ختان النساء: دراسة عن عادة لا يعرف عنها الكثير .. ترجمة: بدر الدين حامد الهاشمي

 


 

 

Infibulation and Female Circumcision: A Study of Little known Custom
Dr. Allan Wosley    دكتور آلان اورسلي
مقدمة: هذه ترجمة لبعض ما جاء في مقال علمي / طبي عن الختان في السودان بقلم الدكتور آلان اورسلي (الجراح بمستشفى أم درمان الملكي) نشر في العدد الخامس والأربعين من المجلة البريطانية لأمراض النساء والتوليد (BJOG) والصادر في عام 1938م.
وليس في المقال معلومات جديدة عن الختان في السودان بحسب ما هو معلوم الآن. غير أن توقيت صدور المقال (1938م) له أهمية تاريخية، ويصب في جهة التنوير للأطباء (والعامة) بتلك العادة المُضِرٌّة في تلك السنوات البعيدة، ودراسة تاريخها المقارن عند مختلف الشعوب عبر العصور. والمعلوم أن تلك العادة قد أثارت في السودان الكثير من الخلاف والصراع في أربعينات القرن الماضي وما بعدها (يمكن النظر في كتاب "تمدين نساء السودان" بقلم جانيس بودي، والذي ترجمنا بعض أجزائه، خاصة ما أثاره من احداث في رفاعة وغيرها. المترجم).
الشكر موصول لبروفيسورة فيفيت قلوفر من الأمبيرال كولج بلندن لتيسيرها لي سبيل الحصول على هذه الورقة.
******       ********           *****        *********        **************
لعادة الختان تاريخ قديم جدا. فقد عرفت عند المصريين القدماء، وعند سكان الجزيرة العربية قبل مجيء الإسلام. وكان الرومان يمارسونه بإدخال إبزيم / مشبك (fibula / Clasp) عبر القُلْفَة (prepuce) حفاظا على العفة والطهارة.
ولا تزال عمليات التشويه تلك تمارس في أركان مظلمة في العالم. وستتناول هذه الورقة بعض جوانب أمراض النساء الناتجة عن ممارسة ذلك التشويه.
ولعل الغرض النهائي من تلك العمليات هو الحفاظ على العذرية. غير أنه لا يستبعد أن لها أغراضا أخرى تفرعت من ذلك الغرض الرئيس، وتطورت إلى أن غدت عادة قبلية.
ويمكن تصنيف تلك التشويهات (الجراحية) إلى ثلاثة أصناف، وهي قطع المهبل (introcision) في عمر صغير، وختان النساء (circumcision) وهو يتضمن حَشَّ أطراف الشفرين مع قطع البظر، والختان "الفرعوني" (Infibulation proper) وهو يتضمن حَشَّ أطراف الشفرين مع قطع البظر، ثم قفل شبه كامل لفتحة الفرج.
وترتبط هذه العادة بمزيج من السرية والغموض والدين والخرافة، وتحرص النساء اللواتي يمارسنها، وبصورة طبيعية، على حماية "أسرارها" من حب الاستطلاع والفضول الأوربي. لذا فإن معرفة الغربيين (وحتى الأطباء) بتفاصيل تلك العمليات التشويهية ليست كبيرة. ولقد عملت بالسودان لسبع سنوات طبيبا وجراحا لأمراض نساء القبائل البدائيات primitive tribeswomen (لم تعد مثل هذه الأوصاف مقبولة في الكتابة العلمية المعاصرة لأسباب بدهية. المترجم)، وأتاح لي عملي في أواسطهن نفاذ بصيرة (insight) وخبرة لا بأس بها في هذا الأمر، والذي لا أشك في أن كثيرا من العاملين في الحقل الطبي والصحي (في العالم الغربي) يجهلونه كل الجهل. وأتمنى أن تضيف ملاحظاتي في هذا المقال شيئا مفيدا للأدب العلمي والطبي القليل المسجل عن هذه العادة (ورد في مراجع هذا المقال مقال عن الختان بعنوان Die Beschneidung بقلم عالم أو طبيب ألماني نشر عام 1844، وورقة إيطالية بعنوان Della Circumcisione صدرت عام 1895م، وأدرج أيضا في ثبت المراجع فتاوى ابن تيميه. المترجم).
