خطل دعاوي تكفير الحزب الشيوعي … بقلم: تاج السر عثمان

 


 

 

alsir osman [alsirbabo@yahoo.co.uk]

   منذ تأسيسه في أغسطس 1946م، كان الحزب الشيوعي السوداني يهتدي بالماركسية كمنهج ويسترشد بها لاكتشاف خصائص المجتمع السوداني علي أساس العلم والمعرفة، وظل الحزب يضع الاعتبار الكافي لتقاليد شعبنا الأصيلة وموروثاته الثورية ويعمل علي تنميتها وتطويرها كرصيد لعمله وعلاقته بالجماهير، مناضلا في الوقت نفسه ضد الموروثات البالية التي ترتبط بالتخلف والجهل والخرافة، وفي هذا الاطار يناضل الحزب ضد المحاولات السلفية التي تطرح الاسلام كعقيدة تحبذ العنف والارهاب والاستبداد والفوارق الطبقية وتعادي الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، ويسعي الحزب لوضع الاسلام دينا يعادي القهر الطبقي والعرقي ويدعو للتحضر والتقدم والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.

 ورغم ان الحزب الشيوعي يتمسك بالماركسية كمنهج وكمكون من مكونات الثقافة العلمية المعاصرة، الا ان الحزب ليس اتحادا او ناديا فلسفيا او ملتقي لمجموعة ملحدين او علمانيين، بل هو اتحاد اختياري لمناضلين علي أساس برنامج ودستور يهدف الي تجديد المجتمع السوداني بانجاز مهام الثورة الوطنية الديمقراطية، استنادا الي خصائص وتقاليد وظروف السودان، وبالتالي، فان الالحاد ليس شرطا من شروط عضوية الحزب. هذا فضلا عن أن صراع الحزب ليس ضد العقيدة والايمان لمصلحة الالحاد، ولكنه صراع دنيوي سياسي اجتماعي ضد استغلال الدين والسلطة السياسية لخدمة المصالح الاجتماعية للمستغلين ودعاة التخلف. ومن هذا المدخل كانت رؤية الحزب الشيوعي للدين.

  فالقوي اليمينية منذ الاستقلال وحتي نظام الانقاذ الحالي، كانت تستخدم الدين كغطاء ايديولوجي لتمويه مصالحها وبرامجها. أما الحزب الشيوعي والقوي الديمقراطية المستنيرة كانت تستلهم قيّم الاسلام لشحذ همم شعبنا من أجل تحرره واستقلاله، فالدين مكون أساسي  في هويّة وسيكولوجية شعبنا، والحزب الشيوعي يحترم الاسلام كعقيدة مستقرة في وجدان شعبنا في الشمال، مثلما تشكل المسيحة وكريم المعتقدات وجدان شعبنا في الجنوب وجبال النوبا.

 وبعد فشل مؤامرة حل الحزب الشيوعي السوداني عام 1965م، تم المؤتمر الرابع للحزب في اكتوبر 1967م، وصدر التقرير السياسي بعنوان(الماركسية وقضايا الثورة السودانية) والذي جاء فيه: ( أصبح لزاما علي حزبنا أن ينمي خطه الدعائي حول قضية الدين الاسلامي وعلاقته بحركة النقدم الاجتماعي، لقد جرت محاولات من قبل بعض أعضاء حزبنا في هذا المضمار، ولكنها محاولات متقطعة وينقصها التوفر علي الدراسة العميقة والالمام بعلم الفلسفة من جوانبه المختلفة، ولاتشكل خطا دعائيا ثابتا لحزبنا، ولاتقتصر أهمية الخط الدعائي العميق علي مايثار من قبل أجهزة الدعاية الرجعية، بل يتعدي ذلك لجعل الدين الاسلامي عاملا يخدم المصالح الأساسية لجماهير الشعب، لااداة في يد المستغلين)( ص 169).

 وقبل ذلك أشارت وثيقة اصلاح الخطأ في العمل بين الجماهير 1963م الي ( يحذر الحزب من التصرفات الفوضوية التي تسئ الي معتقدات الجماهير الدينية، لأن مثل هذا المسلك يساعد الدوائر المعادية للحزب ولقضية الشيوعيين).

 كما جاء في برنامج الحزب المجاز في المؤتمر الخامس يناير 2009م ( يبحث الحزب الشيوعي عن أصل استلاب انسان بلادنا وعذاباته في عمق الصراع السياسي والاجتماعي حول علاقات الانتاج الاجتماعية، ويتخذ هذا الصراع في الوقت الراهن، مثلما يتخذ منذ عقود طوال شكل ومضمون المواجهة بين مشروعين متوازيين تماما: مشروع الدولة الدينية من جهة والذي تقف وراءه وتدعمه القوي الظلامية التي تتخذ من الدين دثارا ودرعا ايديولوجيا لتحقيق مصالحها الاقتصادية السياسية الدنيوية الضيّقة، ومشروع الدولة المدنية الديمقراطية من جهة اخري، الذي ترفع لواءه قوي الاستنارة والعقلانية السياسية التي تتطلع الي نظام يراعي خصائص التعدد والتنوع اللذين تتميز بهما أمتنا، بما يصون وحدتها الوطنية، واستقلال بلادنا، وسلامة أراضيه)( ص 122 من كتاب وثائق المؤتمر الخامس يناير 2009م).

