شرك المثقفين

 


 

 

 


 alshiglini@gmail.com

ربما تجربة أكتوبر 1964 وأبريل 1985 ، هي السبب، و تحمل الداء في بطنها ولأن الثورتين لم يكملا إزالة أرذال التجربة الديمقراطية، فعاد الطحين وعاد الشقاق بين التقليديين وأصبحت الجمعية التأسيسية أو البرلمان ساحة للمباراة الكلامية، دون إنجاز. عزا البعض لاستعجال الأحزاب التقليدية في انتخابات عام 1965، واستعجال الإخوان المسلمين الانتخابات سريعاً بعد انتفاضة 1985, والعودة للانتخابات دون فترة انتقالية مناسبة، تمكن الإنسان السوداني من تطوير التجربة الديمقراطية بما يناسب السودان بتوعه العرقي والثقافي.

ولكن الخير في القليل الذي سمح للمرأة السودانية بالتصويت، بل دخول البرلمان. وهو بكل المقاييس انتصار لثورة أكتوبر دون شك.


(2)
نقطف من ردود الدكتور" حامد فضل الله"/ برلين:
وهو يتحدث أن الدكتور حيدر إبراهيم والدكتور عشاري محمد محمود قد رءوا استبعاد بعض الإسلاميين من الانضمام للثورة:
{الأمثلة من هذا القبيل لا حصر لها وقضية لا طائل من وراءها الآن، ونحن في هذا الظرف العصيب في اشد حاجة للتضامن من اجل انجاح الثورة الشبابية والحراك الثوري، بدلا من التخوين والتفتيش في الضمائر ونشر البلبلة والفتنة. وأخشى من أن تُدمر الانتفاضة الشعبية من قبل ممن يدعون أنهم انصارها. ولا يغيب عن ذهني في عين الوقت، قول وتنبيه الشقليني: " لكننا يتعين أن نتمهل في الأوليات". وهو ما يعني ضمنياً " الحذر واجب".}

*
إن بعض الأقلام ترى أن تمديد الفترة الانتقالية سوف يصلح عيوب الديمقراطية وإصلاح عيوب النظم الدكتاتورية في قوانين السودان. ويتم تبني دستوراً وقوانين تحفظ حقوق الثقافات المتباينة، وتسقط الدستور الديني وأذرعه الشرعية التي ملّت الشعوب السودانية من تفصيلها الذي لا يناسب أهل السودان. وتسلخ من القوانين بما يوافق الحريات التي كفلتها قوانين حقوق الإنسان . وهي كافية مع فصل سلطة التشريع عن سلطة التنفيذ وعن سلطة القضاء ، ويكون الأخيرة هي رمانة القياس، ويحكم ويحاكم الجميع.

هذا الطرح لا يوافق عليه الإسلاميون، ولا يوافق عليه حزب الصادق المهدي أو الختمية. الإسلاميون يجاهرون بعدائهم لكل القوانين غير الإسلامية، وحزبي الأمة والختمية يخافون الجهر بمعاداة الشريعة، وذلك هو مربط الفرس.
من يقف مع دستور علماني، يخرج الدين من القوانين التي يشترك فيها الجميع، ويبقى الدين شعيرة اجتماعية يتم ممارستها دون أن تمس قوانين الدولة أو دستورها.

والآخرون يعتبرون منْ يدعو إلى العلمانية كافر!
مثل الذين عنيناهم من الإسلاميين المختلفين مع تجربة الإنقاذ فهم إسلاميون، يريدون تطبيق الشريعة على كل السودان، وأنا أرى أنهم لا يؤمنون بالديمقراطية، لأنهم بوصولهم لسقف السلطة فسيقذفون بسلم الصعود، ونعيش دكتاتورية كما نتذوق مرّها اليوم.


(3)
عن الماكر" حسن "وسياسة استخدام القوة لإخضاع الناس :
ليس للماكر "حسن "من وسيلة واحدة ، يستعملها وقت حاجته ، بل وسائل عديدة متنوعة ومتعددة يستخدمها حسب هواه. منها أنه رأى رأي " الحجاج بن يوسف " الذي قتل خلال توليه العراق بضع سنين، أكثر من مائة ألف نفس مُعارضة للأمويين. هذا هو الرجل الذي أوحى للماكر" حسن " أن يبتدع هذا النظام الذي أهان السودانيين وأذلّهم بالتعذيب الغريب عليهم، بل القتل.
إن مقولة ( إن الناس تُدين بدين حُكامهم )هو من أزكى أوارها، ونشر نيرانها بين جماعته. حيث يستبدلون الولاء للأسرة الطبيعية، إلى ولاء لأسرة التنظيم. وصعد بالتنظيم من حزب يأتيه الناس بالاختيار، إلى ورطة لن يستطيع الخارج عنها أن يعيش إلا كجرذ مُختف، يجرده التنظيم من كل ماله ليستجدي النفقة بعد الفقر المدقع الذي عاد إليه من جديد.