الختان كما يمارس في السودان
لابد لكل بنت سودانية بلغت السادسة من عمرها من أن تختن. ويحدد يوم الختان في وسط أسبوع من الاحتفالات والولائم، وتؤخذ البنت إلى غرفة في رفقة قريباتها وصديقاتها القريبات. ويتم الأمر كله في دائرة النساء، ولا يلعب الرجال أي دور فيه. وتقوم قابلة (داية) كبيرة بـ "طهارة" البنت باستخدام موسى الحلاقة.
تطرح البنت عارية على سرير، وتقوم أربع نساء بتثبيتها من الذراعين والكاحلين، بينما تقوم القابلة، وبمهارة وسرعة، بإزالة البظر والشفرين الكبيرين والصغيرين. وتختفي صرخات الصغيرة المتألمة في وسط الزغاريد الفرحة، وجلبة النساء، وتطمين تعيسة الحظ بأن كل شيء سيكون على ما يرام، وأنه لا داعي للصراخ والبكاء. ولا يخلو وجه القابلة أبدا وهي تؤدي تلك العملية من ابتسامة سادية فرحة.  وتسود بين النظارة المحظوظات في الغرفة موجة فرح وجزل بائنين.
وتنزف البنت بعد ذلك التشويه الجراحي بغزارة، وتتولى القابلة أمر النزف كما يلي: تستخدم القابلة مشبكا (clamp) مكونا من قصبتين منحنيتين تربطان معا ويؤمل أن توقفا تدفق الدم من مكان الجرح.
وتكون الحياة للبنت المختونة في الأسبوعين أو الثلاثة التي تلي العملية شقاءً مقيما وألما لا ينقطع. فالمشبك القصبي يترك في مكانه، وعلى البول أن يجد طريقة ما ينفذ بها للخارج. وعندما يزال المشبك (أخيرا) تكون فتحة الفرج (vulva) قد أغلقت إلا من فتحة صغيرة جدا (لا تسمح حتى بمرور قلم رصاص رقيق) في جهتها الخلفية.
مضاعفات الختان
تحدث عقب عملية الختان حالات متنوعة من التهاب النسيج الخلوي (cellulitis) والعدوى (infections) وتراكم الصديد. وتخلف تلك العمليات ندبة وجدرة keloid)) في 50% من الحالات. وتكثر حالات الجَدَر في السودان أكثر من غيره من البلدان.
أما أخطر المضاعفات المؤسفة وأكثرها حدوثها فتحدث نتيجة خطأ من القابلة حين تجرح بموساها فم مجرى البول mouth of urethra ويغدو مجرى البول جزءاً من الجرح.  لقد كنت في أيامي الأولى أشعر بأسي وصدمة لا توصف عندما كانت تحول إلى مثل تلك الحالات. ولكن بعد سنوات (وبعد أن زال حاجز التحيز والكراهية غير المسببة (prejudice سمح لي بأن أقوم بعمليات جراحية على أولئك النسوة التعيسات.
وربما سيأتي يوم - ومع مواصلة حملات التوعية والإقناع والتأثير لشخصي- نستطيع فيه أن نثني هؤلاء النساء عن ممارسة تلك العادة المضرة.
علاقة الختان بالزواج
تقوم القابلة قبيل الزواج مباشرة في حالات كثيرة بفتح ما أغلقه الختان. ولقد رأيت خلال ممارستي لطب النساء في السودان عددا كبيرا من الزوجات الحمل ولم تكن فتحة المهبل عندهن إلا فتحة بالغة الصغر لا تزيد عن رأس الدبوس. ويعاد توسيع تلك الفتحة قبيل كل ولادة. وبذا فإن الأمر كله هنا بيد القابلة وليس الزوج.
الولادة  Accouchement
