سلفا كير: زيارتك ضبّة ولا محبّة؟!! (1-2)
بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعا لى: ( هَذَا بَلاغٌ لِلْنَّاس وَلِيُنْذَرُوْا بِه وَلِيَعْلَمُوَا أَنَّمَا هُو إِلَهٌ وَاحِد وَلِيَذَّكَّر أُوْلُو الألْبَابْ) ..الآية
هذا بلاغ للناس
توطئــة:
يقول أهلنا الغبش في أمثالهم الدارجة أن أي زائر يهل عليهم يأتي لأحد أمرين إما أن يكون "ضبّة" أي" مزنوق" في مشكلة ما لها علاقة بالمزور ، فيأتي للتفاوض نحو إيجاد تسوية لها، وإما أن تكون زيارته "محبة" أي تواصل ودي للعمل على تقوية وديمومة علاقات هذه المحبة. يا ترى في أيهما تقع زيارة سلفا كير؟! وهذا ما نحاول فيما سيأتي سبر غوره عبر حلقتين هذه أولاهما.
المتــن:
الذين يزعمون أن التطورات السياسية والصراعات الأخيرة بين النخب الحاكمة بدولة الجنوب هي شأنٌ داخلي لا دخل لنا به، ولا يهمنا أمرها في شيء، إنما هو تسطيح لحقائق لا تقبل المواربة أو الجدل ، وبرأيي أنها صراعات بين تيارين ، وأما الزعم بأنها شأنٌ داخلي يهمها وحدها ولا دخل لنا به فهذا زعم يخلو من منطق العقل السياسي ، فربما هذا التصور يحمل في طياته ، تجاهل من الزاعمين لحقائق التاريخ والجغرافية والاجتماع ، وأن زعمهم هذا إما من باب المكابرة السياسية أو تغليف ديبلوماسي ، الهدف منه مجرد محاولة للحفاظ على العلاقات دونما تعكير صفوها بما قد تتأثر به!!
المعروف في العلوم السياسة أن أي تطور أو حدث في دولة مجاورة بعيدة جغرافيا كانت أم قريبة ، له انعكاساته ودلالاته على دول الجوار جميعاً خاصة الأقرب، وربما على المنطقة بأسرها ، ناهيك عن دولة جارة " الحيطة بالحيطة " بينهما "نفاج" طوله 2500 كيلومتر ، ومنذ أن هذه الدولة الوليدة بدأت بالعداء السافر للدولة الأم التي كانت هي جزء منها في يومٍ من الأيام !! ، مع الأخذ بالاعتبار أنها دولة مغلقة لا منفذ لها على البحر إلا عن طريق وموانيء الوطن الأم ، كما أن مصالحها الاقتصادية مرتبطة بالسودان مثلما مصالح السودان بالمقابل مرتبطة بها . أما العنصر الأهم كمتج حتمي لهذه الأحداث هو مدى إنعكاساته على التداخل الاجتماعي لساكني الشريط الحدودي على الطرفين ، إذ يفترض انعكاس هذه الأحداث والتطورات على الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي لأن هذه العوامل مهمة لكلا الطرفين، وإن اختلفت نسبة ذلك ما بين دولة تاريخية قائمة لها مواردها المتعددة وبناها التحتية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الراسخة، وبين دولة وليدة ناشئة تحاول تأسيس بنيتها الخدمية التحية من مدخولاتها الاقتصادية التي تعتمد بنسبة 97% على النفط الذي لا مجال حالياً لتصديره إلا عن طريق السودان حالياً وعلى الأقل في المدى القريب والمتوسط ، وبالمقابل فالسودان يفقد جزء من مداخيله الناتجة عن عبور وتصدير نفط الجنوب!!
