A Colonial Servant: Al Salawi and the Sudan ر.اس. أوفاهي R. S. O’Fahey مقدمة: هذه ترجمة لغالب ما جاء في مقال للمؤرخ الشهير أوفاهي عن عالم الدين المصري الشيخ أحمد السلاوي (من سلا بالمغرب)، المالكي المذهب، الذي وفد للسودان – مع عالمين آخرين، شافعي وحنفي- مع جيش الفتح (الغزو) التركي – المصري. ونشر المقال في العدد الثاني عشر من المجلة الإسكندنافية Sudanic Africa الصادرة عام 2001م. والبروفسور ر. س. أوفاهي أستاذ للتاريخ في قسم تاريخ الشرق الأوسط وأفريقيا بجامعة برجن بالنرويج، وله اهتمام بحثي بالسودان وبدارفور وتاريخها على وجه خاص منذ عام 1968م، ونشر نتائج أبحاثه في مقالات كثيرة وكتب عديدة منها كتاب "الدولة والمجتمع في دارفور State and" Society in Dār Fūr" و"تاريخ سلطنة دارفور The Dar Fur Sultanate: A History ". المترجم ****** ********* ******** لم يكن لكثير من الحكام الإستعماريين بأفريقيا في القرن العشرين إلا أقل القليل من القواسم الثقافية المشتركة بينهم وبين من يحكمون. غير أن حكام السودان "المصريين" في غضون سنوات الفترة الإستعمارية الأولى (بين عامي 1820 و1885م) كانوا يشتركون مع غالب محكوميهم على الأقل في الديانة. ويمكن القول بأن السودان لم يكن قط مكانا جاذبا للمستعمرين. وعبر عن ذلك البروفيسور تاج السر أحمد حران في ختام مقال له في مجلة "السودان في رسائل ومدونات SNR" الصادرة في عام 1976م عن رفاعة رافع الطهطاوي، الذي نفي للسودان بين عامي 1850 و1854م، جاء فيها: "كان رفاعة الطهطاوي قانعا بقضاء ما بقي له من عمر في مصر، بعيدا عن حر السودان وغباره". لم تكن الخرطوم له مثلما كانت باريس، ولم يشعر في تلك المدينة بطعم للهناء أو السعادة. غير أن هنالك طالب عالم آخر اسمه الحاج أحمد بن محمد بن ناصر السلاوي قدم للسودان موظفا حكوميا ضمن من أتوا مع الحملة التركية – المصرية كان له موقف أكثر إيجابية من رفاعة الطهطاوي. لعب السلاوي دورا مهما في نقل بعض اهتمامات وهموم العالم الإسلامي في البدايات الباكرة للقرن التاسع عشر إلى طبقة علماء الدين (الشيوخ) السودانيين بأكثر بكثير مما فعله رفاعة رافع الطهطاوي (وكتب لي أحد علماء السودان بهذا الخصوص ما نصه: " ويبدو أن مالكيته، التى وافقت مذهب أهل السودان، كانت مدخلا طيبا لنفوس (العلماء) والناس (وربما مغربيته أيضا فهو من سلا). وجاء اختلاطه ومصاهرته لأهل البلاد دفعا على سبيل التقارب. ويروى أنه أجرى (الجرايات) على الخلاوى، وشجع (العلماء) للالتحاق بركب الوظائف القضائية، وكانت له ببعضهم صلات طيبة وود حتى استكتبهم! إذ ورد أنه دعا أحمد أبو على كاتب الشونة لتدوين كتابه عن ملوك سنار، ثم دفع بالكتاب إلى الزبير ود ضوه والأمين الضرير وإبراهيم عبد الدافع، فأضافوا وحرروا! وجاء أيضا أنه دعا إبراهيم عبد الدافع لتأليف أرجوزته فى طبقات الأولياء، وقام هو (السلاوى) بشرحها نائيا بها عن (منهج) ود ضيف فى طبقات خرافاته!" المترجم) وكان الشيخ السلاوي (بحسب ما جاء في سيرته الذاتية في "طبقات ود ضيف الله: الذيل والتكملة". من تحقيق وتقديم