دكاترة وبروفيسرات في الدين (3) !!

 


 

 

المركز الإسلامي بالسودان للدعوة والدراسات المقارنة والهجوم الجائر على الفكرة الجمهورية

دكاترة وبروفيسرات في الدين!!

(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)

المقالة الثانية

الحلقة (3)

خالد الحاج عبد المحمود

بين الاسم والذات

"الله تعالى من حيث ذاته الصرفة، المطلقة، فوق أن يعرف، أو يوصف، أو يشار إليه، فهو مطلق يتسامى عن كل قيد، أو تحديد او نقص.. وهو تعالى لكي يعرف، تنزل من إطلاقه إلى مرتبة القيد، فكان أول التنزل إلى مرتبة الاسم - الله، ثم مرتبة الصفة - الرحمن، ثم مرتبة الفعل - الرحيم.. وفي مرتبة الفعل برز الخلق، وببروزه أمكنت معرفة الله.. وإلى ذلك الإشارة بالحديث القدسي، الذي نصّه: (كنت كنزا مخفيا، فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق، فتعرفت إليهم فبي عرفوني).. فـ(كنت كنزا مخفيا)، يعنى في حضرة إطلاق لا تعرف، وهذا معنى (مخفيا).. فهو من حيث ذاته المطلقة، كان، ولا يزال، ولن ينفك، في حضرة خفاء، تجلّ عن أن تعرف.. ولكن لكي يعرف، تنزل إلى مرتبة الخلق، وإلى ذلك الإشارة بقوله (فأحببت أن أعرف، فخلقت الخلق).. فالله تعالى إنما يعرف بخلقه.. وخلقه ليسوا غيره، وإنما هم هو في تنزل.. هم فعله، وفعله ليس غيره.. وقمة الخلق، وأكملهم في الدلالة على الله، هو الإنسان الكامل، وهو صاحب مقام الاسم الأعظم (الله).. فالله اسم علم على الإنسان الكامل، الذي بين الذات المطلقة في إطلاقها، وبين جميع الخلق".. (ادب السالك في طريق محمد - ص ٥).. اوردنا هذا النص، لأن الدكتور، العالم بزعمه، حاول كثيرا أن (يلعب) على موضوع الاسم والذات، الوارد في هذا الكتاب بصورة خاصة.. واضح من النص ان هنالك الذات الإلهية المطلقة وهي أصل الوجود، وهنالك التنزل الى مرتبة الاسم (الله)، وهو اصل الوجود الحادث وبدايته.. وهو الانسان الكامل، الذي خلقه الله في احسن تقويم (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ).. واضح جداً أننا نفرق بين الاسم (الله)، وذات الله.. فالاسم تنزل، خلق، ومرتبته مرتبة العبودية.. والذات هي الحقيقة الوجودية الأساسية، ومرتبتها مرتبة الربوبية..
وحسب النص، لما كانت ذات الله مطلقة، فمن المستحيل معرفتها عن طريق العقل، فالعقل لا يعرف إلا المحدود.. فمن اجل ذلك نحن لا نعرف الله إلا بخلقه.. وهذا المعنى هو ما يشير اليه قوله تعالى: " اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ" .. كلمة (مثاني) في الآية، تعني ذو معنيين معنيين.. فجميع القرآن يقوم على المثاني، ذلك لأنه خطاب من الرب الى العبد.. فلا يمكن ان يكون المعنى الذي هو عند العبد، نفس المعنى الذي هو عند الرب، وانما هو تنزل لمستوى ادراك العبد.. فكلمة (الله) هي اساسا تنزل، وكل القرآن تنزل، والمقصود من الكلمة (الله) في التنزل، الاشارة الى الذات، لأن الذات مطلقة ولا تحددها الكلمات، وانما الكلمات تشير اليها وحسب.. وعن كون الذات لا توصف، يجيء قوله تعالى: " سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ".. (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ) يعني تنزه الله في ذاته عن كل وصف، لأن الوصف تحديد، والذات مطلقة غير محدودة.. (وسلام على المرسلين) يعني أن خير من وصف الله هم المرسلون، لأنهم وصفوه بما وصف به نفسه، وفق ما تقتضيه حكمته في التنزل، ومن هنا يأتيهم السلام.. وفي هذا المعنى ايضاً يجيء قول المعصوم: "تفكروا في مخلوقات الله، ولا تفكروا في ذاته فتهلكوا"، فذات الله لا يحويها الفكر، لأنها مطلقة والفكر محدود، ولأنها وحدة، والفكر يقوم على الثنائية، ولذلك قيل: (كل ما خطر ببالك فالله من حيث ذاته بخلاف ذلك).
عندما نقول (الله)، فالكلمة تعني المعنيين في وقت واحد.. هي اشارة للذات المطلقة – الخالق، وحديث عن الذات الحادثة – الخلق.. والتمييز الأساسي بين الاثنين، هو ما يقتضيه التوحيد: فكلما فيه نقص او محدودية او عجز هو يتعلق بالاسم (الله)، ولا يمكن ان يتعلق بالذات.

