سيناريوهات ما بعد التوقيع على الاتفاق الإطاري في السودان
محمد تورشين
11 December, 2022
11 December, 2022
مقدمة:
بعد التوقيع على الاتفاق الإطاري يوم الإثنين الماضي الموافق ٦ديمسبر للعام ٢٠٢٢ ، بين المؤسسة العسكرية ممثلة في الجيش وقوات الدعم السريع من جانب، ومن جانب اخر قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي - باستثناء حزب البعث العربي الاشتراكي- وبعض القوى السياسية الأخرى كالمؤتمر الشعبي والحرب الاتحادي الديمقراطي الأصل بقيادة الحسن الميرغني و الجبهة الثورية السودانية الذي تشمل بعض الحركات التي وقعت على اتفاقية جوبا للسلام، تكون تحالف سياسي حاكم جديد ، بكل التناقضات والتحديات والقضايا التي تقف امامه.
التحديات والصعاب :
ان أول التحديات التي تقف أمام استمرارية التحالف الحاكم الجديد مرتبطة ارتباطا وثيق بإمكانية وقدرة هذا الحلف المتناقض والمختلف التوجهات والبرامج ( إن وجدت هذه الآخيرة ) في معالجة الازمة الاقتصادية وآثارها وإيجاد المقاربة الأمنية المفقودة البلاد. النجاح أو الفشل في هذين الملفين محوري لاستمرار التحالف وايصال الفترة الانتقالية الجديدة لنهايتهاةبالانتخابات. كما ان التحدى الثاني هو سؤال من الذي يحق له تشكيل الحكومة الانتقالية، هل هم كل اللذين وقعوا على الاتفاق الإطاري ام فقط قوى الحرية والتغيير ؟! وهل سيتم أبعاد قوى الانتقال وماهي ردود فعل ومواقف قوى الانتقال التي تشمل حزب المؤتمر الشعبي والاتحادي الأصل بقيادة الحسن الميرغني؟!. ذلك ان عدم التوصل إلى صيغة مشتركة متعلقة بالآليات التي يتم من خلالها تشكيل الحكومة و أجهزة الحكم الانتقالي ستكون عقبة تجعل انهيار التحالف الحاكم مسألة وقت.
التحدى الثالث هو القضايا الخماسية المؤجلة، وهي قضايا من الاهمية بمكان وعدم حسمها قبل توقيع الاتفاق الاطاري يثبت عدم القدرة على الاتفاق عليها . ستكون هذه القضايا محل خلاف بين مكونات التحالف الجديد وقد تؤدي في المحصلة الى تفككه كما تم من قبل حيث كانت نفس هذه القضايا من اسباب وجذور انقلاب البرهان في 25 اكتوبر 2021.
موقف القوى المعارضة :
يمكننا تصنيف ما تشكل من قوى سياسية رافضة للاتفاق إلى ثلاث كتل او مكونات كبيرة.
اولا:- الكتلة التي تدعو إلى الإسقاط الجذري واعادة تشكيل المشهد السياسي وتضم أحزاب كالشيوعي والبعث وحملة سودان المستقبل وبعض لجان المقاومة . الخ فضلا عن وجود عدد من الأجسام المهنية ذات الصلة بقوى الإسقاط الكامل. هذه القوى مع ذلك ذات اولويات وتكتيكات مختلفة ، ولايمكن تحقيق الاسقاط بسهولة دون توفر مقومات موضوعية ذات صلة بالاقتصاد ، مثل استمرار التدهور الاقتصادي وتراجع القدرة الشرائية في ظل ارتفاع معدلات التضخم وانعدام الخدمات الحكومية ، مع الاخذ في الاعتبار بأن الاحتجاجات المستمرة والتظاهرات ستربك المشهد السياسي وستسهم في تآكل وحدة التحالف الحاكم.
كما يرتبط خيار الاسقاط بانحياز جزء من المؤسسة العسكرية إلى هذا الخيار الشعبي وهو امر لا يبدو متوفرا حاليا.
