ذي الرمة العصفوري والسياحة الداخلية ببورتسودان . بقلم: جعفر بامكار محمد

 


 

 





قابلت صدفة صديقي ورفيقي االقديم  ذي الرمة العصفوري وهو رفيق دراسة وبعد التحيات والسلام لاحظت انه يحمل دفترآ احمرآ ضخمآ ومعه بعض الادوات الهندسية من المسطرة والبرجل والمثلثات وغيرها مع كمية من اقلام الحبر الجاف واقلام الرصاص والاساتيك وكان معروفآ بالمدرسة ان ذي الرمة عبقري في علوم الحساب والرياضيات وبليد جدآ  في ما سوي ذلك من العلوم بدرجة الامتياز. فسالته ماذا تفعل ؟وماذا تحمل معك ؟ فقال لي ( انني احمل معي دفتري وادواتي واجري دراسة علمية حسابية دقيقة بعائدات السياحة  الداخلية بالمدينة واقتصادياتها وقد جمعت كل اسعار مايمكن اكله اوشربه بالمدينة بالاضافة الي  تكلفة ايجارات المنازل والشقق  وتكلفة المواصلات وماشابه ذلك . لقد سمعت من احد المسؤولين ان عائد السياحة الداخلية بالمدينة   ثلاثون مليار جنية بالقديم وسوف اثبت له وللاخرين بالارقام ان العائد  من السياحة الداخلية بالمدينة لايقل عن مائة وخمسين مليار جنيه بالقديم ).
قلت له . (ياصديقي ذي الرمة لاتضيع وقتك في هذا الشأن فالسياحة الداخلية شئ  هلامي لايمكن تحديده اوقياسه واهتم بالسياحة الخارجية لانها  الاهم وهي محدد ة ومعروفة ويمكن قياسها وعدها بالدولار . الاتسمع ان المصريين يقولون ان عائدهم من السياحة  الخارجية ثلاث عشر مليار دولار والاتراك يقولون ان عائدهم من السياحة عشرة مليار دولار والتونسيين   يقولون ان عائدهم من السياحة الخارجيه ثمانية مليار دولار ولم يذكر اي من هذه الدول عملتهم المحلية  أو تحدثوا عن سياحتهم الداخلية ؟
ان الهدف الاساسي من السياحة هو استجلاب العملات الصعبة من الدول الغنية كامريكا واوروبا وشرق اسيا . السياحة الداخلية شئ غامض  لايمكن فصله من تحركات  السكان العادية داخل البلاد علي حسب المواسم ومختلف الاغراض.
ان الألاف يدخلون الخرطوم يوميآ  ويخرجون منها فهل يمكن ان نسميهم سواح؟ ان الأف يذهبون للولاية الشمالية في موسم البلح فهل يمكن ان نسميهم  سواح ؟ ان الألاف يذهبون لولاية القضارف في موسم الزراعة فهل يمكن ان نسميهم  سواح ؟ ان الألاف من الحجاج والمغتربين يمرون بسواكن جيئة وذهابا فهل يمكن انه نسميهم سواحآ؟ لاتصدق ان هناك سياحة ذات جدوي  بالمدينة مالم تر الخواجات يملئون شوارع المدينة ويشترون فول الحجات  باثنين دولار ويشترون البطيخة بعشرين دولار وصحن السلات بثلاثين دولار ويركبون التاكسي السياحي بخمسين دولار  للمشوار  ويشربون جبنة ادروب بخمسة دولارات وهكذا  يبعثرون الدولارات في كل اتجاه ويصرفون صرف من لايخاف الفقر اما ناس قريعتي راحت  الذين يغزون المدينة كالجراد لثلاث ايام  عند رأس السنة فهم ضيوف غير  مرحب بهم فهم يزحمون المدينة ويستهلكون  السمك والجمبري  وبعض الاشياء الحساسة  بالصيدليات  ويثيرون  الكثير من الصخب والعبث دون فائدة وضررهم اكثر من نفعهم ).
