رسالة لإخوتنا في حركات الكفاح المسلح

 


 

 

 

الحركات المسلحة او حركات المقاومة الوطنية تبدو لنا في بعض الأحايين وكأنها لا تفهم الدروس البليغة والرسائل المُشفرة التي يبعثها شعبنا وكان آخرها في الثلاثين من يونيو ٢٠٢٠، وكأنهم للأسف لا يقرأون ولا يتعظون منها .

إنّه لشيءٌ مؤسفٌ حقاً، فلو انهم أحسوا بخطورة هذه المرحلة المفصلية من تأريخ البلاد وتربص اعداء الثورة بالداخل والخارج بالثورة، لهرعوا مشياً على الاقدام من جوبا للخرطوم للانخراط بهمة ثورية مع شعبهم الثائر الذي اسقط النظام الذي حملوا السلاح ضده في ميادين البناء والتعمير للدمار والخراب الذي تسبب فيه أعداء الشعب والوطن. ولكن للاسف عندما تقرأ عن اخبار مفاوضات السلام بمدينة جوبا، تجد أن المفاوضين باسم الحركات يسعون 'للإستوزار بشدة ولهفة عجيبتين' ويرفعون مطالبهم السقفية للسماء، وكل ذلك للإستحواذ على مقاعد كبيرة لهم في المجلس التشريعي وكذا في الولاة. عندئذٍ تحس بالألم وكأنهم لا يعرفون إمكانيات البلاد الشحيحة، او كأنهم لم يسمعوا بشعارات هذه الثورة العظيمة ابداً، والتي مُهرت بدماء الشهداء. لقد هتفت الملايين في كل انحاء البلاد منذ اول يومٍ لإندلاع الثورة بالحرية والسلام والعدالة حتى صارت هذه الشعارات أيقونات خالدة. تحدّث الدكتور عبدالله آدم حمدوك رئيس الوزراء فور وصوله لمطار الخرطوم بان السلام هو اولوية في برنامج حكومته يعلو على كل شيء وأنه يسعى لتوقيع اتفاقية سلام وكان متفائلاً عندما حدد فترة ست اشهر ولكن خابَ ظنه كما نرى الان. وقد اوفى الرجل بعهده وشكّلت الحكومة وفوداً من المدنيين والعسكريين للتفاوض مع هذه الحركات بُغية الوصول لسلامٍ مستدام والعبور ببلادنا لمرحلة بناء ما دمّره النظام البائد.

وبما انه قد طالَ أمد المفاوضات مع وجود تعتيمٍ عليها، نتساءل ونسأل قادة هذه الحركات والمفوضين من الحكومة الإنتقالية: متى ستضحون من اجل هذا الشعب المُثخن بالجراح الخارج لتوه من ظلم وجور حكمٍ ظالم دمّر كل شيء وحطّم الدولة وقتل مئات الالاف في دارفور وفي كل ركن بعدها في الوطن، بربكم متى ستؤثرون الوطن على النفس وتدخلون التأريخ من اوسع ابوابه وفصوله؟

ما من سوداني تلتقي به في الداخل والخارج الا ويبادر بطرح سؤالٍ جوهري موجّه لكم: لماذا تتفاوضون أصلاً في جوبا البعيدة، ولماذا لا تأتون للخرطوم القريبة او مدني او الفاشر او بورتسودان، او اية بقعة تختارونها انتم بمحض ارادتكم؟ والجوابُ من عندي حين ادعوكم "ان تعالوا ايها الثوَّار بقلبٍ سليمٍ وهمة وطنية خالصة لوجه الوطن" لحضن هذا الشعب الكريم، ان كنتم تودون لقاءه او إن كنتم جادين في تحقيق تطلعاته المشروعة في السلام العادل المُستحق ، تعالوا للخرطوم وسترون عجباً عجيباً من حُسن الإستقبال والحفاوة التي ستكون منقطعة النظير.

لقد توقف وتعطّل بسبب هذه المفاوضات المُملة الطويلة تشكيل المجلس التشريعي، الذي نصت عليه الوثيقة الدستورية، وكذا الحال في تعيين الولاة من المدنيين، إذ لم يتم اختيارهم حتى الآن، وتعيش اقاليم البلاد تحت 'حكم عسكري'، خرجنا جميعاً لإقتلاعه عنوةً وإقتداراً وقد انتصرت الإرادة الشعبية. وكل ذلك لانكم تتصارعون حتى الآن حول الكراسي بصورة لا تليق بتأريخكم ونضالاتكم، ولا تليق ايضاً بثورة شعبنا التي صارت تأريخاً ومستقبلاً يُدرس. أستقي كل ما اقوله من التصريحات التي يطلقها المفاوضون، او نقرأ عن تلكم الاخبار المزعجة عن انسحاب وفدٍ هنا وهناك في الصحف السيارة واجهزة الإعلام. إن إختزال عملية السلام في كمية عدد المقاعد في المجلس التشريعي، التي سينالها كل فصيل حمل السلاح، وعدد الولاة الذين سيتم اختيارهم من هذه الفصائل لهو شيء مؤسفٌ حقاً ويخصم من رصيدكم كثيراً جدا في أعين شعبكم. هبْ ان هذه الحكومة قد اوقفت المفاوضات ضربة لازب، هل ستقوم تلك الحركات التي تتفاوض حول السلطة والثروة الآن بقتال شعبها الأعزل اما ماذا ستفعلون، مالكم كيف تحكمون؟

