خضوع قرارات الأمن للمراجعة بواسطة السلطتين التشريعية والقضائية

 


 

 

 

"ان الذين يتخلون عن حرياتهم الأساسية للحصول على الأمن لا يستحقون الحرية ولا الأمن" بنيامين فرانكلين.

جاء في صحيفة الجريدة عدد الجمعة أن أسر المعتقلين السياسيين، قد رفعوا مذكرة رسمية على خلفية الإحتجاجات السلمية المناهضة لميزانية 2018م لرئيس البرلمان إبراهيم أحمد عمر، ولجنة التشريع والعدل وحقوق الإنسان، تطالب بالإفراج عن المعتقلين فوراً، وفي نفس الوقت أعلنت اللجنة مخاطبتها للجهاز قبل 10 أيام، لزيارة المعتقلين والوقوف على أوضاعهم. وأنه يتجه نواب برلمانيون لجمع توقيعات، ورفعها لرئيس المجلس الوطني بغرض إستجواب مدير جهاز الأمن والمخابرات صلاح قوش في (جلسة سرية) أمام لجنة خاصة يشكلها رئيس المجلس بعد موافقته وفقاً للدستور.

إستجواب مدير جهاز الأمن والمخابرات في البرلمان، هي ممارسة ديمقراطية عادية ،وذلك لأن قاعدة الرقابة والتوازن المتبادلة بين السلطات الثلاث Checks and balances قد منحت البرلمان سلطة رقابة على أعمال السلطة التنفيذية. وهذه المسألة لا يجب أن تسبب أي حساسية، فالأمن يمارس سلطاته وفق قانون أصدره البرلمان. ورغم أنه وفقاُ للدستور يعمل تحت إشراف رئيس الجمهورية، إلا أن ذلك لا يحجب عن المجلس الوطني أحد إختصاصاته الرئيسية الواردة في المادة 91 (3) من الدستور، وهي مراقبة أداء السلطة التنفيذية القومية، وإصدار القرارات بشأن المسائل العامة. ما يرغب البرلمانيون في إستجواب المدير بشأنه، هو أمر متعلق بسلطة الإعتقال الممنوحة للأمن، بواسطة قانون الأمن الوطني. سبّب هذا الخبر دهشة لدى أوساط مختلفة بسبب الإعتقاد السائد لديها، بأن قانون الأمن قد منح الجهاز سلطة مطلقة في إعتقال الأفراد لمدة أربعة أشهر وخمسة عشر يوماً، وأنه يجوز له ممارسة تلك السلطة وفقاً لتقديراته الذاتية، ودون أن يخضع في تلك التقديرات لمراجعة البرلمان ولا القضاء. وهذا في تقديري إعتقاد خاطئ، حيث أن قانون الأمن لم يمنح سلطة مطلقة للجهاز، وإلا لكانت سلطات إعتقال تحفظى، ولو كانت كذلك، لكانت بالمبتدأ مخالفة للدستور، دون حوجة لجدل، فالدستور الإنتقالى على خلاف دساتير أخرى، كالدستور الهندى مثلاً، لا يعرف الإعتقال التحفظى، ولا ليوم واحد. بل منحه سلطات إعتقال بغرض التحرى والتحقيق فى وجود جريمة، توطئة لتقديم المعتقل للمحاكمة. كون أن سلطات الإعتقال هى سلطات إعتقال بغرض التحرى والتحقيق فى وجود جريمة، واضح من نص المواد نفسها، فالفقرة (و) تجيز مد الإحتجاز " اذا كانت هنالك اسباب معقولة، تقتضي المزيد من التحري، والتحقيق، وبقاء الشخص المحتجز رهن الحراسة" وهو نفس المعيار الذى إستخدمته الفقرة ح وبالتالي فإن ممارسة الأمن لسلطاته تخضع لكل ما تخضع له ممارسات الأجهزة التنفيذية الأخرى من مراجعات. وهو الأمر الذي يدعونا لمراجعة دقيقة للنصوص التي تحكم سلطة الأمن في الإعتقال وفقاً لقانونه.


