جيش عيي ام جيش مهني محترف؟

 


 

 

في البدء اترحم علي شهداء الوطن من ابناء الشعب السوداني ضحايا عنف الدولة واجهزتها الامنية والعسكرية ثم اترحم علي شهداء المؤسسة العسكرية الذين بذلوا دماءهم رخيصة قياما بواجبهم .

لا يختلف اثنان ان القائد العام يتحمل الوزر الاكبر عن الاوضاع الراهنة بقراراته الخرقاء نتيجة لذلك ينادي البعض بضرورة تنحي القائد . اليات تنحية القائد في الجيوش يستدعيها في الغالب ضغط شعبي من اجل التغيير وتتمثل في:

(١) قرار سياسي بواسطة الحكومة . وفي وضعنا الراهن لا اثر لحكومة.

(٢) بطرق قانونية مثل لجنة او كومشن من هيئة القادة والاركان لتنظر في اخفاقات البرهان وفساده ومن ثم سحب صلاحياته ورفده من الجيش.
(٣) انقلاب عسكري

الحقيقة المجردة التي لايمكن نكرانها ان المؤسسة العسكرية ارتكبت اخطاء فظيعة في حق الشعب السوداني.

و بحسب طبيعة الاشياء وبما ان مقدار المساءلة يتناسب مع حجم المسئوليات فان القائد العام يقع عليه النصيب الاعظم من وزر الاخطاء وتبعاتها من المساءلة والمحاسبة بالاضافة الي هيئة القيادة التي تشمل قيادات الوحدات هي ايضا تتحمل نصيب وافر منهما.

من منا لم يري صور اجتماعات القيادات الجيش وتنسيقهم وحركتهم الدؤوب طيلة السنوات السابقة وهذا دليل ان جماعة وليس فرد وراء القرارات الخرقاء التي حصدنا ثمارها نزوحا وقتلا وتشريدا.

جذور المشكلة ؟

عدة عوامل اسهمت في تدهور وتآكل المؤسسة العسكرية اهمها:

(١) تراكمت قصص وحكاوي بداخل هذه المؤسسة عبر عقود طويلة فانتجت عقيدة وثقافة فاسدة ومضللة في المؤسسة مفادها ان نظام الحكم العسكري هو افضل نظام حكم في العالم وان الشعب السوداني لاتنفع معه الديمقراطية وان الحكم العسكري ضرورة لان الشعب غير متعلم والي ان يبلغ الشعب الرشد والتعليم الكافي يجب ان يكون الجيش هو الوصي وان الجيش يضحي بابناءه لحماية الشعب فهم اولي بالحكم من غيرهم وان الاحزاب هي منبع ورأس الفساد وان قادة الجيش هم ملوك الادارة والاقتصاد والامدادات الخ.

هذه الثقافة جعلت قادة الجيش الانقلابيون يستخدمون ادوات الجيش في غير محلها المناط بها فالتوجيه المعنوي اصبح اداة تطبيل للحكم العسكري وتلميع لقيادات الجيش وتقديمهم كساسة ضليعين والامثلة لا حصر لها انظر لكتابات العقيد الحوري مثلا ثم انظر لاداء الاستخبارات العسكرية التي صارت في فترة ما تشترك في قتل المتظاهرين السلميين وتلاحق السياسيين وتشتري الصحفيين حتي صار الغاشي والماشي يعرف ارقام بنكك التي يستخدمها قادة الاستخبارات في منح الرشاوي للصحافيات والصحفيين القابلين للشراء. ليس ذلك فحسب بل هذه الثقافة اثرت علي قدرات المؤسسة في التواصل مع الشعب و القيادات الشرعية المدنية ذات السند الجماهيري الواسع فقادة المؤسسة ينظرون علي استعلاء الي القيادات المدنية. هذه النظرة والتضخيم للانا واحتقار وتصغير الآخر كان له اثر بالغ في خلق حالة عدم الاستقرار السياسي التي انتجت واقع اليوم .

(٢) كذلك دخول الجيش السوق ومجال التجارة والاستثمار وانفتاحهم علي دنيا المال والاعمال واستخدامهم لمؤسسة الجيش كميزة تفضيلية اضرت بالاستثمار والتجارة والاقتصاد وجعلت المنافسة الحرة العادلة صعبة.ولا يخفي علي احد الصراع المعلن الذي خاضه الجيش ضد السياسات الاصلاحية لحكومة حمدوك التي استهدفت اصلاح هذا الخلل.

(٣) كذلك ضعف قيادات الجيش وعدم تاهليهم وتحصينهم ضد جرثومة الايديولوجية الحزبية والاختراقات الاستخباراتية الخارجية. و تجربة حقبة الانقاذ وحقيقة انتماء البشير واعضاء مجلس ثورة الانقاذ الوطني للحركة الاسلامية وما ترتب عن ذلك من استبداد وفساد عظيم وتفكيك لمؤسسات الدولة وتوسع في المليشيات عظة وعبرة لكل باحث.

ان مما يثير العجب والسخرية القاء اللوم وتحميل الوزر من قبل قادة الجيش وبعض الاقلام الصحفية المرتشية علي الاحزاب والقوي المدنية و وكذلك القاء اللوم علي الاستخبارات للدول المعادية لانها تنخرط في عمليات صناعة خلايا داخل الجيش عبر شراء واختراق ضعاف النفوس وضعاف التأهيل المؤسسي والقيمي والاخلاقي.

واجب المؤسسة ان تؤهل افرادها نفسيا وأخلاقيًا ومؤسسيا وان تحصنهم ضد الايدولوجيا سواء كانت يمينية او يسارية وضد اساليب الاعداء في الداخل والخارج لشراء الذمم او شراء الولاء او التنويم والسحر او الابتزاز كما واجب المؤسسة ان تضع اليات مؤسسية لمنع ذلك وحماية المؤسسة وامنها وامن افرادها من الاختراق. يجب علي المؤسسة افرادا وقيادات ان يعضوا بالنواجذ علي رسالتهم والوعي لدورهم في (الموازنة بين دور المؤسسة العسكرية في حفظ الامن القومي ودورها في تأمين ودعم الانتقال الديمقراطي وتعزيز الديمقراطية).

اداء المؤسسة في الفترة الانتقالية وقبل وبعد الانقلاب ثم في الحرب الحالية ضد احد مكونات الجيش سلط الضوء علي نقاط ضعف المؤسسة وحاجتها للتحديث في مجالات عدة اهمها راس المال البشري والتخطيط الاستراتيجي وحقوق الانسان وتعزيز الديمقراطية واخلاقيات العمل .

ان للمؤسسة العسكرية السودانية تاريخ به سلبيات وفيه ايجابيات فالمطلوب تعزيز الايجابيات ومعالجة السلبيات مع تعظيم الاهتمام برسالة المؤسسة وعقيدتها التي تتمثل في (الموازنة بين دور المؤسسة العسكرية في حفظ الامن القومي ودورها في تأمين ودعم الانتقال الديمقراطي وتعزيز الديمقراطية).

شريف محمد شريف علي
٢٦/١٠/٢٠٢٣

sshereef2014@gmail.com
////////////////////////

 

آراء