تمر الفكي السيدو شايلو ومشتهي

 


 

 

 


الحمد لله الذي جعلني شاهدا وكاتبا وموثقا لحقبة المتأسلمين في حكم السودان. وسوف نكتب للتاريخ ونوثق لأكثر حقب السودان إنحطاطا في الاقتصاد والادارة والتعليم والصحة والبيئة والتنظيم وفوق كل ذلك الأخلاق وانتشارا للفساد. وسوف لن نجعل مجالا للأقلام الرخيصة أن تزوِّر الحقائق التي شهدناها ونشهدها عيانا. ولن نسمح لها أن تطفيء بصيص النور من الحقيقة الذي يتسرب من بين أعين حارسي السلطة. وسوف نلجم أقلامهم بفكر ولغة تتسلح بالمصداقية ويفوح منها عبق الوطن وروح الوطنية.
أما في مجال التعليم وأنا شاهد على ذلك, أحداث قد تشيب لسماعها الولدان, سوف نكتب عن سائق الأمجاد الذي نقل طلاب بملابس المدرسة الحكومية أثناء فترة الدراسة الصباحية من ضاحية كافوري, وعندما لمحهم من خلال المرآة يجهزون سيجارة البنقو لتعاطيها أوقفهم عند أقرب قسم شرطة وسلمهم للضابط المناوب, ولكن عندما عرف انهم من كافوري نصح الضابط صاحب الأمجاد بأن لا يفتح بلاغ حتى يفتح على نفسه نيران جهنم لأنهم ربما يكونوا أبناء نافذين في الحكومة أو أقرباء الرئيس البشير, واكتفى الضابط بجلدهم وأخذ ما بحوذتهم من بنقو ثم تركهم, وذهب سائق الأمجاد غير مقتنع ولكنه يخشى على عمره وهو يربي أولاده. وسوف أكتب عن أعداد الطلاب المهولة التي تنزل من المواصلات أو الترحيل ثم يتجهون للحدائق والمطاعم منذ الصباح لمواعدة صديقاتهم الطالبات, وسوف أكتب عن الطلاب الذين يتسربون من المدارس ويتسكعون في الأسواق بدواعي طردهم من المدرسة بسبب الرسوم وغيرها, لقد أيقنت تماما أن الأسرة السودانية مغشوشة والحكومة تمارس نهج الطرشان. لقد فقد الوطن أعز ما يملك وهم شريحة الشباب في سنوات المراحل الثانوية, أي نهج هذا الذي يقوده الطرشان ويكون له نتائج إيجابية؟ أي نهج هذا الذي يتبناه الذين يوالون للحركة المتأسلمة ومؤهلاتهم فقط علامة الصلاة الزائفة؟ أي نهج هذا الذي يخطط له وينفذه معلم فاشل من أتباع هذه الحركة المتأسلمة منذ نعومة أظفاره وعندما طُلِب منه أن يصلي صلاة الجنازة تهرب منها مع العلم أن المتوفية قريبته ثم صلى بالناس أحد العوام؟
أما الحديث عن المناهج والنظام والسلم التعليمي والتدريب والتأهيل التربوي فهذا ما يحتاج لمقالات ومقالات لايسع المجال للتحدث عنها رغم انها علة التعليم الأولى في السودان. لقد ضاعت هيبة التعليم وأصبح أعمال تجارية استثمارية يقوم بها كثير من التجار نيابة عن وزير التربية والتعليم الذي لا يفعل شي ولا يظهر إلا عند بداية العام وعند إعلان نتائج الشهادات في نهاية العام. هذا كل مايستطيع فعله لأنه آلة في يد من لا يعرف عن التعليم سوى الخطب الصماء التي تعلمها من التنظيم الإخواني الغريزي.
