حفل تدشين كتاب “حقوق المرأة بين الإقرار القانوني والتطفيف في الممارسة”

 


 

 


دراسة قانونية للدكتورة سعاد إبراهيم عيسى

دراسة بحثية تكشف دقائق الواقع الحقوقي للمرأة وسوالب التطبيق الفعلي
آمال عباس، تشيد بمنهج المؤلفة وتحليلها الاستقصائي للقضايا الحقوقية للمرأة في بلد مثل السودان يصعب فيه استقاء المعلومات وبخيتة أمين، تدعو كل امرأة لاقتناء المؤلف
عزيزة عصمت: المؤلف كشف لنا عن وظائف خالية والأدهى أن من بينها وظائف شاغرة بديوان شئون الخدمة نفسه!
نفيسة أحمد الأمين: الدراسة صوبت إلى كون النساء لا يعرفن ماهية حقوقهن والدور هنا على المنظمات النسوية العاملة


رصد: عادل حسون

المرأة، اييهٍ اييهٍ، يا لسحرها، عالم خفي ومدهش وشقي في أحايين، كائن ضعيف وقوي في آن، حقها وحقوقها اليوم وعلى مدى الحقب الماضية، ما نالته وما تصبو إليه، ما تحقق منه وما يزال في البعيد ينتظر. سيرة ومسيرة بحثت ونقبت فيها العالمة الدكتورة سعاد إبراهيم عيسى، في أحدث مؤلف من نوعه ينضم إلى المكتبة السودانية، ولئن كان يقبع الآن في مكتبة جامعة الخرطوم العتيقة، إلا أنه ينتظر مزيدا من البحث والعرض والحديث، الذي ابتدرته ونالت أجره الأدبي مسبقاً، مجموعة المبادرات النسائية، في منشطها بالتعاون مع النادي العائلي، واحتفالها أمسية الاثنين الماضية، بتدشين كتاب (حقوق المرأة بين الإقرار القانوني والتطفيف في الممارسة)، لمؤلفه د. سعاد إبراهيم عيسى، رائدة الحركة النسوية والأكاديمية المرموقة والمستشار الإعلامي لمفوضية استفتاء جنوب السودان، بحضور الأستاذة الصحفية، آمال عباس، ونخبة من رائدات الحركة النسوية، حاجة كاشف بدري، الأستاذة خالدة زاهر، ود. نفيسة أحمد الأمين. قدّم للكتاب في شرحه القانوني، المستشار مولانا عزيزة عصمت، المحامي، وفي شقه الاجتماعي، الأستاذة آمال عباس، وقدمت الحفل وفقراته، أستاذة الصحافة والإعلام، د. بخيتة أمين، التي أكدت على أن المؤلف جدير بأن يُقتنى ويُضم إلى كل مكتبة سودانية خاصة أو مكتبات المنظمات الحقوقية، وسط تشريف نخبة من رواد النادي المخملي ورموز المجتمع العاصمي. عطّر أمسية الحفل البهيج بالشدو في سماءه، المطربة عزة أبو داود، بإختيارها عديد من كلاسيكيات الغناء السوداني، بمثال، زهرة الروض، وأغنيات للأُم ابتدرتها بأغنية، أمِّي الله يسلمك.