سلطات الجهاز في الإعتقال
سلطات الجهاز في الإعتقال حددتها المادة 25 من قانون الأمن الوطني لعام 2010 ويلاحظ أول ما يلاحظ أن تلك المادة أ تذكر في صدرها أنه "بعد الإطلاع على وثيقة الحقوق الواردة في الدستور الإنتقالي لعام 2005 يمارس الجهاز السلطات الآتية" وهي جملة ليست مستعملة في القوانين، وإن كان يكثر إستعمالها في القرارات الإدارية. فقد درجت قرارات السلطة العامة لأن تشير إلى السلطة المخولة لها لإصدار القرار، لأنها في حاجة لتبيان مصدر السلطة التي بموجبها أصدرت القرار، في حين أن التشريعات لا تحتاج لأكثر من أن ياتي في صدرها صدور التشريع عن المجلس الوطني، أو رئيس الجمهورية، وفي عجزها توقيع رئيس الجمهورية. إذاً فإن الإشارة لوثيقة الحقوق هنا على غير ما هو متبع في صياغة القوانين، يجب تفسيرها على أساس حرص المشرع على أن تلك السلطات يجب أن لا تُمارس بشكل ينطوي على تجاوز أحكام الوثيقة. وقد منحت المادة 25 بعد ذلك في فقرتها (هـ) جهاز الأمن سلطة قبض وحجز الأفراد، وفقاً لما هو وارد بالمادة 50 ولننظر إلى المادة 50.


سلطة القبض في المادة 50
مرة اخرى تشير المادة 50 إلى أحكام مادتين في وثيقة الحقوق الواردة في الدستور، وهما المادة 29 والتي تنص على الحق في الحرية والأمان، والمادة 37 والتي تحمي الحق في الخصوصية. وهذا يعني أن تلك السلطات تتم ممارستها دون إنتهاك للحقين المذكورين، ومن ثم تمنح السلطات الواردة بعد ذلك في المادة لعضو الجهاز الذي يحدده المدير بأمر منه، وهذا يعني أن السلطات الواردة في المادة ليست سلطة يمارسها عضو الجهاز بصفته تلك، بل يمارسها فقط من يحدده المدير من ضمنهم.

ولا تعطي المادة سلطة مطلقة للقبض، حتى لأولئك الذين يحددهم المدير، بل تمنحهم سلطة قبض أو حجز أي شخص مشتبه فيه، ثم تحدد مدة ذلك على الوجه الذي نعرض له فيما بعد، فما هو معنى مشتبه فيه؟


الإشتباه في ماذا؟
" سلطة الاعتقال – والتي تعني حرمان مواطن من الحرية – يجب أن تُستخدم بشكل منصف ومسؤول وخال من التحيز. لوريتا لينش
المعنى الواضح لذلك الشرط، هو أن السلطة ليست مطلقة لعضو الجهاز في أن يقبض من يشاء، بل يمنحه القانون سلطة القبض حين يشتبه في أن يكون الشخص قد إرتكب، او بصدد إرتكاب، جريمة تقع في إختصاص الجهاز. وهذا يلزمنا بالعودة لإختصاصات الجهاز التي حددها قانونه في المادة 24. الفقرات الأربعة الأوائل من المادة لا تستدعي القبض لأنها لا تتصل بإرتكاب جرائم محددة وإنما قد يستدعي القبض ما ورد في الفقرة (هـ) الكشف عن الأخطار الناجمة عن النشاط الهدام، في مجالات التجسس والإرهاب والتطرف والتآمر والتخريب، والفقرة (و) كشف ومكافحة الأنشطة التخريبية للمنظمات أو الجماعات أو الأفراد، أو الدول الأجنبية، أو الجماعات السودانية داخل السودان وخارجه، والفقرة (ز) التعاون مع الأجهزة المشابهة أو الصديقة في تبادل المعلومات ومكافحة الإرهاب، والأعمال التي تهدد النِظام والأمن المشترك، أو أي من مجالات الأمن الخارجي، والفقرة (ح)حماية الشخصيات الهامة والمرافق العامة، وتأمين المدن بالتنسيق مع القوات النظامية الأخرى ،
وهذا يعني أن يكون الإشتباه متعلق بإرتكاب جرائم أو الشروع في إرتكاب جرائم تتعلق بتقويض النظام الدستوري أو إثارة الحرب ضد الدولة أو بالإرهاب، أو التجسس.