أما الاقتصاد والإدارة فحدث ولا حرج, لقد تهالك العمود الفقري للسودان وهو مشروع الجزيرة بسبب السوقة والدهماء والجهلاء. أي زراعي هذا الذي يمارس (المكاواة) مع المزارعين بسبب تدفق المياه للمزارع بسبب أنهم شكوه للمسأول الذي أعلى منه, فكان النتاج في الموسم السابق عطش غطى أخصب وأغنى أقسام المشروع الوسطى فكان الكفاف والعوز وقلة الانتاج قد ضربت بأطنابها قلب المشروع؟ أي عطش هذا والنيل يجري مل السمع والبصر والسماء من فوقها لم تتوقف؟ إنه الإنهيار الأخلاقي والقيمي لزمرة المتأسلمين الذين يتأبطون شرور تفوق شرور قريش ضد الدعوة المحمدية. وما أدراك ما الدولار والأسعار إنها كمصيدة الفأر ينصبون ويدخلون البلد في مآزق عدة ولا حياة لمن تنادي. ذاك العناد والتجبر والجهالة قد أوردتهم المهالك والفضائح واحدا تلو الآخروالحبل على الجرار. أي لحمة إنسانية تلك التي تتشفى من بني جلدتها مثل ما فعل المتأسلمون؟ وأي حكم هذا الذي يجعلك تتجرع الحرام وانت مفضوح ولا تبالي ولا تحسب حساب لقبرك الذي سيضمك ضمة واحدة بعدها تنسى كل مالك وأهلك ونزواتك وأصحابك؟ أي بشر هؤلاء الذين يمشون الهويني بجهالة على ظهر أغني وأخصب أرض في ظاهرها وباطنها وأهلها يتصايحون من زحام صفوف الخبر؟ وأي كائنات هذه التي تتلذذ بتعذيب شعبها الذي أصبح سائق العربة يحمل بطانيته وغطاءه لكي ينتظر في صفوف الوقود حتى الصباح من أجل جالون أو اثنين؟ الأوجاع لا تحصى ولا تعد وفاقدي الوعي الانساني والوطنية يسمح لهم بالهروب عبر منافذ الدولة الرسمية بعدما ما كنزوا الذهب والدولار في مرحلة قد أطلق عليها الهروب الآمن بمال الشعب. ولكن يا شعبي لك الله من أغراب ولدتهم أمهاتنا السمراوات وغضبن عليهم فباءوا بغضب الله ثم جلسوا على رقابنا مغضوب عليهم وعلينا لأننا سكتنا على ظلمهم وجورهم.
وما أدراك ما الصحة العلاج! هي سوق رائج لأصحاب الضمائر الميتة, حتى راجت تجارة الأعضاء بأيادي أجنبية, وطفحت المستشفيات بنتنها من تحتها بمجاريها ومن فوقها ببشرها وتجارها, وتثاقلت أسعار الدواء وتكاليف العمليات في المستشفيات الحكومية حتى أفرزت إلى الشوارع مرضى متسولون, قد يعن في خاطر المتعلم والمثقف المغلوب على أمره ألف سؤال وألف حالة خجل من نفسه ثم يقول ما هذه البلد التي أعيش فيها. هرب الأطباء المؤهلين من جحيم الضمير وجحيم المعيشة ونيران المتأسلمين الذين يدعون الله أن يميتهم شهداء للدين وليس للوطن. أي دين هذا الذي لا يعترف بحق المواطنة والوطن ورسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم حينما عاد من غزواته الى يثرب قال:"هذه طيبة نحبها وتحبنا" وما بالك بمكة التي نشأ فيها. وعندما دخل المسلمون مكة بعد عام الفتح بكوا بكاءا شديدا وهم يقبلون جدران بيوتهم. ألم يعلمك شيوخكم أيها المتأسلمون ما كينونة الوطن وما هي نزعة الوجدان الوطنية؟ أم أنكم تحملون جوازات سفر تتبع لسفارات دول أجنبية وكافرة بموجبها أخذتم جنسياتها؟ كل الدواب والطيور والحشرات وأوتاد الأرض تعلم أنك خونة تحتمون بتلك الجوارزات الرخيصة. أي وارزع هذا الذي جعلكم تبيعون وطنكم وأسراره وانتم لكم أهل وعشيرة فيه؟