الحاشية:
برأيي – ودون مغالطات - أن هناك صراع على السلطة بين تيارين في دولة الجنوب ، تيارما زال يعتقد في استغلال زخم التعاطف السياسي والديني الغربي الذي سانده لتحقيق الإنفصال عن الدولة الأم تحت دعاوى الاضطهاد العرقي والديني ، وهذا التيار يريد أن يحقق مصالحه الذاتية والقبلية على حساب رفاه شعب جنوب السودان قاطبة ، بل ويريد أن تظل العلاقة مع السودان متوترة على الدوام رافعاً شعارات شعبوية مختلقة حتى يستمر ويستغل هذا التعاطف الغربي لتحقيق مآربه ، ولكن الغرب تكشّف له وبالأدلة القاطعة – علاوة على ما سبق ذكره - مدى الفساد المالي والاداري الذي لوث بعض هذه نخب ورموز هذل التيار كما تناقلته وسائل الصحافة والاعلام ولا سبيل لإنكاره أو نفيه لأن ما يعتقد أن بالإمكان تخبئته تتناقله شفافية ولحظية تقنيات الاعلام المتقدمة ، كما أن ذلك أتى خصماً على رفاه شعب دولة الجنوب الذي منّته النخب والرموز بالجنة ، فعاش جحيم الفقر والمعاناة!!
هذا التيار كان يعتقد أن سلفا كير رجل ضعيف ورجل مرحلة انتقالية تبدأ بعد رحيل قرنق، مروراً بتنفيذ اتفاقية نيفاشا ، ثم تحقيق الإنفصال ، تنتهي بالانقضاض عليه ، – ولسوء تقديرها – شككت بل أيقنت في بضعف قدراته وتعتقد أنه أوهن من بيت العنكبوت ، دون أن تدرك أن خيوط العنكبوت مع وهنها قد تحجب الرؤية عما يدبر للتصدي لها في الوقت المناسب، ولسوء تقديرهم اعتقدوا أن سلفا لقمة سائغة يمكن ابتلاعها في زردةٍ واحدة فيختفي من المسرح السياسي الجنوب سوداني , فيخلو لهم المسرح للإنفراد بالحكم . هذا التيار يستقوى بإسرائيل أكثر من إستقوائه بأمريكا والاتحاد الأوروبي الذين إكتشفا مدى فسادهم ، حيث سحبا مظلة تأييدهما لهذا التيار للخروج من مأزق الحرج الذي قد يقعا فيه ويعبران عن ذلك بالصمت دون الافصاح درءاً للحرج وخيبة الأمل ، خاصةً أن هذا ما توقعه المراقبون بعد قراءة مشهد الأحداث هناك، وخاصةً بعد تصريحات هيلدا جونسون ممثل الأمم المتحدة ، لذا اصبح هذا التوقع أقرب للحقيقة ونه في حال استمر الحال على ما هو عليه من فساد، فلا محالة أن هذا سيقود لإعلان دولة الجنوب التي ساندوا انفصالها دولة فاشلة ، وهذا ما فطن إليه سلفا ومؤيديه ويعملون على تحاشيه ، إذ أن الغرب كان يتوقع أن تكون النخب الحاكمة في دولة الجنوب بحصافة حكام تيمور الشرقية الذين بنوا علاقات ايجابية مع جاكارتا مبنية على تبادل المنافع وحسن الجوار بعدطي صفحة الماضي ومراراته والتطلع إلى المستقبل ، ولكن في حال دولة الجنوب حل محل هذا التوقع الاحباط وخيبة الأمل .!!
