دكاترة وبروفيسرات في الدين الحلقة (5) !!

 


 

 

(المركز الإسلامي بالسودان للدعوة والدراسات المقارنة والهجوم الجائر على الفكرة الجمهورية)

(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)

المقالة الثانية

الحلقة (5)

خالد الحاج عبد المحمود

كتاب (أدب السالك في طريق محمد) هو كتاب عن الأدب، وأصل الأدب هو أدب العبودية مع الربوبية.. وهذا هو المحور الذي يدور حوله الكتاب في جميع تفاصيله.. جاء من كتاب "أدب السالك" في الباب الأول العنوان (الأدب مع الله– ادب العبودية) وجاء النص: (إن حقيقة الأدب، وقمته، وخلاصته، هي الأدب مع الله.. والأدب مع الله إنما يكون بالتزام العبودية، والتزام مقتضياتها في حسن التأدب مع الربوبية.. ونحن لا نستطيع أن نتأدب مع الله، إلا إذا عرفناه، وهذا يقتضي أن نجعل المدخل على حديثنا عن الأدب، الحديث عن الله).. وجاء عن الإنسان الكامل: (والإنسان الكامل هو أكبر من يحقق الأدب مع الذات.. فمقامه هو مقام العبودية الكاملة - هو (المسلم).. فهو بالنسبة للذات، مجرد بوق تنفخ فيه.. ولذلك هو العبد حقا، والمسلم حقا.. وإنما يأتي كمال عبودية الإنسان الكامل (الله)، من كمال علمه المتجدد، الذي يجدد به عبوديته، ويجدد به أدبه في عبوديته، كل حين).. وتحت عنوان العبودية: جاء ما نصه (إن العبودية هي تكليفنا الأساسي.. نحن ما خلقنا إلا لنكون عبيدا لله، وفي ذلك يجيء قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) يعنى ما خلقتهم إلا ليصيروا لي عبيدا بواسطة العبادة.. أو ما خلقتهم، إلا ليعبدوني كما أمرتهم على لسان رسلي، ليكونوا لي عبيدا كما أمرتهم على لسان عزتي، حيث قلت (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آَتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا).. فالعبودية هي تكليفنا الأساسي، وهي تعني معرفة أسرار الربوبية، والأدب معها.. فهي خلاصة الأدب، وقمته.. ولما كانت الربوبية مطلقة، فكذلك العبودية، ولذلك فإن عملنا في التأدب بأدب العبودية، عمل مستمر، لا يتم الفراغ منه.. فكأن حقيقة تكليفنا هي أن نتأدب مع الربوبية، الأدب الكامل، الذي يليق بعظمتها، وجمالها، وجلالها، وكمالها، وهيهات!!).. ونحن نكرر هذه المعاني لأهميتها، ومن أجل ترسيخها فهي تفضح كذب وبهتان د. إسماعيل صديق، وتبين كيف أنه ينسب لنا عكس ما نقول تماما - ونحن إنما نتحقق بأدب العبودية، عن طريق التخلص من الدعوى، ومعرفة أنفسنا بما هي عليه من العجز، والتخلص من رق الأشياء التي تسترقنا من دون الله، وفي قمتها الزمن.. وكل ذلك لا يتم إلا عن طريق تجويد التوحيد، بتقليد النبي المعصوم، بوعي، وبأدب.. ونحن نعيد نقل هذا النص لنبين كيف ان الشيخ أخفى منهاج الطريق، مع أنه وارد في نفس الكتاب الذي نقل منه.. هذا قول يستحيل ان يزيف بحيث يؤدي الى نقيضه، كما حاول الشيخ أن يفعل.. فقوله رد عليه..
ولاستهانته بقيم الدين، وبالمسؤولية امام الله، أدخل نفسه في هلكة ما عليها من مزيد، فلينتظر انا منتظرون!! معظم أقوال الشيخ تدور حول هذا المحور، ونحن بالطبع لسنا بحاجة إلى متابعتها.. انظروا اليه مثلا يقول: (أما مصطلح الذات المطلقة الذي يشير به إلى الذات الإلهية إنما هو مجرد لفظ دون مضمون.. فالذات المطلقة ذات لا اسم لها أو صفة بل هي فوق العبارة وفوق الاشارة..).. وقد قمنا بالرد على هذا الجزء، وأوردنا قوله الذي يؤدي نفس المعنى.. ولكنه يواصل فيقول عن الذات: (ذات يجردها محمود حتى من صفة الإطلاق حين يقول إبداء ذات الله لخلقه إنما يتم عن طريق تقييد الانسان الكامل للمطلق فهو في كل لحظة يقيد من المطلق ما به يزيد علمه وتتجدد عبوديته وتتسع حياته..).. لاحظ انه ينقل من النص القول بأن الانسان الكامل (تتجدد عبوديته..)، ومع ذلك يصر على زعمه ان الانسان الكامل عند الاستاذ هو الله، او حتى الاله!! وهو يقول: (كما أن الله سبحانه وتعالى كما ان اسم الجلالة في شهادة التوحيد عند محمود محمد اسم للإنسان الكامل وليس لله سبحانه وتعالى)..
