جنيهات كادر الهندي كان لها شأن ورحلة للثغر الباسم بورتسودان أمنية عزيزة رأت النور !!

 


 

 

لم يدر بخلده يوما ما أن يكون ضمن كوكبة صغيرة ضمتهم عربة الدرجة الثانية بالقطار الصاعد من سهل الخرطوم الي تلال البحر الأحمر.
استحق هذا التمييز لانه التحق بسلك التدريس معلما بالمرحلة واسطة العقد التي أعيد الاعتبار إليها أخيرا بعد أن لحقتها يد الدمار مثلها مثل مرافق أخري !!
هذا الشاب الصغير أكمل شهرا واحدا فقط في المدرسة التي ارسل إليها وبذا استحق مرتب لهذه الفترة القصيرة وسلموه الماهية الخطيرة وكاد أن يقع مغشيا عليه عندما أفهمه الصراف أن المبلغ المستحق صرفه هو سبعة وعشرون جنيها وريال إضافة إلى إثنين جنيه ماسمي بكادر الهندي .
في الثانوي الذي تخرج فيه حديثاً كان مصروفه الشهري نصف جنيه وكان كافيا لمقابلة متطلباته الشخصية .
الذي حيره أن تعيينه تم والمدارس في عطلة لمدة شهر أي أنه تنعم بمبلغ يسيل له اللعاب ولم تداعب أنامله الطباشير ولم يدخل فصلا ولم يقابل تلميذا .
وضع هذه الثروة التي هبطت عليه من السماء في جيبه مع الحراسة المشددة وكامل اليقظة حتي لاتتسلل إليها الأيادي الخفيفة التي تسرق الكحل من العين ويمم شطر البريد وحول مبلغ عشرة جنيهات كاملة لوالده وكانت تعادل وقتها خمسة وثلاثون دولاراً أمريكيا .
ونزل الي السوق واختار من الملابس اجودها مع حذاء جلدي فاخر وساعة جوفيال ابو نسر كلفته أربعة جنيهات ونصف .
واكتملت السهرة بعشاء فاخر بكامل محسناته البديعية من تحلية وعصائر وشاي منعنع يظبط الرأس .
والقطار يطوي بهم القضبان طيا وهو في كامل الاستغراق لحاله الذي تبدل من طالب بإمكانيات محدودة الي موظف في ( اسكيل J ) تمنحه الدولة تصاريح السفر في الإجازة علي الدرجة الثانية في قطار به ( بوفيه ) علي الطراز الإنجليزي إذا ضربت الجرس يهرع اليك الجرسون وكانك اوناسيس ويكتب طلباتك علي نوتته ومن ثم ياتيك بما لذ وطاب والخدمة نفسها في غاية الابهة والرقي والفاتورة تات في نهاية الرحلة وتندهش عندما تري المبلغ المطلوب تجده معقولاً جدا وفي المتناول رغم أن طقس ومراسم الخدمة التي هي تضاهي الخمس نجوم تستحق اكثر من ذلك .
هذا الفتي الذي دخل الخدمة المدنية حديثا موظفا مازال اسمه مكتوبا بقلم الرصاص وعليه فترة تجريبية لمدة ثلاثة أشهر إذا اجتازها كفي الله المؤمنين شر القتال والا عليه أن يعود إدراجه .
وصل بورتسودان في نهاية العام تسعة وستون وكان الحر لا يطاق وكانت المدينة نظيفة والفنادق تحفة والمواصلات تتحرك مقيدة بالساعة وفي انضباط تام وهي تلمع من الأناقة بالداخل والخارج .
مطاعم بورتسودان كانت تقدم في أريحية وكرم اجود المأكولات وكان باستطاعة الزبون أن يتناول وجبته المفضلة مع مايليها من تحلية وكوب الشاي أو القهوة دون أن يتحرك من مكانه تسهيلا للكل مع تجويد الخدمة وكرم الضيافة .
هذا المعلم المستجد كان مدمنا للذهاب الي بار النصر ليس لتناول بنت الحان فهو لا يقرب المسكرات بلدية كانت أم مستوردة ولكنه يذهب إلى ذاك المكان لأن به اسطوانة تشغل معظم اليوم بأغنية هذه ليلتي للست ام كلثوم التي صاغ كلماتها اللبناني جورج جرداق وكان مفتونا بهذه الأغنية الفلتة لدرجة الوله .
وكانت حديقة البلدية علي مقربة من البار اشتهرت بتقديم اجود العصائر وفي أجوائها يطير بأناقة غراب بورتسودان الشهير باناقته وذكائه ومداعباته التي تكاد لا تنقضي .
كانت بهجته لا توصف عندما يشتري أحد التجار المقيمين معه بالفندق لوريا من الماركات الإنجليزية المعروفة ويحضره بتخشيبته المميزة لياخذهم في رحلة لتناول السلات عرفانا وشكرا لله لتحل البركة بمركبته الجديدة التي سينطلق بها الي أهله ودياره .
بورتسودان كانت الجمال عينه بانسانها الطيب وفرقها الرياضية المميزة وقد أنجبت الطاهر حسيب وفي الموسيقى محمدية ودور السينما بها كانت تقدم العروض الجيدة لكافة الأذواق .
اين انت يابورتسودان الآن في هذا الزحام !!..

حمد النيل فضل المولي عبد الرحمن قرشي .
معلم مخضرم .

ghamedalneil@gmail.com
///////////////////////

 

آراء