تنكر الحركات المسلحة لقضايا جماهيرها (2 والأخيرة)

 


 

 

1
أشرنا في الحلقة السابقة الي أن قادة الحركات المسلحة في تطلعهم للسلطة و مراكمة الثروة وطموحهم في أن يصبحوا جزءا من المركز الطبقي الحاكم ،تنكروا لجماهيرهم ولشعارات "التهميش" و"المركز والهامش" والتنمية المتوازنة ، وتوفير خدمات التعليم والصحة وعودة النازحين لقراهم واعمار مناطقهم ، وعودة المستوطنين لمناطقهم ، والمحامسبة ومحاكمة المجرمين عن الحرائم ضد الانسانية والابادة الجماعية ، وحل المليشيات، وجمع السلاح ، وتسليم البشير ومن معه للمحكمة الجنائية الدولية.
فقد وضح جليا هذا التنكر بعد اتفاق جوبا الذي تحول لمحاصصات ومناصب وتكديس للمزيد من الثروة ، وتجاهل تحقيق مطالب جماهير المناطق التي ادعوا الدفاع عن مصالحها، وحملوا السلاح من أجلها.
فشل اتفاق جوبا في تحقيق السلام ، وزادت الأوضاع تدهورا بعده ، مع الانفلات الأمني ، ونهب ممتلكات المواطنين، واستمرت الجرائم ضد الانسانية والابادة الجماعية في دارفور وجنوب النيل الأزرق و جنوب غرب كردفان. الخ. اضافة لاستمرار قادة اتفاق جوبا بعد مشاركتهم في السلطة في نفس سياسات النظام المدحور ، في تكريس حكم العسكر، وتشجيع الافلات من العقاب علي جرائم الابادة الجماعية وضد الانسانية ، والتحرير الاقتصادي والضرائب والجبايات والزيادات المستمرة في الأسعار وتخفيض قيمة الجنية السوداني حتى اصبحت الحياة لا تطاق ، كما هو واضح من موجة اضرابات العاملين والتجار واصحاب الشاحنات .الخ ، ورفض المزارعين لسياسة الحكومة في رفع اسعار الوقود ومدخلات الإنتاج والجبايات ، وعدم الأسعار المجزية للقمح وبقية المحاصيل، الخ، اضافة لرفض الرسوم العالية علي التعليم ، ورفع الدولة يدها دعم الدواء. الخ، اضافة لاستمرار مهب ثروات البلاد وتهريبها للخارج، واستمرار التعدين باستخدام المواد الممرة للببيئة.
الواقع أن هذا التنكر بدأ من بعض الحركات منذ مشاركتها للنظام المدحور الذي مارس الإبادة الجماعية في دارفور ومنطقتي جنوب النيل الأزرق وجنوب كردفان واشرق. الخ ، بتوقيع اتفاقات بتدخل خارجي مثل : اتفاق ابوجا ، ، اتفاق الدوحة ، وسلام الشرق . الخ ، وفشلت ايضا تلك الاتفاقات في حل مشاكل جماهيرها ، وتحولت لمناصب وفساد ، ونهب للأموال والصناديق التي خُصصت لإعمار تلك المناطق التي هي موضع تحقيق الآن.
لقد ساهمت حركات سلام جوبا في تقويض الدستور ياشتراكها في انقلاب 25 أكتوبر 2021 المدعوم من دول خارجية مثل : ( الإمارات ، مصر، اسرائيل ، السعودي ، روسيا).
2
كما تنكرت الحركات المسلحة لقضايا جماهيرها عندما تحولت ل"مرتزقة" عندما تدخلت في الشؤون الداخلية لليبيا التي عانت من الحروب الأهلية ، واصبحت طرفا في ذلك الصراع ، فقد أشار اتفاق وقف اطلاق النار في 23 /10/2020 بين حكومة الوفاق الوطني والجيش الوطني الليبي الي مغادرة جميع "المرتزقة" والمقاتلين الأجانب الأراضي الليبية.
كما تشير تقارير الأمم المتحدة أن عدد " المرتزقة السودانيين يتراوح بين ( 3 – 9) الف مسلح من المفترض أن يعودوا لدارفور ، وعاد جزء منهم بعد سلام جوبا، لكن مازالت الحركات الموقعة على سلام جوبا تحنفظ بقوات في ليبيا مثل حركات : تحرير السودان" مناوى "، و تجمع قوى تحرير السودان "الطاهر حجر" ، و حركة تحرير السودان – المجلس الانتقالي "الهادي ادريس"، تلك الحركات التي كانت تحارب مع خليفة حفتر. كما توجد حركات غير موقعة علي اتفاق سلام جوبا مثل : حركات عبد الواحد محمد نور، وحركة يوسف أحمد يوسف "كرجولا" ، وقوات مجلس الصحوة "موسي هلال " ، حركات منشقة من العدل والمساواة ( المساواة التصحيحية، وتجمع العدل والمساواة)، المجلس الثورى. الخ.
كانت دولة الإمارات حسب تقارير الأمم المتحدة مصدرا للتمويل خلال السنوات الخمس الأخيرة للعمل لصالح الجيش الوطني الليبي المدعوم من الإمارات ، وكان الدعم الشهري للحركات الأكبر يصل الي 1,2 مليون دولار، فقد راكمت الحركات ثروات ضخمة من الارتباطات الخارجية.
