رسالتان حول “سواكن” لمحرر مجلة “السودان في مدونات ومذكرات” .. ترجمة: بدر الدين حامد الهاشمي

 


 

 

 

Two Letters to the Editor of SNR about Sukain from: H.R. Hulbert and E. M. Roper

هـ. آر. هيلبرت واي. ام. روبر
ترجمة: بدر الدين حامد الهاشمي
مقدمة: هذه ترجمة لرسالتين صغيرتين لمجلة "السودان في مدونات ومذكرات SNR" من بريطانيين، نشرتا في العددين 21 و22 (على التوالي) من تلك المجلة عامي 1938 و1939م، عن مدينة سواكن وأصل تسميتها.
والجدير بالذكر أن مجلة "السودان في مدونات ومذكرات" كانت قد نشرت عبر السنوات الكثير عن تاريخ وعمارة سواكن. وربما تَكَوَّنَ هذه المقالات والتعليقات إن جمعت، كتابا تاريخيا مهما عن تلك المدينة العتيقة. ومن أهم ما كتب عن سواكن هو مقال بعنوان "قصة سواكن" بقلم جي. أف. أي. بلوس J. F. E. Bloss نشر في العدد العشرين من تلك المجلة صدر عام 1937م. وقد سبقت لنا ترجمته للعربية في ثلاثة أجزاء في عام 2015م.
المترجم
***** ***** ******
تعليق هـ. آر. هيلبرت:
لقد عشت فترة من عمري في سواكن، وأعلم بعض الشيء عن بيوتها. ووجدت مقال "قصة سواكن" المنشور في العدد العشرين من مجلة "السودان في مذكرات ومدونات " عام 1937م، مقالا مفيدا ومثيرا. وكتبت للسيد آر. بوب الذي كان يعمل في البنك الأهلي المصري طالبا المساعدة في نقل أسئلتي عن سواكن للسيد كمال بيه إبراهيم جبريل، الذي عمل مأمورا لسواكن قبل نحو عشرين عاما. وبفضل ما تلقيته من معلومات منهما، أود أن أورد التالي في هذه الرسالة:
ذكر كمال بيه أن الخزعبلة التي تزعم أن اسم سواكن أتى من "سبعة جن seven Ginns" بدأت في الذيوع في عهد السلطان التركي سليم الأول (حوالي عام 1509م). غير أنه يعتقد بأنه من غير المحتمل أن يكون ذلك هو أصل التسمية، لأن اسم "سواكن" كان معروفا قبل ذلك بكثير جدا. وهو يقول أيضا بأن الاسم الشائع في تلك الخزعبلة لم يكن "سواة جن" أو "سواه جن" بل "سافا جن Sava Ginn" أي "سبعة جن"، وكلمة Savat في اللغة الأمهرية تعنى سبعة (رغم أن سبعة في الأمهرية هي säbatt المترجم). وأضاف أن الهدندوة والبجا يطلقون على هذه المدينة اسم "سواكم Suakim"، ويفسر ذلك بالقول بأن المقطع "كم KIM" في اللغة المصرية (القبطية؟) القديمة يعني "أسود"، بينما يعني المقطع SA "المكان"، وهذا يجعل "سواكم" تعني "أرض السود" (ورد في مقال للأستاذ عصمت بانقا أن المؤرخ المصري الشاطر بوصيلي ذكر أن "سواكن وردت في التوراة، وهي كلمة هندية تعني المدينة البيضاء أو مدينة الأمان، فهي بر السلامة لأنها أول مدينة تصل إليها السفن في ذلك التاريخ عند قدومها من الشرق الأوسط ... وهناك من يقول إن أصل الاسم مصري وهو شواخن باعتبارها قرب الحبشة.. ونلحظ أن هذا الاسم له رابط باسم الجِنية " تهاشوا "بحروف (شوا) وهي تكوِن اسم " سلطنة شوا " أقدم مملكة إسلامية على القرن الإفريقي".... المترجم(.