الدكتور العالم بزعمه، (يلعب) على هذه الثنائية!! فكلما ورد اسم الله، في حق الانسان الكامل، صوره الشيخ بأنه كلام عن الذات، وهذا، حسب زعمه كفر وادعاء الوهية.. فهو يعكس الأمور عكساً تاماً، فيصور العبد بأنه إله ورب، ليتهمنا نحن بأننا ندعي الالوهية.
نحن عندما نتحدث عن (الانسان الكامل) انما نتحدث عن خلق – انسان.. ونتحدث عن مقام العبودية لله..
فالانسان الكامل، هو اكبر من يحقق العبودية لله.. فلما كان هو بداية الخلق، فهو بين الله تعالى في ذاته، وبين بقية خلقه.. ومقام الانسان الكامل، مقام في الملكوت، في عالم الروح، ويتنزل الى عالم الملك فيتجسد.. وبهذا التنزل تتم خلافة الانسان لله (إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً)، وهذا التنزل هو الذي به يظهر المسيح المحمدي.. فالإنسان الكامل، الخليفة، هو المسيح المحمدي، وهو الذات المحمدية، المشار اليها بقول المعصوم: "اول ما خلق الله نور نبيك يا جابر".. لم يقل نبيك، وإنما قال: (نور نبيك)
وارد في كتاب ادب السالك، قوله: "والإنسان الكامل هو أكبر من يحقق الأدب مع الذات.. فمقامه هو مقام العبودية الكاملة - هو (المسلم).. فهو بالنسبة للذات، مجرد بوق تنفخ فيه.. ولذلك هو العبد حقا، والمسلم حقا.. وإنما يأتي كمال عبودية الإنسان الكامل (الله)، من كمال علمه المتجدد، الذي يجدد به عبوديته، ويجدد به أدبه في عبوديته، كل حين".. هذا ما ورد عن الانسان الكامل، وهو امر كثير الورود، ولا مجال معه للمغالطة، والزعم بأن الانسان الكامل، هو إله، كما يفعل الشيخ وصحبه.. فالانسان الكامل: هو انسان، وعبد، مقامه مقام العبودية الكاملة، وهو اكبر من يحقق الأدب مع الذات.. فعبوديته عبودية متجددة، السير فيها سير سرمدي لا انتهاء له.
وعن تقييد الانسان الكامل لله، يجيء القول: فهو في كل لحظة يقيد من المطلق ما به يزيد علمه، وتتجدد عبوديته، وتتسع حياته، وعن طريق هذا التقييد تقع معرفة الخلق لذات الله، ويقع سيرهم إليه.. والإنسان الكامل، لما كان بين المطلق في إطلاقه وبين جميع الخلق، فهو من وجهه الذي يلي المطلق، مطلق، بمعنى أنه في تجدد مستمر، ومن وجهه الذي يلي الخلق مقيد، بمعنى انه مجسد..
ولما كان الإنسان الكامل هو قيد الذات بالصورة التي ذكرناها، فإن كل الوجود مستمد منه.. وكل أنوار الولايات وأنوار النبوات، مستمدة من نوره.. وكل حركة التطور إنما تطلبه.. فما تحرك من متحرك، ولا سكن من ساكن إلا في سبيله، سبيل أن يتنزل من الملكوت إلى الملك..
وعلى ضوء هذا الفهم عن الله، نتحدث عن أدب العبودية، الأدب مع الله، وهو الأدب الذي وردت تفاصيله في القرآن كما سنرى، إن شاء الله".. وجاء عن العبودية، ما نصه: " إن العبودية هي تكليفنا الأساسي.. نحن ما خلقنا إلا لنكون عبيدا لله، وفي ذلك يجيء قوله تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) يعنى ما خلقتهم إلا ليصيروا لي عبيدا بواسطة العبادة.. أو ما خلقتهم، إلا ليعبدوني كما أمرتهم على لسان رسلي، ليكونوا لي عبيدا كما أمرتهم على لسان عزتي، حيث قلت (إن كل من في السموات والأرض إلا آتى الرحمن عبدا * لقد أحصاهم وعدهم عدا * وكلهم آتيه يوم القيامة فردا).. فالعبودية هي تكليفنا الأساسي، وهي تعني معرفة أسرار الربوبية، والأدب معها.. فهي خلاصة الأدب، وقمته.. ولما كانت الربوبية مطلقة، فكذلك العبودية، ولذلك فإن عملنا في التأدب بأدب العبودية، عمل مستمر، لا يتم الفراغ منه.. فكأن حقيقة تكليفنا هي أن نتأدب مع الربوبية، الأدب الكامل، الذي يليق بعظمتها، وجمالها، وجلالها، وكمالها، وهيهات!!
