ثورة ديسمبر بين الفشل وضعف الأحزاب (1/4)

 


 

 

زين العابدين صالح عبد الرحمن
إذا حاولنا قراءة ثورة ديسمبر في حدود التظاهرات التي بدأت في ولاية النيل الأزرق في سبتمبر 2018م و تظاهرت عطبرة في ولاية نهر النيل في ديسمبر 2018م سوف لا تقودنا إلي النتيجة المطلوبة لمعرفة ماهية أسباب الضعف الذي كان يضرب الأحزاب السياسية السودانية، و جعلها تفشل في إدارة الإزمة السياسية بالصورة التي تجعلها تقبض على خيوط العملية السياسية.. عندما انفجرت التظاهرات بصورة مستمرة بعد تظاهرات عطبرة في ديسمبر 2018م، كان الوعي في الشارع أعلى درجة من الوعي داخل الأحزاب، لذلك استمرت التظاهرات دون أي تدخل مباشر من قبل القيادات السياسية، بل أن الشارع كان يحاول أن يبرز قيادات جديدة بأدوات متعددة في خوض معركته السياسية، و دخل تجمع المهنين على الخط لكي ينظم عملية الخروج و يحرض على المواجهة، و كانت الجماهير هي التي تنظم نفسها في مسيراتها المتحركة داخل الأحياء و المدن في العاصمة و الولايات.. تدخل تجمع المهنيين هو الذي فتح الباب لدخول الأحزاب عندما قدم لها " إعلان الحرية و التغيير" كمنفذ للدخول، هذا الإعلان تسبب في عدم بروز قيادات من الشارع..
أن الأحزاب السياسية قبل اجتماعات " أتفاقية نيفاشا 2005" كانت منظمة في تحالف عريض هو " التجمع الوطني الديمقراطي" كان تحالف التجمع قد وصل إلي مشروع سياسي توافقت عليه الأحزاب في العاصمة الاريترية " إعلان اسمرا 1995م" لكن الملاحظ أن الحركة الشعبية في كل حواراتها مع الإنقاذ لم تجعل إعلان اسمرا مرجعية لها، و هذه المسألة كنت قد كتبت عنها في وقتها في جريدة الخرطوم التي كانت تصدر في القاهرة و تسألت لماذا تجعل الحركة الشعبية إعلان أسمرا وراء ظهرها في الحوارات مع الإنقاذ؟ و أصدرت المقالات في كتب بعنوان " الحركة الشعبية و الجيش الشعبي قراءة في الفكر و الخطاب السياسي" الغريب في الأمر كانت كل الأحزاب تتمسك بالصمت و لا تنقد الحركة كأنها سلمت أمرها لها.. و عندما ظهرت نتائج " تفاقية نيفاشا" في توزيع المحاصصات كان نصيب المؤتمر الوطني 52% إضافة إلي 6% للأحزاب التي تشارك المؤتمر الوطني في السلطة. و كان نصيب الحركة الشعبية منفردة 28% و نصيب بقية كل عضوية تحالف التجمع الوطني 14% و ذهبوا و شاركوا في السلطة خاضعين مطأطئين رؤسهم بهذه القسمة الضيزى. حزب الأمة بقيادة الإمام الصادق كان قد خرج من تحالف التجمع لذلك لم يشارك في السلطة و كان الناقد الوحيد لها.. أشارت أتفاقية نيفاشا لحالة الضعف التي كانت تضرب الأحزاب السياسية. و عجزت جميعها أن تنقد الحركة الشعبية.. ثم جاءت المساومة السياسية بين الحركة الشعبية و المؤتمر الوطني داخل البرلمان في عمليتي " الاستفتاء على الوحدة و تعديل القوانين المقيدة للحريات" و هزمت الأحزاب في البرلمان و لم تقدم الأحزاب أي نقد للحركة الشعبية بل صبت جام قضبها على المؤتمر الوطني رغم الذي خانها حليفها السابق.. هذه أشارات كانت تبين أن القوى السياسية كانت في حالة من الضعف الذي لا يستطيع أن يمكنها من خوض صراع و مواجهة مع خصومها، الأحزاب لم تطالب بالمشاركة في حوارات نيفاشا، و لم تبدي أي اعتراض لعدم المشاركة بل كانت حريصة على المشاركة بالقسمة الضيزى هل فهم الناس لماذا فشلت الفترة الانتقالية و ضعف اداء الأحزاب..
