جلال الدين الشيخ الطيب … وكتابه الدفعة 31 الغرس الطيب (8)

 


 

 


بسم الله الرحمن الرحيم

وفيها نتناول 

-كيف مضى الفرسان السته بعد المحاكمة
-خلفيات أوضاع الجيش قبل مايو 1969
-أوضاع الجيش ودوره المركزى في حكم جعفر نميرى
(الكثيرون في هذه الحياة هم الذين تسوقهم الأقدار للقيام بعمل ما، أو لتحقيق هدف ما . أما القلة القليلة فهي التي تخطط لكل ما تريد ويتحقق لها ذلك بعد أن ياذن الله فمن هذه القلة كان منسوبوا الدفعة (۳۱). (هذه العبارة كتبت قبل خمسة عشر عاما في الكتاب في صفحة 79فانظر لما حدث بعد ذلك في ابريل من 2019) .
تناولنا في الجزء السابع من كتاب الدفعة 31الغرس الطيب للفريق اول ركن جلال الدين الشيخ الطيب الأجواء في الكلية قبل التخرج ومحاكمة سته من افراد الدفعة هم 1- فيصل محمد اتير وقد تكرر ذكره في الحديث عن من توفى من الدفعة 2- معتصم عبدالله حسين 3-إبراهيم بشير إبراهيم 3-محمداحمد محمد خلف 5- أسامة احمد خوجلى 6- عبدالمنعم يوسف هولاء تم فصلهم بعد مجلس عسكرى ايجازى وهناك طالب حربى سابع تم فصله لاسباب امنية ذات ارتباط سياسى – هو الجيلى محمد احمد ادم .
-شق كل واحد من هولاء السته طريقه وأصاب نجاحا في الحياة ماشاء الله لا قوة الا بالله حفظهم الله وسدد خطاهم . فمعتصم استقر بالمدينة المنورة وله اربعه من الأبناء حفظهم الله كلهم قد قراء كتاب الله وحفظه ماشاءالله لاقوة الا بالله منهم الطبيب الدكتور عبدالله والصيدلي محمد والصغيرتين سلمى وثويبة.
- لاديب إبراهيم بشير وهو اديب قاص بمعنى الكلمة له ثلاث كتب هي ..الزندية ،التراب والرحيل ومحمد احمد او الذى ارتجت له المدينة درس الاقتصاد والمحاسبة وعمل في السفارة الأميركية في سوريا والبريطانية في الخرطوم ..وسنفرد ان شاء الله حلقة كاملة لكتاباته الرائعة..
-عبدالمنعم يوسف درس الصيدلة وهو الان دكتور صيدلى بالامارات .
- أسامة احمد خوجلى أيضا درس الصيدلة وهو دكتور صيدلى بالسودان .
- محمداحمد محمد خلف يعمل بالزراعة بالدمازين .
-أمضت بقية الدفعة ست اشهر بالكلية نالت فيها دورة وظفت لتأهيلهم على أسلحة الإسناد التي كان يحظى بها الضابط بعد تخرجه. تشمل الهاونات وال106.
.وفى هذا الجزء الثامن نتناول الأجواء داخل المؤسسة العسكرية (قوات الشعب المسلحة ).والدفعة أكملت مدة الكلية وخرجوا لحياة العملية.
استفاد الجيش السوداني من الحرب الباردة بين القطبين فتم تحديث التسليح والتدريب. ولا شك ان المشير جعفر نميرى كان هو الشخصية المحورية في مدة حكمه التي بلغت نحو ستة عشر عاما اختلف الكتاب فيها بين قادح أمثال منصور خالد ومحجوب عمرباشرى وكلاهما كان قريبا منه وعمل معه ومادح مثل عبدالحفيظ عبدالله رجب وجعفر نميرى ذاته فيما كتب.
ورجل اختار المنزلة بينهما أمثال العميد الركن السر احمد سعيد و محمود محمد قلندر وسنتناول في بعض العجالة بعض ما كتب كل منهم وهنا نعرض لما كتبه محمود محمد قلندر في كتابه سنوات النميرى ،الصادر عن مركز عبدالكريم ميرغنى الثقافي. الجدير بالذكر ان عبدالكريم ميرغنى كان ضمن حكومة نميرى الأول وزيرا للتجارة التي ترأسها بابكر عوض الله .المؤكد ان ذلك لم يؤثر على الكتاب في مصداقيته. كتب قلندر تحت عنوان ( مایو والجيش.. الصلة السمبيوتية (استخدم قلندر كلمة السمبيوتية وهى كلمة لها معانى اقربها هنا هو إعادة ربط لبنيانين، بعد أن تم فصل أحدهما عن الآخر ومن ثم تطور كل منهما في طرق منفصلة لزمن طويل، من أجل تشكيل بنيان متحد بسلوك لا يرى في مكونات منفصلة ).