ويقول الشيخ ايضا: (يرى محمود محمد طه أن الحقيقة الوجودية واحدة.. وهذه الحقيقة الواحدة عنده هي المطلق في صرافة ذاته ومراتب تنزلاته حسب زعمه.. يقول محمود: "ليس في الوجود إلا الله، والمخلوقات هي مظاهر قدرته، هي قدرته مجسدة وقدرته ليست غيره وانما هي عند التناهي ذاته والمخلوقات هي الله والانسان في طليعتها)".. تعالى الله علوا كبيرا.. ورغم أن مقولات محمود محمد طه، توحي في ظاهرها انه يؤمن بموجود واحد هو الله سبحانه وتعالى وإن الموجودات هي تعيينه في الوجود الخارجي كما هو الحال عند أصحاب وحدة الوجود المنتسبين الى التصوف، إلا ان البحث في مضمون هذه المقولات يقودنا إلى أن محمود محمد طه لا يؤمن أصلا بوجود الله سبحانه وتعالى بالصورة المتفق عليها بين المسلمين.. فالله سبحانه وتعالى عنده هو الانسان الكامل).. ونحن قد ذكرنا وكررنا إن مقام الإنسان الكامل هو مقام العبودية الكاملة، وليس للعبودية نهاية كمال، وانما السير فيها، سير سرمدي لا إنتهاء له.. هذا ما نقلته أنت بنفسك، لتعترض عليه.. والآن، أنت تعكس الأمور، عكسا، فتجعل العبودية ألوهية، والأمر كله عندك عبث اطفال، تقرر فيه ما تشاء ثم تأتي لتعكس ما سبق أن قررته.. المهم أن الشيخ يعترض على وحدة الوجود دون ان يحدد رأيه هو بوضوح.. وحدة الوجود هي اصل التوحيد، وكما نقل هو في النص اعلاه، ليس في الوجود إلا ذات الله، والمخلوقات هي مظاهر قدرته.. هي قدرته مجسدة.. وقدرته ليست غيره، وانما هي عند التناهي ذاته.. هذا ما نقله هو عن وحدة الوجود، ليقول في نهاية النص (تعالى الله علوا كبيرا) مستنكرا وحدة الوجود.. وهذا يعني عنده أن الوجود متعدد!! وهذه أغلظ صور الشرك.. فإذا كان هنالك أكثر من موجود، فهذا يعني أن هنالك أكثر من إله وهذا ما يفيده موقف الشيخ الدكتور.. الحق، حسب التوحيد إن المخلوقات ليست موجودة مع الله، وإنما هي موجودة به تعالى.. ليس للمخلوقات وجود من ذاتها، وإنما وجودها من وجود خالقها تعالى.. يقول الحديث: (كان الله ولا شيء معه)، وهو الآن على ما عليه كان.. هو الآن ولا شيء معه، وإنما كل شيء به تعالى.. لا وجود للأغيار، إلا في عقول المشركين، من امثال الدكتور.. والأغيار عند التناهي هي ذات الله.. هذا ما نقله الدكتور بنفسه.. وعبارة عند التناهي، عبارة ضرورية للمعنى.. والتناهي المقصود هو تناهي العقول في الإدراك.. فالمخلوقات هي قدرة الله متجسدة، وقدرته تعالى، عند التناهي ليست غيره.. الله تعالى ليس مثلنا – كما يقرر الدكتور من غير فهم.. فقدرته ليست ملحقة به، هو لم يكن قادرا ثم قدر، كما هو الحال عندنا.. إنما قدرته هي عين ذاته.. هو يعلم بذاته، ويريد بذاته، ويقدر بذاته.. وكل صفاته قديمة قدم الذات.. وليس في الذات تعدد، وإنما هي الوحدة.. يقول تعالى: "هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآَخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ" هو الأول ولا شيء قبله.. وهو الآخر، ولا شيء بعده.. وهو الظاهر بكل شيء.. وهو الباطن وراء كل شيء .. فلا شيء معه، وكل شيء به.. لا اعتقد أن مواعين الدكتور تستطيع أن تستوعب دقائق التوحيد.. فهي ليست موجودة في الكتب التي درسها.. ولما كان عند نفسه قد بلغ نهاية العلم، وكل ما لا يعلمه عنده غير موجود، ويستنكره، فلا سبيل للدكتور أن يحقق شيئا من دقائق التوحيد، إلا إذا نظف مواعينه مما فيها، ثم إتجه إلى التقوى.. فعلم التقوى لا ينال إلا بالعمل.. هو علم ذوق، لا ينال بالتنظير.. على كلٍ، الشيخ الدكتور يجعل من عقله على محدوديته، حكما على الوجود، فينكر حقائق الوجود الاساسية.. جاء في الحديث: (إن من العلم كهيئة المكنون، لا يعلمه إلا أهل العلم بالله، فإذا تحدثوا به، لا ينكره إلا أهل الغرة بالله)..
