حب الإستطلاع الذي قتل ” الكديسة ” .. بقلم : بدرالدين حسن علي

 


 

 


هاتفني صديق قائلا أنه  يصاب بحساسية مفرطة عندما يرى شابا ملتحيا ، وعندما سألته : ومن أين جاءتك هذه  الحساسية ؟ قال لي لا أدري ، يعتريني خوف وذعر وشفقة  ، أحس أنه غير صادق ، وأنه يضع ميكياجا او قناعا  أو شيئا من هذا القبيل ، الحقيقة وجدت الموضوع ممتعا وشيقا  وظهر أمامي شريط سينمائي لوجوه بعض  أصحاب اللحى  فقررت الإسترسال معه  من باب الإستطلاع  ، وطبعا حب الإستطلاع أحد الدروس الهامة في مجال المسرح والتمثيل وهي بعنوان " "Curiousity Killed The Cat   وربما تكون الترجمة هي : حب الإستطلاع قتل القطة " ، وأهلنا في السودان يقولون " حب الإستطلاع قتل الكديسة "
وأذكر أني سألت  خالي الفكي عبدالرحمن "مدير المسرح القومي الأسبق " "  وهو خريج فن المسرح في لندن عن معنى حب الإستطلاع في المسرح ولماذا هو مرتبط بالقطة ؟ فقال لي :  " يقولون أن عالما فيزيائيا اسمه شرودنجر كان لديه قطة قام بوضعها داخل جرة ووضع معها عبوة ناسفة تكفي لقتل القطة ، ثم أغلق الجرة منتظرا ما سيحدث ، بالطبع ما فعله شرودنجر أصبح نظرية معروفة عالميا    عن " الفضول عند الإنسان "  ، ومضغ قطعة كبيرة من " البصلاية " التي أمامه   وعندما سألته عن علاقة ذلك بفن المسرح و التمثيل " مضغ قطعتين أخريتين من البصل و الزنجبيل  " ثم  قا ل: لأن الممثل عندما يتقمص الدور فهو يجرب حب الإستطلاع  ،   هل جربت أنت حب الإستطلاع ؟
قلت له : لم أجرب ، جربت لغة  الصمت ، وجربت أن أقول للسفيه   باع ...
ثم شرح لي على مدى ساعة كاملة تلك النظرية التي درسوها لهم في بريطانيا – وهو يمضغ البصل – "  قال أيه قال  اكل البصل مفيد "   ولكني لم أقتنع بحديثه لأني كنت على يقين أن شرودنجر كان مجرما ، وروى  لي الفكي حكايات أخرى عن الكاتب المسرحي بن جونسون قائلا :  هو  مؤلف مسرحية " القلق سيقتل القطة " – قاطعته قائلا  تقصد البصلة التي قتلت الفجلة – حدجني بنظرة غاضبة وواصل : إن  شكسبير مثل في شبابه أحد الأدوار ذات العلاقة بشرودنجر  وأن مسرحه يقوم في أحد جوانبه على نظرية حب الإستطلاع وعندما إنتهى " ناولته بصلة " و قلت له : تعرف يا خال " كل ده خرابيط " وإذا به يتناول كل البصل ويشتمني  .
ما علينا   أعود لقصة صاحبي مع اللحية  وقد سيطر علي حب إستطلاع غريب من نوعه تذكرت معه –  ملحمة  البصل -   قلت له : ولماذا لديك حساسية مع اللحية ؟ قال لي أحس أنه مخادع أو مريض نفسيا أو يخفي عيبا ما وانه فقط يبحث عن إحترام الناس له رغم سجله المخزي .
قلت له  دقيقة يا أستاذ - وأسرعت إلى المطبخ وأحضرت بصلايه: أعتقد أنك محتاج لإعادة النظر في حساسيتك المفرطة هذه  ، لأنك تظلم أناسا آخرين . ظلم ال .. ظلم البصل والفجل . 
" غير نبرة صوته "  وقال ::
ما تقوله جائز ولكن   إستمع لي  جيدا ، ماذا يعني أن يطلق أحدهم لحيته ؟     أنا ألاحظ إنتشار غريب للحية في السودان ، تابعت باهتمام موضوع الإعتصامين في رابعه العدويه والنهضة ، وتابعت أيضا مسألة فض الإعتصامين ، وشاهدت عددا كبيرا من اللحى والذقون ، و في كل مرة أشاهد التلفزيون أرى أناسا بلحى  ، وكنت أتساءل هل هناك علاقة بين الدين واللحيه ؟ طبعا لا  ، إذن  ما هو سر العلاقة  في وقتنا الراهن  بين رجل الدين واللحيه ؟  هل هناك علاقة بين السلوك السوي واللحيه ؟
أعرف شخصا من مدمني البنقو وكانت له لحيه ، وأعرف شخصا آخر من أصحاب السوابق وله لحيه ، حتى هنا في كندا جاءني أحد أقربائي في زيارة خاطفة وكانت له لحية ، في البداية لم أهتم ولكني إكتشفت أنه يقضي ساعة كاملة في الحمام مع لحيته ، في يوم من الأيام كان باب الحمام مفتوحا فوجدته ينظر للمرآة ويشذب لحيته  ، بصراحة تضايقت منه  لأني كنت أريد دخول الحمام ، وفي شقتي حمام واحد ، مرت بي لحظات عصيبة جدا ، كدت أنفجر ، ولكن صبرت تأدبا  واحتراما ، وأنا أغلي من الداخل ، ومن يومها جن جنوني مع اللحية  .