مقام الوسيلة
عن الكلمة – مقام الاسم – جاء من انجيل يوحنا قوله: "في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند اللَّه، كان الكلمة اللَّه.. هذا كان في البدء عند الله.. كل شيء به كان، وبغيره لم يكن" (يوحنا 1:1) أما في القرآن، فقد جاء قوله: " إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ".. (رسول الله) يعنى رسول الذات إلى جميع الخلائق.. (وكلمته) يعنى كلمة الله، فالمسيح هو (كلمة الله ).. (ألقاها إلى مريم) يعنى إلى النفس الطاهرة.. و(ليلة القدر)، هي لحظة نزول المسيح.. وهي الساعة، ساعة التعمير.. والساعة هي أيضا المسيح.. وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى (وإنه لعلم للساعة فلا تمترنّ بها).
معظم المسلمين، يدعون للنبي (صلى الله عليه وسلم)، بعد الآذان بقولهم (اللهم آت محمدا الوسيلة والفضيلة والدرجة الرفيعة وابعثه اللهم المقام المحمود الذي وعدته).. المقام المحمود اشارة الى قوله تعالى: " وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا".. وهذا المقام هو في الملكوت، وقد بلغه النبي (صلى الله عليه وسلم) في معراجه، في الحالة التي قال عنها تعالى: " إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى".. قوله (ما زاغ البصر وما طغى) يعني قد توقف جولان فكر النبي بين الماضي والمستقبل، وبذلك تم له رفع حجاب الفكر، وخرج عن سيطرة الزمان والمكان، خرج من رق العناصر، فاكتمل له ادبه مع ربه.. وفي تلك الإلمامة انطبق النبي مع حقيقته، فتحقق له المقام المحمود في الملكوت.. ثم تحقق للنبي المقام المحمود بنزع الموت، وانتقل به الى البرزخ.. وهو قد ظل في حياته، وفي برزخه، يعمل على انزال هذا المقام من الملكوت إلى الملك، ليتجسد في الأرض.. ولحظة تجسيد المقام المحمود في الارض هي لحظة نزول المسيح، وتحقيق مقام الوسيلة الذي وعد الله نبيه به.. وهذا المقام يتم بالبعث (عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا) والى هذا البعث، الذي يتم به المقام المحمود، يشير قوله تعالى: " إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ".. (لرادك الى معاد)، يعني الى عودة، تتنزل بها (الحقيقة المحمدية) الى الأرض، فيتحقق مقام الوسيلة للمعصوم في الارض، بعد ان تحقق في الملكوت، وبذلك يكون هو المسيح الموعود، والوسيلة التي تكون بين الله تعالى في ذاته وبين جميع خلقه.
وفي هذه النزلة، التي يتحقق فيها مقام الوسيلة، يتم نزول القرآن الى مقام التجسيد في الحياة، مقام الاسم الاعظم.. وهذه النزلة ليست بواسطة جبريل، وانما هي بواسطة اسرافيل، ملك النفخ بالحياة.. فبهذا النفخ يتم التجلي الجمالي الذي به تشرق الارض بنور ربها.. والى ذلك الاشارة بقوله تعالى: "وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ * وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ "..(ونفخ في الصور) يعنى في الأجساد، وعلى قمتها جسد الإنسان الكامل، الحقيقة المحمدية.. والصور يعنى البوق، فالإنسان الكامل بالنسبة للذات الإلهية عبارة عن بوق، تنفخ فيه، فيعكس إرادتها، ويقيد إطلاقها.. (وأشرقت الأرض بنور ربها) يعنى أرض الجسد، جسد الإنسان الكامل، تشرق بنور الحياة الكاملة، والعلم الكامل.. والأرض أيضا تعنى الكوكب الأرضي، يشرق بنور الإسلام، فلا يصبح فيه إلا مسلما.. وهذا أيضا معنى (ووضع الكتاب)، أي وضع المصحف موضع التطبيق، فتمت النزلة إلى مستوى الحياة، فأصبح القرآن معاشا، في قمة، في الإنسان الكامل، ثم بين سائر الأفراد والجماعات، وبذلك تتحقق المقامات العرفانية الكبيرة وإلى ذلك الإشارة بقوله (وجيء بالنبيين والشهداء)
