حرية الصحافة و”اصحاب النفوذ”

 


 

 

الخرطوم: علاءالدين محمود

احتفل العالم اول امس باليوم العالمي لحرية وكانت مناسبة لمراجعة الحريات الصحفية على مستوى العالم ومايتعرض له الصحافيون في مختلف اماكن عملهم من مضايقات وضغوط لاسباب مختلفة وكانت العبارة المثيرة للتأمل تلك اطلقها بان كي مون في الاحتفال بحرية الصحافة عندما قال : " إن اصحاب النفوذ في العالم يضعون العراقيل أمام حرية الصحافة" وعبارة "اصحاب النفوذ" التي اطلقها بان كي مون الامين العام للامم المتحدة تصلح لكل وطن بحسب واقعه السياسي والاجتماعي ، والعبارة تصلح لكل في توصيف كل حائل يحول دون حرية الصحافة وفي السودان احتفال اتحاد الصحفيين السودانيين "المنتخب" باليوم العالمي لحرية الصحافة وهو الاتحاد الذي تمثل معظم وجوهه التيار السياسي الممسك بالسلطة في السودان وبينما اشبع قانون الصحافة والمطبوعات لعام 2009م والمراسيم التي تلته مثل ميثاق الشرف الصحافي ، نقدا من قبل الصحفيين السودانيين خارج المنظومة المتماهية مع السلطة السياسية ، فان اتحاد الصحافيين الجديد وجد فيه قانونا يتيح الحريات الصحفية في السودان وبدأ ذلك جليا في تصريحات د. محي الدين تيتاوي رئيس اتحاد الصحفيين

تيتاوي وجد فيه قانونا وهب الحرية للصحافيين واصبحت معه الصحافة السودانية حرة غير ان تيتاوي لم يسهب في الحديث عن حرية الصحافة بقدر ما اسهب في الحديث عن الاوضاع المعيشية للصحافيين السودانيين واعدا الصحافيين السودانيين بمعيشة رغدا عندما قال إن العام الحالي سيشهد تحسينا في الأوضاع المعيشية للصحافيين السودانيين وقال ناشط بشبكة الصحافيين السودانيين ان تيتاوي بدأ وكأنه يتحدث في يوم الغذاء العالمي وليس اليوم العالمي لحرية الصحافة وذكر ياسر هرون ان اليوم العالمي لحرية الصحافة وجد الصحافيين السودانين يعانون تراجع على مستوى الحريات مع اجازة قانون للصحافة لاينسجم مع قوانين التحول الديمقراطي وقال ان الشبكة كان لها موقف واضح حيال ذلك القانون قبل اجازته وهو ضرورة اسقاطه بالمرة وليس مجرد تعديله