ثانياً :- كتلة الحركات المسلحة التي لم توقع على اتفاقية جوبا للسلام وهي ليست محصورة كما يروج على انها حركتي جيش تحرير السودان بقيادة عبدالواحد محمد النور و الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة عبدالعزيز الحلو، بل هناك العديد من الحركات المسلحة لم توقع ، نذكر منها على المثال لا الحصر حركة العدل والمساواة الجديدة، مجلس الصحوة الثوري، حركة جيش تحرير السودان بقيادة فيصل السحيني وحركة شباب التغيير والعدالة السودانية الخ.
هذه الحركات الأخيرة لم تجد نصيبها من الاهتمام الاعلامي والسياسي في كثير من المحافل، رغم تأثيرها المباشر على مجريات الأوضاع الأمنية والسياسية في دولة ليبيا والساحل ، فهي بمثابة مفتاح للأزمة هناك. ان بعض القوي الدولية و الإقليمية تعلم ذلك فقد نظمت فرنسا عبر منظمة "promediation " ملتقى تفاكري لها في نيامي عاصمة النيجر قبل أشهر .
اعتقد أن التحالف الحاكم الجديد وقبل التوقيع على الاتفاق النهائي سيسعى إلى ضم عدد مقدر من هذه الحركات غير الموقعة على اتفاقية جوبا للاتفاق الجديد ، باعتبار هذه الخطوة ستكون الدافع والمبرر المنطقي لإعادة النظر في اتفاقية جوبا ، لكن استجابة بعض الحركات كالشعبية لتحرير السودان بقيادة الحلو و جيش تحرير السودان بقيادة عبدالواحد النور شبه معدومة
ثالثاً :- الحرية والتغيير الكتلة الديمقراطية وتضم حركتي العدل والمساواة وجيش تحرير السودان بقيادة مني اركو وهي من الحركات الموقعة على اتفاقية جوبا للسلام، فضلاً عن الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل بزعامة محمد عثمان الميرغني والتحالف الديمقراطي للعدالة والمجلس الاعلى لنظارات البجا. ان قحت - الكتلة الديمقراطية تعتبر الأكثر مرونة بين الكتل الأخري الرافضة تماما لوجود العسكر في المشهد، بل هي من اقرب القوى للجنرالات، لكن لديهم خصومات وتباين مطلق مع قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي باعتبار أن الأخيرة تتهم الأولى بأنها وفرت السند والغطاء السياسي لانقلاب ٢٥ اكتوبر ٢٠٢١م، لذلك من الطبيعي أن تكون فرص التعاطي مع المشهد السياسي بشكل مشترك مسألة في غاية الصعوبة .
ان وجود أطراف من الحركات المسلحة في الكتلة الديمقراطية يعقد المشهد مع ذلك بشكل لا يمكن تجاهله كتجاهل كتلة الاسقاط الجذري، باعتبار أن اتفاقية جوبا للسلام تمت برعاية مجموعة الترويكا ومنظمة الايقاد. فعدم الالتزام بها يشكل تحديا كبيرا أمام التحالف الحاكم، ربما يفتح الأبواب أمام تجدد الحرب ، حيث تناور الحركات غير الموقعة على الاتفاق الإطاري بأن إعادة النظر في الاتفاقية وتقييمها حق مكفول فقط لأطراف عملية السلام. لكن اعتقد بأن التوصل إلى مقاربة مع الكتلة الديمقراطية أمر غير مستبعد ، حيث يمكن الضغط على اطراف قحت وأقصد المجلس المركزي والكتلة الديمقراطية من طرف القوى الإقليمية والدولية.
قضية شرق السودان :
تظل قضية شرق السودان هي التحدي الأكبر وذلك في ظل الانقسام الدائر بين مكونات الشرق السياسية والاجتماعية ، حيث ان الإبقاء على مسار الشرق لديه تبعات سياسية خطيرة ، وكذلك إعادة النظر فيه. لذا تحتاج مسألة الشرق إلى تقييم وشمولية في التناول بين أطراف الأزمة ، حيث ان اي انحياز يفتح الباب أمام تجدد العنف، او يمكن ان يساعد على زيادة شعبية التوجه الانفصالي.