مقام الاسم (الله) هو حقيقة القرآن، وتأويله، وعن ذلك يجيء قوله تعالى: " هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ".. فـ (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ) يعني هل ينظرون إلا تأويل القرآن.. و(يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ) يعني يوم يأتي القرآن مجسداً، في مقام الاسم، والى ذلك الاشارة بقوله تعالى: " هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ، وَالْمَلَائِكَةُ، وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ"..(الله في ظلل من الغمام) يعنى في تجسيد، اصله الماء.. والملائكة هنا هم أعوان المسيح.. فتأويل القرآن إذن هو (الله) في تجسيد.. ويوم إتيانه، هو لحظة الظهور، هو الساعة.. وإلى ذلك أيضا الإشارة بقوله تعالى: (هل ينظرون إلا الساعة، أن تأتيهم بغتة، وهم لا يشعرون؟)..
فتأويل القرآن هو (الله في ظلل من الغمام) أي في تجسيد.. وهذا هو مقام الوسيلة، الذي يكون بين الله في إطلاقه، وبين جميع الخلق.. ومجيئه يكون في (اليوم الآخر)، وهو آخر أيام الدنيا، وأول أيام الآخرة.. ومقامه هو المقام المحمود، يتحقق في تجسيد في الأرض، بعد ان تحقق في الملكوت في المعراج، وظل النبي الكريم يطلبه طوال حياته، وقد حققه في النزع، وانتقل به الى البرزخ كما ذكرنا.. وعن ذلك جاء في حديث عائشة: (وجاء جبريل في ساعته، فسلم.. فعرفت حسه.. وخرج أهل البيت، فدخل.. فقال: إن الله عز وجل يقرأ عليك السلام، ويقول لك كيف تجدك؟ وهو أعلم بالذي تجد منك، ولكن أراد أن يزيدك كرامة وشرفا، وأن يتم كرامتك وشرفك على الخلق وأن تكون سنة في أمتك.. فقال: أجدني وجعا.. قال: أبشر!! فإن الله قد اراد ان يبلغك ما وعدك" يشير بذلك الى قوله تعالى: (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا).. فالنبي في برزخه، هو مدد جميع الولايات وهو مرشدها.. وعن طريق انوار هذه الولايات هو يعد الأرض لتلقي (النبأ العظيم).
هذه لمحة من حديثنا عن الانسان الكامل، ومقامه، وهو مقام العبودية لله الكاملة.. ومقامه مقام (الاسم) الذي يكون بين الذات المطلقة، وجميع الخلق.
ووجوه الحديث عديدة، منها مثلا الحديث عن (البينة).. فالبينة هي المسيح المحمدي.. وكذلك الحديث عن (دابة الارض)، التي جاء ذكرها في قوله تعالى: " وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآَيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ".. فدابة الارض هي المسيح، وهو يدعو الى مراحل الايقان (كَانُوا بِآَيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ)، مرحلة العلم من الدين، وهي تقوم على اصول القرآن، التي يقوم عليها المجتمع المسلم، بمعنى الاسلام الاخير، الذي لم يتحقق في التاريخ إلا للأنبياء.. وهذا المجتمع المسلم هو مجتمع الاخوان، اخوان النبي (صلى الله عليه وسلم).
هذه بعض قضايا الانسان الكامل في القمة، وهي قضايا تحتاج الى مناقشة.. ولم يتعرض لها الاخ الدكتور الشيخ اطلاقا!! هو لم يتعرض لأي محتوى!! اذن ما الذي تعرض اليه؟ سنرى