وكان قانون الصحافة الجديد قد وجد معارضة كبيرة على مستوى الصحافيين السودانيين قبل ان يحدث ارباكا وسط صفوفهم خاصة ان القوى السياسية المعارضة قد اسهمت في اجازته فجاء قانونا متفق عليه من قبل القوى السياسية وخرج اعضاء الكتل النيابية بالمجلس الوطني فرحين بالتعديلات التي اجريت على مشروع قانون الصحافة 2009م يحركهم اعتقاد انهم قد انجزوا وعدهم الذي قطعوه امام الصحافيين بان يسهموا باجازة قانون ديمقراطي يسهم في مسيرة التحول الديمقراطي فكان ان اجيز القانون بالاجماع او كما قال احد النواب ( قانون لا فيهو شق لا طق) ومن جانبهم خرج الصحافييون بعضهم لايدري اخير اريد بهم ام شرا وبعضا اخر يظن ان الكلمات والعبارات الانشائية الفضفاضة قد ضمنت لهم قانونا حرا ديمقراطيا وهو المطلب العزيز طالما ان الاصل في القانون التقييد وليس ضمان الحريات غير ان الغائب الاكبر في هذا القانون الذي اجيز بالاجماع هو حقوق الصحفي نفسه ، حقوق الشخص الممارس للمهنة وعلى راسها الحقوق المادية والحقوق المتعلقة بالاجور والوصف الوظيفي ووضع الصحفي من حيث حقوقه المادية داخل المؤسسه التي يعمل داخلها ، القانون لم يعالج هذه المسأله الا من حيث وضع بند يتعلق بالحد الادنى للأجور وهو الذي ورد في منشور في وقت سابق من قبل مجلس الصحافة والمطبوعات يحاول فيه جاهدا حماية حقوق الصحافيين عبر وضع حد ادنى للأجور وهي العملية التي لم يستطع المجلس الزام المؤسسات الصحافية بها ولايتوقع ان يستطيع هذا القانون ان يلزم بها احد فهذه العملية كما يقول مراقب صحافي تحتاج الى ارادة سياسية حقيقية تنظر في حقوق الصحافيين ويكون محصلة ما تخرج به ملزما للجميع ويقول الرجل ان وجود قانون يهمل هذه الجوانب يسهم تماما في اهدار حقوق الصحافيين ويعلي في نفس الوقت من ارادة العقوبات ويقول المراقب الصحافي انه يرفض تماما وجود قانون للصحافة . غير ان الكتل النيابية والصحافيين الذين هللوا للقانون كانوا ينظرون الى مساحة الحرية فيه خاصة اذا تمت مقارنته بمشروع القانون قبل مرحلة التعديل بينما يرى الصحافي قرشي عوض المحرر باجراس الحرية ان الرقابة مازالت موجودة واصبحت مصممة بشكل اكثر اتقانا واقل حرجا للسلطة واصفا ما حدث بأنه تاميم ومصادرة للصحافة ويضيف عوض ان كل الاليات التي كانت تحد من حرية الصحافة بشكل سافر تم استبدالها بالمحكمة ، والمحكمة كما يرى محدثنا تستطيع فرض عقوبات مالية بما تحدده هي ، وتستطيع ان توقف رئيس التحرير ، وتستطيع ايقاف الصحفي بالمدة التي تحددها ، وتستطيع مصادرة المطبعة ،وتستطيع سحب السجل الصحافي ، الى ان يخلص قرشي عوض الى ان كل التدخل الاداري الذي كانت تقوم به جهات بعينها اصبحت تقوم به المحكمة . ويتسأل قرشي عوض عن سر الغبطة التي علت وجوه نواب التجمع الوطني الديمقراطي بعد ان تمت اجازة القانون ؟! ويبدو تسأول عوض مشروعا خاصة ان القانون بعد التعديل يقر إيقاف الصحفي وتعليق عمل المطابع، ويترك المجال أمام تدخل الدولة على أساس اعتبارات الأمن القومي أو النظام العام وذلك عبر النص الذي يقراء : لا يجوز فرض قيود على حرية الصحافة والنشر وفقا للقانون، إلا في القضايا المتعلقة بالحفاظ على الأمن القومي والنظام العام والصحة وتبدو هذه القضايا ( المتعلقة بالحفاظ على الامن القومي والنظام العام ) هي نفسها الاسباب التي اتاحت من قبل للرقيب التدخل في الصحافة

مصاعب كثيرة واجهت الصحافة السودانية خلال العام الماضي بفضل الرقابة القبلية على الصحف والتي لم يفلح قانون الصحافة في رفعها بل احتوى على رقابة جديدة في ثنايا بنوده وفقرات وبالرغم من قرار رئيس الجمهورية عمر البشير العام السابق برفع الرقابة على الصحف الا ان ذاك القرار كان قد صنع قيدا جديدا عندما اشترط عدم انتهاك ميثاق الشرف الصحفي