ووصف البعض آخر المباني التي أنشئت بسواكن في بداية عهد المهدية، وهو لعبد الكريم بيه الشناوي، بـ "بيت الجداد"، وقد كان مقرا لإقامة الضباط البريطانيين بالمدنية، وأَثْوَى فيه اللورد كتشنر عندما زار سواكن. وأقام الأقباط في طابقه الأول صلواتهم في غضون سنوات الحرب العالمية الأولى.
وتطابق ما ذكره كمال بيه مع تاريخ "الكنيسة القديمة" الذي ورد في صفحة 279 مقال "قصة سواكن". وكان في موقع تلك الكنيسة قديما بعض الأكواخ "العشش" وجامع متهدم. وقامت البعثة التبشيرية النمساوية بالخرطوم بشراء ذلك الموقع من والد حسن أفندي المزين، وأزالت ما كان مقاما عليه من مبان، وشيدت الكنيسة المذكورة. ولم تستخدم تلك الكنيسة في أثناء سنوات الحرب العالمية (الثانية)، ولا لإقامة الصلوات، وقيل إنها غدت الآن جراجا للسيارات. وكانت تجاور تلك الكنيسة دار بيعت عدة مرات لعدد من المالكين حتى اشتراها أخيرا البريطاني برويستر بيه مدير جمارك سواكن (التابعة للحكومة المصرية). وقام برويستر بيه بتوسيع الطابق الأول في المبنى، وباعه للبعثة التبشيرية النمساوية لتستخدمه سكنا للعاملين بها، وكمدرسة أيضا. وقد عاش السيد بوب وكاتب هذه السطور في تلك الدار لسنوات. وأذكر أنه كانت هنالك في تلك الدار غرفة كبيرة بصورة غير مألوفة، مرسوم على جدرانها بالألوان شِعَارات النّبَالَة الكنسية، وحيوانات برية مثل الأفيال وأفراس النهر، ومناظر معركة حامية الوطيس بين "الأهالي" والجنود المرتدين للطرابيش. ولا بد أن تلك الرسومات كانت بريشة أحد القساوسة الذين سكنوا في ذلك البيت، من الذين كانت لهم تجارب حقيقية مع موضوعات تلك الرسومات، إذ أنها كانت بالغة الواقعية والصدق. غير أني علمت مؤخرا أن تلك الرسومات البديعة قد اختفت الآن.
كانت معظم المصنوعات الخشبية في سواكن، خاصة حول النوافذ الزجاجية، من خشب التيك. ولم تستخدم في وضع تلك النوافذ إلا عددا قليلا من المسامير الحديدية. واستخدم الخشب في بناء السقوف والأرضيات في المباني، وفي بعض الحالات كانت تستخدم خرسانة من المرجان المستخرج من البحر الأحمر على الأرضيات. أما المرافق الصحية في مباني سواكن فقد كانت بدائية جدا، ولا تتعدى في البيوت الكبيرة فتحات في كل الغرف بكل الطوابق تؤدي إلى الطابق الأرضي عبر قنوات مائلة. وكان ذلك يفضي للشعور بالضيق والكراهة طوال الوقت، كما يمكن أن يتصور.
**** **** ***
تعليق اي. ام. روبر:
أثيرت في العدد الحادي والعشرين من "مجلة السودان في مذكرات ومدونات"، الصادرة عام 1938م مسألة أصل اسم "سواكن". ولا شك أن علم الإيتيمولوجيا (التأصيل / الاشتقاق / علم أصول الكلمات / التأثيل) علم مثير. وعندما نأخذ على سبيل المثال الكلمة الفرنسية fils ، والكلمة الاسبانية hijo نجدها تختلف في النطق والكتابة والشكل، ولكنهما شقيقتان أتيا من نفس الأبوين. وهذا ما يجعلنا نتريث قليلا ونتدبر معاني الكلمات وأصولها قبل تعجل استطلاع تاريخ الكلمات والسخرية منها، مهما كان تخريج أصلها غريبا أو خارجا عن المألوف. وبالمثل، فإنه يجب القبول بأصل أي كلمة يثبت لدينا أي تخريج معقول لها مبني على الثوابت أو الاختلافات التنغيمية / التنويعات الترخيمية (euphonic variations)، ورفض ما عدا ذلك من خُزَعْبِلَات، والشك في كل تفسير مضلل أو مزيف لها.