يا إخوة الكفاح والنضال والوطن:

لقد سقط النظام الذي حملتم السلاح ضده بقوة إرادة الشعب السوداني الباسلة في ملحمة من ملاحم التأريخ النادرة لثورةٍ سلمية، واستُشهد المئات من ابناء شعبكم برصاص قوى امن النظام، وكان هذا الحدث المجلجل قِبل عام مضى. وكان شعبنا وطلائعه الثورية يتوقون ويتوقعون وصولكم لإتفاقية سلام دونما إبطاء. كان الكل ينتظر ساعة النصر بإكتمال السلام بفارغ الصبر واستعدت الملايين في الخرطوم لاستقبال قادتكم استقبال الفاتحين، ولكن خاب فألهم حقاً. كانوا وما زالوا يتوقون لملاقاتكم عند وصولكم لأرض الوطن لتوقيع الاتفاق في حدائق القصر الجمهوري. وتذكرون جيداً كيف ان هذا الشعب العظيم قد خرج بالملايين لاستقبال الزعيم الخالد الراحل جون قرنق دي مبيور، حتى كادت الجماهير ان تقتلع الطائرة من مدرجها، فرحاً وغِبطةً وسرورا، وبكى الراحل حين رأى تلك الحشود المليونية بكاء الفرح وآمن بحب شعبه الأُسطوري له حتى يوم رحيله المؤسف.

إخوتي الثوَّار الأحرار:

اذا كنتم حقاً تحبون هذا الوطن العظيم وشعبه الكريم فتعالوا خفافاً وثقالاً وسِراعاً لنبنيه معاً ، ولتصمت البنادق للابد. ألا يستحق شعبنا العيش في سلام دائم كبقية شعوب الأرض؟ ألا تقرأون وتشعرون ببسالة شعبنا التي يتحدث عنها العالم بإعجابٍ كبير وقد سمعتم أو ورأيتم بأُم أعينكم كيف تسابق العالم في برلين للتغني بأمجاد ثورتنا، كما انهم حثوا من خلال خطابات الوفود حركات الكفاح المسلح والحكومة السودانية بسرعة انجاز اتفاقية السلام حتى ينعم شعبنا بالسلام والحرية والعدالة.

لذلك فليكن معلوماً لديكم وللحكومة الانتقالية ايضاً بأن الشعب لن يرضى أبداً بإطالة امد المفاوضات اكثر مما جرى ويجري الان من خروج وانسحابٍ وخروج واجتماع في كل يوم بدعوى عدم استجابة الحكومة للمطالب التي اراها قد توقفت عند عدد المقاعد في البرلمان ومحاصصات تعيين الولاة المدنيين، وها هي الفترة الانتقالية تتسرب من بين أيادينا جميعا، وقد تبقت منها فترةٌ ليست بالطويلة. وما زلتم ايها الاخوة تعقدون الجلسات تلو الاخرى، وكأنكم تفاوضون عدواً من خارج الحدود وليس شريكاً أتت به هذه الثورة الكبيرة.

إنني كسوداني اوجه لكم رسالتي هذه وفي نهايتها ألتمسُ بكل إحترام ومحبة ان تضعوا مصلحة وطننا وشعبنا اولاً وثانياً وأخيراً وتعالوا له ليستقبلكم بمليونية عظيمة، تفوق تلك التي خرجت منذ اندلاع هذه الثورة، والا فان الوقت ليس في صالح الجميع.

لم يعُد في عمر هذا الكاتب كثير سنين، ويودُ الواحد ان برحل عن هذه الفانية وهو مطمئن القلب ونفسه راضية بان القتال لأبناء الوطن قد توقف وقد وضعت الحربُ أوزارها، ليعيش من سيأتي بعدنا وبعدكم من أبنائنا وبناتنا وأحفادنا في سلامٍ مستدامٍ أبدي، نطوي به صفحة الحروب العبثية التي أحرقت حرسنا ونسلنا، ونترك مهمة بناء هذه البلاد لهؤلاء الكنداكات والثوّار الذين يبدون اكثر مِنّا ومِنكم هِمّةً ووطنية، والا سنموتُ بحسراتٍ تلازمنا حتى القبر بوحشَتِه الباهظة.

اللهم إني قد دعوتُ للسلام وبلّغت اخوتي فأشهد لنا ??????

zomrawi@msn.com

 

آراء