بعد انفصال الجنوب جاءت الانتخابات في 2010م و لم تستطيع الأحزاب أن تخوضها كوحدة متحالفة ضد المؤتمر الوطني لأنها كانت تعاني من انقسامات، و بعض منها خاض الانتخابات على دوائر جغرافية حليفا للمؤتمر الوطني مثل " الاتحاديين" الذين شاركوا في السلطة. بعد الانتخابات زاد الانقسام بين اصدقاء الأمس.. قوى الاجماع الوطني كان فيها قوتين رئيسيتين " الحزب الشيوعي – المؤتمر الشعبي" أما بقية القوى السياسية الأخرى عبارة عن أحزاب و مجموعات صغيرة لا تملك قواعد مؤثرة .. الثاني قوى نداء السودان فيها قوتين رئيسيتين " حزب الأمة القومي – الحركات المسلحة" و مجموعة من الأحزاب و المنظمات الصغير.. كان أول أختبار للمواجهة بين المؤتمر الوطني و أحزاب المعارضة ثورة سبتمبر 2013م التي خرج فيها الشارع و تعرض لضرب نار قتل فيه أكثر من مئتي، بين حالة الضعف في الأحزاب التي عجزت عن المواجهة و قيادة الشارع.. حالات الاغتيال أدت لخروج مجموعة غازي صلاح الدين من المؤتمر الوطني..
بعد ثورة ديسمبر أكتشفت الإنقاذ أنها فقدت الشارع لذلك بادرت بخطاب الوثبة في 2014م الذي خلق أيضا واقعا جديدا، حيث ذهب للقاء كل من حزب الأمة و المؤتمر الشعبي، بقى المؤتمر الشعبي و شارك في السلطة، و رجع حزب الأمة لكي يوسع دائرة تحالفه.. مشاركة المؤتمر الشعبي في السلطة بعد تشكيل الحكومة عقب خطاب الوثبة و دخول أعضاءه في البرلمان، أضعف تحالف قوى الاجماع، و أثر أيضا سلبا على قوى المعارضة.. وجه الحزب الشيوعي كل نقده لقوى نداء السودان التي كانت تبحث عن تسوية سياسية عبر التفاوض و سماها ب "الهبوط الناعم " بينما لهثت قوى نداء السودان وراء ثامبو أبيكي رئيس جنوب أفريقيا الأسبق المكلف من الأمم المتحدة بعملية التسوية..
جاءت أتخابات 2015م و كانت ضعيفة من ناحية الإقبال الجماهيري، حيث استخدمت فيها السلطة أغلبية مؤسساتالدولة من ناحية الترغيب و الترهيب، و استخدمت عربات الحكومة لنقل المواطنين و رغم ذلك كان الإقبال ضعيفا جدا. بعد الانتخابات ضعفت المعارضة.. أن الكلمات التي كان قد كتبها السكرتير السابق للحزب الشيوعي في ورقة " حضرنا و لم نجدكم" لم تكن كلمات بهدف تسجيل موقف من خلال الحضور. بل كانت عبارة تعبر حالة الضعف و غياب القوى السياسية في الشارع.. قوى نداء السودان حصرت فاعليتها مع ثامبو أمبيكي.. و قوى الإجماع حصرت نشاطها لمعارضة أصحاب الهبوط الناعم.. لكن برز حزب المؤتمر السوداني من خلال نشاط عضويته في الأسواق و رهانه على المشاركة في انتخابات 20 – 20 لمصارعة المؤتمر الوطني في الانتخابات، هذا الرهان جعل السلطة تغض الطرف عن حركة أعضائه.. حزب البعث شهد انقسامات عديدة، أضعفت الحزب تماما و جعلته يحصر نشاطه في قوى الاجماع الوطني.. الاتحاديون كانوا منقسمين البعض يشارك في السلطة من خلال مجموعتي الميرغني و الهندي، و البقية الأخرى انقسمت بين قوى الاجماع و نداء السودان.. كانت الأحزاب جميعها تعاني من الهزال الشديد..
انفجرت الثورة و كانت الأحزاب في حالة من الضعف، الذي جعلها عاجزة أن توحد كلمتها، غيباب المشروع السياسي، ثم بعد الوثيقة الدستورية انقسمت، و أخيرا فقدت الشارع الذي نفض يده منهم جميعا، هذا الضعف هو الذي ضيع الثورة، تماما... السؤال هل الثورة سوف تعودة مرة أخرى هذا سوف أجاوب عليه المقال القادم.. نسأل اللح حسن البصيرة..

zainsalih@hotmail.com

 

آراء