سجلات التقدم: نساء شمال السودان في عهد الإمبراطورية (الإمبريالية) البريطانية: ترجمة وتلخيص: بدر الدين الهاشمي

 


 

 




سجلات التقدم: نساء شمال السودان في  عهد الإمبراطورية (الإمبريالية) البريطانية

Chronicles of Progress: Northern Sudanese Women in the Era of British Imperialism

هيزر شاركيHeather J. Sharkey

ترجمة وتلخيص: بدر الدين حامد الهاشمي

مقدمة:هذا تلخيص موجز لبعض ما جاء في مقال  للدكتورة الأميريكية هيزر شاركي الأستاذة المتخصصة في تاريخ ولغات وحضارات الشرق الأوسط والأدنى في جامعة بنسلفانيا نشر في العدد رقم 31 من "مجلة تاريخ  الإمبراطورية والكومنويلث The journal ofImperial and Commonwealth History" في عام 2003م. وللكاتبة عدة كتب ومقالات عن السودان ومصر منها كتاب "العيش مع الاستعمار: الوطنية والثقافة في السودان الإنجليزي المصري"، وكتاب "الإنجيليون الأمريكيون في مصر" و"الهوية والمجتمع في الشرق الأوسط المعاصر" و"تاريخ الصحافة العربية في السودان". كنت قد عرضت لعدد من كتابات الدكتورة شاركي في مقالات سابقة.
******         *****
تسابق المؤرخون منذ سنوات التحرر من الاستعمار في منتصف القرن العشرين لدراسة آثار الاستعمار الأوربي على المجتمعات الآسيوية والإفريقية. ويتفق كثير من المؤرخين على  أن الإستعمار قد أحدث الكثير من التغيرات الإجتماعية والثقافية و الاقتصادية والسياسة بعيدة الأثر في المجتمعات المحلية، غير أنهم يختلفون حول تقويم نتائج تلك التغيرات. فهنالك جدل ونقاش لا يكاد يتوقف حول أسئلة مثل: هل أدى الاستعمار لتنمية أكبر وأوسع أم أنه أدى إلى إعاقة التنمية؟ وهل حقق الرفاهية أم سبب البؤس؟ وبرزت أسئلة مشابهة في الدراسات التي ركزت على النساء من نوع: هل خرجت النساء من فترة الاستعمار وهن أكثر أم أقل قدرة للحصول على فرص للقيادة والتعليم والمهن والدخول المناسبة. وهل صرن أكثر أم أقل حرية  وتحررا من قيود التقاليد الإجتماعية؟
فبينما ذكر بعض المؤرخين أنأجزاءاً  كبيرة من شرق وجنوب أفريقيا حرمت سياسيات حكومات الإستعمار النساء، خاصة في المدن، من فرص العمل في الوظائف التي تجلب دخلا منتظما، يجمع كثير من الكتاب على إختلاف خلفياتهم وايديلوجياتهم على أن عهد الاستعمار البريطاني في السودان كان قد شهد تقدما ملحوظا في مجال المرأة، خاصة في المناطق الحضرية.
ويستعرض هذا المقال بعض جوانب التطور (المتصور) لنساء شمال السودان المسلمات في النصف الأول من القرن العشرين من خلال النقاشات والحوارات التي كانت تدور في أوساط المسئوليين البريطانيين والمبشرين (من الرجال والنساء)، وفي أوساط رجال الحركة الوطنية الأوائل، وفي أوساط النساء السودانيات المثقفات والناشطات. والملاحظ  أن هذه المجموعات الثلاث تتفق جميعها على أن المرأة السودانية في بدايات القرن التاسع عشر كانت "متخلفة"، وقدمت لها عددا من الوصفات كي تتحرر من حالة التخلف وأن تتطور. غير أن ذات المجموعات تختلف فيما بينها  أشد الاختلاف في  ماهية المقصود بتطور المرأة ، وعن من يجب عليه أخذ زمام المبادرة في بدء عملية التطوير هذه.
وعقب خروج الاستعمار البريطاني من السودان في عام 1956م طفق المسئولون والإداريون البريطانيون الذين وضعوا سياسات الدولة في الحديث والكتابة عن الآثار الايجابية التي خلفها حكمهم في السودان، وعن التطوير الذي أحدثوه  بذلك البلد في شئون المرأة، خاصة في جوانب الصحة والتعليم، كأحد جوانب مآثر وخير الاستعمار المهمة. ولكن يجب تذكر أن كل برامج التطوير التي قامت بها الحكومة الاستعمارية لصالح النساء والفتيات الصغيرات كانت قد أتت متأخرة نوعا ما، إذ لم تبدأ تلك البرامج والخدمات الاجتماعية إلا بين سنوات الحربين العالميتين، وكانت تحت تأثر ضغوط الحركات النسائية في بريطانيا، والتي غدت ذات تأثير متزايد في شئون الحياة العامة. وبعبارة أخرى، فإن "تنمية" و"تطوير" نساء السودان لم تكن من هموم الإدارة البريطانية إلا في مرحلة متأخرة في عهدها، حين فرغت من إرساء قواعد سلطتها في البلاد. ففي غضون سنوات العقدين الأولين في ذلك العهد انصب اهتمام الحكومة البريطانية - المصرية على تثبيت وجودها العسكري وإقامة بيروقراطية وبنية تحتية محلية. ولم يقيم ويطور ذلك الحكم أي خدمات اجتماعية إلا خدمة لمصالحه الذاتية. ففي مجال التعليم أنشأت الحكومة المدارس لتدريب طلاب يمكن تعيينهم ككتبة في السلك الإداري، وأقامت المستشفيات خدمة للعاملين في جيشها. ولم تلق الحكومة في السنوات التي سبقت الحرب العالمية الأولى بالا للمرأة إلا عندما يتعلق الأمر بالحصول على أيدي عاملة رخيصة ولضمان الصحة والسلامة الشخصية لمنسوبيها.