وقضية الانسان الكامل، قضية تم تناولها في العديد من الكتب، في شيء من التفصيل.. مثلا كتاب (العصر الذهبي للاسلام امامنا)، خصص الباب الخامس كله للقضية.. وقد تم تناول الموضوع في اكثر من خمسين صفحة، شملت العناوين الاساسية التالية:
1. الانسان الكامل
2. خلافة الارض
3. المسيح والساعة
4. الكمال ما هو؟
5. قدوة الكمال
6. منهاج الكمال
7. طريق العودة
8. الصلاة وصلة الرحم
9. المجتمع الكامل
10. الحرية بين الاطلاق والقيد
11. ما هو المجتمع الكامل
12. الاسرة
13. المجتمع الكبير
ولم يتعرض الدكتور لأي من هذه العناوين، ولا حتى تعرض للإنسان الكامل، وكيفية تحقيق الكمال.. فالإنسان الكامل هو كل انسان.. فجرثومة الكمال في كل انسان، ولابد ان يحدث له الكمال في وقت من الاوقات، حسب فضل الله عليه، وحسب اجتهاده في العمل.. (وهنالك الكمال المطلق، وهذا حظ الذات الالهية وحدها.. وهنالك الكمال النسبي، وهذا هو حظ الانسان.. وعنه جاء قول المعصوم: "كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء الا مريم بنت عمران، وآسيا امرأة فرعون، وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام".. وانما يستمد الكمال النسبي نسبيته من الكمال المطلق.. فالإنسان من حيث هو، وفي اي موقع من المواقع، حتى ولو كان ابله، هو مشروع انسان كامل، ولابد له من تحقيق الكمال، في مرحلة من مراحل تطوره، ولذلك يجب ان يعامل الانسان - منذ البداية، ومهما كان موقعه – كغاية في ذاته، ولا يتخذ وسيلة لغيره.. فهو غاية الوجود الحادث، والله تعالى مسيّره، ومصَيّره اليه.. والى حتمية الكمال الانساني تشير الآيات القرآنية التي تتحدث عن لقاء الله، والصيرورة والانتهاء اليه، مثل قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ".. وقوله: " وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى".. وقوله: " إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ".... الخ، فملاقاة الله لا تكون بقطع مسافات الزمان والمكان، فالله تعالى لا يحويه الزمان ولا المكان، وانما تكون الملاقاة بتقريب الصفات من الصفات.. تقريب صفات العبد من صفات الرب، وهذا هو معنى الأمر بالتخلق بأخلاق الله الوارد في حديث المعصوم: "تخلقوا بأخلاق الله إن ربي على سراط مستقيم".. وهو في معنى الآية":" كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ".. واخلاق الله هي القرآن.. وقد سبق ان ذكرنا ان الله تعالى في ذاته الصرف، مطلق، لا يعرف ولا يسمى، ولا يوصف، ولكنه بمحض فضله، تنزل من صرافة ذاته، الى منازل اسمائه، وصفاته، وافعاله.. ثم انزل القرآن ليحكي هذه التنزلات، لكي يعرفه عباده، فيسيروا الى عتبة ذاته.. لاحظ (عتبة ذاته)..
وقد جاء عن التخلق بأخلاق الله من كتبنا، ما نصه: "والتخلق بأخلاق الله هو عمل في تحقيق العبودية لله.. والعبودية لله هي اسم آخر للكمال الانساني، وهي تكليفنا الأساسي، وقدرنا المقدور."
