سياحة في كتاب الأمة والدولة (٢)

 


 

 

د. ليلى الضو أبوشمال تكتب
أضحى الصراع في المجتمعات العربية يدور بين فريقين، فريق منحاز للفكر الغربي والذي يرى أن إخفاق تجربة الحداثة كان بسبب الأبنية والتقاليد الموروثة، وعليه يجب القضاء على هذا البناء التقليدي ، والفريق الثاني المنحاز للموروث يرى أن إستيراد الفكرة الغربية هو سبب حالة التغريب والاغتراب، وهو ما يسبب المزيد من التدهور والحل في نظر هذا الفريق يكمن في العودة للأصول الموروثة، وللحقيقة هي معركة سياسية وفكرية تدور حول بنية الأمة وأسس اجتماعها البشري حيث تلمس مساحات مهمة ومؤثرة من بناءات الأمة وتقاليدها وعقائدها ، وفي الوقت نفسه فإن بناء الدولة والأنظمة المستوردة والذي كان له أثر على البنية الموروثة للأمة يعد مرحلة أولية اذا ما قورن بأي عمل يحاول تغيير وتفكيك البنية الإجتماعية الأساسية للأمة ، وهي مرحلة أكثر حرجا حيث تقترب الحداثة من تقاليد الأمة وتقترب من عقيدتها وبالجانب الآخر نجد بعض حركات الدفاع عن الموروث والعقيدة وإن تصاعدت في النصف الثاني من القرن العشرين اتخذت من استخدام القوه سلاحا لها مما كان له أثر على الاستقرار ومما ينذر باحتمالات للحرب الأهلية حتى وإن بدت أحيانا احتمالات بعيدة مع (ملاحظة أن طبعة الكتاب كما ورد في المقال السابق تمت في 2001 م ).
وأشار الكاتب رفيق أيضا إلى قضية النهضة في تلك المجتمعات وشروطها وفي تصوره والذي بلا شك يتفق معه الكثير فيه أن التعلم من التجارب التي يمر بها شعوب العالم المختلفة ضرورة أساسية لأي أمة تريد أن تنهض، فلا يجوز لشعب أو أمة أن تحقق النهوض من خلال معرفتها الذاتية دون معارف الشعوب والأمم الأخرى ، ولكن المشكلة الحقيقية تكمن في معنى التعلم من تجارب الآخرين، فالبعض يتصور أن التقدم الذي حققته حضارة ما يعد نموذجاً وطريقة للتقدم، وعلى الحضارات الأخرى أن تكرره أي هذا يعني أنه يفترض أن التجارب المتقدمة يمكن إعادة إنتاجها من حضارة لأخرى مما يشير إلى افتراض دور مجرد لاعتبارات المكان والتاريخ والموروث، وغيرها
كما أشار الكاتب إلى أن الأمة العربية والإسلامية تملك ماضيا من التجارب الناهضة ولها حضارات عربية أصيلة، وبالحديث عن التجارب يجب إعادة اكتشاف أصول الحضارة العربية الإسلامية وقيمها ومفاهيمها العليا ومضمونها الحضاري والثقافي والنموذج الغربي الذي يبهر هذه المجتمعات إنما استمد أسسه من النموذج اليوناني والروماني والذي استفاد من التجربة العربية.
والخلاصة في ذلك أن شروط النهضة تبدأ من التمسك بالأصول الحضارية وتغيير الفروع حتى الوصول لنموذج ناهض يعبر عن هوية الأمة الممتدة عبر التاريخ وفي الوقت نفسه يكون تجديدا مدركا للظرف الراهن ومستوعبا للصالح من تجارب الآخرين ، وبذلك لا تكون البناءات الموروثة عائقا كما يعتقد البعض بل العكس.
إن عملية استيراد الدولة كنموذج للحداثة قد تمت في زمن التراجع الحضاري وهذه الفترة أي فترة التراجع الحضاري تؤدي إلى فقدان الأمة لنموذجها الحضاري الناهض مما يفقدها أساليب مواجهة العصر وتفقد الأمة في زمن التراجع القدرة على التجديد مما يجعلها عاجزة عن تقديم نماذج جديدة مستمدة من الموروث الحضاري ، وفي غياب هذا النموذج الناهض و القدرة على التجديد يحدث ما يمكن تسميته بحالة الفراغ الحضاري وهي ليست فراغ من المضمون الحضاري للأمة والذي يبقى ويستمد في كل الظروف ولكنها حالة من فقدان الفكرة والنظام القابل للتطبيق.
ونواصل

leila.eldoow@gmail.com

 

آراء