من نافلة القول أن نعيد التذكير بدور مايو في وضع الجيش في موضع المركز في حركة السياسة السودانية. فمهما كان الرأي والموقف من ذلك الأمر، فإن الحقيقة التي لا يمكن إغفالها هي أن الجيش، من بعد أكتوبر 1964، شهد انحسار في المكانة والسمعة كان سببها الأساسي ملابسات الانقلاب العسكري في نوفمبر 58، تم الحكم العسكري الممتد لست سنوات، ترك فيها الحاكمون العسكريون صورة ليست بالطيبة عن الجيش كمؤسسة حاكمة ومتسلطة.
أما سنوات ما بعد أكتوبر 64، فقد شهدت النتاج الطبيعي لتلك السمعة السالبة التي اكتسبها الجيش، فقد دفعت المؤسسة الوطنية القومية ثمن تلك السمعة السالبة انصرافا عن حاجات تسليحها وتأهيلها، وتجاهلا لرأيها وصوتها المرتفع بالضجر حينا وبالغضب في بعض الأحيان.
إن طريق مایو نحو السلطة السياسية مر عبر بوابة الجيش الساخط الناقم على الساسة والسياسيين والحزبية والطائفيين منذ منتصف الستينات. ولهذا فإن مايو، حين استولت على السلطة، جعلت القوات المسلحة ركيزة قدرتها، ولم تتردد في أن تفرد لها موقع الصدارة والتمييز وكان أول التفرد هو في توجيه البيان الثاني صبيحة استلام السلطة - 25 مايو 1969 - إلى الضباط و الجنود في القوات المسلحة، وقد صيغ ذلك البيان بعبارات مليئة بالعاطفة العسكرية، اتهمت الأحزاب بإهمال الجيش والعمل على إضعافه خوفا منه، وقدمت عدة نقاط أصبحت فيما بعد مرتكز التحديث والتطوير للقوات المسلحة. فقد وعد البيان بإعادة بناء وتنظيم القوات المسلحة بأحدث النظم، وإعدادها بالقوة والعتاد اللازمين، وبرفع كفاءة الأفراد المهنية، ورفع مستوى أفرادها الاجتماعي .
وقد اتجهت مايو - في أولها - شرقا لتبني جيشا مقتدرا في قوته ومتأهبا لتولي مسئولياته في الدفاع، فاستجلبت الخبراء الروس في كل تخصص عسكري، بما في ذلك مجال الخدمات الاجتماعية والتعاونية، ومجال الترفيه ورفع الروح المعنوية.
وفتحت مايو أبواب الجيش - لأول مرة في تاريخه – للخريجين وحملة الكفاءات العليا والشهادات الجامعية في مختلف التخصصات، حتى بلغ عدد الذين تم استيعابهم من مهندسين، وقضاة ومحامين، وفنيين ومحاسبين ومراجعين قانونين، وخريجي تخصصات العلوم السياسية والاقتصاد وغيرها من فروع العلوم الاجتماعية ما قارب المائتين في عامي الثورة الأولين، وهو عدد تضاعف بعد ذلك من خلال الاستيعاب المتدرج خلال السنوات التالية .
ومن ثم فقد أقدمت مايو على إصلاح الحال الاقتصادي والاجتماعي لأفراد القوات المسلحة، وكان طريقها نحو تلك الغاية هي مؤسسات مثل التعاون والخدمات
الاجتماعية، والتوجيه المعنوي. فانطلقت تلك المؤسسات الجديدة لتصلح من حال الجنود الأغبر الذي كانوا عليه لزمان طويل.
كان أول طريق نحو ذلك هو اتجاه مايو لما أسمته إنصاف الجنود والمقاتلين. فقد قامت بتعديل المرتبات والعلاوات للضباط والجنود ، وهو القرار الذي صار هدفا الانتقادات الحزب الشيوعي في منشوراته الخاصة في تلك الأيام، ومن ثم فقد صار ذلك جزء من الاعتقاد العام في الشارع بالتمييز الصارخ للقوات المسلحة في المرتبات والعلاوات.
وكان ثاني الطرق نحو إصلاح حال الجند، هو تحسين الواقع الاجتماعي - نسبيا - للضباط والجنود. وقد تولى فرع الخدمات الاجتماعية والتعاونية في تلك الأيام مهام الارتقاء المادي بأسر الجنود والضباط، فعرفت كماليات من شاكلة التلفزيون والثلاجة والبوتجاز، طريقها في تلك الأيام إلى منازل ضباط الصف والجنود، في وقت كان فيه موظفو الخدمة المدنية وسيطي الحال لا ينعمون بمثل تلك السلع الرافهة.