الذي تم الاتفاق عليه كل من جهاز الامن الوطني ومجلس الصحافة والمطبوعات  والاتحاد العام للصحفيين السودانين وروؤساء تحرير الصحف الذين نقلت اليهم مهمة الرقابة لتصبح الرقابة بدلا عن رقابة قبلية الى رقابة ذاتية وهذا ما أكد عليه تصريح رئاسة الجمهورية عندما ذكر ان روؤساء تحرير الصحف قد  ألقيت على عاتقهم المسؤولية الرقابية المباشرة بل وذهبت رئاسة الجمهورية الى ابعد من ذلك بالقول (ان كل صحيفة لا تلتزم بضوابط ميثاق الشرف الصحفي ستتعرض استثناءا لعقوبات صارمة) ويبدو المعنى واضحا هنا وهو استمرار الرقابة القبلية بشكل استثنائي على الصحف الرافضة للميثاق بل ودعت رئاسة الجمهورية رؤساء تحرير الصحف الى مباشرة مسؤولياتهم المهنية واداء دورهم الاداري والاشرافي الضابط لصدور الصحف لتجنب ما يفضى الى تجاوز الخطوط الحمراء وتفادي الخلط بين ما هو وطني وما هو هادم للوطن وسيادته وامنه وقيمه واخلاقياته . وبطبيعة الحال في مثل هذه الظروف كما يرى عدد من المراقبين فان مثل هذه التوجيهات الرئاسية لاتحمل توضيحا وتفسيرا لماهية الخطوط الحمراء التي يحرم تجاوزها أو لاتعطي تصورا أو تعريفا لماهو وطني وماهو هادم للوطن وسيادته

ومن ابرز النقاط التي احتوى عليها ميثاق الشرف الصحفي المتفق عليه من قبل جهاز الامن ومجلس الصحافة والمطبوعات واتحاد الصحفيين وبعض روؤساء الصحف  التزام الميثاق الجديد بعدم نشر الوقائع مشوهة أو مبتورة وعدم تصويرها أو اختلاقها على نحو غير أمين الالتزام بتحري الدقة في توثيق المعلومات ونسبة الاقوال والافعال الي مصادر معلومة كلما كان ذلك متاحا او ممكنا طبقا للاصول المهنية السليمة التي تراعي حسن النية. والالتزام بعدم استخدام وسائل النشر الصحفي في اتهام المواطنيين بغير سند أو في استغلال حياتهم الخاصة للتشهير بهم او تشويه سمعتهم او لتحقيق منافع شخصية من أي نوع، وأن لا يلجأ الصحفي لابتزاز الاخرين باي شكل من الاشكال ويحظر علي الصحفي استغلال مهنته في الحصول علي هبات او اعانات اومزايا خاصة من جهات أجنبيه او محلية بطريقة مباشرة او غير مباشرة. ويمتنع الصحفي عن تناول ماتتولاه سلطات التحقيق او المحاكم في الدعاوي الجنائية او المدنية بطريقة تستهدف التاثير علي صالح التحقيق او سير المحاكمة ويلتزم الصحفيون بواجب التضامن دفاعا عن مصالحهم المهنية المشروعة وعما تقرره لهم القوانيين من حقوق ومكتسبات ويتمسك الصحفي بما يليه من حقوق باعتبارها التزامات واجبة الاحترام من الاطراف الاخري تجاهه. ولا يجوز أن يكون للرأي الذي يصدر عن الصحفي او المعلومات الصحيحة التي ينشرها سببا للمساس بأمنه، كما لا يجوز أجباره علي إفشاء مصادر معلوماته وذلك كله في حدود القانون في مجتمع ديمقراطي. لا يجوز تهديد الصحفي او ابتزازه بأي طريقة في سبيل نشر ما يتعارض مع ضميره المهني او لتحقيق مأرب خاصة باي جهة او لأي شخص . غير ان الاعتراضات التي قوبل بها ميثاق الشرف الصحفي جأت من كون ان الميثاق جا بعيدا عن الصحفيين وتم فرضه عليهم كما تقول بذلك مجموعة من الصحفيين في بيان لها رأت ان ميثاق الشرف الصحفي الذي تم ابرامه بعيدا عن الصحافيين يكرس للرقابة الصحفية ويستبدل الرقابة المباشرة من قبل جهاز الامن برقابة اخرى ذاتية على الصحف وبتوجيه مباشر من رئاسة الجمهورية وباشراف كامل من قبل جهاز الامن صاحب فكرة مايسمى بميثاق الشرف الصحفي وترى هذه المجموعة ان هنالك بالفعل حاجة الى ميثاق شرف صحفي للصحفيين على ان ينجزه الصحفيون انفسهم وقريبا من هذا الاتجاه يرى فيصل محمد صالح الكاتب الصحفي في حديث ان مشكلة هذا الميثاق انه قد فرض من قبل جهات أعلى على الصحافة السودانية وتم بمبادرة من جهاز الأمن السوداني وليس بعد مناقشات بين الصحافيين السودانيين . وتقول منظمة الحقوق السودانية ان هنالك حقائق جديرة بالاعتبار كان من الضروري الاهتمام بها وهي ان الرقابة الذاتية كبديل للرقابة القبلية هي رقابة بلا سقف وان الرقابة الذاتية كما الرقابة القبلية تعني الحظر المسبق للنشر بما يعني الانتقاص من حرية التعبير وإبدأ الراي ولاضرورة لكليهما طالما ان هنالك عقوبات قانونية بسبب النشر الذي يخالف القانون . وترى منظمة الحقوق السودانية ان قانون الصحافة لعام 2009م لم يمنح اية جهة الحق في ممارسة الرقابة قبل النشر وان المحاكم المختصة هي المسئولة عن مخالفة القوانين وتخلص المنظمة الى ان ميثاق الشرف الصحفي بصورته الحالية هو تراجع واضح عن الحقوق ويتعارض مع قانون الصحافة 2009م الذي لم يقرر الرقابة قبل النشر سواء للاجهزة الرسمية أو رؤساء التحرير

