شباب الثلاثين من يناير يقررون مستقبلهم ومستقبل ما تبقى من الوطن!!

 


 

 


حينما بدأ شباب السودان مسيرتهم الظافرة فى الثلاثين من يناير المنصرم للإطاحة بدولة الفساد و الإستبداد كانوا يتوقعون دعما مطلقا من قيادات "الكنكشة" التى ظلت تزعم، و منذ الإطاحة بالنظام الديمقراطى، بأنها تهدف الى "إقتلاع النظام من جذوره" حينا، أو الى تفكيك النظام من خلال "التراضي الوطنى" أحيانا أخرى. لقد كان شباب السودان يأمل أن تنفذ قيادات "الكنكشة" ما وعدت به قواعدها، و من ورائها جماهير الشعب السودانى، و ما إلتزمت به فى بيانات و أحاديث منشورة و موثقة، لا أكثر و لا أقل. بمعنى آخر أن شباب السودان كان يطلب من تلك القيادات أن تفعل ما تقول، فقط لا غير.
لقد طال أمد إنتظار الشباب ليوم المنازلة الكبرى بين المعارضة و النظام، و هو على أتم إستعداد للتضحية بالغالى و النفيس، حتى يتمكن من إستعادة حريته التى سلبها نظام الإنقاذ ورد كرامته التى أهانها و أذلها زبانيتة على مدى عقدين من الزمان. إن صبر الشباب على زعامة قيادات "الكنكشة"، فى تقديرى، له ما يبرره. فقد كانت ثقة الشباب فى تلك القيادات مفرطة حتى فاقت حد التصور. يكاد الفرد يجزم بأنه لم يوجد من بين صفوف الشباب المنضوين تحت لواء أيا من أحزابنا المعارضة، حتى و لو فرد واحد، كان يشك، و لو للحظة واحدة، فى مصداقية، أو نوايا قياداته. لذلك فقد سلمها الأمانة كاملة راجيا منها أن تحملها و تؤديها على أكمل وجه. و كذلك كان هؤلاء الشباب يثقون كاملا فى أن تلك القيادات سترد إليهم الأمانة سالمة حال فشلها فى تحمل مسؤوليتها، لأي سبب من الأسباب.
لكن التاريخ القريب قد أثبت بأن قيادات "الكنكشة" ليست أهلا لتك الثقة. لقد كان الكل يظن بأن التفريط فى وحدة البلاد و تفتيتها و تجزئتها ستكون آخر مآسي نظام التوجه الحضارى فى حق الشعب و الوطن. وقد كان الكل يعتبر أن وحدة البلاد بمثابة خطا أحمر لن يجرؤ أي قائد وطني على تجاوزه. و إن كل من يتجرأ على تجاوز هذا الخط فسينال جزاؤه العادل على يد الشعب السودانى، سيد الكل و صاحب الكلمة الأولى و الأخيرة فيما يتعلق بأمهات القضايا التى تحدد مصيره و مستقبله. وهل هناك قضية أكبر من صيانة وحدة التراب الوطنى. لم يتجرأ أي قائد وطنى على تجاوز هذا الخط سوى قادة الإنقاذ, و بالتالى فقد إستحقوا جزاؤهم العادل بكنسهم الى مزبلة التاريخ مشيعين بلعنات شعبنا.
لكن فى الوقت الذى بدأت فيه طلائع شعبنا من الشباب بالتحرك الجاد، و الذى لا تنقصه الجرأة، للإطاحة بدولة الفساد و الإستبداد، و الذى عبرت عنه مسيرات و مظاهرات شبابنا التى إنطلقت فى معظم المدن الرئيسية وجامعات البلاد، وفى الوقت الذى بدأ نظام التوجه الحضارى يلفظ أنفاسه الأخيرة مواجها سكرات الموت، إذا بقبلة الحياة تأتيه من حيث لا يحتسب. أتته تلك القبلة، و يا للحسرة، من أكبر حزبين سياسيين فى البلاد، حزب الأمة و الإتحادى الديمقراطى، الذى يسمى نفسه بالأصل.