وحدة الوجود هي التي تنبني عليها وحدة الفاعل.. فإذا كان الوجود واحدا، من المستحيل أن يكون هنالك فاعل غير هذا الواجد الواحد.. ووحدة الفاعل، هي التي تقوم عليها كلمة التوحيد.. والسير بكلمة التوحيد، سير سرمدي، لا إنتهاء له.. فأهل الدنيا يسيرون إلى الله بلا اله الا الله.. واهل البرزخ يسيرون إلى الله بلا اله الا الله.. وأهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار يسيرون إلى الله بلا اله الا الله.. وهذا هو معنى قوله تعالى: " شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ".. فالسير في مضمار لا اله الا الله سير سرمدي، لا انتهاء له.. وهو سير في مجال العبودية لله.
يقول الأخ عوض الكريم عن كمال الدين:
كمال الدين ليس له بلوغ *فعند المنتهى شد الرحال
ولو كان الشيخ وصحبه قد بدأوا رحلة العبودية، لانعكس ذلك عليهم قيما رفيعة.. ولكن، ⁰لما لم يبدأوا السير، 0إنحطوا عن القيم الأولية للمؤمن.. فالمؤمن لا يكذب، ولا يخون، ولا يحقد ....الخ .. قيم المؤمن هذه هم يجسدون عكسها في اقوالهم هذه التي نتناولها.
كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) هي مركز القرآن، وأصل الدين، ولقد قامت عليها جميع الرسالات.. يقول المعصوم: (خير ما جئت به أنا والنبيون من قبلي (لا إله إلا الله).. هذا المعنى الواضح، والمكرر في كتابات الفكرة واقوالها، قال عنه الشيخ: (كما أن اسم الجلالة في شهادة التوحيد عند محمود اسم للإنسان الكامل وليس لله جسبحانه وتعالى..).. إنك كصحبك، سوؤك يفوق سوء الظن العريض!!
يقول الشيخ: (إن البحث في مضمون هذه المقولات يقودنا إلى أن محمود محمد طه لا يؤمن أصلا بوجود الله سبحانه وتعالى بالصورة المتفق عليها بين المسلمين.. فالله سبحانه وتعالى عنده هو الانسان الكامل..).. لقد ورد الرد على هذه الفرية، ونحن هنا بصدد حديث الشيخ عن المسلمين، فهو، كما سبق أن لاحظنا، يجعل المسلمين مرجعيته، ويقيس الدين بما عليه المسلمون.. وهذا ميزان معكوس.. فدين المسلمين ينبغي أن يقاس بميزان التوحيد.. وعلى كلٍ، المسلمون اليوم، ليسوا على شيء!! هم على قشور من الإسلام، وقشور من الحضارة الغربية.. ونحن لا نريد أن نكون مثلهم، ولا نحتاج أن نتملقهم حتى نخفي حالهم المزرية عليهم.. نحن ندعوهم إلى الإسلام من جديد، ليبعثوه في أنفسهم، ببعث سنة النبي الكريم.. ثم من هم المسلمون؟ هل هم جماعة الاخوان المسلمين، أم داعش، أم طالبان ام الوهابية، أم الشيعة إلى آخر الثلاثة وسبعين فرقة؟! والتي قال المعصوم أنها جميعها هالكة إلا واحدة.. ولكن الشيخ لا يهمه الواقع، ولا يهمه ما قال المعصوم، هو فقط يهمه أن ينسب الينا كل مفارقة تخطر بعقله المريض.. فنحن عنده الفرقة الوحيدة غير الناجية، وجميع الفرق الأخرى ناجية!! هو يقول بعكس الواقع، ويعكس ما قاله المعصوم.. فقد قال المعصوم جميع الفرق هالكة إلا واحدة، أما هو فيقول جميع الفرق ناجية إلا واحدة.. وهذا هو دينه.
يقول الشيخ: (محمود محمد طه حين يستخدم مصطلح الذات المطلقة وإن كان يبدو في الظاهر انه يشير إلى الذات الإلهية إلا أنه في الواقع إنما يشير إلى حقيقة الإنسان التي كما يزعم تكمن في سويداء قلبه وحقيقة الإنسان عند محمود محمد طه ليست سوى الكمال المطلق أي كمال الله سبحانه وتعالى..).. أنظر إلى هذه (الفهلوة)!! الشيخ لم يورد أي نص من أقوال الأستاذ، ويشوهه بالبتر والتحريف وسوء التخريج، كما إعتاد أن يفعل.. ومع ذلك، هل القول بأن حقيقة الانسان هي الكمال المطلق، كمال الله، ينفي الذات الالهية، أم يؤكدها.. الأمر الواضح جداً هو أن القول بأن حقيقة الانسان هي الله، لا تنفي وجود الله، بل تؤكده!! لا اعتقد أن الشيخ يفهم ما يقول.. فالله تعالى هو حقيقة كل الوجود.. هو وحده (الحقيقة) التي تلتقي عندها جميع الحقائق.. فقد كان الله ولا شيء معه، وهو الآن على ما عليه كان، وقد سبق أن ذكرنا الحديث.. فالوجود الحادث ليس وجود حقيقة.. ليس في الوجود الحادث شيء موجود من ذاته، وإنما كل ما فيه موجود بالله، وهذا هو معنى القيومية.. لا شيء في الوجود الحادث يستطيع أن يقوم بذاته ولو للحظة، فقيوميته بالله تعالى.. فبهذا المعنى الله تعالى هو حقيقة كل موجود.. هو الثابت الوجودي الوحيد.. يقول الشيخ: (إلا أنه في الواقع إنما يشير إلى حقيقة الإنسان التي كما يزعم تكمن في سويداء قلبه..).. واضح أن الشيخ يشير إلى الحديث القدسي (ما وسعني أرضي ولا سمائي، وإنما وسعني قلب عبدي المؤمن)، والسعة هنا بالطبع هي سعة معرفة، وحتى في هذا المعنى ليس فيها إحاطة.. إحاطة المخلوق بالمطلق أمر مستحيل، وإلا أصبح المطلق محدوداً.. وقد أشرنا إلى هذا، عندما تحدثنا عن قول الأستاذ: (وليس لله تعالى صورة فيكونها، ولا نهاية فيبلغها، وانما يمون حظه من ذلك أن يكون مستمر التكوين..)، وقد أوردنا إعتراض الشيخ على هذا القول.. فهو يعترض على الإطلاق، وفي نفس الوقت يزعم أننا نرى أنه غير موجود!! فالأمر كله، أمر استخفاف بعقول الناس، واستخفاف بالمسئولية أمام الله.