ويبدو ان التشريعات التي اريد لها ان تنتج صحافة حرة كانت هي ذاتها قيدا على الحريات الصحافية في السودان ليأتي اليوم العالمي لحرية الصحافة ليجد تراجعات كبيرة تشهدها الصحافة السودانية على مستوى الحريات خلال العام السابق وهو العام ذاته الذي شهد ميلاد قانون الصحافة الجديد بالرغم من ذلك شهد نفس العام مضايقات كبيرة تعرضت لها الصحف وتعرض لها الصحفيين حيث تم ايقاف عدد من الصحف واستدعاء عدد من الصحفيين ورؤساء تحرير الصحف اضافة الى التراجعات على مستوى بيئة العمل نفسها واقتصاديات الصحف مما اثر كثيرا على مستوى المهنة ذاتها لينعكس كل ذلك على اداء الصحف اثناء فترة الانتخابات وبحسب "المنتدى القومي السوداني" المعني بالرقابة الاعلامية على الانتخابات فإن الصحف تأثرت كثيرا عبر سيطرة احزاب سياسية معينة على مستوى حرياتها وحيدتها لتجد بالفعل مقولة بان كي مون "اصحاب النفوذ" مكان لها من الاعراب في وسط احوال الصحافة السودانية ويرى تقرير المركز الذي اشرنا اليه ان وجود الاعلانات شكل مانعا في تقسيمهم للصحف لايجاد مكان لصحف "مستقلة" وانهم قاموا بتقسيم الصحف الى حكومية وحزبية وشبه مستقلة وارجعوا ذلك لوجود الاعلان وسطوته التي تحول دون وجود "صحافة مستقلة" في تقسيمهم للصحف

 

 

Alaa Addin mahmued [alaaddinadwa@hotmail.com]

 

آراء