محمد تورشين
10 ديسمبر 2022م
mohamedtorshin@gmail.com
بعد التوقيع على الاتفاق الإطاري يوم الإثنين الماضي الموافق ٦ديمسبر للعام ٢٠٢٢ ، بين المؤسسة العسكرية ممثلة في الجيش وقوات الدعم السريع من جانب، ومن جانب اخر قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي - باستثناء حزب البعث العربي الاشتراكي- وبعض القوى السياسية الأخرى كالمؤتمر الشعبي والحرب الاتحادي الديمقراطي الأصل بقيادة الحسن الميرغني و الجبهة الثورية السودانية الذي تشمل بعض الحركات التي وقعت على اتفاقية جوبا للسلام، تكون تحالف سياسي حاكم جديد ، بكل التناقضات والتحديات والقضايا التي تقف امامه.
التحديات والصعاب :
ان أول التحديات التي تقف أمام استمرارية التحالف الحاكم الجديد مرتبطة ارتباطا وثيق بإمكانية وقدرة هذا الحلف المتناقض والمختلف التوجهات والبرامج ( إن وجدت هذه الآخيرة ) في معالجة الازمة الاقتصادية وآثارها وإيجاد المقاربة الأمنية المفقودة البلاد. النجاح أو الفشل في هذين الملفين محوري لاستمرار التحالف وايصال الفترة الانتقالية الجديدة لنهايتهاةبالانتخابات. كما ان التحدى الثاني هو سؤال من الذي يحق له تشكيل الحكومة الانتقالية، هل هم كل اللذين وقعوا على الاتفاق الإطاري ام فقط قوى الحرية والتغيير ؟! وهل سيتم أبعاد قوى الانتقال وماهي ردود فعل ومواقف قوى الانتقال التي تشمل حزب المؤتمر الشعبي والاتحادي الأصل بقيادة الحسن الميرغني؟!. ذلك ان عدم التوصل إلى صيغة مشتركة متعلقة بالآليات التي يتم من خلالها تشكيل الحكومة و أجهزة الحكم الانتقالي ستكون عقبة تجعل انهيار التحالف الحاكم مسألة وقت.
التحدى الثالث هو القضايا الخماسية المؤجلة، وهي قضايا من الاهمية بمكان وعدم حسمها قبل توقيع الاتفاق الاطاري يثبت عدم القدرة على الاتفاق عليها . ستكون هذه القضايا محل خلاف بين مكونات التحالف الجديد وقد تؤدي في المحصلة الى تفككه كما تم من قبل حيث كانت نفس هذه القضايا من اسباب وجذور انقلاب البرهان في 25 اكتوبر 2021.
موقف القوى المعارضة :
يمكننا تصنيف ما تشكل من قوى سياسية رافضة للاتفاق إلى ثلاث كتل او مكونات كبيرة.
اولا:- الكتلة التي تدعو إلى الإسقاط الجذري واعادة تشكيل المشهد السياسي وتضم أحزاب كالشيوعي والبعث وحملة سودان المستقبل وبعض لجان المقاومة . الخ فضلا عن وجود عدد من الأجسام المهنية ذات الصلة بقوى الإسقاط الكامل. هذه القوى مع ذلك ذات اولويات وتكتيكات مختلفة ، ولايمكن تحقيق الاسقاط بسهولة دون توفر مقومات موضوعية ذات صلة بالاقتصاد ، مثل استمرار التدهور الاقتصادي وتراجع القدرة الشرائية في ظل ارتفاع معدلات التضخم وانعدام الخدمات الحكومية ، مع الاخذ في الاعتبار بأن الاحتجاجات المستمرة والتظاهرات ستربك المشهد السياسي وستسهم في تآكل وحدة التحالف الحاكم.
كما يرتبط خيار الاسقاط بانحياز جزء من المؤسسة العسكرية إلى هذا الخيار الشعبي وهو امر لا يبدو متوفرا حاليا.