يستخدم الشيخ الدكتور في حقنا الآية الكريمة: " لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ".. فهو حسب سوء التخريج المغرض يعتبر الآية تنطبق علينا.. ونحن قد استخدمنا الآية في عديد المواقع، ولكن كالعادة هو يتجاهل الأمر، ويجعله كأن لم يكن.. نحن تحدثنا عن الآية مثلا في كتاب (الماركسية في الميزان) ، وقد جاء فيه:
(وما نحن إلا نتيجة لأفعال الله .. نحن إرادة الله مجسدة .. العارفين قالوا ما في الكون إلا الله .. بالمعنى دا هنا الوجود هو الله.. لكن هل الله هو الوجود ؟؟ دي هي النقطة الفايتة في موضوع الفلسفة.. يدركها التصوف، ولا تدركها الفلسفة.. الله موش الوجود، لكن الوجود هو الله .. وهناك قوله تعالى: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا: إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) .. في هذا الأمر لطيفة من رقائق، ودقائق اللطائف العرفانية وتلك هي أن الذين قالوا إن المسيح ابن مريم هو الله، ما كفروا .. هذه هي الحقائق الكبرى في الدين.. الله أرفع من الوجود كله، والوجود مظهره في تنزلاته ليعرف..).. هذا أمر غير موجود في كتب الشيخ التي تتلمذ عليها، ولو كان طالب حق لأورده ثم قال رأيه فيه، بدلا من أن يورد الآية، وكأننا لم نكتب عنها، وهي واردة في العديد من كتاباتنا.. مشكلة الشيخ الأساسية هي الضعف الشديد في التوحيد.. فهو وقبيله يعتقدون أن الله تعالى لم يخلق الخلق من ذاته، وإنما خلقهم من شيء غيره، وهذا شرك عظيم، لأنه بداهة لا يوجد مع الله شيء، والنص واضح في ذلك (كان الله ولا شيء معه).. والله تعالى هو (الاول والآخر والظاهر والباطن)، كما اخبرنا القرآن..
ظاهرة ان الشيخ يرد علينا بأقوالنا التي لا يناقشها، ظاهرة متكررة.. فهو مثلا يعترض على قولنا أنه غفر لآدم بإعطائه حق الخطأ، زاعما أنه غفر له بسبب طلبه المغفرة، ويورد قوله تعالى: " قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ".. وهذا هو سبب المغفرة لآدم، وليس كيفية المغفرة لآدم!! ونحن قد أوردنا
النص نفسه الذي اورده وفي الموقع نفسه من الكتاب، قبل صفحة فقط من كيفية المغفرة لآدم.. فقد جاء عن ابليس: (وهو اذ فاتته التقوى لم يفكر في الاستغفار، عند المعصية، وإنما فكر في الإصرار عليها، وطلب الإمهال ليجد الفرصة الى الإغراء بها، (قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) ولما قال تعالى (قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ) قال هو (فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) والآية الأخيرة من دلائل علمه، إذ علم أن عباد الله المخلصين لا طاقة له بهم، ولكن علمه كما قلنا علم ظاهر بلا تقوى في الباطن. وأما آدم وحواء فقد قالا (قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)..).. هذا ما جاء قبل صفحة واحدة مما نقله الشيخ، ولكنه لما كان غير أمين، لم يشر إليه مجرد اشارة، وصوره وكأنه غير موجود.. وهذا أمر كثير التكرار في اقوال الشيخ.