لقد زعمت قيادات "الكنكشة" بأنها لا تود سوى مناقشة الأجندة الوطنية مع قادة الإنقاذ. لكن ، و للأسف الشديد، فإن كل الدلائل تشير الى عكس ذلك. إن الأخبار التى أوردتها معظم الصحف السيارة فى اليومين الماضيين قد أشارت بأن تلك اللقاءات لم تتعرض ولو لبند وطنى واحد، و إنما كانت تهدف فى المقام الأول و الأخير الى الإتفاق على آلية يتحدد بموجبها كيفية إقتسام "حنظلة" السلطة فيما بين تلك الأحزاب و نظام الإنقاذ. أي أنها كانت إجتماعات و لقاءات محاصصة فقط لا غير. لقاءات توزيع المناصب و المغانم، و لا شأن لها بمصير أو مستقبل الشعب و البلاد. إن لم تكن تلك اللقاءات هي الهرولة بعينها من قبل قيادات "الكنكشة" نحو نظام الإنقاذ، فكيف تكون الهرولة يا ترى؟!!
أليس من غرائب الأمور أن تهرول قيادات "الكنكشة" نحو نظام إقتلع السلطة من بين أيديها فى إنقلاب عسكرى أطاح بنظام ديمقراطي منتخب، و أذلها، و أهانها، و أذاق الشعب السودانى الأمرين؟ أليس من غرائب الأمور أن تهرول قيادات "الكنكشة" نحو نظام دكتاتوري أسس لدولة الفساد الذى أصبح منهجا و برنامجا تدار به سياسات الدولة الرسمية؟ أليس من غرائب الأمور أن تهرول قيادات "الكنكشة" نحو نظام أهان كوادرها و أذلها و عذبها فى بيوت الأشباح؟ أليس من غرائب الأمور ان تهرول تلك القيادات نحو نظام أعدم خيرة ضباط القوات المسلحة عشية عيد الفطر المبارك بدم بارد ودون أن يدل أسرهم الى حيث قبرهم حتى لحظة هرولتهم نحوه؟ أليس من غرائب الأمور أن تهرول قيادات "الكنكشة" نحو نظام طرد كوادرها و جماهيرها من وظائفها فى الخدمة المدنية دون أي ذنب جنوه سوى معارضتهم لفلسفته و برنامجه  الأغبر؟ أليس من غرائب الأمور أن تهرول قيادات "الكنكشة" نحو نظام لم يسألهم ،مجرد السؤال، عن رأيهم فى أخطر الإتفاقيات التى تقرر بموجبها مصير الوطن كله، ناهيك عن أن يشركهم فى مناقشة بنودها و إقرارها؟ أليس من غرائب الأمور أن تهرول قيادات "الكنكشة" نحو نظام سيفقد شرعيته فى التاسع من يوليو القادم، و بموجب بنود الإتفاقية التى قادت الى تمزيق و تفتيت البلاد؟ و أخيرا أليس من غرائب الأمور أن تتهافت قيادات "الكنكشة" وتهرول نحو نظام يلفظ أنفاسه الأخيرة بعد أن تلقى ضربات موجعة من كل حدب وصوب، و بالأخص من شباب الثلاثين من يناير؟!
إنه لأمر مدهش بالفعل أن تهرول قيادات "الكنكشة" نحو نظام الإنقاذ فى الوقت الذى بدأ فيه شباب تلك الأحزاب تحركهم الجاد، بالتضامن مع القطاعات العريضة من شباب الوطن، للإطاحة بدولة الفساد و الإستبداد. ألا يمكن إعتبار هذه الهرولة خيانة عظمى من قبل قيادات "الكنكشة" لقواعدها من الشباب، و بمثابة طعنة لها من الخلف، وهى تزحف زحفها المقدس لدك أركان الطغيان؟!