وعلى الصعيد السياسي، فقد اتجهت مایو نحو جعل الجيش مركزا أساسيا من مراكز العمل السياسي حينما شرعت في وضع أسس نظام سياسي يرتكز على تحالف قوى خمس من أهمها القوات المسلحة. وهو تحالف وضع الجيش في قلب العمل السياسي بحيث صارت كل لجنة سياسية أو اجتماعية ذات بعد قومي أو غرض قومي تضم في قلبها عددا من ممثلي القوات المسلحة.
وعلى الصعيد القومي الاجتماعي صار الجيش يضع أقدامه في مواقع العمل والبناء المدني"، فقامت مشروعات بناء للجسور والكباري يقودها مهندسون عسكريون. كما قام الجيش بتقديم خدمات صحية قوميه في شتى المناطق من البلاد. وقد اشتهر في هذا الصدد مشروعان احدهما بناء كبري جوبا على يد سلاح المهندسين، وثانيهما مكافحة الدرن في شرق السودان والتي تولاها السلاح الطبي .
وبقدر ما عكس المشروعان دورا قوميا للجيش ، فانهما عكسا اتجاها من النظام
السياسي إلى وضع الجيش في موضع المركز من حركة الفعل السياسي والاجتماعي .
مايو تستند على عضد الجيش
مع تصاعد الأحداث السياسية على النحو الذي رويناه من قبل، أصبح اعتماد مايو على الجيش لحماية النظام مطلقا، فقد رأيناها تخرج من محنة الجزيرة أبا وود نوباوي بعد أن دفع أكثر من عشرين من الضباط والجنود أرواحهم في جداول ود نوباوي. ثم رأيناها تعود منتصرة من بعد الانقضاض الشيوعي على بحر من دماء ثلاثين من الضباط والجنود. ورأيناها في سبتمبر وهي تعود على جناحي الجيش المبادر ببعض قياداته - الفريق بشیر محمد علي والرائد أبو القاسم محمد إبراهيم. ثم رأيناها في محنة يوليو الفجاءة حيث كان النصر ثمنه عدد من رفاق السلاح.
ومع كل هذا الثمن الغالي الذي كانت تدفعه القوات المسلحة لحماية مايو لم يكن
مستغربا أن يصبح الجيش هو العضد الذي تستند عليه مايو .
وكان نميري يؤكد دوما في معظم خطاباته السياسية التي وجهها خلال سنوات مايو أن الجيش هو سنده ونصيره. وكان لا يفتأ من ترديد عبارة أنه جندي في هذا الجيش لن يخلع بزته الكاكي أبدا. وكان هذا الأمر يعني بقاء نميري في موقعين القائد الأعلى - وهو موقع دستوري ليس له كبير تأثير، وموقع القائد العام الذي حرص نميري على احتلاله لفترة طويلة من تاريخ مايو. وقد جاء التعبير عن مكانة الجيش عند مايو، حينما أعلن نميري في خطاب قبوله الترشيح لرئاسة الجمهورية أنه لن يقبل من القوات المسلحة بنسبة أقل من مائة بالمائة، معللا شرطة ذلك بأنه قائدها العام، فإن لم تجمع القوات المسلحة على قائدها العام فإنه لا ينبغي أن يقودها.
وعند كل ملمة تلم بمايو، كان نميري أسرع ما يكون نحو جيشه، يبثه همومه وهموم الحكم حينا، ويستحثه الثبات والصبر عند الضيق أحيانا، ويشكره على الوقفة الثابتة والتعضيد الراسخ أحيانا أخرى .
رأيناه يفعل ذلك بعد كل محاولة من محاولات الاستيلاء على السلطة . ورأيناه يفعلها عندما يشتد تضييق المعارضة الخناق على مايو.
ثم رأيناه يفعلها يوم محنته الشخصية التي جاءت مع ضيق الشرايين الذي نال
من فورة القوة التي تمتع بها لزمان طويل.
ثم رأيناه يفعلها مع كل استفتاء على رئاسة الجمهورية. بل وكل عمل يتطلب استنفارا المباركة الكل وتأييده حيث يهرع نميري إلى ثكنات الجيش يبحث فيها عن الأمن والأمان، وعن وقفة الصحاب ووقفة الرفاق .
تسييس الجيش وتجييش الخدمة المدنية
الدكتور فيصل عبد الله بابكر ، واحد من المهتمين بأمر الخدمة المدنية والإدارة العامة في السودان. خلال الأعوام 84 - 1985 كان الدكتور فيصل يعد رسالته في الدكتوراة في جامعة جنوب كاليفورنيا في لوس أنجليس عن الخدمة المدنية في السودان تحت حكم نميري... وقد ظل الدكتور فيصل منهمكا في إعداد رسالته حتى نهاية العهد المايوي في أبريل عام 1985.