الإشتباه في إرتكاب جرائم اخرى
قانون الأمن الوطني لا يعنى أصلا بالمواكب ، وذلك لأن السلطات المتصلة بالإعتقال الممنوحة لجهاز الأمن الوطني لا تتصل أصلاً بالعمل السياسي الحزبي، ومن ضمنها تسيير المواكب، وعقد الإجتماعات العامة، والذي يقع بأكمله في دائرة الضوء، وإنما تتصل بما يجري في الظلام من معاملات تستهدف الوطن. والوطن يعني إقليم يسكنه شعب يمارس السيادة على ذلك الإقليم. ولكن ذلك لا يعني عدم جواز إعتقال عضو من أعضائه لفرد بسبب إشتباهه بإرتكاب جريمة متصلة بالموكب، إذ يمكن أن يقوم أحد المشتركين في الموكب، أو المحيطين به، بالقيام بفعل يُشتبه أن يشكل جريمة بواسطة القانون الجنائي، وقانون الإجراءات الجنائية، لأن مسألة المواكب في الطرقات العامة يعالج السلوك المطلوب منها ومن العامة بشأنها القانونان. ولكن إذا جاز لأعضاء الجهاز أن يضبطوا تلك المخالفات، فإنهم يفعلون ذلك بموجب سلطات الشرطة التي منحتها لهم الفقرة (ج) من المادة 50 من قانونهم ، وهذه السلطات تمنحهم سلطة القبض فقط تنفيذا لأمر القاضي أو وكيل النيابة، أو إذا إرتكب شخص في حضورهم فعلا قد يشكل جريمة، ورفض اعطاء صحيح اسمه وعنوانه، علي أن يفرج عنه فور اعطاء الاسم والعنوان. أو إذا إرتكب في حضورهم جريمة يجوز القبض فيها بدون أمر قبض. وهي سلطات تلزمهم في كل الأحوال، بإحضار المقبوض عليه فورا امام وكيل النيابة أو القاضي الذي أصدر الأمر، أو بتسليم المقبوض عليه لأول رجل شرطة. وعلى أعضاء جهاز الأمن في هذه الحالة التقيد تماماً بأحكام قانون الإجراءات الجنائية، وبحدود السلطات التي يمنحها ذلك القانون، وعليهم تحمل مسئولية أي تجاوز لتلك السلطات.


معقولية الإشتباه
لكي يمارس عضو الجهاز المخوّل بذلك سلطة قبض الأفراد، لابد أن يكون لديه إشتباه معقول، بإرتكاب جريمة تقع في إختصاصه على النحو الذي ذكرناه مسبقا. وهذا الإشتباه يتطلب وجود وقائع أو معلومات، تجعل المراقب الموضوعي، يعتقد بأن الشخص المعني قد يكون قد ضالعا في الجريمة موضوع القبض. وذكرت المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان أنه رغم أن جرائم الإرهاب ذات طبيعة خاصة، تجعل مستوى المعقولية في الإشتباه في إرتكابها مختلف، عن المستوى المتطلب في الجرائم العادية. وتجعل التحري في تلك الجرائم قد يستوجب سرية أكبر مما يستوجبه فى الجرائم الأخرى، إلا أن ذلك لا يجب أن يمتد للدرجة التي تؤدي للإخلال بأساس مبدأ المعقولية. وعلى الإتهام أن يكشف بعض الوقائع والمعلومات التي تجعل المحكمة تقتنع بمعقولية الإشتباه في المقبوض عليه. ولذلك فقد قررت المحكمة في دعوى فوكس وكامبل وهارتلى ضد المملكة المتحدة، أن المدعين قد تم القبض عليهم بواسطة ضباط إشتبهوا بحسن نية فى أنهم ضالعين في عمل إرهابي، بسبب أن إثنين منهم كانوا قد أدينوا بأعمال إرهابية من قبل. كما وأن إستجوابهم بمجرد إعتقالهم حول أعمال إرهابية تكشف عن حسن نية الضباط، ولكن كل ذلك لا يدعو للقول بأن الوقائع التي أدت لإشتباه الضباط في المدعين، كانت ستؤدي لإشتباه معقول لدى مراقب موضوعي في أن المدعين قد إرتكبوا الفعل الذى تم القبض بسببه. فحسن النية في الإعتقال لا صلة له بمعقولية الإشتباه، لذلك فإنه يجب على الدولة المدعى عليها أن تكشف للمحكمة عن الظروف التى أدت للإشتباه، مع التسليم بحقها فى عدم الكشف عن مصادر المعلومات فى الجرائم الإرهابية.