محمد إبراهيم أبو سليم ويوسف فضل، 1982م) قد ولد في شهر صفر من عام 1206 هـ (الموافق سبتمبر /أكتوبر 1791م) في سلا، الواقعة في المغرب على شاطيء المحيط الأطلسي، لعائلة من أصل أندلسي، تتبع الطريقة الشاذلية كغالب أهل المغرب. واتبع السلاوي طريقة الشيخ محمد بن ناصرالدرعي التامكَروتي (المتوفى في 1085 هـ/1674- 1675م)، المسماة "الناصرية" والتي تعد أحد فروع الطريقة الشاذلية. وتلقى السلاوي العلم في سلا ثم في فاس (ربما بجامعة القيروان). وذهب السلاوي للحج عبر مصر في 1811 – 1812م، وفي طريق عودته قرر أن يستقر بمصر. وعينته الحكومة مفتيا على الفيوم لفترة امتدت لعامين. وكان السلاوي ثالث ثلاثة علماء عينهم الخديوي محمد علي باشا في عام 1820م لمرافقة ولده إسماعيل باشا في حملته للسيطرة على السودان. وكان يرأس تلك "البعثة الدينية" قاضي أسيوط محمد الأسيوطي (الحنفي المذهب)، مع الشيخ محمد البقلي (الشافعي المذهب). وذكر الجبرتي في كتابه "عجائب الآثار في التراجم والأخبار" أن الأسيوطي منح مرتبا قدره 10,000 قرشا، ومنح الشيخان الآخران 7,500 قرشا، مع إعطاء كل منهم عددا من الكِسْوات. وكان انتقاء محمد علي باشا لهؤلاء الشيوخ مناسبا، فالحنفية هي المذهب الرسمي للخلافة العثمانية، وكان المذهب الشافعي سائدا في سواكن وبعض المدن السودانية الأخرى. أما المذهب المالكي (الذي يمثله السلاوي) فهو أكثر المذاهب شيوعا في أوساط السودانيين. وشغل السلاوي في الخرطوم وظيفة مفتي البلاد، وتولى الشيخ محمد البقلي القضاء بعد وفاة الشيخ الأسيوطي في 1238هـ (1822 – 1823م). ثم آب السلاوي لمصر بعد عامين قضاهما بالسودان (أي في 1240هـ، 1824 – 1825م)، ثم عاد إليه تارة أخرى مع الحاكم (الحكمدار) الجديد خورشيد أغا في شهر ذي القعدة من عام 1241هـ (فبراير – مارس 1826م)، ليشغل هذه المرة وظيفة "قاضي عموم بلاد السودان"، وهي الوظيفة التي ظل يشغلها إلى حين وفاته التي وقعت في تاريخ ما بعد عام 1256 هـ (1841 – 1841م)، ولم يذكر "تاريخ ملوك السودان"، من تحرير مكي شبيكة، 1948م، ومخطوطة "كاتب الشونة في تاريخ السلطنة السنارية والإدارة المصرية" الصادرة في مصر عام 1963م)، تاريخ وفاته على وجه التحديد. ويدل تاريخ السلاوي المهني على أنه كان شخصية فاعلة في مؤسسة الحكم التركية – المصرية الاستعمارية. إلا أنه اشتهر أيضا بإقامة علاقات وثيقة مع بعض نخب الأولياء وعلماء وشيوخ الدين السودانيين، أو على الأقل مع قطاعات معينة من هؤلاء، وكتب في ذلك ما نصه: " التقيت بلفيف من علماء وكبراء (السودان)، ونمت بيننا بعد تلك اللقاءات وحدة تامة (في الفكرة) ...". لقد نشأ السلاوي في وسط بيئة عالية الثقافة والعلم والفكر، في فاس وجامعة / مسجد القرويين في نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر، ووسط مجتمع خرج عددا من كبار العلماء والفقهاء الذين تركوا أكبر الأثر في العالم الإسلامي، خاصة في أفريقيا المسلمة، مثل أحمد التجاني (والذي عاش بفاس لفترات متقطعة بين عامي 1757 – 1758م) وأحمد بن إدريس (بالقرويين في ثمانينات وتسعينيات