ومع احلال السلام بدأ الدعم ينخفض حتى وصل ل ( دعم غذائي) ، مما دفع الحركات لممارسة أنشطة اجرامية وتجارية ، والتهريب ، وتجارة المخدرات والأسلحة . الخ ، التي اصبحت تدر عليهم ارباحا كبيرة ، فقد ظهر الاجرام والنهب المسلح " 9 طويلة" في الخرطوم وبقية المدن بشكل كبير بعد سلام جوبا والسماح بدخول قوات الحركات بسلاحها للمدن بهدف تصفية الثورة، مما أدي للفوضي والانفلات الأمني، كما ساهمت قوات حركات جوبا في القمع الوحشي للمواكب السلمية والابادة الجماعية في مناطق دارفور وجنوب النيل الأزرق وجنوب وغرب كردفان. الخ، بعد مشاركتها في انقلاب 25 أكتوبر مع قولات الكيزان والدعم السريع.
3
جاء في الوثيقة الأممية الصادر بالرقم د 201934 لمجلس الأمن الدولي ما يلي:
الحركات المسلحة السودانية طورت مصادر دخلها بصورة كبيرة مما أسهم في قوتها وتسليحها المتطور ، من المصادر الآتية :
- مصادرها السابقة : النهب ، الضرائب التي تفرضها على النازحين والمشردين .
- المنح أو الاعانات المشبوهه التي تصلها من منظمات دولية لدول ( جنوب السودان ، اريتريا ، اثيوبيا ، يوغندا ، غانا).
- الاعتماد على التعدين العشوائي - الذهب : شرق دارفور جبل مرة ، جنوب دارفور.
- شركات فرنسية تعمل في التعدين ( جبل مرة شرق وجنوب دارفور ، تحت حماية حركات عبد الواحد التي تأخذ نسبة 25% من واردات الذهب المسنخرج عن الشركات الفرنسية دون علم الحكومة.
4
معروف أن الدول التي دعمت هذه الحركات واتفاق جوبا تهدف لنهب ثروات البلاد من خلال وجود قادة هذه الحركات في قمة السلطة ، مثل الاستثمارات والاراضي ومربعات التعدين . الخ ، كما في الصفقات التي عقدها وزير المالية جبريل ابراهيم حول ميناء ابوعمامة ، ومشروع " الهواد" ، وخط سكة حديد بورتسودان – أدري، . الخ في غياب الحكومة الشرعية ، فقد جاء في الصحف السودانية الصادرة بتاريخ 3 / 8 / 2022 ما يلي:
" مجموعات دارفورية تناهض زيارة وفد استثماري سعودي – 6 كيانات أهلية وثورية وحقوقية في اقليم دارفور رفضت زيارة الوفد السعودي للاستثمار في غرب جبل مرة ، وتوصلوا الي : رفض كل أنواع الاستثمارات الأجنبية والمحلية ، الا بعد تحقيق السلام الشامل والأمن ، وايقاف الابادة الجماعية والتطهير العرقي والجرائم ضد الانسانية وجرائم الحرب ، ونزع سلاح مليشيات الحكومة بمسمياتها المختلفة ، وطرد المستوطنين الجدد من اراضي المواطنين ، وتعويض النازحين ، وتحقيق العدالة الدولية والوطنية.
كما قرر المجتمعون رفض التعدين بكل أشكاله في مزارع وقرى وحواكير المواطنين النازحين المشردين، والمقاومة حال رفض الحكومة.
من الأمثلة علي فساد حركات سلام جوبا أن أموال السلام تُصرف ل " الترضيات" ، فقد جاء في تقرير الى مجلس الأمن الدولي بواسطة خبراء ( الراكوبة 14 فبراير 2022 ) : وزارة المالية دفعت مليون دولار لكل من حركة تحرير السودان والعدل والمساواة ، وتجمع قوى تحرير السودان ، والتحالف السوداني لتغطية مصروفاتها في السودان ، وذلك في يونيو من العام 2021 ، هذا فضلا عن أن أموال سلام جوبا لا تُصرف علي النازحين و اللاجئين ودارفور.
وأخيرا ، هكذا تنكرت الحركات المسلحة لقضايا جماهيرها ،ولشعارات " التهميش "، و"المركز والهامش" ، و"منهج التحليل الثقافي " وغيرها من شعارات اصبحت حبرا على ورق ، بل الي ابعد من ذلك، فقد تحولت لحركات " مرتزقة" تدخلت في شؤون دول مجاورة ، مثل تدخل الجنجويد في حرب اليمن بعلم حكومة البشير وحكومات حمدوك وانقلاب 25 أكتوبر، كما راكم قادة الحركات المسلحة ثروات هائلة ، واصبح بعضهم جزءا من المركز الطبقي الحاكم الذي يقهر شعب السودان ويعتصره بالضرائب والجبايات التي فاقت الحكم التركي - المصري في السودان التي قضت عليه الثورة المهدية، مما يتطلب اليقظة من ثوار ثورة ديسمبر ضد تلك الحركات ذات الارتباط بالخارج التي تشكل خطورة على ثورة ديسمبر كما حدث في مشاركتها في انقلاب 25 أكتوبر الذي تدهورت بعده الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والأمنية.مما يتطلب مواصلة المقاومة مع الذكرى 38 لانتفاضة مارس- أبريل 1985 حنى اسقاط الانقلاب وقيام الحكم المدني الديمقراطي الذي يحقق الحل الشامل والعادل والسلام بمخاطبة جذور المشاكل.

alsirbabo@yahoo.co.uk
///////////////////////

 

آراء