مدة الإعتقال
حددت الفقرات (و) و (ز) و (ج) فترات الإعتقال وسببها وهي فترات تمتد لأربعة أشهر ونصف
إذا فالمادة أولاً تحدد سبباً للإبقاء رهن الإحتجاز، ثم تحدد سقفاً زمنياً لمدة الإعتقال. فمن حيث المدة يجوز لعضو الجهاز إبقاء المقبوض عليه في الحراسة لمدة ثلاثين يوماً بغرض التحري. وهذا يعني أنه يجب أن يكون التحري هو السبب في الإبقاء، وأن يكون سببه إشتباه معقول في إرتكاب الشخص لجريمة تقع في إختصاص الجهاز. وهذا يتطلب من العضو أن يكمل التحري في المدة المطلوبة. ولا يجوز له بدون عذر مقبول أن يتوقف عن السير في إجراءات التحري طوال تلك المدة، ولا الإبطاء فيها. فإذا لم يكتمل التحري لإسباب خارجة عن إرادته، عليه أن يرفع الأمر للسيد المدير الذي يجوز له تجديد الحبس لمدة لا تتجاوز خمسة عشر يوماً لإكمال التحري والتحقيق، فإذا إنتهت المدة على المدير الأمر بإطلاق سراح المعتقل، ما لم يظهر له أن بقاء الشخص رهن الحراسة ضروري لإكمال التحري والتحقيق، لارتباط الاتهام بما يهدد أمن وسلامة المواطن، وترويع المجتمع عن طريق النهب المسلح، أو الفتنة الدينية أو العنصرية، أو الإرهاب ،أو تخريب السلام، أو ممارسة العنف السياسي، أو التخابر ضد الوطن. وفي هذه الحالة عليه أن يرفع الأمر لمجلس الأمن القومي، الذي يجوز له مد فترة الحبس لمدة لا تتجاوز الثلاثة أشهر، وعلى المجلس أن يمد الفترة لفترات لا تتجاوزالثلاثة أشهر، بشرط أن لا يكون التحري قد إكتمل حتى نهاية الفترة، وألا يكون قد ظهر أن ما قام به المعتقل لا صلة له بالأنشطة المذكورة.

إذاً فالفترة القصوى للحبس بموجب قانون الأمن هي أربعة أشهر وخمسة عشر يوماً. ولكن إبقاء المحبوس هذه المدة لا يخضع لإرادة العضو الذي إعتقله، ولا لإرادة المدير من بعده، ولا مجلس الأمن الوطني بعد ذلك. بل يجب أن يأخذ كل منهم قراره بالرجوع لسبب الإحتجاز الذي قرره القانون. وهذا يعني أن إبقاء الشخص لمدة 45 يوما قيد الإعتقال يجب أن يكون بغرض التحري في إشتباه يتعلق بإرتكابه جريمة من الجرائم التي يختص بمنعها الجهاز. أما من بقي أكثر من ذلك فيتوجب أن يكون ذلك من حيث الشكل، بأمر مجلس الأمن الوطني، ومن حيث الموضوع لسببين: الأول لعدم إكتمال التحري، والثاني لصلة التحري بأحد الأنشطة المحددة على سبيل الحصر. والسؤال هو هل يخضع عضو الجهاز والمدير ومجلس الأمن القومي لمراجعة المجلس الوطني فيما يتخذ من قرارات في هذا الشأن؟

الواضح هو أن ما قام به جهاز الأمن من إعتقال لمشاركين في مسيرة سلمية، دون أن يسلمهم لوكيل نيابة، أو شرطة، طوال هذا الزمن يحمل شبهة إنتهاك لحقهم في الحرية والأمان، مما يستدعي إستعمال سلطة المجلس الوطني في الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية أولا، ومن ثم سلطته في إصدار قرار في المسألة.


المراجعة القضائية
" فى حججك التى قدمتها من أجل الدعوة لإصدار وثيقة الحقوق أغفلت حجة هامة، وهى حجة تكتسب لدى وزناً كبيراً، وأعنى بها أن وجود وثيقة الحقوق يتيح للقضاء سلطة لمراجعة السلطات الأخرى صيانةً لتلك الحقوق . إن القضاء المستقل، والذى يقتصر إهتمامه على أداء عمله، هو موضع ثقة كبيرة لما يتمتع به من علم وتماسك أخلاقي ". توماس جيفرسون فى خطابه لماديسون تأييداً لإقتراح الأخير بتعديل الدستور، ليتضمن وثيقة حقوق.
المعلوم هو أن الإدارة عند ممارستها للسلطة المخولة لها لا تكون خاضعة فقط لرقابة السلطة التشريعية، بل تكون أيضا خاضعة للرقابة القضائية. السبب في ذلك هو ان مبدأ سيادة القانون الذي يقوم عليه الدستور يعني الخضوع للقانون، ليس فقط بواسطة المحكومين، بل أيضاً، وعلى وجه الخصوص، بواسطة الحكام. هذا يعني أن السلطة التفيذية ليست لها سلطة مطلقة في ان تفعل ما تشاء، ولكنها تفعل فقط ما يخولها القانون القيام به، بشرط أن يكون ذلك القانون متوافقا مع الدستور. في عالم مثالي يتم خضوع الحكام والمحكومين للقانون تلقائياً، ولكننا لا نعيش في عالم مثالي، مما يجعلنا في حوجة لأجهزة تفرض القانون على المحكومين، ولآليات تضمن خضوع الحكام بدورهم للقانون. ولما كانت تلك الآليات نفسها قد تنحرف عن ما أنشئت لأجله، فقد جعل الدستور وظائف الدولة الثلاث تقوم بها سلطات مستقلة عن بعضها البعض، ولكنها تراقب بعضها البعض، مما يخلق التوازن المطلوب لمنع الطغيان.