القرن الثامن عشر)، ومحمد بن علي السنوسي (الذي عاش بفاس بين عامي 1805 و1819م). وكل هؤلاء من شيوخ الصوفية (أو "الصوفية – الجديدة"). ولا يعرف على وجه الدقة مدى تأثير هؤلاء (وغيرهم من شيوخ المغرب العربي) في المحيط الإسلامي الواسع. غير أنه من المؤكد أن تكوين هؤلاء الشيوخ قد بدأ و/ أو اكتمل في فاس. وسلك السلاوي – بكل تواضع – خطوات إبن إدريس والسنوسي في قضاء بقية سنوات العمر في المشرق. ولا يعرف الكثير عن معلمي (شيوخ) السلاوي أو رفاقه من طلاب العلم قبل أن يأتي للسودان، ولكن يبدو أنه كان قد تلقى العلم علي يد العالم المصري المشهور محمد الأمير الكبير (المتوفى عام 1817م)، والذي كان (مثله ومثل إبن إدريس) يسلك الطريقة الشاذلية أيضا، وله سمعة طيبة في المغرب. وكان مجمل أعمال (oeuvre) السلاوي تشابه ما هو متوقع من عالم مثله. وشملت تلك الأعمال رسائل حول "آية الميثاق"(وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ)، وحول "الأربعين النووية من الأحاديث الصحيحة النبوية" للإمام النووي (المتوفى في 1278هـ)، و"مولد النبي" لأحمد الدرير (المتوفى في 1786م). وكتب أيضا ملخصا لرسالة العالم الصوفي عبد الغني النابلسي (المتوفى في 1731م) عن "الطريقة المحمدية" للشيخ محمد بن علي البركاوي (المتوفى في 1573م). ووجد السلاوي ترحيبا حارا في السودان، خاصة عند شيوخ (فقرا) وجماعات طرق بعينها بحسبانه فقيها مالكي المذهب وشاذلي الطريقة. ومن جانبه، كان السلاوي مدركا لكونه صاحب رسالة. وجاء في "طبقات ود ضيف الله: الذيل والتكملة صفحة 46 - 47" أنه قال أو كتب ما معناه: (وبالفعل، قد قيض الله لنا أن نعمل على إحياء بلاد السودان، ويسر بوجودنا إحياء أمواتهم – العلماء والأتقياء". ولا يخفف من تلك اللهجة المتغطرسة في مقولة السلاوي إلا الدفء الذي خاطب به أصحابه الجدد بقوله: "طلبتي وأصدقائي الأعزاء". ويمكن مقارنة تلك الكلمات بما قاله ابن إدريس من كلمات أكثر حساسية ورقة قالها قبيل الغزو التركي – المصري، عندما كانت سلطنة الفونج تؤول للسقوط (وردت في "أعطار أزهار أغصان حدائق التقديس ... أحمد بن إدريس" من تحقيق صالح الجعفري): "أما شيوخ (فقرا) السودان، فقد تحملوا أعباءً ثقيلة، وكانوا يريدون أن يضعوا حملها على أكتاف أخرى". وجاءت تلك الجملة في رده على رسالة أتته من تلميذه (الشاب) محمد عثمان الميرغني يطلب فيها من شيخه السماح له بالسفر إلى السودان لنشر الدعوة. وكان ابن إدريس راغبا عن تلك السَفْرَة. وأحاط السلاوي نفسه وهو بالسودان بدائرة من الطلاب والمريدين. غير أنه كان أكثر قربا من مجموعتين من شيوخ (فقرا) السودان هما أتباع أحمد بن عيسى الأنصاري (المتوفى في 1826م) في كُتْرانج على شاطئ النيل الأزرق، والسمانية من أتباع أحمد الطيب ود البشير (المتوفى في 1824م). وكان أحمد بن عيسى قد درس في القاهرة في رفقة أحمد الدردير، والعالم اللغوي المحدث محمد مرتضى الزبيدي (المتوفي في 1791م). وقام السلاوي بتدريس رسالته عن "مولد النبي" لأحمد الدرير في كُتْرانج، وتتلمذ على يديه أحد تلاميذ الأنصاري: الأمين