كعادة الشيخ، في البتر والتشويه وإخفاء النصوص، يقول: ( مقام الولاية عند محمود محمد طه ارفع من مقام النبوة)، يقول محمود وتحت عنوان مقامات النبي والأدب معه "ومن المعرفة المعينة على الادب معه وعلى محبته المعرفة بانه صاحب ثلاثة مقامات: مقام النبوة في الوسط ومن اسفله الرسالة ومن اعلاه الولاية"..).. النص وحتى بالطريقة التي نقله بها، واضح أنه يتحدث عن ولاية النبي، وليس كل ولاية، كما يريد ان يوحي الشيخ.. فهو بنقله المخل أراد أن يقول: مقام الولاية بصورة عامة – ولاية كل ولي ارفع من مقام النبوة!! وهذا كذب وبهتان عظيم.. فالحديث عن ولاية النبي، وليس الولاية عامة.. ولاية النبي، (صلى الله عليه وسلم)، هي المدد لجميع الولايات.. وقد جاء من الكتاب نفسه الذي نقل منه الشيخ قوله: (والخير الذي يصلنا من النبي، خير متصل، في الدنيا، وفي البرزخ، وفي الآخرة.. وقد ذكرنا أنه، (صلى الله عليه وسلم)، وهو في برزخه، مصدر المدد لجميع الولايات على الأرض، وهو يرعاها ويرشدها.. كما ذكرنا أنه يعد الأرض للمقام المحمود، ويعمل على إنزاله من الملكوت إلى الملك.. والنبي قد قال: (حياتي خير لكم، ومماتي خير لكم).. فهو في حياته، وفي مماته يستغفر لنا الله، وفي ذلك يقول تعالى: (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا).. ثم هو في الآخرة له الشفاعة، حتى بالنسبة للمذنبين من أمته..).
وعن كون ولاية النبي أكبر من نبوته، جاء من كتاب (طريق محمد): (والنبي، في ولايته، أكبر منه في نبوته، ذلك بأنه في النبوة يتلقى عن الله بواسطة جبريل، ولكنه في ولايته يتلقى عن الله كفاحا، وقد رفعت الواسطة من بين الرب والعبد.. وإنّما عن ذلك أخبر ليلة المعراج، حين أخبر أن جبريل، عندما إنتهى إلى مقامه عند سـدرة المنتهى، قال له: ها أنت وربك، وتخلف، فقال: أهذا مقام يترك فيه الخليل خليله؟ قال: هذا مقامي، ولو تقدمت خطوة لاحترقت..).
الشيخ عندما ينقل من كتاب (ادب السالك في طريق محمد) فهذا يؤكد انه يعرف بوجود كتاب (الطريق) كمنهاج للجمهوريين، فلماذا تركه، عندما تحدث عن المنهاج ومصدر المعرفة عند الجمهوريين؟! لا يوجد سبب غير الغش والخيانة والتشويه المغرض.. وهذا لا يكون إلا على صاحبه.. فالله لا يسألنا عن رأي الناس فينا، وإنما يسألنا عن رأينا نحن في الناس.
خلص الشيخ إلى قوله: (وأخيرا إذا استخدمنا العقل بعد النقل، يمكننا أن نتساءل: كيف يجوز عقلا أن يكون الإنسان إله والإله إنسان؟ ان هذا يستحيل عقلا لأن الالوهية تقتضي صفات الكمال المطلق، في حين أن الإنسان يفتقر إلى هذا الكمال..). أنظر إلى هذه العبقرية!! عقل من؟ وأين هو؟ إذا كان الأمر بكل هذه المفارقة الواضحة، لماذا كل هذا التعب في الاخفاء والكذب، وتحريف الكلم عن مواضعه، إلى آخر ما قمتم به؟! قولك هذا يمكن أن يناسب المعددين، والذين يرون الأغيار من امثالك.. ولكن الموحد بداهة لا يلحق به مثل هذا القول، لأنه اساسا لا يرى للإنسان وجودا مع الله – كما تفعل أنت.. والله تعالى وحده الواجد بذاته.. وكل ما عداه ومن عداه، ليس له وجود من ذاته، وإنما وجوده من وجود ربه فقيوميته بالله – قيوميته بالله لا بنفسه – هذا ما تعترض عليه أنت عند اعتراضك على وحدة الوجود.. ووحدة الوجود تنبني عليها وحدة الفاعل: فلا فاعل لكبير الأشياء ولا صغيرها إلا الله.. فالله تعالى، في الحقيقة، هو الفاعل الوحيد في الوجود.. فإذا كان تعالى هو صاحب الوجود الوحيد في الحقيقة، والفاعل الوحيد في الحقيقة، فلا مجال لتخرصاتك هذه، فهي لا تلحق إلا بك.. ثم حسب التوحيد، الذي يقوم على طريق محمد، (صلى الله عليه وسلم)، الوجود الحادث، بما فيه الإنسان، طبيعته الوجودية الأصيلة، هي العبودية لله.. الإنسان مفطور على العبودية، وهي فطرة لا تتحول.. ثم أن التكليف الاساسي في الإسلام هو تحقيق العبودية، وأدب العبودية.. وهذا يعني الرجوع إلى الفطرة (فطرة الله التي فطر الناس عليها)، وهي الاسلام لله..
مع هذا التصور التوحيدي لا مجال لقولك المسف، إلا في عقلك المريض.. من هو على طريق محمد، (صلى الله عليه وسلم)، لا مجال لاتهامه هذه الاتهامات التي تتفوه بها، فهي رد عليك.. فالمعصوم هو الدليل الذي لا يضل، ولا يضلل.. ومن يقلده هو آمن، فمن يكن مع المعصوم الله ثالثهما، (ومن يطع الرسول فقد اطاع الله).. لأنك لم تجد اي شيء يمكن أن تنكره، ذهبت إلى هذه المبالغات في التشويه التي لا تجوز على أي عقل سليم.
