دقلو .. الحرب والتلوث السياسي !!

 


 

 

يبدو من الصعب الخروج من أجواء الحرب الروسية الجارية الآن، كما أننا نجد نفسنا أكثر قربا من إحداثياتها بشكل أو آخر .

هناك ثلاث أضلاع تشكل مثلث تلك الحرب ، أولها ذلك النادي الرأسمالي الذي يضم بوتين وأثرياء روسيا وأطماعهم في الهيمنة الاقتصادية الذي يقود الي تلك المنافسة الحادة مع الغرب الذي يقترب كل يوم من ما تعتبره روسيا ورثة تاريخية لا يحق لاحد التمكن منها رغم تفكك الدولة السوفيتية إلي دويلات عدة.
وهناك أيضا منظومة الصناعة الحربية والتي هي بدورها تحولت في روسيا إلي سوق تجارية تتمدد كل يوم نحو أسواق جديدة في ظل عالم مضطرب وحروب أقليات وديكتاتوريات ذات شهية بلا حدود في إمتلاك آلة القهر كما هو مشاهد في سوريا واليمن وغيرها من بؤر التوتر في العالم .
أما الضلع الثالث والذي أيقظه بوتين من ثباته التاريخي فهو الكنيسة الأرثوذكسية بعد ذلك الانفصال الذي مرت عليه خمسمائة عام عقب ثورة الفكر الديني التي قادها مارتن لوثر والتي قادت في النهاية الي فصل الدين عن السياسة.
غير أننا بالأمس وفي العام 2022 وفي هذه الحرب التي لا يستطيع أحدا التنبؤ بمآلاتها حتي اللحظة ، شهدنا قساوسة مسيحيون وهم يحيطون بأرتال من الدبابات وناقلات الجنود والمعدات الثقيلة وهم يرتلون الترانيم ويباركون تقدم تلك الآليات نحو خارج الحدود الروسية والدعوة لها أن تعود سالمة غانمة ببركات الكتاب المقدس .
هذه اللقطات التي نقلتها العديد من القنوات التلفزيونية تشكل حالة فارقة في التاريخ البشري في رحلته نحو المجهول ،وها هو بوتين يحاول إعادة عجلة التاريخ للوراء تحت نزوة رجال المال والأعمال ولم يكن حتي في الخيال أن تتقدم الكنيسة والعتاد العسكري مرة أخري يدا بيد نحو دولة مستقلة كما نشهده الآن في النزوة البوتينية وفي القرن الحادي والعشرين. انها صورة بائسة تعيد الي أذهاننا التقدم الاستعماري المدعوم بالكنيسة نحو ثروات الدول التي (اٌستعمرت) تاريخيا وفق اعلا مراحل الرأسمالية .
وإلي جانب هذه العوامل الرئيسية فقد كانت هناك عوامل مساعدة وهي الآلة العسكرية للمرتزقة التي من الممكن أن نطلق عليها وفد المقدمة والتي تتمثل في أنشطة جماعات الارتزاق المعروفة ب (فاغنر) والتي تتمدد الان في أفريقيا حيث الثروات المعدنية من ذهب وفضة ونحاس ويورانيوم ومن أجل الوصول لهذه الثروات تعمل فاغنر علي توطيد أنظمة استبدادية ذات نهم وشراهة للثروات المعدنية ونحن نشهد هذا النشاط المحموم لجماعات فاغنر في السودان وأفريقيا الوسطي وتشاد ومالي وغيرها من دول ساحل الغرب الأفريقي .
وفي حال تعذر قيام أنظمة من صنع فاغنر فإن إشاعة الفوضي وتفكيك تلك الدول وإشاعة الاضطرابات والفوضى يخلق مناخا مثاليا لفاغنر لنهب ثروات تلك الشعوب.
يتضح الآن جليا دور ذلك الحلف بين (فاغنر). و (آل دقلو) في السودان والذي قاد حميدتي الي موسكو وبدعوة مباشرة من (ياجيني بريزوهين) مؤسس فاغنر المقرب من الرئيس الروسي بوتين وقد لقب (بطباخ بوتين) لدوره في صناعة وتوجهات السياسة الروسية.
دقلو لازال عالقا في موسكو ومنذ بداية غزو أوكرانيا مصطحبا دكتور جبريل إبراهيم رئيس حركة العدل والمساواة ونسبة للغموض الذي يحيط بهذه الزيارة يري بعض المحللون أن اصطحاب دقلو لجبريل ابراهيم لا يأتي بصفته وزيرا للمالية ليطلب مشطا من (زول أصلع) الا وهو بوتين وأزماته الاقتصادية ولكن لبناء تحالفات إستراتيجية في شكل شراكة تتجاوز مرارات جبريل وذكريات معارك قوز دنقو عام 2013 بين العدل والمساواة ومليشيات الدعم السريع تلك المعارك التي أخرجت حركة جبريل تماما عن الخدمة إلا أنها استعادت دورا سياسيا من خلال ما عرف بسلام جوبا في 2022 وها هو الان يتقدم نحو آفاق ربما في ورش سرية في تلك الرحلة المشبوهة الي موسكو والتي يبشرنا بنتائجها الاقتصادية ومكتسبات الشعب السوداني منها الرجل الثاني في العدل والمساواة صندل حقار.
في دعوة خائبة لإلغاء عقولنا ونحن شهود عيان لما يكتنف الاقتصاد الروسي من تراجع وتدهور لا مثيل له في التاريخ .
إختطفت قناة (فاغنر) أول فرصة لظهور حميدتي في روسيا وأطلق تصريحاته المعدة سلفا بأن لروسيا الحق في حماية حدودها وفق (الغانون) والدستور كما ذكر وكأنما أوكرانيا هي التي تغزو روسيا الان! وليس العكس .
لقد سقط دقلو في مصيدة فاغنر، وستحتاج الدبلوماسية السودانية الي منتج لم يتم تصنيعه بعد لإزالة ذلك التلوث السياسي الذي أحدثه حميدتي بتصريحاته تلك والتي ستكون لها آثارا بالغة يدفع ثمنها شعبنا الذي يقاوم من أجل بناء دولة الديمقراطية والسلام والعدالة .

musahak@hotmail.com

 

آراء