تعتمد كثير من نساء الأهالي على ربط مرفقي وركبتي المرأة الجاثية على الأرض بحبل مصنوع من ألياف النخيل مربوط في سقف الغرفة. وتجلس القابلة القرفصاء على الأرض تحت النفساء (في الأصل "المريضة". المترجم)، وتواصل حز منطقة العجان perineum (هي المنطقة الملساء الواقعة بين المهبل والشرج. المترجم) وهي مشدودة كجلد طبل. وتظل النفساء المنهكة تتألم وتذرف الدمع وهي في حالة مؤسفة مروعة بفعل تلك الطريقة العجيبة في التوليد.
دواعي الختان
على الرغم من إنكار البعض، إلا أن الحفاظ على العذرية هو السبب الرئيس وراء الختان. إلا أنه من وجهة نظر المرأة فالختان يحمل كل ديناميكية الموضة (dynamic of fashion). فالبنت الصغيرة تتطلع (ربما بطريقة مرعبة نوعا ما) إلى اليوم الذي تتم فيها "طهارتها"، ولا تحلم أبدا بالتهرب من ذلك اليوم، حتى ولو كان ذلك في مقدورها. ومعلوم أن أقبح إساءة يمكن أن توجها النساء للمرأة هنا هو أنها "غير مختونة (غلفاء)".  وأكثر من ذلك، فالمرأة البالغة هنا تفتخر بالندبة التي يخلفها الختان وتدعوها "نفسي my own self". لذا فربما كانت وراء هذه العادة نوع من الجمالية التشريحية anatomical aestheticism.
ويزعم البعض، ودون دليل موثوق، وجود علاقة ما بتلك العادة والدين. وفي نظري فالختان عادة قديمة، تغذيها الخرافة، وتعمل نساء كبار في السن على استمراريتها.
دراسة مقارنة
1/ قطع المهبل (introcision)
يقال بأن هذه العادة شائعة عند سكان الجزر في بحر الجنوب، غير أني لم أعثر على دليل على ذلك. غير أنه من الثابت أن هذه العادة تمارس في أوساط البيتا – باتا (Pitta - Patta) في أستراليا (وهي من القبائل الأصلية – aborigines). وعندما تبلغ البنت في هذه القبيلة (البدائية) مرحلة البلوغ يتجمع رجال ونساء القبيلة ليشهدوا إجراء تلك العملية، عليها، والتي يقوم بها شيخ كبير من رجال القبيلة. وتبدأ العملية بإدخال الشيخ لثلاثة من أصابعه في فوهة المهبل لتوسعيه. وفي مناطق أخرى يستخدم الخاتن العجوز مدية حجرية لشق منطقة العجان. ويعقب ذلك ممارسة قسرية للجنس مع عدد من الشباب، وممارسات أخري (أكثر إثارة للاشمئزاز) مع كبار السن والمرضى بقصد تجديد الشباب والحيوية (rejuvenation).  
2/ ختان النساء (circumcision of women)
يشيع هذا النوع من الختان في أفريقيا في ماندنغو (Mandingo وهم من قبائل سيراليون) وتسوانا / Tswana) Bechuanas في جنوب أفريقيا) وغالب قبائل البانتو Bantu، ومصر وأجزاء من ساحل الذهب (غانا الآن. المترجم).  ويوجد هذا النوع من الختان في آسيا بالملايو، وفي أرخبيل الهند، وبلاد الفرس، وفي شبه جزيرة طويلة في الشرق الأقصى الروسي، تقع بين المحيط الهادي وبحر أوخوتسك kamchatkans)).  ويوجد أيضا في أمريكا في شرق المكسيك وبيرو والبرازيل.  أما في أستراليا فتشيع هذه العادة في المناطق من يروبانا Urabunna في الجنوب إلى السواحل الشرقية لخليج كاربينتاريا Carpentaria.  أما في أوربا، فلم تسجل فيها إلا حالات متفرقة في روسيا عند طائفة مسيحية اسمها Skoptozy تقوم بختان نسائها لضمان عذرية دائمة perpetual virginity مستشهدين بمقولة عن الإخصاء منسوبة إلى القديس ماثيو (متى) في الآية 12 .19 . وتمارس تلك الطائفة الروسية ذلك الختان بغلو ملحوظ يقوم فيه الخاتن /الخاتنة بإزالة كامل الشفرين الكبيرين.