تحليل محايد لا منحاز
في بدء عرضها للمؤلف، أمّنت الأستاذة آمال عباس، على قول د. بخيتة أمين، أن الكتاب المحتفى به يمثل تتويجاً لنضال رائدات الحركة النسوية بإيراده لمعلومات عن حقوق المرأة من منطلق حيادي ودونما أي تحيز. وفي قولها أن المؤلفة عرضت في بحثها ليس من منظار الباحث البعيد وإنما المواكب والمعايش فهي، من رائدات الحركة الحقوقية للمرأة السودانية ومن اللائي، وضعن الهّم الإيجابي ليس للتأريخ النسوي فحسب، بل والإنساني. وهذا يتجلى، في طرق الكتاب لحقوق المرأة بشكل عام وليس في السودان فقط وكذا، تأريخ الحركات المرصدية في سياقها التاريخي وهو الأمر، الذي يحتاج إلى قدرا عاليا من الصلابة والدقة في تناول مشكلات المرأة بداية، بوضع المرأة في الإسلام. ورأت أ. آمال، أن المؤلفة أقرت بمكاسب للمرأة منذ بدء التاريخ وقبل مرحلة التنظيم والمطالبة بالحقوق التفصيلية، بإتكاء الباحثة في تأريخها للحقوق النسوية، على تقرير التنمية البشرية الصادر عن هيئة الأمم المتحدة في العام 2005م، وبعرضها لهذه المسيرة منذ 1945م وحتى مطلع الألفية الثالثة. وضمن ذلك، وضع المرأة العربية وبخاصة السودانية والحقوق التي نالتها الأخيرة وما تعانيه المرأة في البلدان العربية والإسلامية بالتركيز على مفاهيم الإسلام ونصوصه الشرعية وبالاستئناس برؤى ونماذج لدعاة ومفكرين إسلاميين، دحضت فكرة أن الإسلام مُعطِّل لحركة النساء. وأشادت بتناولها للاتفاقية الدولية لمكافحة التمييز والعنف ضد المرأة (سيداو) 1979م وطرقها لها وما حظيت به من نقاشات واسعة، ثم تفصيلها في تأريخ الحركة النسوية السودانية منذ مطالع خمسينيات القرن الماضي، ورحلة بحثها عن حقوقها منذ البدايات "حق الأجر المتساوي للعمل المتساوي" وصولاً إلى مرحلة النُضج والعمق والواقعية التي وسمت الحركة النسوية ولذا وليس له وحده، جّدر بكل امرأة سودانية أن تقتني هذا الكتاب.  
لماذا اختارت د. سعاد، إنجاز هذا الكتاب؟
سؤال طرحته أ. آمال عباس، لتجيب بأن المؤلفة نقبت وراء الداعي الاجتماعي للدراسة، حيث لاحظت علو المكاسب السياسية للمرأة بعد ثورة أكتوبر 1946م، واهتمام الأحزاب التقليدية التي لم تكن قبل هذا التاريخ تضم هيئات نسائية بداخلها، وعطفاً على ذلك، الحصول على حق الترشيح والترشح، وفي الإطار، المكاسب الكبرى التي تلت مرحلة ثورة مايو في الحقوق الدستورية والاجتماعية الواسعة بتنوع تفصيلاتها وذلك، بخلاف الديمقراطية الثالثة وقتما تراجعت هذه المكاسب قليلا، لتعود وتعلو مجددا بعد 1989م إذ ثبّتت الدراسة اهتمام النظام بتمثيل المرأة رغم استنانه لقوانين ألحقت الضيم بالمرأة مثل قانون النظام العام الذي فّصل الكتاب فيه بالشرح ليخلص إلى أن القانون أهدر من مكانة المرأة. أما في مجال التطفيف فرأت أ. آمال، أن المؤلف نظر إلى القوانين التي شرعتها الأمم المتحدة، وقارنت عدم الانتظام في تطبيق القوانين في مجالات القضاء والتعليم والعمل والسلم الوظيفي والتمثيل بداخل الأحزاب، وهو ما فطنت إليه المؤلفة برؤية ناضجة وأرجعتها إلى أسبابها السياسية والاجتماعية. وعرضت من ثمَّ بنظرة العالمة ولم تترك ملاحظة تحّمل المرأة مسئولية في انتقاص حقوقها وعدم الجدية في المدافعة عنها من خلال مسح استقصائي لعدد (3) ولايات سودانية أثبتت عبرها عدم متابعة المرأة لحقوقها هي بما أثر بدوره في التطبيق. وأشادت أ. آمال، بكون المؤلفة أوردت جداول إحصائية بالنسبة لوجود المرأة في مجالات التعليم العالي، القطاع الخاص، التدّرج الوظيفي، السلك الدبلوماسي، وفي مجال المشاركة السياسية والتكريم الرئاسي، من خلال جُهد كبير متصل في بلد مثل السودان يصعب فيه الحصول على المعلومات والإحصاءات كما الجميع، يعرف. وخلصت العارضة إلى أن المؤلفة انتهت إلى خلاصة جوهرية كون القوانين منحت المرأة الحقوق بذات القدر الذي كفلته للرجل في المجالات الاجتماعية، الاقتصادية والسياسية، لكنها حمّلت المرأة مسئولياتها في ضرورة النهوض بجعل هذه القوانين تُطبق علماً بأن المؤلفة، انتهت أيضاً إلى أن كل ما تحقق ليس الطموح النهائي للمرأة السودانية أو نهاية آمالها فمثل قانون النظام العام والتمييز في بعض الرؤى السياسية، يعيب ما تحقق وما هو مرجو.