ثانياً :- كتلة الحركات المسلحة التي لم توقع على اتفاقية جوبا للسلام وهي ليست محصورة كما يروج على انها حركتي جيش تحرير السودان بقيادة عبدالواحد محمد النور و الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة عبدالعزيز الحلو، بل هناك العديد من الحركات المسلحة لم توقع ، نذكر منها على المثال لا الحصر حركة العدل والمساواة الجديدة، مجلس الصحوة الثوري، حركة جيش تحرير السودان بقيادة فيصل السحيني وحركة شباب التغيير والعدالة السودانية الخ.
هذه الحركات الأخيرة لم تجد نصيبها من الاهتمام الاعلامي والسياسي في كثير من المحافل، رغم تأثيرها المباشر على مجريات الأوضاع الأمنية والسياسية في دولة ليبيا والساحل ، فهي بمثابة مفتاح للأزمة هناك. ان بعض القوي الدولية و الإقليمية تعلم ذلك فقد نظمت فرنسا عبر منظمة "promediation " ملتقى تفاكري لها في نيامي عاصمة النيجر قبل أشهر .
اعتقد أن التحالف الحاكم الجديد وقبل التوقيع على الاتفاق النهائي سيسعى إلى ضم عدد مقدر من هذه الحركات غير الموقعة على اتفاقية جوبا للاتفاق الجديد ، باعتبار هذه الخطوة ستكون الدافع والمبرر المنطقي لإعادة النظر في اتفاقية جوبا ، لكن استجابة بعض الحركات كالشعبية لتحرير السودان بقيادة الحلو و جيش تحرير السودان بقيادة عبدالواحد النور شبه معدومة
ثالثاً :- الحرية والتغيير الكتلة الديمقراطية وتضم حركتي العدل والمساواة وجيش تحرير السودان بقيادة مني اركو وهي من الحركات الموقعة على اتفاقية جوبا للسلام، فضلاً عن الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل بزعامة محمد عثمان الميرغني والتحالف الديمقراطي للعدالة والمجلس الاعلى لنظارات البجا. ان قحت - الكتلة الديمقراطية تعتبر الأكثر مرونة بين الكتل الأخري الرافضة تماما لوجود العسكر في المشهد، بل هي من اقرب القوى للجنرالات، لكن لديهم خصومات وتباين مطلق مع قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي باعتبار أن الأخيرة تتهم الأولى بأنها وفرت السند والغطاء السياسي لانقلاب ٢٥ اكتوبر ٢٠٢١م، لذلك من الطبيعي أن تكون فرص التعاطي مع المشهد السياسي بشكل مشترك مسألة في غاية الصعوبة .
ان وجود أطراف من الحركات المسلحة في الكتلة الديمقراطية يعقد المشهد مع ذلك بشكل لا يمكن تجاهله كتجاهل كتلة الاسقاط الجذري، باعتبار أن اتفاقية جوبا للسلام تمت برعاية مجموعة الترويكا ومنظمة الايقاد. فعدم الالتزام بها يشكل تحديا كبيرا أمام التحالف الحاكم، ربما يفتح الأبواب أمام تجدد الحرب ، حيث تناور الحركات غير الموقعة على الاتفاق الإطاري بأن إعادة النظر في الاتفاقية وتقييمها حق مكفول فقط لأطراف عملية السلام. لكن اعتقد بأن التوصل إلى مقاربة مع الكتلة الديمقراطية أمر غير مستبعد ، حيث يمكن الضغط على اطراف قحت وأقصد المجلس المركزي والكتلة الديمقراطية من طرف القوى الإقليمية والدولية.
قضية شرق السودان :
تظل قضية شرق السودان هي التحدي الأكبر وذلك في ظل الانقسام الدائر بين مكونات الشرق السياسية والاجتماعية ، حيث ان الإبقاء على مسار الشرق لديه تبعات سياسية خطيرة ، وكذلك إعادة النظر فيه. لذا تحتاج مسألة الشرق إلى تقييم وشمولية في التناول بين أطراف الأزمة ، حيث ان اي انحياز يفتح الباب أمام تجدد العنف، او يمكن ان يساعد على زيادة شعبية التوجه الانفصالي.
محمد تورشين
10 ديسمبر 2022م
mohamedtorshin@gmail.com