الهامش:
يبدو لمراقب نطور الأحداث التي تجري بدولة الجنوب، أن سلفا كير مدّ كل حبال الصبر لهذا التيار الذي أُطلق عليه تيار الصقور، فترك له الحبل ليخنق نفسه بحبل الفساد ونهب أموال شعب يحبو بأول خطواته نحو بناء دولته الوليدة ، وحقيقة الأمر أنهم ليسوا صقوراً ولكنهم فسدة يريدون أن يصبغوا تيارهم بتأجيج عواطف الشارع هناك على أنهم رموز نضال شعب الجنوب ضد دولة السودان التي تريد ابتلاعهم ، ولذلك اختلقوا نزاعات الحدود لتكون ملهاة للشعب عما يرتكبون من فساد ونهب لثروات شعب الجنوب ، حيث إتخذ هذا التيار من الاسرائليين حليف استراتيجي وكمستشارين فأشاروا عليهم بذلك ، ومما زاد الطين بلة وزاد من معاناة شعبهم ، جاء قرارهم الأهوج بغلق أنبوب النفط لتنعدم الموارد ليضيق الشارع ذرعاً بسلفا كير ويسقطه ، خاصة أنهم لن بتأثروا لأن لديهم في البنوك الأجنبية ما يكفيهم لثلاث أجيال قادمة ، والهدف أنهم كانوا ويراهنون على تململ الشارع هناك فينتفض ويسقط سلفا ولكن الشعب كان يراقب الكل ، ومع ذلك فسلفا كان في ذكاء الثعلب الماكر الذي لم يتخذ أي قرار إلا بموافقة البرلمان الذي كانت هذه النخب والرموز تتحكم وتحرك الكثير من نوابه وتؤلبهم لتأييد كل مقترحاتهم ، - ونواب البرلمان الذين فطنوا لهذه اللعبة بعد أن خدعوا وعن حسن نية - و حين إنكشف ستر هذا التيار ، بدأ التململ والاحتجاج منهم عند سلفا ، ثم وصل الأمر بهم الشكوى له جهرةً حيث اتضح بما لا يدع مجال للشك أن هذا التيار يريد أن يقود الشعب نحو المجاعة والفاقة في سبيل تحقيق مخططاته ، وكان تعبان دينق مخلب قطهم في توتير العلاقات مع السودان ودعم الحركة الثورية ، واكتشف سلفا أبضاً أنهم يدبرون لحروب أهلية بين القبائل لضرب الاستقرار النسبي وكذلك ضرب الأمن الاجتماعي بين مكونات النسيج القبلي ومشجبهم لتعليق هذا الاحتراب هو السودان ودعمه للتمرد القبلي ، وكان هذا أيضاً أحد أهم الأهداف نحو إقناع الغرب بأنهم البديل المناسب لسلفا كير الي كانوا يحاولون تصويره بين العجز وقلة الحيلة ، ففطن سلفا لهم مبكراً وكان يراقب بعين الذئب مخططهم بعد أن مد لهم حبال الصبر ، ثم بدأ انقض عليهم ونتف ريش الصقور في ضربة مباغتة فأقعدهم عن التحليق بعد أن كان هذا تيار يعتقد جازماً أن سلفا لقمة سائغة!!
قصاصة:
وفاجأهم على حين غرة، فتغدى بهم سلفا دون أن يتحقق لهم حلم " العشاء الأخير " المخطط له ، و باغتهم بضربة معلم وحينها اكتشفوا أن الرجل ليس ذاك الذي اعتبروه "رجل مرحلة" هم من إختاره لها لضعفه ليسهل استغفاله ثم الإجهاز عليه .
هناك تيار عقلاني براغماتي مكون من د. أتيم قرنق وبنجامين برنابا وآخرون ، هذا التيار على رأسه سلفا كير نفسه ، ولا أزعم أنهم ضد توطيد العلاقات مع السودان أو معها ، ولكن على أقل تقدير أنهم يريدون أن يشعروا شعبهم بأن الانفصال نعمة وليس نقمة كما حاول تيار الصقور أن يظهرهم بأنهم تيار رخو يقدم للسودان التنازلات المهينة ، ولكن على هذا التيار العقلاني أن عمل على تحقيق ما يرمي إليه في صمت ولكن كيف تمّ له ذلك؟!
غداً نواصل لتخيل كيف يكون السيناريو لتحقيق أهدافهم وتعرية سلفا لتيار ما يسمى بالصقور من أولاد قرنق الذين يحاولون الاستقواء بزوجة الرمز الوطني جون قرنق لتجييش مشاعر وعواطف الشارع الجنوبي ، فالمعروف أن السياسي عندما يفشل يقوم بتجييش العواطف شعبوياً ، دون أن يأخذ في الاعتبار أن من يلعب لعبة السياسة يدرك أنه لا مكان للعواطف فيها!!
عوافي
Abubakr Yousif Ibrahim [zorayyab@gmail.com]
/////////////