خارطـة خـروج من الوضـع المـأزوم

 


 

عمر العمر
27 September, 2021

 

الأجدى للشعب والوطن من تيادل إطلاق الإتهامات وردود الأفعال الصبيانية بين العسكر والمدنيين على نحو ما يحدث التسلح بممارسة النقد الذاتي.
هذه الفريضة السياسية الغائبة تمثل الطقس الأول لجهة عمل وطني جماعي نافع على المستويين الخاص والعام . ثمة دروسٌ بالغة الأهمية كشفت عنها تجربة الشراكة الثنائية..ما من فريق يتملك من الطهارة الوطنية مايجعله أكثربرآءة من ألآخرأزاء التورط في ما بلغنا من التدهور على كل الجبهات..
ربما كشفت تداعيات "المحاولة الإنقلابية الفاشلة" للعسكر فشل الرهان على القوة إذ يصعب استخدامها في كل الأوقات.ذلك أحد مؤشرات الإدانة الفورية والقوية لـ"المحاولة" على الصعيدين الداخلي والخارجي. هذا رادعٌ يكفي لقمع كل ذوي الطموحات غير المشروعة. لكن ينبغي على الجانب االمدني استيعاب أنه عند أي منعطف يهدد استقرار السودان فإن رهان القوى الخارجية سيكون على المؤسسة العسكرية ليس على الكتلة السياسية المتشظية.
*** *** ***
هذه القرآة أكثر نفاذاً وصدقية في سياق رؤية المشهد الإقليمي المأزوم.
فبالإضافة إلى السيولة المزمنة قي ليبيا يقف الوضع في تشاد على حافة الإنفجار بينما هو في إثيوبيا على حاقة الإنهيار.تلك حالة تجعل الحفاظ على استقرار السودان شأناً ملحاً من النافذتين الإقليمية والدولية.ربما يكون مفيدا لفت الإنتباه إلى خفوت الإهتمام الخارجي بالشأن الدارفوري رغم عدم وصول الإقليم إلى مرافئ السلم الإجتماعي. في حيثيات هذا الهبوط غياب القوى زارعة الفتنة وباثة الزعزعة في دارفور وانزياح القوى المتثمرة فيهما.من هنا يصبح تعويل أيٍ من القوى الداخلية على جهةٍ خارجية رهانٌ مغلوطٌ خاسر قصير النظرلا يستوعب المصلحة الوطنية أومصالح الأطراف الخارجية.
*** *** ***
السلطة كائنٌ حي لا يتعايش مع الفراغ.، من أبرز خصائصه فرز عناصر"ييلوجسياسية" تستقطب حال بروز فراغ الطرف الأقوى لشغل ذلك الفراغ.
لهذا عندما يتقدم فريق للإستئثار بفرض النفوذ فعلى الأطراف الأخرى أولاً مراجعة مواقفهم .على القوى المدنية القابضة على مفاصل السلطة حاليا الإعتراف أنها ليست في عنفوان ذلك الثالوث الموقع على الوثيقة الدستورية. ذلك مثلثٌ إنفرطت أضلاعه فتبعثرت مكوناته. توصيف معسكر السلطة المدني الحالي بأنه أكبر تحالف سياسي في تاريخ السودان لا يطابق الأمانه الفكرية. فهو كبير من حيث تعدد اللافتات الحزبية ليس بوزن الثقل الجماهيريبالإضافة إلى كونه كيانٌ تنهشه التباينات على نحويكبل قدرته على الإنجاز.
*** *** ***
وفق التعريفات القانونية فإن الدولة تقوم على ثلاثة أركان هي الإقليم والشعب والسلطةا السياسية.الجيش هو حارس الدولة في وجه التهديدات الخارجية. من الشعب تستمد الدولة سيادتها. بسلطة الشعب تبسط الدولة السيادة على إقليمها الجغرافيومن عليه. من هنا ينتفي كل كلام يمنح الجيش حق الوصاية على الدولة أو الشعب. لكن لأسباب متباينة أمسى تدخل المؤسسة العسكرية في السياسة ظاهرة واسعة الإنتشار عبر العالم الثالث خاصة في الوطن العربي. أي نظرة عميقة في التاريخ السوداني المعاصر تكشف بوضوح أن الإنقلابات العسكرية هي صناعة مدنية على نحو أو آخر. عندما يستولي الضباط الإنقلابيون على السلطة يزعمون التوجه نحو تصحيح المسارات السياسية والإقتصادية على وجه التحديد.غير ان تلك الدعاوى لاتصمد أمام التجربة إذ على النقيض تعمّق الإنقلابات الأزمات لا تعين على تفكيكها.
*** *** ***
القوى السياسية السودانية ارتكبت خطأً فادحا مرتين : الأول إبان ثورة إبريل ، الثاني في ثورة ديسمبر . في الحالتين أفسحت خلافاتها المزمنة أمام العسكرفرصة قطع الطريق أمام الثوار فلم تبلغ الثورتان حد تنصيب سلطة مدنية خالصة تعبر عن روح الثورة أو أحلام الثوار.هكذا جاء سك مفهوم "