السلطة التنفذية تستمد سلطاتها من القانون الذي تشرعه السلطة التشريعية. وهي تمارس تلك السلطات وفقاً للأسباب التي شُرِّعت من أجلها. ومن هنا أتت سلطة المراجعة القضائية بحيث تخضع الإدارة فيما تتخذ من قرارات لمراجعة السلطة القضائية. وهذه السلطة ذات شعبتين الأولى قانونية، وتخضع فيها السلطة التنفيذية للمراجعة القضائية، إذا أصدرت قراراً لم تكن مختصة بإصداره، أو أصدرته بغير الشكل الذي يتوجب عليها إصداره به، أو إذا خالفت القانون، أو أخطأت في تطبيقه، أو إذا أساءت إستعمال السلطة الممنوحة لها، وفي هذه الحالة فإنه يجوز للقضاء الإداري إلغاء قرار السلطة التنفيذية الذي يشوبه أحد تلك العيوب. ويراقب القضاء الدستوري السلطتين فيراقب السلطة التنفيذية ليمنعها من إنتهاك أيا من الحقوق الواردة في وثيقة الحقوق، كما ويراقب السلطة التشريعية فيلغي أي نص في قانون تصدره السلطة التشريعية ويكون مخالفا للدستور.
والسؤال هو هل يعني سكوت المادة 50 عن حق المقبوض عليه في أن يُعرض على قاضٍ، يعني أن سلطات الأمن لا تخضع لأي مراجعة قضائية بالنسبة لما تتخذ من قرارات بالنسبة للمعتقلين، في الفترة الممتدة من تاريخ الإعتقال وحتى إنتهاء فترة الأربعة أشهر وخمسة عشر يوماً؟

القواعد العامة تقضي بأن هذه القرارات هي في واقع الأمر قرارات إدارية، تخضع فيها سلطات الأمن في القرارات والإجراءات التي تتخذها بموجب سلطاتها في القانون، لمراجعة القضاء الإداري، والقضاء الدستوري، ولكن الفقرة 10 من المادة 51 من قانون الأمن الوطني تنص على أنه يكون لأي محتجز الحق في اللجوء للمحكمة إذا بقي في الحجز أو الاعتقال أكثر من المدد المحددة في المادة 50 ، وهو ما يعني بمفهوم المخالفة أنه لا يجوز لأي محتجز اللجوء إلى المحكمة قبل إنتهاء تلك المدة. ولكن المحكمة الدستورية أسقطت هذه المادة في قرارها في الطعن الذي قدمه لها الأستاذ فاروق ابو عيسى والدكتور أمين مكي مدني ضد جهاز الأمن الوطني، حيث ذكرت أنه نصا مخالف للدستور. إذاً فإنه يجوز لأي معتقل أن يطعن في قرار إحتجازه، أو إستمرار إحتجازه رهن الإعتقال، حيث أن قرار السلطة الأمنية في هذه المسألة، يخضع للمراجعة القضائية. وفي هذه الحالة يجب ان تثبت الجهة التي إتخذت القرار، أن قرارها بإعتقال الطاعن وإبقائه قيد الإعتقال، يتفق مع ما قرره القانون من أسباب للإعتقال. ولا يجوز لها التذرع بسرية المعلومات، إذ يجب عليها أن تكشف للمحكمة نوع الإشتباه، ومعقوليته، دون الخوض في تفاصيل في جلسة مغلقة.
ومثل هذه الطعون المتعلقة بالإعتقال يجب أن يتم الفصل فيها على وجه السرعة، وإلا أصبحت بدون جدوى، ويجب على القانون أن يشرع إجراءات سريعة وحاسمة للنظر في مثل هذه الطعون. ولكن حتى ذلك الحين، يجب على المحكمة أن تأخذ في الإعتبار أن حسم هذه الطعون يجب أن يتم في أيام، وليس في شهور.


نبيل أديب عبدالله
المحامي

nabiladib@hotmail.com

 

آراء