ولعل سبب عدم اهتمام الحكم الاستعماري في سنواته الباكرة بأمر النساء هو فقدان التواصل الاجتماعي وسيادة ثقافة الفصل بين الجنسين حينذاك، ولم يكن الرجل لبريطاني ليقابل امرأة سودانية إلا حين يغشى "الأنادي" أو حين يقوم بتصوير بعض النساء السودانيات (ربما على سبيل الدراسة أو الذكرى أو التوثيق مثل ما قام به بعض الأطباء من تصوير لنساء بغرض تسجيل العادات السودانية من  ملابس وشلوخ و"دق شلوفة"). بل إن بعضهم كان يقوم بالتقاط صور ذات إيحاءات جنسية لنساء وفتيات صغار وهن عاريات الصدر، وكانت تلك الصور تجمع في شكل "البوم" وتباع كبطاقات بريدية postcards(فعل الفرنسيون ذات الشيء، فقد كانوا يلتقطونصورا لنساء محجبات، وأخرى لنساء عاريات الصدر، وذلك  كنكات أو ملح بصريةvisual jokesمن النوع الذي يروق للزبائن الفرنسيين.
وقامت الحكومة الاستعمارية أيضا ومنذ عام 1899م  بتنظيم أمور العمل، خاصة بعد إلغاء تجارة الرقيق (وليس بالضرورة الرق نفسه). فقد كان الاستعمار يخشى من أن يهجر المسترقون السابقون مزارعهم ويهاجرون للمدن، مما يخلق نقصا في العمالة الزراعية يسبب بدوره تذمرا في أوساط ملاك تلك المزارع قد يدفعهم للتمرد على الحكومة. وكان الاستعمار يخشى أيضا من أن تتجه المسترقات السابقات للعمل في مجال البغاء وصنع وبيع الخمور (البلدية)، فسن عددا من القوانين لمحاربة ما أسموه "التشرد" ولتنظيم (وليس منع) بغاء النساء. وكان خوف الحكومة من البغاء (والخمور البلدية) يرتكز أساسا على الخشية من تفشي وكلفة الأمراض المنقولة جنسيا مثل الزهري (السفلس) في أوساط الجنود والمواطنين. فقد جاء في تقرير حكومي أرسله أحد الأطباء في عام 1907م أن ذلك المرض كان شائعا في المدن السودانية، وضرب مثلا بمدينة دنقلا والتي زعم أن نحو 90% من رجالها كانوا مصابين بذلك المرض. ولذا قامت الحكومة بسن تشريعات تقضي بضرورة الفحص الطبي الدوري على العاهرات كشرط من شروط تجديد رخص عملهن.
ويتضح مما سبق أن اهتمام الحكومة بصحة أولئك النسوة لم يكن من أجلهن، بل من أجل  الحفاظ على النظام نفسه. وكذلك كانت الحكومة تعد أولئك النسوة سببا من أسباب انتشار الأمراض، ولا تنظر إليهن كضحايا لتلك الأمراض. وكان وجود أولئك النسوة المصابات بالأمراض المنقولة جنسيا في مستشفيات الحكومة أمرا محرجا ومنفرا لغيرهن من النساء (من زوجات وبناء الطبقة العليا في المجتمع). ويشبه ذلك ما كان يحدث في الهند عندما عزفت نساء المسلمين والهندوس من ذوي الطبقة العالية من ارتياد المستشفيات التي كان تغشاها النساء من ذوات الأصول "الوضيعة".
وكان الرجال البريطانيون في خلال العقدين الأولين لحكمهم للسودان لا يشجعون نسائهم على زيارة البلاد أو العيش فيها. ولكن خالفت مجموعة من المبشرات البريطانيات والأمريكانيات ذلك الأمر وحللن بالخرطوم في عام 1900م، وحاولن (بحذر) وبالتعاون مع نسوة مصريات ولبنانيات الاختلاط بالنساء المحليات عن طريق فتح عيادات طبية ومدارس للبنات لتعليمهن مهارات أصول الصحة والتدبير المنزلي من خياطة وغيرها، وتطبيب النساء السودانيات في منازلهن في عدد من المدن السودانية.
ولم تبدأ الحكومة في تعليم النساء إلا في عام 1921م حين أنشأت (وبحذر شديد) كلية لتدريب المعلمات، واشترطت أن تكون أوائل الملتحقات بها ممن وصفتهم السلطات بأنهن من "العوائل السودانية العربية المحترمة" (أي بعبارة أوضح تم استبعاد بنات الذين كانت لهم أصول مسترقة). وحرصت الكلية على تعليمهن اللغة العربية والدين الإسلامي.  وما أن حل عام 1930/ حتى كان بتلك الكلية ما يزيد على 1800 طالبة.



alibadreldin@hotmail.com
/////////////

 

آراء