هل يعقل أن يكون أحد أسباب هرولة قيادات "الكنكشة" نحو نظام الإنقاذ هو زعم رئيس المؤتمر الوطنى الكاذب بأن عضوية حزبه تشمل 90% من الشعب السودانى، و بالتالى فضلت تلك القيادات اللحاق بذلك الركب، مادام هنالك جماهير "جاهزة" تنتظر القيادة الرشيدة، خصوصا إذا ما أخذنا فى الإعتبار تعود قيادات "الكنكشة" على جماهير "الإشارة" لفترة طويلة من الزمن، غير عابئة بشباب الانترنت و الفيس بوك و التويتر، الذين يشكلون معظم ممن هم خارج عضوية ذلك التنظيم الهلامى؟!
لقد علمنا التاريخ بأن الجماهير لا تخرج ثائرة و هادرة فى الشوارع  للإطاحة بالأنظمة الإستبدادية إلا إذا تم تنظيمها بأسلوب علمى دقيق. وقد علمنا التاريخ كذلك بأن تأسيس ذلك التنظيم لا يقدر عليه سوى قيادات ملهمة و ملتزمة بقضايا شعبها. و قد علمنا التاريخ القريب بأن هذا النوع من القيادات لا يولد إلا من رحم الشعوب التى ترزح تحت وطأة الأنظمة الإستبدادية نفسها. وقد علمنا تاريخ البلاد الأقرب إلينا بأن القيادات القادرة على كسب ثقة الجماهير، و بالتالى الإستماع لها، و تسليمها زمام القيادة لن تكون سوى من أوساط شباب تلك الجماهير. و إن كنتم تشكون فى ذلك فأسألوا وائل غنيم. ذلك الشاب الباذخ الذى يعيش حياة مترفة بمعنى الكلمة فى دولة الإمارات، ولكنه قرر التضحية بكل ذلك و إستطاع، و معه قيادات أخرى من شباب مصر العظيمة، من زعزعة أركان نظام حكم الفرعون الطاغية. لقد أراد هذا الشاب التضحية بروحه ليس من أجل مكاسب شخصية رخيصة، أو زعامة متوهمة، رغم أنه يستحقها بجدارة، لكنه ضحى بكل ذلك من أجل إسترداد حرية و كرامة المواطن المصرى. فأين قيادات "الكنكشة" من كل ذلك؟! أو أسألوا رفقاء الشهيد محمد البوعزيزى من الشباب فى تونس الخضراء، وكيف تمكنوا من توجيه لهيب النار التى قضت على عربة الكارو التى كان يسترزق منها، ليحرقوا بها نظام الدكتاتور بن على، الذى لم يفهم رسالة هؤلاء الشباب إلا ضحى الغد.
هذه هي دروس التاريخ القريب للأنظمة الدكتاتورية فى البلدان المجاورة لنا، و التى آمل أن تستفيد منها قيادات "الكنكشة" و توقف هرولتها نحو نظام التوجه الحضارى الفاسد. أم لعلها حكمة إلهية، و من نعم الله على شعبنا، أن تهرول قيادات "الكنكشة" نحو هذا النظام الظالم فى هذا المنعطف الخطير، وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة، و يتحالفوا معه، و يتقاسموا معه "حنظلة" الإنقاذ، و حينما يتمكن شباب الثلاثين من يناير من الإطاحة بدولة الفساد و الإستبداد يكون قد ضرب عصفورين بحجر واحد!! حينها سيتمكن شبابنا من تقرير ماهية مستقبله، و مستقبل ما تبقى من البلاد، دون أدني تأثير يذكر من قبل قيادات "الكنكشة"، لأن مستقبلها فى سودان ما بعد الإنقاذ سيكون شبر واحد على أرضه الطاهرة التى فشلوا أيما فشل فى الحفاظ عليها موحدة، و عجزوا عن الإلتزام بوصية أجدادهم الذين أوصوهم خيرا على الوطن!!

10/2/2011
Ibrahim Kursany [sheeba82@hotmail.com]

 

آراء