سيِّدة !
عبد الله الشقليني
8 March, 2013
8 March, 2013
abdallashiglini@hotmail.com
تكوَّرت الدُنيا في سيِّدة !
قُلت لنفسي هذه أرض الله واسعة ، والطقس من بعد أترِبة هَجَد ، سأتمَشى فالوقت قُرب العصر وفي نفسي أغراض أبتغيها . تَجمّعت قطرات المَارَّة في الطريق العام . تشتت ألوان بشرتهم : كَبِديَّة سمراء داكِنة أو سوداء أو بينَ بين . تنوعت أرديتهم : بيضاء أو خَمرية أو أشتات لا يجمعهنَّ جامع ! . ترى أنتَ في صفحة أخرى ألواناً زاهية البريق ، تلتَف على الفارعات من نساء الجنوب ، والقَدُّ رطيب بفعل ميراث قديم .
عَبرت سيدةٌ ..مُذهِلة .
قفزت قُلوب الجَمع راقصة تُغني : فَرعاء دَعجاء مَيساء ميَّادة ، و مبرومة الحَشى . برق العيون .. ثمّ رُصاصها .
شيخٌ فَزِعت عيناه من شهوة عقله الباطِن بُرهة ، ثم ارتدَّ راجعاً وصرخ :
ـ الكاسيات العاريات !
قُلت لنفسي :
ـ أي المدائن أنتِ يا خُرطُوم ! . تَمُدين فُسحة التندُر بين الفاقة والغنى ، والدِّين الصريح ، وتناقضات عالم لا نعرف كيف تَرتَبت سَكناته . عقارب الكون العجول تدور بأشواكها الوردية ، تخاف أنتَ قِطافها . تنظُر ..
وترقب .
رفَعتُ الجَفنين عن بلور عَينيَّ ، فأفزعني مشهد الكون البشري وقد تحَلَّق حولها وهي تسير . أعناقنا مجدُولة ، مَشدودة ، مبهورة بالمشهد الخلاّق .ماسحات الضوء تفعل فِعلها ، و الكائنات تنقل الحُلم النبيل ، من ضاحية الطريق إلى العقول ، وهي تسير لا تعبأ !.
لا ندري أي عُقاب رفرف بجناحيه من فوق رؤوسنا حتى سكرنا !.
قالت ذاكرتي :
ـ خُذ من الصور المُخزَّنة يا رَجُل .. ، هي لكَ في ثوان . انظُر قُرص وجهها و قُل لي ماذا ترى ؟
قُلت :
ـ جمال ارستقراطي يرفَعه عُنق بديع عن الكتفين .
( أطلس يرفع كُرة أرضية ) ! .. قفز فجأة في ماء عينيَّ ، فضحِكَتْ الذاكرة من شَرَك التداخل والعَبث معي .
احتجبت الدُنيا .. فجأة : حلوّها ومُرّها وآنية الحِجارة وقَسر لؤم الحاجة ، وأهداف الزيارة وتوقيتها الغريب . قَطَعَت نظرتي لتلك السيدة كُل صلتي بما مضى من عُمري . أفاق إنسان قديم من قاع ذاكرة كثفتها القرون . ركبت رُوحُه جَسدي فَرساً . كسا الشَعر بشرتي وتحدثت الغرائز .اتسعت خَطاي على الطريق . أرقب المشهد الكوني والنفس تمور بالرغائب . أصبحت الآن كائناً آخر دون إرادتي . علت أنفاسي وصخبها يضجُّ في صدري . مراجل من حولي تمور بأنفاسها . نظرت .. فكُل رفاق الجندر الغالب على صورتي كانوا يتخلَّقون ! .
أفقت من هول الذهول على صوت ريفيّ بأعلى صوته يزأر :
ـ وَجَعْ !
راقبت وجهه : دهشة الطفولة في تقاطيع وجه رجولي .. و فرَح غامر!. محبته لها من أول نظرة فاحت ، وبرق الاشتهاء من عينيه ذو لون عجيب ! ، ثم احتجب . فالدُنيا فسيحة بالأغراب ، زَجَره الخُلق الموروث ألا يبوح ، .. وباح من فوق كل الحواجز والقيود !.
الأعناق من حولي عجائن من صلصال ، عادت لقصة خلقها في الكُتب المُقدسة . تلتف مجدُولة بمقوَّد بشري ستين وثلاثمائة درجة أو تزيد ! .
قلت لنفسي :
ـ أي خَبل جندري هذا ! ، أهي السيرة القديمة في مكر الذكور :
( المرأة شيطان ) ! .
انتبهتُ للذاكرة وهي تُحادثني :
ـ أ تذكر قول الشاعر جمَّاع : ـ
نمشي على الدرب الطويل ولا يطيب لنا مدى
إن الحياة بسحرها نغم ونحن لها صدى
قُلت لذاكرتي :
ـ هذا فراق بيني وبينَكِ .. ، فمن يُغفر زلَّتي ؟
لقد فَضَحَتني نفسي .. ، كم كُنت زجاجاً هشَّاً يُكسِره حجر ! .
كانت الاستعاذة من الرجيم هي درع جَدِّي ، حين تأخذه الدنيا بمفاتنها ويغلب حيلةً .
عبد الله الشقليني
11/02/2006 م