حواشي عابرة على بعضِ هامش كتاب “فلسفة النفي” لهيربيرت ماركيوز

 


 

 

هربيرت ماركيوز:- إنسان الفاشيّة كنقيض لتطوّر الشخصية الإنسانيّة وتطور المعرفة (حواشي عابرة على بعضِ هامش كتاب "فلسفة النفي" لهيربيرت ماركيوز).

إبراهيم جعفر
يُوصّفُ هربرت ماركيوز الإنسان الفاشي فيقول عنه إنه ذلك "الإنسان البطولي المرتبط بقوى الدّمِ والمنبت.. الإنسان المسافر خلال النعيم أو الجحيم، الإنسان الذي لا يطلب تعليلاً أو سبباً، بل يندفع إلى العمل، يفعل ويموت، ويضحّي بنفسه لا لأيّ غرضٍ بل خضوعاً لقوى الظّلامِ التي تغذّيه....". ثمّ يستدركُ بأنّ تلك الصورة منطوية، بالتمديد الطبيعي و"المنطقي"، على "الرؤية الخاصة بالزعيم الأسطوري الذي لا تحتاج زعامته إلى تبريرٍ على أساسِ أهدافهِ"، وذلكم لأن مجرّد ظهوره على الخَلْقِ مُضمرٌ فيه، قبليّاً، البرهان على الحاجة إليهِ- على ضرورتهِ-لذا ينبغي "تقبّله على أنّه نعمة من نعم الله لا يستحقّها النّاس!"

نلاحظ في مقطعِ ماركيوز هذا وصفاً حيّاً لإنسان الفاشيّة، معبّراً إلى درجةِ كبيرة، خاصّةً في كلامه عن الإرتباطِ بقوى الدّمِ والمنبت إذ يتبيّنُ لنا في ذلك الكلام، بعباراتِ ماركيوز نفسه، أنّ "تفسير العمليّة التاريخيّة كعمليّةٍ طبيعيّةٍ عضويّةٍ إنّما يتجاوز"، في ذاك السّياق، "القوى الدافعة الحقيقية [القوى الإنسانيّة الحيّة:- الاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافية] إلى مجال الطبيعةِ الخالدةِ الثابتة".

وربّما يربطنا هذا الكلام بكلامٍ آخرٍ لماركيوز نفسه عن تطور الشخصية وتطور المعرفة حيث يُرى هذينَ على أنهما ينمّان، بعبارةِ ماركيوز، عن "بصيرة في أبنية الواقع الذي يعيش فيه الإنسان". لكن بصيرةً كتلك، بفعل "هيئة" جوهرها نفسه، هي نقيض لمتضمنات إنسان الفاشيّة التي وُصّفَتْ آنفاً وذلك لأنها موثوقةً بالإدراك الذي تؤدي كلُّ خطوة من خطواته، بحسب تحليل ماركيوز السّايكو-فلسفي، إلى تبديل حال الفرد الإنساني من حال "التقبّل الجاهز للأيدولوجيا التي تخفي جوهرها"- ومن ثمّ إلى "تقويض" صورة "السعادة" الجّمعيّة المُسَلْعَنَة بِواسِطَةِ الأيدولوجيا إيّاها- إلى حال يكن فيه منصرفاً إلى شأنِ معرفته العينية الخاصّة به كشخصٍ وكإنسانٍ كائنٍ في هذا العالم مما يُفضي، بقولِ ماركيوز، إمّا "إلى الصراع ضدّ الواقع القائم، أو إلى نكران الذّات". من هذا يستبصر ماركيوز أنّ المعرفة قد لا تعين الإنسان على "الحصول على السعادة". وذلكم رغم أنّ الإنسانَ، بدون المعرفة، يقع في مأزق "العلاقات المتشيّئة" الذي هو، في عرف ماركيوز، "مأزقٌ لا مهربَ منه" إذ هو يضع "المتعة" في مواجهة "الحقيقة" أو، بتعبيرٍ ماركيوزيٍّ آخرٍ، "السعادة" في مواجهة "العلاقات الجوهريّة للأفراد".
أنا أرى أنّ هنالكَ مخرجٌ من ذلك المأزق الماركيوزيّ. لكنّ ذاك المخرج يتطلّب بصيرةً أخرى وعيشاً على هيئةٍ أخرى ومستوىً آخر لا يتوفّر عليهما، ولو حتى ضمنيّاً، التحليل الماركيوزي بحكم طبيعته النقديّة-الجّدليّة ذاتها، وذلكم لأنّ "قاعدة" كلّ أولئك (البصيرة المعنية؛ العيش المعني؛ الهيئة المعنية والمستوى المعني) كائنةً تحتانيّاً في ذائقاتِ تبصُّراتٍ مختلفةٍ، في أُسِّ ميلوديّاتها وإيقاعاتها، عن تبصّرِ هيربيرت ماركيوز الأساسي، ومن ثم كل ما تفرع عنه من بعد ذلك منها وأعني بتلك، جملةً، جماع الذائقات ذات الصلة بالتفلسف العيني-المعاشي الوجودي كما يتمظهر- على سبيل المثال المُخصّص- في حيواتِ، و"فلسفات"، أشخاصٍ لا أستطيع الآنَ دخولاً في تفاصيل "تفلسفهم" لكنّي أشُوفُهُمْو، بعبارةٍ واحدةٍ، في هيئاتِ أفرادٍ من النَّاس ذوي تجارب فلسفية كينونية-وجوديَّة عميقة مجذَّرَة في التوصيف الفينوميولوجي-الأنطولوجي للتجربة الشعورية الكينونية للإنسان بوصفه ذاتاً عينيَّة فردية كائنة قبلياً pre-existing في نسيج أو وضعية situation الـ"نحن we subject" أو، بعبارة أخرى، وضعية "التَّذاوت" أو "تداخل الذّوات intersubjectivity) من بينهم الفيلسوف الوجودي الفرنسي قابرييل مارسل Gabriel Marcel والفيلسوف الوجودي الروسي نقولا برديائيف Nicholas Berdyaev.

 

[كُتبَ هذا "الكلام"، أصلاً، في العام 1977، ثمّ طبع وأعيدت كتابته في العام 2007!].

إبراهيم جعفر
khalifa618@yahoo.co.uk
/////////////////////

 

آراء