حول كتاب “المقاومة الداخلية للحركة المهدية لمحمد محجوب مالك .. ترجمة: بدر الدين حامد الهاشمي

 


 

 

حول كتاب "المقاومة الداخلية للحركة المهدية (1881 – 1898م) لمحمد محجوب مالك

هيزر شاركي  Heather J. Sharkey

ترجمة: بدر الدين حامد الهاشمي

تقديم:هذه ترجمة لمقال صغير للدكتورة الأمريكية هيزر شاركي الأستاذة المتخصصة في تاريخ ولغات وحضارات الشرق الأوسط والأدنى في جامعة بنسلفانيا تعرض فيه لكتاب الأستاذ محمد محجوب مالك (1932-؟)"المقاومة الداخلية للحركة المهدية (1881 – 1898م)" من منشورات دار الجيل ببيروت عام1987م (والكتاب مبذول على الشابكة العنكبوتية في هذا الرابط

http://www.4shared.com/web/preview/pdf/GFxrnYBQ

ونشر هذا المقال في العدد رقم 15منالمجلة البريطانية "دراسات سودانية  Sudan Studies"في عام 1994م. والمؤلفة حاصلة على درجة البكالوريوس في الأنثروبولوجيا من جامعة ييل الأميركية، ودرجتي الماجستير والدكتوراه من جامعتي درام البريطانية وبريستون الأميركية، على التوالي.وللكاتبة عدة مقالات وكتب عن السودان ومصر منها كتاب "العيش مع الاستعمار: الوطنية والثقافة في السودان الإنجليزي المصري"، وكتاب "الإنجيليون الأمريكيون في مصر" و"الهوية والمجتمع في الشرق الأوسط المعاصر" و"تاريخ الصحافة العربية في السودان". وكنت قد عرضت لعدد من كتابات الدكتورة شاركي في مقالات مترجمة سابقة.

المترجم

********** ************** ****************

صدر كتاب محمد محجوب مالك قبل نحو ستة أعوام (عام 1987م)، ولم يحظ بكثير من الاهتمام النقدي، وهذا مما يجعل من المهم العودة لهذا الكتاب إذ أن بعض المؤرخيناختاروا ألا يروا في المهدية إلا عهدا مثل بوتقة  للهوية الوطنية السودانية. ولكن، خلافا لهؤلاء، فقد صور المؤلف المهدية كعهد حفل بصراعات داخلية هائلة نتجت عنها انقسامات خطيرة.

اعتمد المؤلف في كتابه هذا بصورة رئيسة على الوثائق التي توفرت عنده من دار الوثائق المركزية بالخرطوم، وعلى وثائق المهدية في القاهرة ودرام. ورسم – استنادا على تلك الوثائق -  صورة لدولة المهدية وهي، ولمختلف الأسباب، مبتلاة منذ قيامها بمختلف الأدواء المزمنة والصراعات الداخلية.

والمعارضون لحكم المهدية في نظر المؤلف ينقسمون إلى قسمين: أولهما من عارضوا المهدية منذ يومها الأول مثل الختمية  والكبابيش، وثانيهما هم من أيدوا المهدية في بداية عهدها تأييدا قويا مخلصا، وما لبثوا أن خذلوا وخاب أملهم فيها، أو الذين أبعدوا عنها وتم "تهميشهم" (خاصة في الفترة التي أعقبت وفاة المهدي المبكرة في 1885م).

ويؤكد  محمد محجوب مالك في كتابه هذا أن دولة المهدية قد فشلت في جمع شتات فئات السودان المتباينة تحت نير إسلام مجدد revitalized Islam، وكان ذلك –جزئيا - بسبب  سياسات المهدية (في عهد الخليفة عبد الله  بصورة أساسية، ولكن ليس كلية) والتي عملت ضد مبدأ توحيد فئات السودان المختلفة.  ويشير المؤلف إلى أن قرارت المهدي الباكرة القاضية بتقسيم جيشه على أسس عرقية وجغرافية بقيادة خلفاء هي ما بذرت بذور الخلافات العرقية في البلاد. وتفاقمت من بعد وفاته تلك الخلافات في عهد الخليفة عبد الله أكثر فأكثر. ولعل هذا ما حرض "أَوْلاد البلد" في الشمال النيلي(ومنهم أهل المهدي من "الأشراف") ضد " أَوْلاد العرب"  في الغرب (ومنهم التعايشة، قبيلة الخليفة عبد الله). وفي نهاية المطاف انتصرت الشوفينية العرقية على مثاليات "عالمية الإسلام" السودانية.