المرأة في التشريعات الوطنية
المجال القانوني كان ميدان المستشار عزيزة عصمت، بإمتياز حيث تقدمت بمرافعات أشادت ضمنها لدى عرضها المؤلف بإيراد المؤلفة لقانون الأحوال الشخصية 1991م الذي عُد طفرة نوعية في التشريع لجهة أن النصوص الحاكمة قبله كانت عبر الأوامر والمنشورات القضائية وبإعتباره أول تشريع مخصوص ينظم أحوال الزواج والطلاق والميراث والهبة والوصية وغيرها من الأحوال الشخصية بملاحظة أنها، من أعقد القضايا المتداولة بالمحاكم. مثنية على اقتراح المؤلفة تحديد السن الدنيا للزواج بـ(18) عاماً، وبإطرائها على حديث المؤلفة عن النص الخاص بحق الخُلع (م 142) من القانون والتي سبق فيها السودان شقيقته مصر، فيما صوبت إلى إغفال الدراسة نماذج من قضايا الخُلع والطلاق، وعمل الكوافير الذي يقتضي القانون إبراز المتقدمة لشهادة حُسن سير وسلوك، بإعتباره تجريماً مسبقاً لمواطنة تبحث عن عمل شريف. وكذا الإقبال الضار في تطبيق عقوبة الجلد، والتي أكدت المؤلفة على كونها محطة بالكرامة ومهينة بالرغم من أنها عقوبة شرعية ولكنها التمست مخرجاً في تعدد العقوبات بالنسبة للفعل المجرم، بمثال السجن والغرامة وحث القانون على القاضي تطبيق العقوبة الأخف، وهو ما درج على إتيانه القضاة في السودان وعلى ما جرى في المحاكم وفقاً للأستاذة عزيزة عصمت، وبحيث صار تطبيق العقوبة في الحدود الدنيا. وأشادت أ. عزيزة، بملاحظة المؤلفة الكليات العلمية التي يُرفض عادة للفتيات تلقي العلم فيها، ومثالها، كليات علوم الطيران، البترول والتعدين. أثنت كذلك على ميل المؤلفة إلى تفادي نظام الكوتة وأن تقوم المنافسة الانتخابية على الكفاءة وليس التخصيص القائم على النوع، وأشادت بشدة على ملاحظة المؤلفة عدم وجود عميدات للكليات في الجامعات رغم كفاءة النساء، وعدم وجود رئيسة واحدة لأي من الجامعات، أو البعثات الخارجية، وهذا من واقع معلومات مستقاة من إحصاءات وزارات التعليم العالي وكذا العام. واستحسنت حنق المؤلفة ضم السودان إلى جانب الصومال وموريتانيا في تقرير للجامعة العربية عن تعليم الفتيات بنسبة 10% وتصحيحها للفرية بالتوضيح والبرهان أن النسبة أكبر من ذلك بكثير، حيث بلغت نسبة تعليم الفتيات- على سبيل المثال لا الحصر- في ولايات سنار 74%، الخرطوم 70% بحر الغزال 10% والاستوائية الوسطى 10%. وكذا إيرادها لإحصاءات عن الإناث في كليات العلوم الصحية، الدراسات الإنسانية، المالية. على أنها لاحظت تدني النسبة في كليات الهندسة إجمالاً. ولاحظت العارضة أن المؤلفة أشارت إلى إحصاءات مفجعة من ديوان شئون الخدمة مفادها، خلو وظائف لا تجد متقدمين من الجنسين في مجالات الضرائب، الري والموارد، الصحة والغابات. أما التمييز، فطال المرأة في التدريس داخليا وفي نيلها فرص الابتعاث الخارجي للأسباب الاجتماعية المعروفة. وأثنت كذلك على ضرب المؤلفة المثل بدعوى الطعن لدى المحكمة الدستورية في شأن شطب قرار والي الخرطوم حرمان المرأة من العمل في طلمبات البنزين والمطاعم، وهو التقاضي الذي أوضح محاسن اجتماع المرأة على قلب امرأة واحدة بحيث تضافرت جهود كافة المنظمات العاملة في الحقل الحقوقي وعلى رأسها منظمة المبادرات النسوية. وأبرزت العارضة دعوة المؤلفة إلى تقسيم فرص التمويل الأصغر على نحوٍ عادل، وإفساح المجال للمرأة في العمل النقابي، والقضاء على الظاهرة القبيحة المتمثلة في تعيين النساء للعمل بالمشاهرة وفصلها وإعادة تعيينها كل (3) أشهر تحايلاً على قانون العمل ولوائحه الفرعية، وخلوصها إلى أن الأفيد للمرأة انتخاب الأصلح سواء كان رجلاً أو امرأة وليس التصويت لواحدٍ دون الآخر.

النساء ومعرفة حقوقهن
إلى ذلك أشادت الرائدة النسوية، د. نفيسة أحمد الأمين، في مداخلة، بالمؤلف ورأت بأهمية توظيف المعارف والقدرات والخبرات لتمليكها للآخرين ونفع الوطن بها على ما فعلت د. سعاد إبراهيم عيسى، ولاحظت أيضا أن الكتاب لم يدرج بمنهج الصدف فقط وإنما قام على تحليل علمي للواقع المعاش في السودان، بل وفي قدرته على عكس الكم المتنوع للثقافات السودانية في بلد بمثل حجمه القارة، وفي كون هذه الثقافات المتنوعة تلتقي عند قضية المرأة والرجل. وأشادت أخيرا، بأن المؤلف صوب إلى عدم معرفة النساء بحقوقهن وفي إسناده المهمة إلى عمل توعية مرجو من كافة المنظمات المدنية العاملة في الحقل وكذا النساء العاملات وربات البيوت.  
adilhassoun@hotmail.com

 

آراء