الضرير (المتوفى في 1885م). وللضرير كتابان في الفقه، ومشاركة في تنقيح آخر عن سلطنة الفونج في "تاريخ ملوك السودان" (وجاء في موقع "موسوعة التوثيق الشامل" أنه بقي من شعر الضرير ثلاث قصائد إحداها في مدح الخديوي توفيق، وقد نشرت في جريدة الوقائع المصرية عام 1871م، وذكرها محمد عبد الرحيم في كتابه "نفثات اليراع في الأدب والتاريخ والاجتماع ". والثانية نبوية ذكرها سعد ميخائيل في كتابه (شعراء السودان). والثالثة نبوية ضمنها سور القرآن الكريم. وقال عنها الدكتور عبده بدوي في كتابه "الشعر الحديث في السودان": "مدح الشيخ الأمين الضرير النبي صلى الله عليه وسلم في صورة لا أعرف أن أحدا سبقه عليها وذلك لأنه ضمن قصيدته أسماء سور القرآن بحسب ترتيب المصحف" المترجم). ورثى السلاوي صديقه الأنصاري بقصيدة وردت في مخطوطة كاتب الشونة. وأخذ الأنصاري والسلاوي طريقة السمانية عن أحمد الطيب. وبلغ من قوة العلاقة بين السلاوي وأحمد الطيب أن زوجه الأخير إحدى بناته. وقام السلاوي بتدريس كتاب البركاوي "الطريقة المحمدية" إما من مختصره هو، أو من مختصر الشيخ محمد عبد الكريم السمان في مركز الطيب بأم مرحي. وكان السلاوي على علاقة طيبة بأتباع طريقة أخرى هي الإسماعيلية بكردفان. وكتب مقرظا الشيخ إسماعيل الولي (المتوفى في 1863م) وطريقته الصوفية. وشجع السلاوي العديد من طلابه وأتباعه من السودانيين على العمل في سلك القضاء بالإدارة الاستعمارية. ولما أصابه المرض في بداية عام 1238هـ/ 1822 – 1823م، جعل الشيخ دفع الله مدني هو القَيِّمُ على وصيته. وعندما توفي لاحقا الشيخ دفع الله في ذات العام، تولى السلاوي أمر دفنه، ورعى ولده أحمد، والذي غدا لاحقا نائبا له في محكمة واد مدني. أما طالبه الأمين الضرير فقد عين فيما بعد (أو بالأصح منح لقبا تشريفيا) بأمر سلطاني رئيسا لعلماء السودان. وعمل طالبه الآخر إبراهيم بن محمد بن الشيخ عبد الدافع مفتيا في محكمة السلاوي. ويقول السلاوي إنه هو من شجع إبراهيم عبد الدافع على نظم كتاب "طبقات ودّ ضيف الله" في أرجوزة شرحها السلاوي نفسه، وعلق على كثير مما ورد في "الطبقات" مما يدل على معرفة عميقة بتفاصيل ما جاء في ذلك الكتاب (ورد في موقع "معجم البابطين" أن إبراهيم عبد الدافع استُدعي إلى مصر، وسجن بالإسكندرية في عام 1857م خمس سنوات، وذلك بسبب اشتراكه في اضطرابات حدثت في الخرطوم ضد السلطة التركية. المترجم). لم يكن السلاوي يخشى من انتقاد الحكام المستعمرين. فقد علق باقتضاب على مقتل الشيخ (الجعلي) أحمد الريح (السنهوري) وطلابه في مسجده /خلوته على يد الدفتردار محمد بيك خسراو انتقاما من مقتل المك نمر لإسماعيل باشا بالقول: "لقد قتل شهيدا في عام 1238 هـ (1822م) بالرصاص في المتمة". وحاول السلاوي التوسط في عام 1840م بين الهدندوة الرحل وأحمد باشا أبو ودان حكمدار السودان، بطلبه تدخل محمد الحسن (أحد أبناء محمد عثمان الميرغني من زوجة غير سودانية). غير أن علي صالح كرار في كتابه " الطرق الصوفية بالسودان" يعتقد أن من طلب منه السلاوي التدخل هو الحسن الميرغني (وليس أبيه). وورد في