قسم المؤلف كتابه إلى أقسام صغيرة، رصد في كل واحد منها جانبا من جوانب الصراع.  وناقش موضوعات شملت معارضة العلماء الأزهريين لحركة المهدية، والذين لم يخفوا تأييدهم للنظام المصري – التركي في فتاوى منشورة تدين المهدي وتبين بطلان دعوته، ومعارضة قادة الطرق الصوفية – وعلى رأسهم الختمية، وكثيرا من القبائل  الكبيرة مثل الشكرية والكبابيش والعبابدة والأمرار وغيرهم.  وناقش المؤلف – وباستفاضة وعمق- موقف الأفراد الذين ناصروا حركة المهدية في مبتدأ أمرها، ثم انفضوا عنها، بل وحنقوا عليها وتمردوا على حكمها. ومن أمثلة هؤلاء رجال الدائرة التي كانت لصيقة بالمهدي في بدايات حركته مثل جماعة رفاعة الغربية بالجزيرة، والذين وجدوا أن ضرائب المهدية وطرق جمعها لا تكاد تختلف عن ما كان يمارسه الحكم المصري – التركي، والمنا إسماعيل (سبق لنا ترجمة مقال عن المنا إسماعيل بعنوان "المنّا إسماعيل: فكي وأمير من كردفان" بقلم أ. ر. بولتون. المترجم). وتطرق المؤلف أيضا للصراع الذي نشأ  بين  القادة المهدويين على ملء مقعد "الخليفة الثالث" والذي ظل شاغرا بعد أن رفضه سنوسي برقة)، والصراعات التي دارت بين الحركة المهدية ومن أدعوا العيسوية (بحسب المعتقد الإسلامي المهدوي).

لا شك أن بعض فصول الكتاب تتفاوت في مقدار عمقها  وتماسكها. فالمؤلف مثلا يفصل – وبإسهاب شديد- في جهود الخليفة لإزاحة الأشراف من المناصب العليا بالبلاد في المدن (خاصة تلك التي تقع على النيل وفي كردفان ودارفور أيضا) في محاولة منه لتقليم أظافر "أَوْلاد البلد" واضعاف معارضتهم لحكمه. والمؤلف يشكك – ويكرر الشك- في الدوافع الحقيقية لسياسة الخليفة والتي سماها "الهجرة" و"الجهاد" (وهما يتضمنان إبعاد المهاجرين والمجاهدين عن مواطنهم الأصلية لمناطق بعيدة). وفصل المؤلف – بتوسع شديد- في أمر القبائل التي عارضت وقاومت الحركة المهدية، وناقش الأسباب والدوافع التجارية والمنافع الاقتصادية الكامنة من وراء تلك المقاومة، ولمح لأن ذلك ربما كان سبب احتفاظ بعض كبار رجال القبائل (مثل ود أب سن) بولائهم القديم للحكم المصري – التركي. وكذلك قدم المؤلف عرضا متماسكا ومفيدا جدا للحركات العيسوية، ومن ثاروا للحصول على منصب "الخليفة الثالث" الشاغر، وأشار إلى أن تلك الثورات قام بها في الغالب رجال من غرب السودان في أنحاء متفرقة من شمال السودان. وتطرق إلى أن  غرب السودان كان النقطة  locus التي انطلقت منها فكرة وفلسفة المهدية بكل ما تتضمنه من إيمان عميق بأفكار غيبية، وهذا ما فسر نجاح المهدي في نشر دعوته بين سكان ذلك الجزء من السودان. ويرى المؤلف أن المهدي وفر في دعوته (المهدوية) لسكان غرب السودان ذخيرة لغوية vocabularyعبروا بها (لاحقا) عن مظالمهم من الحكم المهدي نفسه. غير أن المؤلف في كتابه أفرد فصلا كاملا وكبيرا لصراع الطرق الصوفية والحركة المهدية، دون أن يتعمق – للأسف- في نوازعها وأسبابها، ودون أن يقدم عرضا فكريا نظريا لأسس وأسباب ذلك النزاع، أو مناقشة الوشيجة  والرابط nexus بين "هوية الطريقة" و"هوية القبيلة"  في تحديد معارضة المهدية أو مناصرتها.

ويخلص محمد محجوب مالك  إلى أن الحركة المهدية قد أخذت منعطفا حاسما وهي تحت قيادة الخليفة. ففي رأيه أن الصراعات المتوطنة والمريرة (خاصة حول السلطة السياسية والثروة) والتي أشعلها الخليفة بين من يعرفون ب "أَوْلاد البلد" و "أأَوْلاد العرب" قضت على حلم توحيد السودان، والذي كان ممكنا في عهد المهدية (الأول). وهو يخلص إلى أن اعتماد الخليفة الكامل على "أَوْلاد العرب" قد جرد الحركة المهدية من صفتها القومية، وأحالها إلى حركة عرقية.  غير أنه يعترف أيضا بأن طموحات "أَوْلاد البلد" الجامحة، وعدم قبولهم بالتعاون مع الخليفة جعل من  ذلك الصراع أمرا لا مفر منه.

وعلى كل حال، فمحمد محجوب مالك في كتابه هذا بلا شك يثبط من عزم أُولَئِكَ الساعين لدراسة جذور الهوية القومية (الوطنية) السودانية على الغوص عميقا (وبأكثر مما يجب) في المهدية.

----

(لا أحسب أن لما ذكرته الكاتبة  في جملتها الختامية هذه أي دليل أو سبب!المترجم)

alibadreldin@hotmail.com

///////

 

آراء