كل ما فعله الدكتور الشيخ، هو ايراد نصوص مبتورة، والقيام بتشويهها بسوء التخريج، ظنا منه انها يمكن ان تؤدي الى ما يريده، من زعم ادعاء الالوهية. وجميع النصوص التي اوردها عن الانسان الكامل هي تتحدث عن عبودية الانسان الكامل لذات الله.. فهو يريد ان يعكس الأمر، لينسب للنص عكس ما يقول به تماما.. وقد سبق ان اوردنا حديثه عن التخلق بأخلاق الله، واوردنا الحديث الواضح من النص بأنه يتحدث عن العبودية، واشرنا الى انه كيف بتر الشيخ هذا النص.. وعندما وجد ان البتر لا يكفي، ذهب الى العبارات المبهمة، والمستخدمة في خلاف معناها، مثل عبارة: عرض وجوهر.. وعندما اورد عبارة(ويكون الله)، اضطر ليورد الجزء المكمل لها وهو(ليس لله صورة فيكونها، ولا نهاية فيبلغها، وانما حظه من ذلك ان يكون مستمر التكوين)، ذهب في محاولة فاشلة لإخراجها من مضمونها.. وهذه العبارة دائما قائمة، فمن المستحيل ان يكون المحدود ، هو المطلق، وإلا اصبح المطلق محدودا.. فهذه بداهة.. فالعبارة، ذكرت ام لم تذكر، هي قائمة، لأن التوحيد يحتمها.
ونحن هنا نورد نصا آخر، في نفس الاتجاه، ويستخدمه الدكتور الشيخ لنفس الغرض – غرض الايهام بأن الانسان المحدود، يمكن ان يكون الذات المطلقة – فهو قد اورد النص التالي من كتاب ادب السالك.. النص يقول: حسب نقله: " الإنسان الكامل - هو الله الحادث.. فالاسم الله إنما هو علم على هذا، وأما في حق الذات القديمة، المطلقة، إن هو إلا إشارة.. وهو إنما تأهل لهذا المقام بفضل الله، ثم بفضل تخليه عن إرادته للإرادة الواحدة حتى لقد أصبح بوقا تنفخ فيه كمالات المطلق، من الصفات، وألأسماء، وعلى قمتها الصفات النفسية السبع: الحياة، والعلم، والإرادة، والقدرة، والسمع، والبصر، والكلام.. فصار حيا حياة الله، وقادرا قدرة الله، وسميعا سمع الله، وبصيرا بصر الله، ومتكلما كلام الله وصار الله.. تعالى الله الله عما يقولون قولاً كبيرا"... هذا هو النص الذي اورده الشيخ.. ورغم البتر والتشويه، فهو قد عجز تماما من ان يجعل النص يعطي المعنى الذي يريده هو، هو يريد ان يقول اننا نؤله الانسان الكامل.. والعكس صحيح!! فحسب النص، الانسان الكامل هو الاسم، (الحادث)، مقابل الذات القديمة التي لها الاسم اشارة، لأنها غير محدودة.
والانسان الكامل (تأهل لهذا المقام بفضل الله، ثم بفضل تخليه عن ارادته للإرادة الواحدة).. الحديث عن العبودية واضح، فهو تأهل للمقام (بفضل الله..) والمقام مقام عبودية والى ذلك الاشارة بقوله (تخليه عن ارادته للإرادة الواحدة).. فهو لأنه اصبح عبدا فقد تخلى عن ارادته للإرادة الواحدة.. وعبارة (الارادة الواحدة) تفيد انه لا ارادة في الوجود الا لذات الله.. اما ارادة العبد فهي من ارادة خالقه، وليس له ارادة من ذاته.. عبارة (اصبح بوقا تنفخ فيه كمالات المطلق)، تعني أنه لا ارادة له مع الله، فهو مجرد بوق للمطلق.. والصفات المذكورة، تتحقق للإنسان الكامل، بحسن ادب العبودية الذي تحلى به.. وهو عندما تأدب بأدب العبودية، افاضت عليه الربوبية الصفات المذكورة.. وهي صفات لا انتهاء من تحقيقها، لأنها في المطلق.. عبارة (ويكون الله) تشير الى كينونة لا انتهاء لها.. وهذا ما ورد في النص، ولكنه بتره.. فالنص كما هو، بعد ذكر الصفات يقول(وصار الله.. ولكن هذه الصيرورة تبدأ ولا تنتهي، لأنها سير من المقيد الى المطلق.. وما للمطلق بلوغ، ولا له نهاية، وانما الصيرورة المستمرة، والتطور المطرد.. هو بتر هذا الجزء اعتقادا منه انه يمكن ان يوهم السامع، بما يريده هو، ولكن مع البتر، المعنى في النص كله يتحدث عن عبودية الانسان الكامل.. هذا هو ديدنه في جميع النصوص التي اوردها، يريد ان يوحي للسامع بأن الحديث عن الانسان الكامل هو ادعاء الوهية، مع انه حديث عن العبودية، وأدب العبودية.. وهذا هو موضوع كتاب(أدب السالك)ٍ كله..

مدينة رفاعة

نواصل
///////////////////

 

آراء