وواصل قائلا :  أنت رجل مسرح وأنا قرأت يوما ما  أنه فى عام 1664 كتب الكاتب الفرنسى الكبير موليير مسرحية اسمها تارتوف، رسم فيها شخصية رجل دين فاسد بلحيه ضخمة  يسمى تارتوف، يسعى إلى إشباع شهواته الخسيسة وهويتظاهر بالتقوى.. وقد ثارت الكنيسة الكاثوليكية آنذاك بشدة ضد موليير ومنعت المسرحية  خمسة أعوام كاملة  ، ولكن " تارتوف " أصبحت  من كلاسيكيات المسرح العالمي ، حتى صارت كلمة تارتوف فى اللغتين الإنجليزية والفرنسية تستعمل للإشارة إلى رجل الدين المنافق، على مستوى العالم كم  عدد التارتوفيين ؟ 


وواصل قائلا :  قبل أيام  عادت بي الذكريا ت إلى السودان الشقيق  !!  ، كان لي جار له لحية وكنت أنا أيضا لي لحيه  ، كانت في ذلك الوقت موضة  وسط الأهل  و كان جاري  يحييني باحترام شديد ، وفي يوم ما رآني بدون لحية ، فقد حلقتها ، لم يحييني وإنما سألني أين اللحية ؟  إندهشت ولم أرد ، فقال لي أنت كافر ،  انت ملحد أغرب عن وجهي ، لعنة الله عليك ، منذ ذلك اليوم لم ير لحيتي و اشتط في معاملتي إلى درجة التهديد بقتلي
وواصل :     في نفس تلك الفترة جاءتني كريمتي وطلبت دينارا ، أعطيتها ما طلبت ، جاءتني في اليوم التالي وطلبت دينارا  ، قلت لها بالأمس أعطيتك دينارا  أين ذهب ، قالت لي إحتسبته لله ، قالت لي ذلك ووقتها لم يكن معي " حق قفة الملاح " وفوجئت بها تسالني  : أين لحيتك يا بابا ؟ بصراحة صعقت ، ما علاقة الأطفال باللحى ؟                   
-أوه إتذكرت حاجه
-شنو ؟
-    إنت بتعرف السفاح ؟
-    بتاع بغداد الكان بركب عجلة وعندو لحيه  وبلبس بدلة مزركشة  وشايل ساطور  ؟
-      لا ياخي ، بتاع الدولة العباسية ، يقال أن السفاح هذا حين وصل للحكم في العصر العباسي نبش قبور بني أميه واستخرج جثثهم وحرقها ونثر رمادها ، وهو نفسه الذي أتى يوما وأعطاهم الأمان  ،  دعاهم يوما  للأكل وجلس يأكل فوقهم وهم يئنون في ألم حتى أسلموا الروح " ها ها ها "
-    وما علاقة هذا بموضوعنا ؟
-     أصلو السفاح ده كان عندو لحيه كبيرة  ، وأمبارح كنت بتفرج في  مسلسل  كوميدي بطلو توفيق الدقن وأنا اصبحت أقول أن الإنسان حيوان له ذقن  ها ها ها  إنت ما بتضحك ليه ؟
قلت أكيد الراجل ده " جاتو لوثه " لم  ارد عليه تركته على سجيته ، فقد كنت سارحا مع موضوع  حب الإستطلاع الذي قتل " الكديسة "  ، وفجأة سألني :
- بالمناسبة إنت  زملكاوي ولا أهلاوي ؟


قلت مقاطعا  : أنا هيثماوي ، إنت مالك ؟  ،  هون عليك يا صديق  الظاهر السياسة عملت فيك  عمايل ،  كلها مية يوم  وترتاح  .
- قلت كم ؟
- مية يوم
- ياخي الناس ديل ليهم  قريب التسعمية يوم  تقول لي مية يوم ؟
- يا بني آدم أفهم المية يوم تعبير رمزي ، مجازي ، يعني ما يالضرورة تكون مية يوم ، اليوم يحك اليوم  ،  وافرض ألف يوم ورانا شنو ؟   عموما أشكرك على هذه المحاضرة القيمة ، ولكن ما زلت أرى أن تكبح حساسيتك قليلا ، فأنا مثلا لا تهمني اللحية إطلاقا ، لا يهمني الشكل ، يهمني المحتوى .
- وأنا مثلك لا يهمني المظهر يهمني الجوهر  يهمني المحتوى ولكن يستفزني الشكل  خاصة إذا كان الشكل خادعا ،إنت عرفت هاشم صديق قال أيه في البلد الخربانه من كبارا  
- قال أيه ؟
- قال :
عقدين من الزمن الرماد
مرجيحه
ما بين
"سين وصاد "
صاغرين
تقول سخرة
وهوام
وبندي للطاغية
التمام
.............
لا "جودو "
عانق للحلم
لا "الخضر "
فج الظلام
.........
الثورة "مانشيت "
في الزمان
والريح بتمحا
حروفا
ما بين "يمينها "
ومن شمال
ومهيرة
"تعلن عن رجال
لقيادة ما صفوف
الإعادة
لي حزمة
من فرسان عدال
مجبولة للنار
والشهادة
وللقيادة
إلا الوشوش
" والكلام ياهو الكلام "
زي تقول نحنا الدواب
والطاغية ماسك
للجام
-    والمناسبه شنو يا خوي ؟
-    ما المناسبة في الطاغية الماسك اللجام .
-    مالو الطاغيه ؟ ما حاجه تمام
-    أصلي شفت صوره لمرسي وعندو لحيه وبسلم على ناس كلهم عندهم لحى ، والمرسي التاني ما عندو لحيه وبسلم على ناس ما عندهم لحى




badreldin ali [badreldinali@hotmail.com]

 

آراء