تكوَّرت الدُنيا في سيِّدة !

 


 

 



abdallashiglini@hotmail.com
تكوَّرت الدُنيا في سيِّدة !

قُلت لنفسي هذه أرض الله واسعة ، والطقس من بعد أترِبة هَجَد ، سأتمَشى  فالوقت قُرب العصر  وفي نفسي أغراض أبتغيها . تَجمّعت قطرات المَارَّة في الطريق العام . تشتت ألوان بشرتهم : كَبِديَّة  سمراء داكِنة أو سوداء أو بينَ  بين . تنوعت أرديتهم : بيضاء أو خَمرية أو أشتات لا يجمعهنَّ جامع ! . ترى أنتَ  في صفحة أخرى  ألواناً زاهية البريق  ، تلتَف على الفارعات من نساء الجنوب ، والقَدُّ رطيب بفعل ميراث قديم .
عَبرت سيدةٌ ..مُذهِلة .
قفزت قُلوب الجَمع راقصة  تُغني :  فَرعاء  دَعجاء  مَيساء  ميَّادة ، و مبرومة الحَشى . برق العيون .. ثمّ رُصاصها .
شيخٌ فَزِعت عيناه من شهوة عقله الباطِن بُرهة ، ثم ارتدَّ راجعاً وصرخ :
ـ الكاسيات العاريات !
قُلت  لنفسي :
ـ أي المدائن أنتِ يا خُرطُوم ! . تَمُدين فُسحة التندُر بين الفاقة والغنى ، والدِّين الصريح ،  وتناقضات عالم لا نعرف كيف تَرتَبت سَكناته .  عقارب الكون  العجول تدور بأشواكها الوردية ، تخاف أنتَ  قِطافها  . تنظُر ..
وترقب .
رفَعتُ الجَفنين عن بلور عَينيَّ ،  فأفزعني مشهد الكون البشري وقد تحَلَّق حولها وهي تسير . أعناقنا مجدُولة ، مَشدودة ، مبهورة بالمشهد الخلاّق .ماسحات  الضوء تفعل فِعلها ، و  الكائنات  تنقل الحُلم النبيل ، من  ضاحية الطريق  إلى العقول ، وهي تسير  لا تعبأ !.
لا ندري أي عُقاب رفرف بجناحيه من فوق رؤوسنا حتى سكرنا !.

قالت ذاكرتي  :
ـ خُذ من الصور المُخزَّنة يا رَجُل .. ، هي لكَ  في ثوان . انظُر قُرص وجهها و قُل لي ماذا ترى ؟
قُلت :
ـ  جمال ارستقراطي يرفَعه عُنق بديع عن الكتفين .

( أطلس يرفع كُرة أرضية )  ! .. قفز فجأة في ماء عينيَّ ، فضحِكَتْ الذاكرة  من شَرَك التداخل والعَبث معي .
احتجبت الدُنيا .. فجأة  : حلوّها ومُرّها وآنية الحِجارة وقَسر لؤم الحاجة ، وأهداف الزيارة وتوقيتها الغريب . قَطَعَت نظرتي لتلك السيدة كُل صلتي  بما مضى من عُمري . أفاق إنسان قديم من قاع ذاكرة كثفتها القرون  . ركبت رُوحُه جَسدي فَرساً . كسا الشَعر بشرتي وتحدثت الغرائز .اتسعت خَطاي على الطريق . أرقب المشهد الكوني  والنفس تمور بالرغائب . أصبحت الآن كائناً آخر  دون إرادتي . علت أنفاسي وصخبها يضجُّ في صدري . مراجل  من حولي تمور بأنفاسها . نظرت .. فكُل رفاق الجندر الغالب على صورتي كانوا  يتخلَّقون ! .
أفقت من هول الذهول على صوت ريفيّ  بأعلى صوته يزأر :
ـ وَجَعْ !
راقبت وجهه  :  دهشة الطفولة في تقاطيع وجه رجولي .. و فرَح  غامر!. محبته لها من أول نظرة  فاحت ، وبرق  الاشتهاء من عينيه ذو لون عجيب ! ،  ثم احتجب . فالدُنيا فسيحة بالأغراب ، زَجَره الخُلق الموروث ألا يبوح ، .. وباح من فوق كل  الحواجز والقيود !.

الأعناق من حولي  عجائن من صلصال ، عادت لقصة خلقها في الكُتب المُقدسة . تلتف مجدُولة بمقوَّد بشري ستين وثلاثمائة درجة أو تزيد ! .
قلت لنفسي :

ـ أي خَبل جندري هذا ! ، أهي السيرة القديمة في مكر الذكور :
( المرأة شيطان ) ! .

انتبهتُ للذاكرة  وهي تُحادثني :
ـ أ تذكر قول الشاعر جمَّاع : ـ
نمشي على الدرب الطويل ولا يطيب لنا مدى
إن الحياة بسحرها نغم ونحن لها صدى  
قُلت  لذاكرتي :
ـ هذا فراق بيني وبينَكِ .. ، فمن يُغفر زلَّتي ؟

لقد فَضَحَتني نفسي .. ، كم كُنت زجاجاً هشَّاً  يُكسِره حجر ! .
كانت الاستعاذة من الرجيم هي درع جَدِّي  ، حين تأخذه الدنيا بمفاتنها ويغلب حيلةً .

عبد الله الشقليني
11/02/2006 م

 

آراء