زفة الفيل في شوارع الخرطوم … بقلم: سارة عيسي
17 July, 2010
قصة قرأتها في كتاب " بدائع الزهور لوقائع الدهور " ، أنه في سفينة نوح عندما كثر روث الحيوانات ، خرج الفأر من ذنب الفيل ، وعندما تخلص الفأر من الروث أنقلب لقرض أخشاب السفينة ، فأنطلق من ذنب الأسد السنور ، من هنا بدأت الحرب بين القط والفأر ، ولو شئنا لقلنا أنها حرب بالوكالة بين الفيل والأسد ، دخل الفيل التاريخ من أوسع أبوابه عندما رفض الإنصياع لأمر هدم الكعبة ، ثم في موقعة القادسية خرج إلينا الفيل الشرير وهو يدهس أجساد المسلمين ، عاد الفيل ليشغل الناس ويصبح محور حديثهم من جديد ، عريس في عهد البترول يختار لقرينته زفة هندية مكونة من فيلين ضخمين يتهاديان في شارع النيل ، أنه الزواج الحدث في بلد مقبل نحو التمزق والتشرذم بسبب سوء الرأي والفساد والمحسوبية ، وربما أكتب بعد عدة أعوام من غير أن أشير لوطني السودان ، مثل رجل الفضاء الروسي الذي عاد من رحلته ليجد أن أمامه أكثر من ثلاثين بلداً عليه أن يختار منها ، لا أعرف كيف دخل هذين الفيلين السودان ؟؟ وكيف نجت الحمولة الثمينة من سطو القراصنة الصوماليين ، والأهم من كل ذلك ما هو شعور العروس عندما كانت تمتطي ذلك الفيل المروض ، وكان على العريس أن يمد يده السخية للموسيقار النور الجيلاني الذي غنى للفيل وخواطره ، ولجمعية الرفق بالحيوان ، وللبروفيسور عبد الله الريح ، أتركوا المشير وحده يواجه خطر الجنائية الدولية وتوحدوا من أجل إنقاذ هذين الفيلين قبل أن تنتهي تأشيرة الزيارة .. أتعلمون لماذا ؟؟
أول قرار أتخذته حكومة الإنقاذ ، وفي عهد طيب الذكر " رامبو " تم تصفية حديقة الحيوانات بالخرطوم ، الصالح العام لم يقتصر على بني البشر ، فالصالح العام طال حتى الحيوانات ، الزرافة ، فرس النهر ، التمساح ، هذه المجموعة لم تكن منضوية تحت لواء العدل والمساواة أو حركة تحرير السودان ، الغزلان أنتحرت على أسياخ المشاوي ، بل شووا حتى صقر الجديان التليد ، أما القرود فقد تم تسريحها عن طريق فتح الباب ، عندما جاء الذين خططوا لإغتيال الرئيس حسني مبارك للدكتور الترابي وهم ينشدون منه النصح والمشورة ، فقد طلب منهم عدم تصفية المشاركين وفتح الباب لهم للهروب إلى أفغانستان ، وكذلك أنتهجوا نفس السياسة مع القرود ، فتحوا لها الأبواب ، هربت القرود ثم تناسلت بعد ذلك وكونت لنفسها مستعمرة كبيرة تضم وزارة المالية ، جامعة الخرطوم ، وزارة التعليم العالي ، بل حتى جنبات القصر الجمهوري .
أتعس الحيوانات حظاً كان الفيل ، فلحمه لا يُؤكل ، كما أنه كان في حاجة للطعام والرعاية بعد سنوات من الخدمة المستمرة ، تم نقله مؤقتاً لحديقة القرشي في وسط الخرطوم ، كانت الحديقة صغيرة وبلا زوار في بلد كثرت فيه يافتات الشهداء ، فهي كانت أشبه بالمنفى الإختياري ، مات الفيل نفسياً قبل أن يتم نقله لمنطقة الحزام الأخضر ليكون في عهدة راعي أغنام ، وتضجرت معتمدية الخرطوم من نتانة جثته بعد أن مات فتركتها للكلاب كوجبة مجانية ، هذه التراجيديا الحزينة أنتهت بحفل تأبين أقامته جمعية قسم الحيوان بكلية العلوم بجامعة الخرطوم ، فمن حضر هذا التأبين أعتقد أنه لشهيد مات في الجنوب وهو يحاول تحرير القدس من أبعد الأمكنة ، في ذلك الوقت كانت ثقافة إسحاق أحمد فضل الله هي السائدة ، هذا جعلني أتسآل لماذا لا تكون لهذا الفيل حقوق خدمه وتأمين طبي وبدل كوارث مثل بني البشر ؟؟ ، هذه الحيوانات كانت تمتع عيون أطفالنا ونستأنس معها كلما دعت الحاجة ، لكن كان سهلاً على البعض التخلص من كل الأشياء الجميلة ، أقول لهذا العريس البترولي هي شهور ثم يذهب الغنى والفردوس الموعود بلا رجعة ، سوف يعود الناس لرشدهم ، وأتمنى أن لا تطال هذين الفيلين الضيفين الأزمة القادمة ، وأتمنى أن تحفظ العروس شيئاً من مصاغها لإطعامهما في المستقبل .
sara issa [sara_issa_1@yahoo.com]