3/ الختان الفرعوني (Infibulation proper)
 هنا تغلق فتحة الفرج (vulva) بعد الختان. ولحسن الحظ فإن هذه الممارسة ليست شائعة في مناطق كثيرة من العالم. ويعتقد أنها بدأت في الجزيرة العربية قديما. لذا فهي لم تنتشر في أي منطقة خلا شمال شرق أفريقيا. ولا تمارس تلك العادة في مصر المعاصرة.  وأخبرني خبير بعلم المصريات اسمه بروفيسور اليوت اسمث بأنه لم يعثر في أبحاثه على المومياوات المصرية القديمة على أي مومياء مختونة بذلك الضرب من الختان المسمى "فرعوني". غير أن معظمهن كن مختونات بحسب ما هو مذكور في النوع المذكر أعلاه (رقم 2).
أما في أفريقيا فهذه الممارسة شائعة في السودان والحبشة والصومال، بل لقد انتشرت في أوساط النوبة والوثنيين في جنوب السودان. وتشيع تلك العادة أيضا في الملايو، ويعتقد أنها تمارس في أوساط قبائل بيقو Pegu   بالهند، غير أنه لا يوجد دليل موثوق على ذلك.
ممارسو عمليات الختان
الرجال: يقوم القساوسة والحلاقون والأطباء الشعبيون بهذه الممارسة في مصر المعاصرة. ويمارسها أقرباء البنت عند القبائل الأسترالية الأصلية.
النساء: القابلات في السودان، وزوجات الحدادين في السودان الفرنسي. ونساء مدربات في الجزيرة العربية وقبيلة الماساي.
وتتم عمليات الختان على البنات في عمر أسبوع واحد في الحبشة، وعدد من الأسابيع بعد الولادة في الجزيرة العربية، و 3 – 4 سنوات في الصومال، و3 – 8 سنوات عند الأقباط، و6 – 7 سنوات في السودان ومصر، و14 – 15 سنة عند قبائل استراليا الأصلية والبانتيو و الماساي، وبعد إنجاب الأطفال عند قبائل في غينيا وسواحلي Swahili.
الأسباب التي من أجلها تختن المرأة
بالإضافة لما ذكرناه أعلاه يزعم من يمارسون تلك العادة على بناتهم أن من "فوائدها" ما يلي:
1/ تقليل شهوة المرأة الجنسية. وتزعم بعض القبائل الإفريقية أن إزالة البظر يقلل من حالات المس mania الذي قد يصاحب الرغبة الجنسية المفرطة.  
2/ تضييق الفرج، خاصة بعد الولادة
3/ النظافة (وهذا اعتقاد سائد عند قبائل البانتو Bantus)
4/ لزيادة الخصوبة (وهذا شائع عند الماندينغو)
5/ للحفاظ على الأم والمولود/ة من الموت (وهذا ما يعتقده الماساي والسواحيلي).
6/ لمنع تضخم الشفرين (labial hypertrophy) (عند قبائل الهوتنوت  Hottentot والأحباش).
وأخيرا يجب أن نذكر أن المرأة في مصر القديمة لم يكن يسمح لها قانونا بنيل نصيبها في الميراث إلا إذا كانت مختونة.
*******    ********
وفي الختام لابد من تقديم الشكر للحكومة البريطانية في السودان لقيامها بعمل رائد تمثل في فتح مراكز لتدريب القابلات على ممارسة عملهن تحت ظروف صحية مقبولة، وجعلت تسجيل القابلات أمرا قانونيا ملزما.  ومن شأن كل ذلك تخفيف وقع الخسائر الصحية الكبيرة التي كانت تحدث قبل تدريب أولئك القابلات، واللواتي ظللن يمارسن عملهن رغم مشاعر العداء والنقد الجارح في قرى ومدن البلاد.
ويأمل المرء أن تنتهي بذهاب الأجيال الكبيرة في السن هذه العادة الشريرة والتي أنهكت هذا الشعب الرائع المحبوب.   

   
 
alibadreldin@hotmail.com
///////////

 

آراء