 كما جاء في التقرير السياسي المجاز في المؤتمر الخامس حول تجربة الاسلام السياسي:

 (ان تجربة الاسلام السياسي في السودان طيلة مايزيد عن 40 عاما  تشير الي أن القوي التي تستخدمه ليس هدفها  تحقيق ماتدعو اليه قيّم الاسلام وانما تحقيق أغراضها الضيّقة الشريرة، وأمامنا تجربة مابعد ثورة اكتوبر 1964م، ثم التجربة المتكاملة تحت سلطة 25 مايو حتي نهايتها، ثم تجربة الجبهة الاسلامية).

 يواصل التقرير السياسي ويقول( وليست المشكلة في الدين(أي دين)، وانما في الدين عندما يصبح سياسة، كما يقول طه حسين. ان اي دولة دينية، ايا كان دينها، تتحول بالضرورة الي ديكتاتورية، ذلك ان الخلافات في أحكام الأديان مهما صغرت تتضخم وتقود الي التكفير والي صراعات دموية. والطريق الرأسمالي لايفرق في ضحاياه بين مسلم وغير مسلم، فالمحصلة النهائية لحصيلة مجتمع الرأسمالية الطفيلية منذ 30 يونيو 1989م لم تميّز بين السودانيين علي أساس ديني، وانما علي أساس اجتماعي وسياسي وأكثر من 90% من السودانيين، هم الان تحت خط الفقر)( ص 69).

 وفي مواجهة التضليل باسم الدين كسلاح فكري ضد الحزب الشيوعي والحركة الديمقراطية المستنيرة كتب الشهيد عبد الخالق محجوب في وثيقة حول البرنامج يونيو 1971م:

( توفر الثورة الديمقراطية حرية العقيدة وممارستها لجميع سكان بلادنا وذلك بناءا علي الحقائق التالية:

-        ان تصور الانسان لتكامل نفسه ووحدتها ولمستقبل الانسانية أمور تنبع من اقتناع الانسان نفسه، ولايمكن لأي قوة أن تفرض عليه ارادتها في هذا المضمار.

-        غض النظر عن الاختلاف في العقيدة الدينية أو الاتفاق حولها، فان الطبقات تتخذ مكانها وموقعها من الثورة الاجتماعية وفقا لمصالحها ، وبحكم مواكبتها لحركة التاريخ أو تخليها عنه، ان الانسان الاجتماعي هو الذي يحدد ذلك الموقف ولاتحدده العقيدة الدينية.

-        يرفض النظام الوطني الديمقراطي استغلال الدين من اجل مصالح الطبقات الرجعية في البلاد والتي تسعي الي اعادة العلاقات الانتاجية القديمة، وهي بهذا انما تسخر الدين من اجل استغلال الانسان وسلبه من انسانيته)( ص 37- 38 ).

 كما جاء في دورة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي، ديسمبر 1978م ( كان لزاما علي حزبنا الايكتفي لتحديد موقفه المبدئي من قضية الدستور الاسلامي، بل العمل علي الارتقاء بالصراع الي رحاب أوسع في مجال الفلسفة والعلوم الاجتماعية وشئون الحكم والدولة والحياة وكشف المنطلقات الايديولوجية لدعاة الدستور الاسلامي وهذا ماتسعي لمنعه القوي اليمينية التي تحاول حصر الصراع في الحيز السياسي المباشر، ( أي الدستور الاسلامي)، والحيلولة دون اعمال العقل والذهن في قضايا العصر وفي مجالات البحث واستخدام المنهج العلمي في الجدل والاقناع).

 تواصل الدورة وتقول:

  ( أوضح الحزب ان محور الصراع بين الحركة الديمقراطية الثورية وبين قوي اليمين ليس الاسلام او الالحاد، بل الديمقراطية أو الديكتاتورية،العدالة أو الظلم الاجتماعي، أي جوهر الصراع ( دستور يقنن مكتسبات الشعب في الاستقلال الوطني والحريات الديمقراطية والحقوق الأساسية أم دستور يقنن ديكتاتورية الطبقات والفئات الحاكمة وتسلب الشعب السوداني ثمار نضاله). 

 هكذا تناول الحزب الشيوعي الدين، فلم يكن هدف الحزب الدين، ولكن كان ومازال: ضد استغلال الدين من اجل خدمة مصالح دنيوية وطبقية ضيّقة وقهر واذلال واستعباد الانسان وضد الدولة الدينية التي تكرّس القهر والفساد باسم الدين وتهدد وحدة البلاد.

 

آراء