هل يعلم الشيخ بأن الله هو الواجد للوجود، وأنه يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وأنه يحاسب الناس على أفعالهم وأقوالهم؟ لا شك أنه يعلم!! ولكن علمه هذا علم ظاهر، لا يقوم على التقوى.. وهو لذلك لا يعصم صاحبه من أن يعصي الله.. وأنت تعلم أن الله يقول "ويل للمكذبين"، وان رسوله يقول (المؤمن لا يكذب)، ومع ذلك تكذب، وتتحرى الكذب، بصورة بشعة.. وتكيد للآخرين كيدا رخيصاً، تخرجهم به من الدين حسب زعمك.. وتخاصم، الخصومة الفاجرة، التي تقوم على الكذب والخيانة.. فإذا كان علمك بالله علما نافعا، لأورثك من خشية الله، ما يعصمك من أن تقع في مثل هذه المهالك.
العقل عقلان: عقل معاش، وعقل معاد.. عقل المعاش، هو العقل الخام، الذي لم تهذبه التجربة التعبدية، ولذلك هو يخضع لهوى النفس، وتضليل الحواس.. أما عقل المعاد، فهو نفس عقل المعاش، بعد أن تهذبه التجربة الدينية وتؤدبه، فيصير محايدا خلاف الحال بالنسبة لعقل المعاش.. ونحن لا نفهم الدين بعقل المعاش، الذي يغلب عليه إتباع الهوى، وإنما نفهمه بعقل المعاد الذي يكون قد تخلص من إتباع الهوى، او كاد.. وعقل المعاش يتأثر بعقل المعاد، ويؤثر فيه.. وحين يؤثر عقل المعاش على عقل المعاد يزلزله، ويخرجه عن وقاره، ويذهله عن قيمه، فيفقده حياده.. وإنما من أجل تهذيب عقل المعاش جاءت الشريعة.. فهي، بوسيلة العبادة، وبوسيلة العقوبة، تسير عقل المعاش ليتهذب، ويلتقي بعقل المعاد.. فهل عقل هؤلاء العلماء بزعمهم، عقل معاد، أم عقل معاش؟ الإجابة تكمن فيما قرروه بأنفسهم من أنهم يفصلون بين الفكر والقيم الشخصية.. كما تكمن الاجابة، في هذا الاسلوب الذي رأيناه، الذي يقوم على الخصومة الفاجرة، وعلى الكذب والبهتان، وعلى تحريف الكلم عن مواضعه.
إن الحد الأدنى لأي بحث أو حوار موضوعي، في أي مجال من المجالات، هو الأمانة الفكرية.. فإذا غابت الأمانة الفكرية فالبحث لا قيمة له، ولا يستحق أن يسمى بحثا او حوارا.. والحد الأدنى من الأمانة الفكرية هو أن تنسب للآخر، الذي تحاوره او تناقش موضوعه، ما يقوله كما هو، وبالمعنى الذي يقوله به، دون تحوير أو تحريف.. ووفق هذا الضابط الضروري جدا، كلام هؤلاء العلماء لا علاقة له بالحوار الفكري، لا من قريب ولا من بعيد.. فهم كما رأينا تجاهلوا كتاب الرسالة الثانية الذي قالوا أنه موضوعهم، ولم يتناولوه بأي شيء.. لم يتناولوا دعوة الاستاذ للطريق، ومصدر المعرفة عنده، ثم ذهبوا ليصورونه وكأنه ليس له دعوة ولا منهاج.. كل الذي فعلوه هو إيراد نصوص، يكتبونها، ويحرفون معانيها، لتعطي عكس المراد منها.
العلم النافع هو علم التقوى.. والعلم غير النافع، هو علم الظاهر، علم إبليس الذي اشرنا إليه.. والخلل، كل الخلل في الإسلام، هو عدم إتباع المعصوم، والزعم بأنهم يتبعون أقواله وتوجيهاته.. هذه نقطة مهمة جداً، لابد من الوقوف عندها.. في الإسلام الإتباع للرسول (صلى الله عليه وسلم) (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ).. لاحظ (اتبعوني)، وليس اتبعوا قولي او عملي.. فالإتباع والطاعة لشخص النبي الكريم.. وفي طاعته طاعة الله (مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ).. فالرسول ليس مجرد مبلغ للرسالة كمحتوى، كما يزعم الوهابية والفقهاء – ويفصلون بين شخص الرسول وعمله.. فرسالة الرسول، هي أن يسوقنا إلى الله.. والطاعة لله تبدأ بطاعة الرسول، لأن الله في ذاته مطلق، فنحن نطيعه في معنى أن نطيع رسول الله.. ووظيفة الرسول لنا هي نفس وظيفة جبريل له، فقد قاده جبريل إلى أن وقف عند سدرة المنتهى، وقال له: ها أنت وربك، وكل سالك مجود متبع للمعصوم، يسير خلفه إلى أن يقول له ها أنت وربك..