عنوان رسالة الدكتور فيصل " الصفوة السودانية في عهد نميري: دراسة حول
الجماعة الحاكمة ". (Faisal Abdalla Babiker. The Sudanese Elite under Nimeiry. Unpublished PhD Thesis University of Southern California, Los Angeles, Califoma, 1986) وقد تناول فيصل بتفعيل دور مايو في ما أسماه "تجييش الخدمة المدنية" من خلال حقن جسد الإدارة العامة في السودان بالعسكريين من آن لآخر. ولعله من المفيد في هذا السياق أن نستند على فرضيات الدكتور فيصل ونحن نستعرض واقع تجييش نميري للخدمة.
وغني عن القول أن ثقة نميري في رجال جيشه كانت كبيرة وعالية، وذاك أمر يمكن تقديره وفهمه، فالرجل عسكري نشأ في بيئة الجندية، وعمل وتعامل مع
. رجال جبلوا على الوفاء لعهد العسكرية، وعلى الانضباط في السلوك، والحزم في التعامل. ولقد دفعت مثل تلك الثقة المستندة على اختبار معادن الرجال، نميري إلى العهد لبعض رجال الجيش بمهام ومسؤوليات سياسية وإدارية مدنية الطابع رأي أن يقدم من خلالها للساسة والإداريين والتنفيذيين - والذين لم يتعامل معهم نميري تعاملا مباشرا في سنوات حياته العملية إلا لماما - نموذجا اعتقد أنه الأمثل الذي يمكن الاحتذاء به والتعلم منه. ولكي نلم بحجم الثقة بين نميري في جيشه، دعنا تعدد بعض مظاهر تجييش الخدمة المدنية كما أسماها دكتور فيصل بابكر.
لقد عهد نميري خلال سنوات حكمه إلى عدد كبير من الضباط العظام بمهام إدارة هيئات ومؤسسات مدنية. على سبيل تقديم الأمثلة - وليس حصرا لكل الحالات - نشير إلى تعيينه لجنرال اشتهر بالحسم والحزم هو اللواء مصطفي عثمان حسن - مصطفى جيش كما عرفه زملاؤه دوما - مهمة تفريغ ميناء بورتسودان في وقت كانت تلك هي المهمة الأهم لمستقبل البلاد لما كان السودان على وشك الدخول فيه من جهد تنموي استصحب معه الحاجة إلى الارتقاء بطاقة الميناء الوحيد. وقد كانت تلك مهمة استعصت - كما قال نميري وقتها - على المدنيين المسؤولين عن قطاع النقل والمواصلات يومها.
وفي عهد مایو تولی ضابطان مهام الوكيل لوزارتين من الوزارات المدنية، فقد أصبح العميد عمر محمد سعيد وكيلا لوزارة الثقافة والإعلام، بينما صار المقدم صلاح عبد العال وكيلا للشباب والرياضة قبل أن يصبح وزيرا فيها. ثم عهد نميري إلى اللواء نصر الدين مصطفی مهمة التخطيط الاقتصادي، بينما تولى اللواء عوض أحمد خليفة مهام المنسق العام للتنمية.
وأسندت مايو عددا من السفارات لسفراء عسكريين وذلك لأسباب عسكرية - أمنية متداخلة .. فقد وضع عسكريون على رأس سفارات السودان في كينيا ويوغندا وتشاد. وقد صار بعض أولئك السفراء فيما بعد إضافة طيبة إلى الديبلوماسية
السودانية منهم اللواء الشريف الحبيب واللواء عبد الله محمد عثمان، واللواء الفاتح بشارة. وقد فاق عدد العسكريين الذين تبوءوا مناصب سفراء الثلاثة عشر. من بينهم عدد من جيل الضباط الذين ثارت مايو على قيادتهم كاللواء الشريف الحبيب واللواء عثمان حسين عثمان.
وأوكل نميري إلى عدد من العسكريين عددا من المهام الإدارية الرفيعة، فقد تولى عدد كبير من الضباط إدارة هيئات ومؤسسات مثل هيئة الموانئ البحرية، الهيئة القومية للكهرباء، المخازن والمهمات، والسياحة والفنادق.
على المستوى السياسي لا نريد أن نعيد ما ذكرناه من قبل عن تبوء عدد من العسكريين المناصب سياسية ووزارية مختلفة، فذلك أمر معروف. ولكنا نذكر بأن تلك المواقع السياسية شملت كل مستوى وكلاء وزارات، وزراء، أمناء لجان سياسية، محافظون وحكام.

