سودانيون في بلاد (العم سام): نِحنا إتبهدلنا يا جدعان!
6 September, 2009
من أمريكا للخرطوم
fataharman@yahoo.com
حكي من قبل المفكر العالمي الدكتور، فرانسيس مادينق دينق انه عندما كان طالباً فى جامعة الخرطوم، فى الخمسينات من القرن الماضي، انه ذهب لزيارة وزير من ابناء الجنوب، وهو سانتينو دينق. وتحدث دكتور دينق لمدير مكتب الوزير باللغة العربية، فاجابه بانجليزية مكسرة خالص:
Minister no, minister go. وهو يود ان يقول له ان الوزير غادر المكتب. فرد عليه فرانسيس دينق: انته ما تتكلم اللغة البتعرفها ولو الواحد ما فهمك بعدين حاول اتكلم لغة تانية. فرد: والله فاكرك جنوبى!!. هذه الموقف لا يشذ عن عشرات المواقف التي يمر بها يومياً العشرات في العاصمة المثلثة، من الذين لا يتحدثون اللغة العربية لانها ليست لغتهم الام. فنجد الكثيرين يضحكون من الطريقة التي يتحدثون بها العربية، وهذه اشياء لم تروى لي و لكني شهدتها بام عيني. و الان بعد ان ايقظت المزعجات من الليالي الكثير منهم إنتقل بعضهم للعيش هنا في امريكا، و إجتهدوا في إكتساب مهارات جديدة من ضمنها اللغة، وشرب بعضهم من نفس الكأس التي سقوا منها الاخرين، وهي التندر من الطريقة التي يتحدث بها الاخرين.
ولنبدأ بالثقافي منها، و بالتحديد الجانب اللغوى منها، ونُذّكر باننا لا نريد ان نُعرض او نهزأ من الاخرين لاننا منهم و اليهم -كما يقال-. واللغة الانجليزية في الولايات المتحدة لديها لهجات متعددة تختلف من مكان الي اخر، و حسب المجموعة العرقية التي ينتمي اليها الشخص المعني، فمثلاً اللهجة التي يتحدث بها البيض من اصول اوربية مختلفة من لهجة الافارقة الامريكان. بل حتي لهجة البيض تعتمد علي اى جزء من امريكا نتحدث عنه. و كذلك لهجة الافاراقة الامريكان تختلف من منطقة الي اخرى.
هنالك صديق لنا قدم من السودان، وهو لا يتحدث اللغة الانجليزية، بكل تاكيد هذا امر عادى لان اللغة الإنجليزية لدى السودانيون هى ليست لغتهم الام. المهم، نعود الي قصة صديقنا الذى قدم الي امريكا ووجد الشباب يستخدمون كلمة ((Yeah وهي عامية امريكية تعني (نعم/Yes) و احب الكلمة حب روميو لجوليت!. وفي يوم اغبر، حضر البوليس الي الشقة التي كان يقطن فيها ذلك الشاب مع سودانين اخرين ولكنهم كانوا في الطابق العلوى، و هو كان يجلس في الصالون. قرع احد رجال الشرطة باب الشقة، و ذهب ذلك الشاب وفتح له الباب، فاخبره رجل الشرطة بانه يبحث عن فلان فهل هو الشخص المعني؟ فما كان من ذلك الشاب الا ان رد: .Yeah و (عينو ما تشوف الا النور) وجد نفسه (مكلبش) بالحديد، و عندما سمع الشباب اصواتاً في الخارج اتو لمعرفة ما يجرى، ووجدوا صاحبهم في (الحديد) و سالوا رجل الشرطة حيث اخبرهم من امره، و اوضحوا له بانه ليس الشخص المعني، وهو قادم جديد لا يعرف اللغة الإنجليزية، فما كان من الشرطي الا ان اخلي سبيله بعد التاكد من بطاقته الشخصية. و سوداني اخر كان يبحث عن مرأب للسيارات في مدينة نيويورك، ليركن فيه سيارته، و لم يُعثر عليه،. فقاده حظه العاثر لسؤال احد رجال الشرطة الواقفين علي جنابات الطريق فسال الشرطي:
.Officer, can I bark here? فرد عليه الشرطي:
It is a free country, you can bark anywhere!) ) من الطبيعي ان يكون لدى غير الناطقين باللغة الإنجليزية طريقتهم الخاصة في نطق الحروف، لانهم متاثرين بلغتهم الام، خصوصاً الذين يتعلمون لغة جديدة في سن النضج. فالرجل كان يقصد كلمة (Park) و التي تعني (ركن) و لم يكن يقصد كلمة (Bark) و التي تعني نباح الكلاب! و بالتالي فهم منه رجل الشرطة بانه يسال اذا كان بامكانه النباح علي جنبات الطريق ام لا؟! ولم يفهم منه انه كان يسال عما اذا كان بامكانه ركن سيارته علي جنبات الطريق ام لا.
في احدى المرات كنا في مناسبة سودانية امها السودانيون بمختلف سحناتهم و اعراقهم، وكانت هنالك إمراة سودانية حسناء من بنات ابيي، تلبس ثوباً سودانياً و يداها مخضبتان بالحناء. قمت لتحيتها بحكم معرفتي لها، و بعد ان جلست سالتني صديقة عن المكان الذى تنتمي اليه تلك المرأة فقلت انها سودانية فردت: اعرف ولكن من اين في السودان؟ فقلت: مدينة ابيي فكان ردها: ايوه، لانو شكلها بقول انها جنوبية لكنها بتلبس زى السودانين!. فكان ردى: منذ متي اصبحت ابيي خارج السودان؟!. و حكي لي صديق عن قريبته التي كانت تعمل في حضانة للاطفال، و كان من ضمن مسؤولياتها نقل الاطفال من و الي منازلهم. وفي مرة من المرات، كانت تقود (حافلة) صغيرة مليئة بالاطفال، و اثناء قيادتها للسيارة في الطريق العام تغير لون الإشارة من اللون الاخضر الي الاحمر ولكنها لم تتوقف، و تجاوزت الإشارة الضوئية الحمراء فما كان من رجل المرور الذى كان بالقرب من مكان الإشارة المعنية الا بإيقافها تمهيداً لتحرير مخالفة بحقها. فعادة يسارع البوليس باخبار الشخص المُوقف لماذا اوقفه وقبل ان يخبرها لماذا قام بايقافها قال له تلك السيدة: No English. فطلب منها البوليس الإتصال بمن تعرف حتي يشرح لها لماذا اوقفها ، فقامت علي الفور بالإتصال بقريبها، و عندما حضر الشخص المعني قال له بوليس المرور: قل لهذه السيدة بان التفريق ما بين الإشارة الخضراء و الحمراء لا يحتاج الي لغة إنجليزية! و طالما لديها رخضة قيادة فهذا يعني بامكانها التفريق ما بين الاخضر و الاحمر. وهذه المرة سوف اتركها ولكن عليها ان تعلم بانها تحمل اطفال اناس اخرين في تلك السيارة، فيجب عليها ان تكون اكثر حرصاً علي اوراحهم.
من البديهي ان للهجرة سلبياتها و إيجابياتها، و من ضمن هذه الإيجابيات ان المرء يكتشف يومياً جهله باشياء كثيرة. وفوق هذا و ذاك، يتعلم المرء إحترام الاخر و ثقافته، فهلا إحترمنا حق الاخرين في اين يكونوا اخرين يا عباد الله؟