فالعمل دون ربطه بصاحبه، عمل غير مجدي، القيمة الأساسية للمعصوم، وليس للعمل وحسب.. فالعامل، المجود للعمل، يمكن أن يحبط عمله إذا أساء الأدب مع المعصوم، حتى ولو بمجرد رفع الصوت فوق صوته (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ).. (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).. فمجرد الحرج في النفس بما يقضي الرسول وعدم التسليم له، ينفي الإيمان.. ويقول تعالى: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ).. فهو أولى بنا منا، وأحرص علينا منا، وأقدر على توصيل الخير إلينا منا.. هذا الموقف من المعصوم هو الاختلاف بيننا وبين الكثير من الفرق الإسلامية، وعلى رأسها الوهابية والفقهاء، والسلفيين، وجماعة الهوس الديني عموما.. نحن نتبع النبي (صلى الله عليه وسلم)، مع الأدب والتوقير.. وهم يزعمون أنهم يتبعون رسالة النبي، ويفصلون بينه وبين رسالته، وهذا يجعلهم خارج الدين ابتداءً، لا ينالون خيرا، ولم ينالوا خيرا.. هذه نقطة مهمة جدا، ولابد أن تكون واضحة: العمل طاعة لشخص النبي _ إتباع _ وليس نهيه وامره، مفصولان عنه.. إنهم يقطعون أصل ما أمر به الله أن يوصل.. هم يفصلون بين النبي ورسالته، وبذلك يفصلون بين أنفسهم وبين النبي، فيسيرون إلى الله من غير هادي ولا دليل، فسيرهم إبتداءً سير في التيه..
من الأدب مع الله، والأدب مع نبيه، أن نتعامل معهما كحاضرين.. والعكس صحيح، والتعامل معهما كغائبين سوء ادب، وجهل بهما.. يقول النبي (صلى الله عليه وسلم): (انا جليس من صلى علي).. ويقول: (من رآني في المنام فقد رآني حقا فإن الشيطان لا يتمثل بي),, ويقول: "من رآني في المنام فسيراني يقظة".. فالسالك المجود لا يطمئن لعمله، ما لم يرى النبي في المنام، وهذا معيار مهم لصحة السلوك، وهو توكيد لقضية ان العلاقة في الدين هي علاقة مع النبي الكريم، تقود لعلاقة مع الله.. فالغاية في الدين كلها هي الرجوع الى الله، وبداية هذا الرجوع واساسه، هي خلق الصلة بالنبي الكريم، وإتخاذه دليلا يوجه عملية الرجوع في مراحلها المختلفة.. الدين كله طاعة للنبي الكريم، تؤدي إلى طاعة الله: (ومَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ).. (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ).. فمن لا يسعى لإقامة العلاقة مع النبي، عمله منبت منذ البداية.. هذا المفهوم غائب عند معظم المسلمين اليوم، وهذا هو سبب غياب الدين عندهم، وكما يقول المعصوم: (الصلاة صلة بين العبد وربه) ، والصلة هنا هي الحضور مع الله.. فمن لم يحضر مع الله، ولو جزء من الثانية، لم يصل.. وعلى اعتبار غياب هذه القيمة من عمل المسلمين، فهم – الاغلبية الساحقة منهم – يقفون عند العتبة الاولى من سيرهم الى الله، لذلك لا تظهر عليهم ثمرة العمل.. أما الاشياخ، فيقولون صراحة كما رأينا، انهم يفصلون بين الفكر والقيم!!
قضية الدين ليست هي الإيمان بالله وحده.. الدين لم ينزل من أجل أن نؤمن بالله، وهذا تعطيه بدائه العقول، وهذا ما توصل إليه العلم المادي التجريبي في نظرية (التصميم الذكي).. الدين نزل ليسوقنا إلى الله، ولما كان الله تعالى ليس في الزمان ولا المكان فالسير إليه إنما هو تقريب صفات.. تقريب صفات العبد من صفات الرب.، وهذا ما تحدثنا عنه عندما تناولنا موضوع التخلق بأخلاق الله، الذي ورد في توجيه النبي الكريم.. المطلوب أن يؤدي الإيمان بالله ورسوله، مع العمل، إلى معرفة الله.. فنحن كما ذكرنا نعرف الله عن طريق التقوى: (وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ)، فلا يوجد أي طريق آخر لمعرفة الله!! فمن يعرف الله ويتأدب معه، لا يقول ما لا يعلم.. لا يقول إلا الحق.. وقد قال الاستاذ محمود: (ان للحق لديّ من الحرمة والقداسة، ما يجعلني لا اذيع الا ما استيقن انه الحق)..