الجيش والوعي السياسي
بمثل هذا المكانة الرفيعة التي رفع إليها الجنود تحت منظومة مايو لم يكن أمام الجيش - كمؤسسة وليس كأفراد - إلا أن يضع نفسه في موضع الشريك. فانطلق الجيش - المؤسسة وليس الأفراد - مع مايو نصيرا وسندا في كل منعطف، وهو سند لم تحركه إلا الثقة في بقاء المؤسسة شريكا يقع عليه عبئ التصدي والمصادمة.
ولم يكن الجيش المعتد بموقعه ومكانته في قلب العمل السياسي الوطني يرى في نفسه إلا شريكا بالأصالة في مسؤولية الوطن. أهلته لذلك وقفات رجاله مع مايو منذ ليلة الخامس والعشرين من مايو 69، وتضحيات بنيه في كل منعطف من منعطفات مايو التي عاشها. ومن ثم فقد أقبل الجيش على كل واقعة سياسية يشارك فيها بقناعة. أقبل الضباط والجنود على العمل الوطني السياسي من منطلق الإحساس بالمسؤولية الوطنية، يجتهدون فيه بما استطاعوا، تماما كما هو الحال مع كل عمل عسكري يقدمون عليه .
واذا كان حال جماعة منهم وهي تشارك في لجنة وضع الميثاق الوطني في أيام
مايو الأولى.
وهكذا كان حال جماعة أخرى منهم وجدت نفسها في لجان إقامة هياكل
ومؤسسات التنظيم السياسي.
وهكذا كان حال جماعة منهم انتظمت في لجان صياغة الدستور التي انعقدت
في مجلس الشعب الانتقالي الذي أجاز الدستور.
ثم هكذا كان حال مجموعة أخرى من الضباط والجنود وجدت نفسها تمثل بقية
إخوتها في مجالس الشعب، الأول والثاني.
وهو ذات حال مجموعة أخرى وجدت نفسها في قلب التنظيم السياسي، في مؤتمره القومي، في لجنته المركزية، ثم في أمانته العامة، وحتى في لجان أحيائه وأقسامه.
وهو ذات الحال الذي وجدت ثلة أخرى من الضباط والصف والجنود نفسها فيه. في قلب أهم وأخطر الأحداث السياسية في زمان مایو كله، يشاركون فيها بل ويصوغون وقائعها أحيانا. فقد وجدوا أنفسهم في قلب محادثات أديس أبابا التي شاركوا في كل مراحلها ، ثم كانوا أساس تنفيذها وتحويلها إلى واقع
بين النصح والنصيحة والشك والريبة |بثقة مستمدة من زخم كل هذا الذي ذكرناه، أندفع الضباط نحو مواقع النصح والإرشاد في تلك الليلة المشهودة الشهورة، وهي الليلة التي التي سندعى مؤرخ عسكرى كبير يحكى تفاصيلها في الحلقة القادمة العميد عصام ميرغنى ابوغسان.

لمزيد من الصور والتعليقات الرجوع للموقع
https://www.facebook.com/people/Mohamed-A-Idris/1054093455

ganaboo@gmail.com

 

آراء