خيمة الصحافيين بين الكوميك والكوميديا
i.imam@outlook.com
أعُدُ نفسي حديث عهدٍ بخيمة الصحافيين الرمضانية، اذ لم أشهد فعالياتها الا خلال رمضان هذا العام والذي سبق، ليس ترفعاً من ولوجها، ولكن هجرةً لدنيا أُصيبها، حرمتني من مشاهدة فعالياتها كفاحاً، سنين عدداً. ومما يحمد لهذه الخيمة الرمضانية التى نصبها مركز "طيبة برس" بقيادة الأخ الصديق محمد لطيف، وعدد من معاونيه، يتقدمهم الأخ الصديق فيصل محمد صالح، أن من مقاصدها التواصل بين أجيال الصحافيين، والترويح عنهم تخفيفاً وترفيهاً، مستصحبين في ذلك، فقه أبى محمد علي بن حزم الأندلسي الظاهري الذي يُعد من أكبر علماء الأندلس، وأكبر علماء الإسلام تصنيفاً وتأليفاً بعد أبى جعفر محمد بن جرير الطبري، لأن إبن حزم الأندلسي جوز سماع الموسيقي والغناء.
فلا غرو إن استطحبت ليالي خيمة الصحافيين الرمضانية هذا الجواز الشرعي للتخفيف من حدة المناقشات، وشدة المجادلات، بالسماع الى المطربين حسن محجوب وعمر إحساس وما بينهما مكارم بشير وغيرهم. ومن القضايا المهمة التى تصدرت ملتقيات ومناقشات خيمة الصحافيين الرمضانية، تكلم الليلة العاصفة نقاشاً التى طُرح فيها موضوع "الفرق الكوميدية فى السودان – الفكاهة بين التنميط والترويح"، حيث شن عمر عُشاري هجوماً كاسحاً على أساليب التفكه والهزل لإضحاك الناس على حساب مشاعر إثنياتٍ وشخصياتٍ، لإثارة الضحك بين الجمهور، وهو صاحب مبادرة "أفهم قبل أن تضحك" التى تدعو الى إيقاف النكات القبلية والسخرية من شخصيات بعينها والمرأة.
وفى رأيي الخاص، بنبغى قبل الولوج فى معالجة هذة القضية، أن أبسط القول عن الفرق بين ما يُعرف بالانجليزية Comic وComedy ، ف "كوميك " معناها باللغه العربية أفكوهة أو هزلي، وهي قصص هزلية لإثارة الضحك. أما معني "كوميديا "باللغه العربية تعني الملهاة أي رواية أحداثها مضحكه تحمل فى طياتها فكرة معينة أو أفكار محددة. فإن الكوميك فى الأغلب يقوم بها فرد أو يتعاقب عليها أفراد، بينما الكوميديا قد تقوم بها فرقة تهدف الى توصيل فكرة بأسلوب فكاهي مضحك.
ومما إستوقفني فى تلكم المناقشات، إشارة عمر عُشاري الى أن تجربة الفرق الكوميدية، وأظنه – وليس كل الظن إثماً - يقصد فرق الكوميك، بقوله إن فيها إشكالات كثيرة، بالاضافة الى عدم الذكاء ومراوحتها فى دائرة واحدة، موضحاً أن المبادرة التى اطلقها إنطلقت من نقطة فيها إشكال فيما يتعلق بالنوع، والإقلال من مكانة المرأة. وذهب فى حديثه الى أبعد من ذلك متهماً هذة الفرق بالحط من قدر بعض القبائل، ورفع قدر قبائل أخرى، بالإضافة الى التنميط بربط الجمال بقسماتٍ والوانٍ محددةٍ، الأمر الذي أدي الى استخدام الفتيات لكريمات تبييض البشرة، حسب إعتقاده. وبقليل بحثٍ وإطلاعٍ في ما يتعلق بأساليب الكوميك للإضحاك، نجد اعتقاده لا يقف على ساقين، إن أخضعناه للبحث والتجريب. فانما نلحظ ان الكوميك يستخدم بصريح العبارة الفوارق القبلية وفوارق الجندر ، لا بغرض الإساءة ولا حط قدر تلكم القبائل، ولا أؤلئك النسوه أو ماشابه ذلك. فنجد المعنيين بالطرفة والنكتة أحياناً يضحكون قبل غيرهم، دونك – ياهداك الله - قبائل داخل السودان وخارجه، ونساء سودانيات وغيرهن، لا يتأثروا بما يسمعون من طرائف ونكات عنهم. فالهدف من الافكوهة الضحك ترويحاً للنفس، وتناسياً الى حين، لمضاغطات الحياة ومشاغلها. فلننظر الى ما يواجهه اخوتنا الصعايدة في مصر من نكاتٍ وتنكيتٍ. وكذلك الحال فى الغرب تجد الطرفة المضحكة عن الاسكوتلنديين والباكستانيين والهنود والأفارقة وغيرهم في بريطانيا، والشأن نفسه، في الولايات المتحدة الأميركية، حيث يُكثرون من الطرائف والنكات عن المكسيكيين والهنود الحمر والأسبانيين والإيرلنديين وغيرهم.
أخلص الى أن هذة القضية في حاجة ماسة الى معالجة هادئة وعلمية، بعيداً عن التشدد والتنطع والتزمت، وتضييق أمر فيه سعة. وجميلٌ من خيمة الصحافيين الرمضانية إثارة هذا الموضوع، ولكن كان ينبغي من القائمين على أمر هذه الليلة الرمضانية أن يختاروا علماء إجتماع ونفس وأهل دراية ودربة بالبحث في مثل هذة القضايا التي تُشكل في تداعياتها خللاً في التماسك المجتمعي، وتُثير فتنة من خلال معالجات غير حصيفة لمثل هذه القضايا المجتمعية.