حتي لا تجف منابع الإبداع: هل يتصالح المجتمع مع مثقفي النظام البائد؟

 


 

 

هذا السؤال ليس جديدا ،أو من عندي، فقد طرح من أيام اليسار الفرنسي ،بعد اندحار النازية وخروجها من فرنسا.. حيث تورط عدد من المثقفين والكتاب الفرنسيين في انتمائهم الي النازية ،أبان فترة صعودها في النصف الثاني من ثلاثينيات القرن الماضي ، إما بالتواطؤ، أو التعاون،أو العمالة...وكانت هناك أسماء كثيرة لمشاهير ، في الفلسفة والقصة والرواية والموسيقى والمسرح..منهم الكاتب الفيلسوف ( مارتن هايدجر) ، أعظم فلاسفة القرن العشرين،والروائي( بيل ليبونار)، والكاتبة الشهيرة( مارجريت دوراس) ،والصحفي ( روبر براسيلات )،والروائي ( مارسيل ايميه )أكثر الكتاب شعبية من بين المجددين في الأدب الفرنسي.
أما ( بول سارتر) و ( سيمون دوبوفار ) فقد اتهما بالصمت وعدم إبداء الرأي ،مقابل السلامة وعدم الإيذاء..
وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وإزالة إمبراطورية الرايخ الثالث،طرح مثقفو فرنسا ذلك السؤال : كيف نتعامل مع الذين تعاونوا مع الغزو الألماني؟
ونفس الإشكالية واجهت دولا اخري كثيرة، منها دول آسيوية واخري أوروبا وأيضا عربية مثل العراق بعد حكم صدام حسين ، ومصر بعد حكم عبدالناصر..وليبيا بعد القذافي؟
وتبرز، هذه الإشكالية، الآن في السودان...بعد نجاح ثورة ديسمبر المجيدة، واندحار حكم الإنقاذ.
أقول ذلك وفي الخاطر ،متغيران متلازمان لابد من التوفيق بينهما حتي لا تجف منابع الإبداع في بلادنا..
المتغير الأول: وجود اسماء وشخصيات كان لها حضورها في المشهد الثقافي إبان حكم الإنقاذ، وقد ( تورط ) وكان ملكيا أكثر من الملك. وبعضهم داهن وخادع وساير الركب بل بعضهم غني وتغني ، نثرا و شعرا ولحنا في النظام وقادته ..
وفي الشاطئ المقابل،هناك من نشد السلامة ولم يعادي النظام او يصادمه،بدعوي أنه لا يمتلك الكثير من أدوات المعارضة او الصدام،إلا قلمه ،أو ريشته،أو حنجرته.. وكلها أدوات ،في اعتقاده، هشة في ظل الديكتاتوريات،وقابلة للكسر،وبالتالي يفقد صاحبها عند المجابهة او المعارضة ،مصدر رزقه وعياله ،إن لم يزج به في السجن.
والمتغير الآخر...هو البحث عن حلول ...فقد توقفت الحياة الثقافية في السودان خلال الفترة الماضية وتدهورت الي حد الاشفاق...
واستعانة بالحلول التي طرحها مثقفو باريس حيال هذه المشكلة..وحتي لا تفقد مدينة النور شعلة ضيائها ،ولا تجف ينابيع الإبداع فيها...وجدوا حلا وسطا لا يغضب أحدا.. تركروا الباب أمامهم مؤاربا لمن أراد منهم العودة الي حضن الوطن ويتصالح مع المجتمع ،وخرجت توصياتهم: نحن لم نعد ننظر إليهم كما كنا في السابق ...وبمقدور المثقف ، اليوم ، أن يتناسي تواريخهم ،ويحكم عليهم من خلال توجهاتهم الحالية وانخراطهم في قضايا الوطن بروح المسئولية.
كانت تلك نظرة تسامح مثقفي باريس للكتاب والفلاسفة والفنانين الذين تعاملوا وتعاونوا مع الغزو الألماني...تري هل يستطيع المجتمع السوداني أن يتسامي علي جراحه و( يغفر) لمثقفي وفناني وكتاب فترة حكم الإنقاذ، ويمنحهم فرصة العودة للمشاركة في قضايا وهموم الوطن ،واثراء ساحته الفنية بروح المسئولية كما فعل مثقفو فرنسا بعد الحرب العالمية الثانية؟
د.فراج الشيخ الفزاري
f.4u4f@hotmail.com
///////////////////////

 

آراء