الشراكة" في سياق هشاشة الجبهة المدنية وأطماع كبار الضباط. التجربتان أثبتا حرص "الشركاء العسكريين" على الحفاظ على هياكل الدولة السابقة أكثر من الإقبال على بناء مؤسسات الدولة الجديدة.أخطر ماظل باقيا ً من هياكل الإنقاذ استمرار مؤسسات تجاريةعسكرية تموّل الجيش إلى جانب شرعنة مياشيات النظام البائد. هذه المؤسسات التجارية تهيمن على 82% من حركة الإقتصاد الوطني.وفق المفاهيم السياسية فإن من يملك المال يستأثر بإملاء خياراته السياسية .
*** *** ***
أكثر من ذلك يحاجج ساسة وكبارمن الجنرالات بقومية الجيش أكثر من أي مؤسسة مغايرة. كما يحاججون أن بناءها على الضبط والربط يجعلها أكثر تأهيلا من القوى السياسية المدنية للحفاظ على الدولة في المنعطفات الحرجة مثل المرحلة الإنتقالية الراهنة. في ذلك غير قليل من الصدقية لكن الأكثر مصداقية من ذلك أن مؤسستنا العسكرية الحالية تفتقد إلى سمتي القومية والإنضباط أكثر من أي وقت مضى في تاريخها. تلكما نتيجة تلقائية لحالها إبان عقود الإنقاذ. فالثابت في المخيلة الجمعية أن كبار الحنرالات حاليا هم من المرفعين بولاء اتهم لا كفاءاتهم في ذلك العهد. لذلك لا يحق لمن منهم على قمة هرم السلطة الكلام باسم المؤسسة من منطلق تمثيلها أو قوميتها. هذه خلاصة مجحفة لكن أكثر منها إجحافا ممارسات جماعة الجنرالات الأربعة وخامسهم زعيم الدعم السريع في حق الثورة والثوار والمرحلة الإنتقالية.
*** *** ***
لعل مداواة الإهتراء العام في المشهد السياسي تفتقد القائد الوطني صاحب الكاريزما الجاذبة حضوراً واداءا . ربما كان ذلك الشرط أبرز فرضيات الرهان على رئيس الوزراء الهابط خشبة المسرح الوطني من المجهول. فهو جاء منزهاً فوق شبهات مماحكات القوى السياسية وعليه وقار التكنوقراط ثري التجربة قوي الشكيمة.غير ان التجربة أثبتت أن ذلك الرهان كان ضربا من خيالٍ فهوى. الرجل آثر الترقب عوضا عن المبادأة، الإختباء على المواجهة والحيدة بدلاًعن المصادمة ثم أغرق نفسه في محيط بروقراطي مترهل عطّل أداء السلطة التنفيذية.في الوطن كفاءات مقتدرتضيق رؤى الأحزاب عن النظر إليهم ! الشعب يسبغ لقب الزعامة على من ينتزع افتنانه برؤاه السياسية حكمته الإدارية وقبل ذلك بمشروعه الوطني.
*** *** ***
القفز فوق ركام الإحباطات والفشل المكدس لن يكون ممكناً مالم يقبل الجميع على منصة التوافق الوطني بروح تنأى عن كيل السباب وتبادل الإتهامات والعمل على استبدال الصفح بالتهديد و الوعد بالوعيد. حالة الإستقطاب الحاد المتمكنة من المشهد السياسي تعكس وهن السلطة والمتنازعين على نقيض ما يتوهم الأقطاب المتصارعون. ذلك الوهن يغري أصحاب الطموحات غير المشروعة للإستثمار في الشأن العام بغية تحثيق مآرب خاصة أو مصالح ضيقة.المفارقة المحزنة تتبدى في عجز أطراف الإستقطاب عن إدراك قيمة الفرص التاريخية المتاحة أمامهم من أجل بناء أمجاد وطنية أو على الأقل كتابة سير ذاتية ناصعة.
*** *** ***
ممارسة النقد تتطلب الإعتراف الشجاع أولاً بخطل المحاصصة . ذلك سبيل أفضى بنا إلى ترفيع ذوي الولاءات على أهل الكفاءات على نقيض التوافق فجر الثورة. كما أفرز ترهل في هرم السلطة . مجلس رأس الدولة أكثرتضخما من رمزيته. مجلس الوزراء يتطلب رشاقة قوامها مهارات و خبرات . النسخة الوزارية الأولى أفضل حالاً من الثانية. رئيس الحكومة يحتاج إلى مجلس مصغر متعدد الكفاءات يعد مشاريع قرارات حاسمة ليس ورش عمل تعد دراسات كما يريد هومن آليته المتورمة. من الأجدى للوطن والبناء الديمقراطي أن تنأى الأحزاب عن التكالب على جهاز الولة برمته على ان تتفرغ إلى إعادة بناء هياكلها الرثة وكتابة برامجها الغائبة وإعداد كوادرها المغيّبة استعداداً للتنافس على السلطة عبر الإنتخابات المأمولة. خلافاتنا المتصاعدة ليست على السياسات بل على جوهر القيادة السياسية. الشعب يريد النظر إلى قيادات سياسية بلا اشمئزاز إن لم يكن في إعجاب.

aloomar@gmail.com

 

آراء