وما أدراك ما الصحة العامة والبيئة! تسمونه المشروع الحضاري, والمدن ترزح تحت نقيق الضفادع وأزيز الباعوض والطحالب فوق البرك الراكدة تكفي لأن تغطي سماء السودان الوطن القارة. عن أي حضارة تتحدثون؟ عن المجاري التي أصبحت مرتعا للبهائم الهوامل أم عن أكوام الأوساخ التي جعلت مشروعكم الحضاري أكثر اتساخا ونسخت منه عشرات الملايين من النسخ لشعب يرمي أوساخه على قارعة الطريق. وعن أي مياه تتحدثون؟ هل هي مياه النيل التي أصبحت قانية اللون من دماء عقيقتكم برقاب الشعب أم مياه الآبار الجوفية التي انتشرت منها أمراض لا نعرفها من قبل؟ من الذي نشر جرثومة المعدة هل مياه النيل الملوثة أم أصحاب الضمائر البالية التي زرعت كل الكيماويات والبذور الفاسدة في أرضت خصها الله بالخصوبة والأنوثة الكاملة؟ فمن يحرثها بمعول صدق ومن يحرسها بعين ساهرة؟
وما أدراك ما الكهرباء! هي من أغنى المؤسسات في البلاد ولكنها افقرها تخطيطا وتنفيذا, لم أسمع من قبل طيلة حياة منذ أن نشأت أن التيار الكهربائي ينقطع عن البلاد بأكملها. أهي علة في التشغيل؟ أهي علة في العقول التي تقود هذه الطاقة؟ لعمري انه خلل في الأدمغة البشرية التي تولد وتشغل وتوزع. لا يعرفون ما معنى الكهرباء وعلاقتها بالاقتصاد فقط يعرفون التحصيل والفواتير التي تدر عليهم بالمليارات.
لكن لا نقول إلا حسبنا الله ونعم الوكيل. عندما جاءت هذه الجماعة المشؤومة كانت لها إدعاءات كثيرة ومنها على سبيل المثال: (رفع المعاناة عن كاهل الشعب) والآن بعد مرور 30 عاما على هذا الحكم الجائر أصبح الشعب يضع المعاناة كلها على عاتقة. لقد أثقلت عليه فجعلته مكسورا مهزوزا حتى فقد الناس الأمل في الحياة واشتطوا غضبا فوصلوا مرحة وصف بهضهم البعض بالجبناء. هذا الشعب صاحب الأيادي البيضاء داخل الوطن وخارجه أصبح يخجل من نفسه وخيباته التي علقها نظام المتأسلمين قلادة متسخة على عنق كل شريف ورفيع. وانطبق علينا المثل الشائع (تمر الفكي السيدو شايلو ومشتهي). أصبحنا نشتهي رائحة الخيز فقد أصبحت من أكبر المحفزات للنضال في صفوف الخبز. وعند الحصول عليه (بكيس) أو (بدون كيس) ينظر المواطن لنفسه كالمنتصر الظافر الذي خرج سالما غانما من حرب مقدسة. هكذا شغل المتأسلمون أذهان الناس فجعلوهم عبيدا أرقاء لشهواتهم. منهم من يموت في صفوف الخبر وآخرين في صفوف البترول وغيرهم جلسات الشاي والقهوة وشباب يقرعون البيوت ويصطفون بالداخل من أجل المزاج والدعارة والمخدرات. لقد حملنا على عاتقنا وطنا هو الأغنى بالماء والتربة الصالحة. هو الأغني بالبترول والذهب والنحاس واليورانيوم والحديد. هو الأغنى بالفواكهة والخضروات والغلال والأنعام كلها. هو الأغنى فوق كل ذلك بنوعية فريدة من الجنس البشري وحضارات تالدة مجيدة وثقافات جمالها في تنوعها. ورغم ذلك نشتهي كسرة الخبز. كان آباؤنا وأجدادنا يأكلون ما لذ وطاب من النعم, وعندما يشبعون من أكل اللحوم كانوا يقولون: (كوفرنا) أي يعني أشتهينا الكسرة. ونحن لا نجد الكسرة الآن وكأنما زرعت حبيباتها وطحنت في آلاسكا. نحن الآن حقيقة نشتهي تمور بلادي كما كان يقول المثل(تمر الفكي السيدو شايلو ومشتهي) نسبة لغلاء الأسعار الفاحش.

wadalqaid1971@gmail.com
/////////////

 

آراء