روسيا على البحر الأحمر

 


 

 

تناقلت وسائل الاعلام مؤخراً تصريحات متضاربة بشأن تجميد العمل بالمنشأة البحرية الروسية على البحر الأحمر في إطار الاتفاق بين روسيا والسودان على إقامة قاعدة بحرية (قاعدة فلامنجو) على أساس من التبادل والتعاون العسكري مدته خمسة وعشرون عاماً بين البلدين؛ ويتهم الطرف السوداني كما جاء في التصريحات الطرف الروسي بعدم الوفاء بالتزامات الاتفاق. وبينما يؤكد الجانب الروسي على عدم انسحاب السودان من الاتفاق. وهو اتفاق مما يجدر ذكره قد تم في عهد النظام السابق وهو نظام كانت له مع روسيا في قمة هوسه الأيديولوجي في مطلع التسعينيات مفارقة في طور علاقاته معها فمن التهديد والوعيد لروسيا التي دنى عذابها الى تذلل رئيسه المخلوع في زيارته الأخيرة لها في نهاية عهده مستجدياً حماية صاحب الكرملين. ولكن يعود التساؤل مجدداً عن أهمية وجود قاعدة روسية تطل على البحر الأحمر وهو حوض بالغ الحساسية الاستراتيجية في المنطقة خاصة في الوقت الراهن وما تشهده سواحله من صراعات ممتدة من أقصى جنوبه في جزيرة العرب إلى شماله حيث المواجهة الدائمة بين إسرائيل وما يجاورها من بلدان مطبعة وممانعة وصولاً الى البحر المتوسط. وإذ يشكل البحر الأحمر في الشرق الأوسط والقرن الأفريقي من بين بحار المياه الدافئة التي يتوق لها الدب الروسي وظل الوصول اليها حلماً وهدفاً روسياً صميماً من أيام قياصرتها مروراً بالإمبراطورية السوفيتية وصولاً إلى روسيا في نسختها القيصرية الجديدة (البوتينية) جمهورية روسيا الاتحادية.
والتمدد الروسي بالتواجد الجيوبولتيكي والبحري على مياه يشكل جزء من المستقبل الذي تسعي روسيا في رسم سياساتها الجيواستراتيجية. والمعلوم أن لهذا البلد القاري مصالح إن لم تكن مطامع روسية تدعمها نظريات وتفسيراتها المزعومة في تصورها لوزنها الدولي ووضعها في موازين القوة والجغرافيا الدولية، وذلك بتطبيق مفاهيم القوة الاوراسية مشحونة بنزعة قومية متشددة يُنظِّر لها الاستراتيجيون الروس أمثال المنظر الاستراتيجي الفيلسوف الروسي ألكسندر دوغين وتصوراته لروسيا كقوة برية في مواجهة قوة الأطلسية البحرية الأميركية وتكوِّن أرضها الواسعة بحدود برية مع أربعة عشر دولة محورا جغرافيا للتاريخ Heartland وترتبط بعقيدة عسكرية انطلاقا من افق تاريخي وجغرافي كما يقول. ومثال هذه التصورات التوسعية قامت بترجمتها عملياً في ضمها لشبه جزيرة القرم 2014 في انتهاك صارخ للقانون الدولي.
وقد قرب الصراع في سوريا خلال العقد الأخير روسيا بتدخلها الغليظ من المنطقة وشواطئها واصحبت بالتالي لاعباً رئيسياً في المجال الحيوي للمنطقة بما يخدم تواجدها الاستراتيجي وفق تصوراتها وهي الدولة التي ورثت قوة الاتحاد السوفيتي العسكرية والنووية إلا أنها لا زالت تحتفظ بعقيدتها التوسعية ولعب دور مفقود في مواجهة حلف الناتو الغربي والإبقاء على علاقاتها التاريخية مع دول الكتلة الشرقية في أوربا ودول ما تبقى من منظومة الجمهوريات الاشتراكية في العالم العربي. ومما يعقد من الموقف السوداني في التعامل مع الاتفاق الروسي وغيره من اتفاقيات سابقة الوضع الداخلي وكيفية التعامل مع ملفات تدخل السودان في قضايا تفوق قدراته الحالية، وقد تجعل منه في وجود الصراع والتنافس الدولي على البؤر الاستراتيجية في القارة منطقة رخوة وحلقة أضعف في توازنات القوة الإقليمية والدولية مما يرشحه في وجود قوة دولية اخري بالقارة ميداناً للتسابق الاستراتيجي للهيمنة على ثروات يحتد التنافس الدولي حولها وذلك لسهولة تخطي حدوده المفتوحة.
فإذا كانت المصالح التي سيجنيها السودان من تفاصيل هذا الاتفاق عير المتكمل والمصادق عليه مع الجانب الروسي لا تتعدي الجوانب الدعم العسكري والفني كما صرح الجانبان، فإن وجود قاعدة في هذه المنطقة الساحلية يمثل برأي المراقبين لروسيا منفذاً تنفذ من خلاله إلى القارة الافريقية والتواجد في منطقة القرن الأفريقي وهو ما لم يتحقق لها منذ أيام معسكرها الشرقي. وبالمقارنة مع أوضاع السودان الأمنية ومشاركته في صراعات المنطقة من مشاركات رسمية حرب اليمن إلى حركات مسلحة مرتزقة في ليبيا وتوتر على حدوده الشرقية مع الجارة اثيوبيا فقد يزيد قيام القاعدة الروسية على مياهه الإقليمية من تعقيدات وضعه الإقليمي مع جيرانه في ظل أزمات متصاعدة لا تؤهله صراعاته الداخلية وازماته الاقتصادية الطاحنة مع التعامل وفق مصالح أمنية واستراتيجية تتطلب قرارات وسياسات من حكومة بمسئوليات تشريعية كاملة أمام شعبها تفوضها من اجراء تحالفات متوازنة دون أن تنزلق إلى ارتباطات دولية غير مسحوبة النتائج.
نشر بجريدة _ الديمقراطي# الأثنين 7/6/2021م

anassira@msn.com

 

آراء