كتاب دبليو فيرني (W. Werney) عن رحلاته الأفريقية أن الشيخ السلاوي كان قد سافر في بعض بلاد جنوب أوروبا، وأنه على معرفة متواضعة باللغات الفرنسية والإيطالية والإسبانية، وأنه كان تاجرا ثريا في طرابلس بليبيا. غير أن ريتشارد هيل يعتقد أن المقصود في كتاب فيرني ليس هو الشيخ السلاوي نفسه، بل ولده مصطفى. ويبدو أن السلاوي توفي بعد عام 1256هـ (1840 – 1841م)، ولكنه ترك العديد من أفراد عائلته خلفه في السودان. وعمل الكثير من أولاده مثله في مجال القضاء، مثل مختار السلاوي القاضي ببربر (بحسب ما جاء في كتاب "تطور نظام القضاء في السودان" لحسين سيد أحمد المفتي، الصادر بالخرطوم في 1959م). ولديه ولد آخر هو مصطفي، الذي عملا قاضيا إماما خلفا للهيثم، الذي كان قد خلف بدوره والده (الشيخ السلاوي). وأتهم السلاوي بالفساد إبان زيارة حاكم مصر سعيد باشا للسودان (1856 – 1857م)، وأعتقل وأرسل لمصر سجينا. غير أن سراحه أطلق في عام 1862م ومنح معاشا من الدولة. وبعد ثلاث سنوات (أي في عام 1865م) تم تعيينه مرة أخرى قاضيا بالخرطوم. وللسلاوي ابن ثالث هو عبد الغني (المتوفى عام 1312هـ الموافق لـ 1895 – 1896 م) عمل قاضيا في كثير من المدن السودانية مثل دنقلا، قبل أن ينضم للمهدي في سنة 1882م. وفي غضون سنوات المهدية عمل عبد الغني في وظيفة الخطاط الرسمي للدولة بدار المحفوظات (Chancery)، وخط بيده (بحسب ما جاء في "نفثات اليراع في الأدب والتاريخ والاجتماع" لمحمد عبد الرحيم وكتاب صلاح الدين المليك "شعراء الوطنية في السودان") نصا مادحا للمهدي ونصوصا أخرى. وكتب بابكر بدري عنه في مذكراته ما يفيد بأنه "كان عليما باللغة، وحافظا عن ظهر قلب لكل كلمة تقريبا في القاموس. ويمكنه أن يجيبك عن كل ما تسأله عنه، بل يردد على مسامعك قطعا كاملة ذات علاقة بما سألته عنه ... مشيت خلف جنازته وأنا في غاية الحزن لفقد هذا الرجل الفذ العليم بالإتملوجيا (أصول الكلمات)، رغم أني لم أتمكن من سبر غور معرفته بالعلوم الأخرى". ولعبد الغني السلاوي ابن هو يحى، كان مثل أبيه وجده مغرما بنظم شعر المديح. ولد عبد الغني في الخرطوم في حوالي عام 1262 هـ (1845 – 1846م). وكان يحى قد سافر من الخرطوم لدنقلا في أيام ثورة عرابي. وهنالك طلب مساعدة حاكمها المحلي مصطفى باشا ياور في السفر إلى مصر، غير أن الحاكم أبى أن يساعده في ذلك. فما كان من يحى إلا أن أرسل برقية نظم محتواها شعرا إلى محمد رفاعة باشا، حكمدار عموم السودان، يتوسل فيها إليه لمساعدته للسفر إلى مصر. واستجاب الحكمدار على الفور لذلك الطلب وأمر بأن تكون رحلة يحى لمصر على حساب الحكومة. غير أنه عند وصوله لمصر طلب منه عرابي أن ينظم فيه قصيدة مادحة ففعل (أورد محمد عبد الرحيم تلك القصيدة في "نفثات اليراع" ص 83 – 88، مع قصيدة مدح أخرى ليحي السلاوي في مدح محمد سر الختم الميرغني). لا يعرف الكثير غير ذلك من تاريخ يحي السلاوي، إلا أن الكثيريين من نسل السلاوي ما زالوا يعيشون الآن في السودان. (أورد الكاتب في نهاية مقاله قائمة بالأعمال الكاملة للشيخ أحمد السلاوي، وعددها 11 مؤلفا).