الدين سلاح ذو جدين:
يقول الاستاذ محمود: (ثم يجب أن نعرف جيدا ان الإسلام بقدر ما هو قوة خلاقة إذا ما أنبعث من معينه الصافي، واتصل بالعقول الحرة، وأشعل فيها ثورته وانطلاقه، بقدر ما هو قوة هدامة إذا ما أنبعث من كدورة النفوس الغثة، واتصل بالعقول الجاهلة، وأثار فيها سخائم التعصب والهوس، فإذا قدر لدعاة الفكرة الإسلامية الذين أعرفهم جيدا، ان يطبقوا الدستور الإسلامي، الذي يعرفونه هم ويظنونه إسلاميا، لرجعوا بهذه البلاد خطوات عديدات إلى الوراء، ولأفقدوها حتى هذا التقدم البسيط الذي حصلت عليه في عهود الاستعمار، ولبدا الإسلام على أيديهم وكأنه عقوبات على نحو ما هو مطبق الآن في بعض البلاد الإسلامية، ولكانوا بذلك نكبة على هذه البلاد وعلى الدعوة الإسلامية أيضا..).. لقد جربنا في السودان، القوة الهدامة للإسلام، في تجربة الاخوان المسلمين مع نميري، وفي تجربتهم الخاصة بهم بحكم الانقاذ الذي استمر ثلاثين عاما، ومورس فيه كل القيم المنافية لمبادئ الاسلام الاساسية، من: بطش وتعذيب وانتهاك لأعراض الناس وحرياتهم.. ونهب مروع للمال العام، ونحن لا نزال نعاني من القوة الهدامة التي مارسها نظام الانقاذ باسم الاسلام.. فالأمر قد جربناه في انفسنا بصورة مريرة، ولثلاثين عاما، فلم يعد أحد يجهل الحد الهدام للدين عندما ينبعث من كدورات النفوس الغثة، ويتصل بالعقول الجاهلة.. الأمر لم يعد موضوع تنظير، وإنما هو حياة تعاش.. وقد نفّر هذا الصنيع البشع من الاسلام، وشوهه بصورة موبقة.. ويكفي أن نشير إلى الظاهرة التي تمت في عهد الانقاذ، وهي ان عدد من ابناء زعماء الاخوان المسلمين اتجهوا الى الإلحاد!! وماذا فعل الآباء؟! لم يتجهوا إلى التنكيل بهم كما فعلوا بالآخرين دون جرم اتوه، بل احضروا لهم العلماء ليناقشوهم.
يقول اريك فروم، عالم التحليل النفسي الامريكي الكبير، عن الوجهين للدين_ الوجه الايجابي والوجه السلبي: (وما قلته عن نزعة الإنسان المثالية يصدق أيضاً على حاجته الدينية. فلا وجود لإنسان بغير حاجة دينية، حاجة إلى أن يكون له إطار للتوجيه وموضوع للعبادة، بيد أن هذا القول لا يخبرنا بشيء عن سياق خاص، تتجلى فيه هذه الحاجة الدينية، فقد يعبد الإنسان الحيوانات أو الأشجار أو الأصنام من الذهب والحجارة، أو إلهاً غير منظور، أو إنساناً مقدساً، أو زعماء شياطين، وربما عبد أسلافه، أو أمته، أو طبقته أو حزبه، أو المال أو النجاح، وقد يؤدي به دينه إلى تطوير روح الدمار أو الحب، او التسلط أو الإخاء، أو ربما ضاعف من قوة عقله، أو أصابها بالشلل وقد يدرك أن مذهبه مذهب ديني، يختلف عن المذاهب الدنيوية، أو قد يظن أنه لا يملك ديناً، وأن تكريس نفسه لأهداف دنيوية مزعومة كالقوة أو المال أو النجاح، ليس شيئاً سوى اهتمامه بالعملي والنافع، والمسألة ليست (ديناً أو لا دين) بل (أي نوع من الدين)، هل هو من النوع الذي يساعد علي تطور الإنسان، وعلى الكشف عن قواه الإنسانية الخاصة به كإنسان، أم هو من النوع الذي يصيب القوة بالشلل).. هذا تحليل وافي للدين الايجابي والدين السلبي.. ونحن في الدين الإسلامي، فارقنا الدين الإيجابي، واصبحنا على قشور منه، وتحولنا الى الحد السلبي من الدين، واصبحنا نمارس ابشع الصور المتسفلة، والمنافية لقيم الدين الاساسية، وباسم الإسلام نفسه.. وكان لتنظيم الاخوان المسلمين القدح المعلى في هذا الصدد، وفي كل البقاع التي وجدوا بها.. فمنذ نشأة الجماعة بمصر عام 1928م، لم يجد العالم الاسلامي منهم اي خير، بل وجد منهم كل شر.. وقد أفرز التنظيم جماعات متطرفة مثل داعش وطالبان واخوتها، ليس لها من الدين إلا التكفير وقتل الابرياء، حتى من المسلمين في المساجد!! كل هؤلاء امتداد لتنظيم الاخوان، وتلاميذهم، خصوصا كتاب (معالم في الطريق).
هؤلاء المشايخ، الذين نتحدث عنهم هم يعملون، بوعي أو بغير وعي
_ وفي الغالب بوعي لخدمة نظام الانقاذ الذي تكونوا فيه.. وهم إما أنهم اخوان، أو سدنة لنظام الإنقاذ، وقد ازعجتهم ثورة ديسمبر العظيمة ازعاجا شديدا.. وهم يحلمون بعودة نظام الانقاذ الذي ينتفعون منه دنيويا، ولكن هيهات!!
هل غياب الفكر، هو السبب في غياب القيم؟ ام العكس هو الصحيح؟

مدينة رفاعة

نواصل

 

آراء