وعندي أن القول بأن "سواكن" سميت بهذا الاسم نسبة إلى "سبعة جن seven Ginns" يوازي الزعم بأن محطة "كوموسانا" (المحطة الرابعة في الخط الحديدي الرابط بين بورتسودان والخرطوم) سميت بهذا الاسم نسبة لـ "كامبو سانتو Campo Santo"، وذلك لأن بعض الإيطاليين كانوا قد ماتوا ودفنوا هنالك عند إنشاء ذلك الخط الحديدي. غير أنه يجب تذكر وجود مضيق بين جبلين col في ذلك المكان يمر عبره خط السكة حديد، ويسمى ذلك المضيق بلغة البداويت "سنا sanha". وفي ذات اللغة يطلق اسم "كاموKamu “على نوع من الأشجار في المنطقة (تسمى علميا Moerua crassifolia). وتنطق كلمة كامو Kamu في لسان الهدندوة كاموي kamui، بينما تنطق نفس الكلمة كاموب kamubفي لسان الأمرار).
ولنعد لسواكن: تعرف الكلمة العربية "سوق" بأنها المكان الذي "تساق" إليه البهائم لتعرض للبيع (هي وما تحمله من بضائع). أي أن الكلمة تقابل كلمة market في اللغة الإنجليزية. وتبنى الناطقون بالبداويت كلمة "سوق"، وتبنوا كلمات عربية كلاسيكية أخرى كثيرة. وهنالك الكثير من الدلائل على أن ذلك تم في الأيام الأولى للإسلام. وهنالك كلمة "يم"، والتي يرمزون بها للماء، ولا توجد كلمة لهم غيرها في لغتهم.
وتسمى سواكن في لغة البداويت أوسوك (U Suk) أي السوق. وهذا في حَالَة الرَّفع. أما في الـ constructive case وحالة الظرف المكاني locative case فهي ايسكيب isukib . ويجب تذكر أنك عندما تسأل أحد الناطقين بالبداويت سؤالا مثل: ما اسم هذا المكان؟ فسيجيبك في الـ constructive case بإضافة ت (a) للمؤنث، وب (b) للمذكر. ولعل هذا هو سبب خطأ الأجانب عندما يكتبون أسماء الأماكن والقبائل وغيرها ويضيفون إلى نهايتها حرف الباء.
(تطرق الكاتب بعد ذلك إلى ثلاث خصائص تميز لغة البداويت وقواعدها، منها على سبيل المثال أن البداويت- مثلها مثل اللغة الإنجليزية – كثيرة الإدغام. المترجم).
وتسمع في البداويت كلمة ايسوكم iSo-okim وكأنها ايسكيب. وإن بدا أن هذه السرد عن كلمة واحدة طويلا جدا، فيجب تذكر أن هنالك مئات الأمثلة المشابهة لكلمات تبدو مختلفة في نطقها وكتابتها، وأصلها واحد. وهنا أعيد ذكر تاريخ الكلمة الاسبانية hijo والتي أتت من filius.
وأخيرا أترك للقراء تحديد إن كانت كلمة سواكن هي كلمة في لغة البداويت، أو كلمة عربية أصلها " سبعة جن"، وأن الناطقين بالبداويت قد تبنوا الكلمة، في مصادفة شديدة الغرابة، لأنها تشبه الكلمة التي يستخدموها لوصف مكان البيع والشراء (السوق).
alibadreldin@hotmail.com
//////////////////

 

آراء