قال ذي الرمة ( كلامك صحيح وان السياحة الخارجية هي الاساس والاهم وهي السياحة الحقيقية التي تجلب العملات الصعبة التي تحتاجها البلاد . ولكن جذب الخواجات  امر صعب جدآ  فوق طاقتنا وامكانياتنا  فهم يبحثون عن ما يدهش ويمتع (المتعة البريئة احيانآ والغير بريئة اكثر الاحيان ) لذلك يفضلون الذهاب  للأدغال وللأحراش وروؤس الجبال  ومجاهل الصحراء واعماق البحار ومواخير نيروبي  وبانكوك    حيث يمارسون مختلف انواع الشذوذ ونحن يستحيل ان نجعل من مدينتنا  ماخورآ للاجانب والاغراب  ولو دفعوا لنا كل دولارات العالم .
ليس لدينا بالمدينة سوي الاسفلت والا نترلوك  والكورنيش وبعض اللمبات وهذه امور لاتتدهش ولا تمتع الخواجات  ولا تتدهش حتي  اهل سلوم وتهاميام والشقرات وانتظارنا للخواجات  سوف يطول.
اننا قد صرفنا الكثير بالمدينة ولذلك من واجبنا  ان نسترجع ماصرفناه بواسطة السياحة الداخلية مادام استرجاعها من السياحة الخارجية اصبح  متعذرا حتي الان.  اضاف ذي الرمة  قائلا ( علي كل حال انا مصر علي اتمام دراستي  العلمية الحسابية والتي قطعت فيها شوطآ طويلآ وتحصلت علي بعض المعلومات الهامة) .
قلت له ( من فضلك اعطني  فكرة عن كيفية اجراءك لهذه الدراسة وماهي اهم المعلومات التي تحصلت عليها ؟ فقال ذي الرمة ( مثلا في يوم من الايام علمت ان صديقي ابوشنب توفيت حبوبة حبوبته   وقرأت معه الفاتحه ثم  سألته ان كانت حبوبة حبوبته  معاصره لبعانخي وترهاقا ؟ فاجابني بالايجاب ثم سألته كم من احفاد احفادها جاءوا للمدينة لحضور الفراش ؟فاجاب   انه قد وصل منهم 197 رجالا ونساء وبالطريق 214 وسوف يمكثون بالمدينة عشرة ايام فاخرجت دفتري الاحمر  وادواتي الحسابيه وقائمة  الاسعار للماكولات والمشروبات والمواصلات وغيرها بالمدينة   وحسبت كل شي بدقة بكل  اساليب الرياضيات  والحساب من جبر ولوغريثمات  وتكامل وتفاضل  وفي النهاية اخبرته بما ساهمت به حبوبة حبوبته  في السياحة الداخلية وهو مبلغ ثلاثين مليون وخمسمائة  وسبعة وسبعين جنيه وخمسمائة وعشر مليم  فقط بالقديم . قال لي ابوشنب وما دخل  حبوبتي واهلي في السياحة  الداخلية وهم قد حضروا للفراش ؟ قلت الم يجلسوا علي الانترلوك ؟ الم يروا اللمبات بالشارع ؟  الم يسيروا  علي  شارع  الاسفلت ؟  وقلت له علي كل حال طرحت من حسابكم تكلفة  زيارة الكورنيش والاستاد  وركوب لنش مقرسم ومشاهدة قناة البحر الأحمر  ومعرض التسويق والسياحة  تقديرآ لمشاعركم  . ثم سالت صديقي ابوشنب هل لديكم عواجيز اخرين علي الحركروك؟  فقال نعم وبالكوم فقلت له هؤلاء العواجيز يجب الا يبارحوا المدينة حتي يقضوا نحبهم عندنا ومصائب قوم عند قوم فوائد.
ثم اضاف ذي الرمة قائلا( في مرة اخري علمت ان صديقي ابوالكدايس  عريس فذهبت الي مكان العرس وسحبته من عند الحضور  لاتم بحثي وسألته كم من الناس حضر من خارج المدينة لحضور زواجه؟  فقال ابوالكدايس  احضرت فنان شعبي مشهور من الخرطوم ومعه سبعة عشر من الكورس فدهشت وسألت  لماذا سبعة عشر من الكورس ؟ فقال لا ادري ولكن  الفنان الشعبي حلف بالطلاق لايبارح الخرطوم ولا يذهب لبورتسودان الا ومعه كورسه كاملآ لا ينقص فردآ فقبلت  علي مضض وهم امامك كما تري ثم سالته وكم حضر من اهلك من خارج المدينة ؟ فقال حضر خمسة عشر فقلت عيب والله وفضيحة ان يكون  عدد كورس الفنان  اكثر من عدد اهلك فقال انت  لاتعرف شيئآ الفنان وكورسه سوف يبارحون  المدينة بعد اربعة ايام اما اهلي فسوف يمكثون معي شهرين بالبيت احتفالا بزواجي وتقديرا وحبا لي  فقلت له واين سوف تضع العروس  وسط هذه الزحمة ؟ فقال انها سوف تقضي شهر العسل  عند اهلها وانا كذلك عند اهلي  وسوف ارسل له ثلاث رسايل sms  من الموبايل يوميآ واحدة بعد الفطور  واحدة بعد الغداء وواحدة بعد العشاء فقلت له ماهذا ؟ هل هذه وصفة طبية ؟ فسكت ولم يجب . ثم طلبت منه ان يذهب لضيوفه ريثما اضرب حسابات مساهمته في السياحة الداخلية وبعد اربعة ساعات قضيتها في الحساب والتدقيق  ناديته واعطيته رقم المبلغ بالضبط بالجنيه والمليم الذي ساهم به في السياحة الدخلية بمناسبة زواجه  وبمجرد ان راي الرقم خر علي وجهه مغشيآ عليه  فذهبنا به للمستشفي واخذ العلاج اللازم  وشفط انبوبة اوكسجين  كامله حتي افاق.
ثم اضاف ذي الرمه قائلا ( في مرة اخري تعرفت علي مواطن من الخرطوم فسالته ما الذي  احضره لمدينة بورتسودان ؟ فقال ان شخصآ استدان منه مبلغآ  من المال ثم اختفي ففتح ضده بلاغآ بالخرطوم ثم علم ان  غريمه  ببورتسودان  فاخذ امر قبض ضده من السلطات بالخرطوم  وحضر لبورتسودان للبحث  عنه ولمدة  خمسة عشر يومآ لم يترك مكانآ بالمدينة باحثآ عنه .عند ما علمت  بقصة هذا المواطن اخرجت دفتري الاحمر وادواتي الحسابيه وحسبت ماصرفه هذا المواطن  في السياحة الداخلية  بالمدينة  من اكل وشرب وايجار تاكسي سياحي وفندق وتمباك واشياء اخري غير بريئة  من الانقاذات  فاصبح المبلغ المصروف ثلاثة مليون ومايتبن جنيه وخمسا وسبعون مليمآ  فقط  بالقديم وعندما اخبرته بالمبلغ الذي صرفة في السياحة  الداخلية ابتهج واثني علي دقه حساباتي وشكرني كثيرآ  وقبل ان افارقه  سالته كم هو المبلغ الذي استدانه منك ذلك الشخص الذي تبحث عنه فقال 250 جنيه بالقديم عبارة  عن قيمة  بصل فقلت له  ياللهول صرفت مبلغ ثلاث مليون  ومتين جنيه وخمسا وسبعون مليمآ للتتحصل علي 250 جنيه ؟ فقال نعم . فقلت له وانا غضبان انني  سوف اعطيك مبلغ 250 جنيه الذي تطلبه من ذالك الشخص الهربان بشرط واحد وهو الاتحضر لهذه المدينه مرة اخري لان المدينة مليئة بالاغبياء وليست في حاجة لغبي  اخر اضافي    فقبل الشرط وبعد ان استلم المبلغ قال لي( بالمناسبة انا زرت كل انحاء السودان وبعض الدول الخارجية ولكنني لم يقابلني شخص ابلد او اسخف اواغبي منك.لاشك انك مجنون او مخك مركب غلط  هل تسمي البهدلة  التي تعرضت لها  بمدينتكم التي تسمونها  سياحية  سياحة داخلية ؟  هل مخك معكوس؟ سياحة ايه؟ وداخلية ايه ؟ امشي بلا لمة  ثم فارقني وانا في ذهول من جرأته  علي رغم مساعدتي له ولكنني عذرته فهو مجرد شخص غبي جاهل  لايعرف شيئآ عن علم اقتصاديات السياحة الداخلية ..
اراد صديقي ذي الرمة العصفوري  ان يسترسل اكثر في حكاياته العجيبة ولكني اعتذرت له مبررآ اعتذاري بأنني في انتظار سواح بجا قادمين من اربعات بلوري موسي داي موديل 1950  الغير مرخص منذ عام 1975 ..

jbamkar@yahoo.com
////////////

 

آراء