إن القوة كانت مذهب الماكر" حسن" المُفضل، فحين تسلق نظام (25) مايو لينخر النظام من الداخل، كان بعض من جماعته قد توجسوا من محاكم الطوارئ التي ابتدعها رئيس (25) مايو ، بل كان يقول إن عيوب التطبيق، هي من عادة أن الناس قد استوطنتها جاهلية زماناً طويلا، ولن نخرج الناس منها إلا بالقوة. أن الذين يتوجسون من عُنف التطبيق، كان هو يرى أنهم يخافون. فالناس في غيبتهم عن العقيدة وعمق جاهليتهم، لم يعتادوا بسطة التطبيق. وكل عيوب عنف التطبيق هي مُبررة في نظره عندما كان عقرباً تمشي في ردهات القصر الجمهوري.
إن استعمال القوة المُفرطة والتخويف بالقتل الحقيقي هو رأيه في استدامة السلطة وبقائها في حظيرة التنظيم، وكانت نهج الماكر" حسن "، لذلك صمت عن تعذيب المُعارضين، بل وقتلهم أحياناً لتخويفهم. وتحول الشعب الطيب إلى رعايا. وإذلالهم لمصلحة برنامجه الشخصي. كانت الإنقاذ تمنح العُصبة السلطة المطلقة، بل التفويض في عمل أي شيء، وكانت الجهالة عصمة لهم من التبصر. كان سقف الخاصة من أعضاء التنظيم عالياً، وكان الثمن المالي المدفوع غالياً.


(4)
كتب بروفيسور "عبدالله علي إبراهيم "في مقال له بعنوان:
(في ذكرى رحيل الترابي: هل ترك فينا مفتاحاً لثنائية العلمانية والدينية)
{ليس من بعد عرض التشريع على البرلمان، الذي السلطان فيه للشعب، وجه للاحتجاج على أي مشروع فكري ناهيك عن الإسلام. فحتى نحن الشيوعيين قررنا منذ مؤتمرنا الثالث (1956) أن يكون تنزيل الاشتراكية عن طريق البرلمان بمعني قبولنا الصبر عليها حتى تلقى تشريعاتها القبول من الأمة. ولكن خرج علينا منا من سارع إلى الحكم متأبطاً بندقية والباقي تاريخ. من جهة أخرى، ستجد الترابي التزم بمفهومه بالشريعة البرلمانية في دستور 1998 حيث عقد، بعد تقرير أن الشريعة وإجماع الأمة هي مصادر التشريع (المادة 65)، للبرلمان اختصاص التشريع بقوله "يمثل المجلس الوطني الإرادة الشعبية في التشريع والتخطيط ومراقبة التنفيذ والمحاسبة، والتعبئة الاجتماعية والسياسية العامة" (المادة 73). لقد ترك الترابي، مهما كان الرأي فيه، مفتاحاً لتجاوز ثنائية العلماني والديني. وبقول الفلاسفة جاءنا بتركيب لتجاوز الأطروحة (الدولة الدينية) والأطروحة النقيض (الدولة العلمانية). وهذا من علم الجدل.}
والمقال على رابط سودانايل:
http://www.sudanile.com/index.php
*
الرأي:
يريد البروفسور عبدالله علي إبراهيم أن يخفي سيرة الترابي الحقيقية التي عرفها الجميع، فقد قام نهجه السياسي على قهر الشعوب السودانية وترويضها بالقوة. ثم يمد السبيل للبرلمان بعد أن يؤكد حكمه وسيطرته، ليصبح البرلمان طوع يده و يمرّر الشريعة وقوانينه ما شاء منها، عن طريق البرلمان.
فنقول إن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ليس قابل للعرض على البرلمانات، بل هو تطور حقيقي لمفهوم حقوق الإنسان للتشريعات. ولا تقبل الجدل بشأنها أو إخضاعها للرأي. ليس الأمر ثنائية العلماني والدّيني، بل الرضا بأن تقف مع قيم الإنسانية الحاضرة أو النكوص عنها إلى الحكم الدكتاتوري الغاشم، كما شهدناه مع سلطة الإخوان المسلمين.
*
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان:
{الإعلان العالمي لحقوق الإنسان - وثيقة تاريخية هامة في تاريخ حقوق الإنسان-صاغه ممثلون من مختلف الخلفيات القانونية والثقافية من جميع أنحاء العالم، واعتمدت الجمعية العامة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في باريس في 10 كانون الأول/ ديسمبر 1948 بموجب القرار 217 ألف بوصفه أنه المعيار المشترك الذي ينبغي أن تستهدفه كافة الشعوب والأمم. وهو يحدد، وللمرة الأولى، حقوق الإنسان الأساسية التي يتعين حمايتها عالميا. وترجمت تلك الحقوق إلى 500 لغة من لغات العالم.}
وأن مادته الثانية تقول:
{لكلِّ إنسان حقُّ التمتُّع بجميع الحقوق والحرِّيات المذكورة في هذا الإعلان، دونما تمييز من أيِّ نوع، ولا سيما التمييز بسبب العنصر، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدِّين، أو الرأي سياسيًّا وغير سياسي، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي، أو الثروة، أو المولد، أو أيِّ وضع آخر. وفضلاً عن ذلك لا يجوز التمييزُ علي أساس الوضع السياسي أو القانوني أو الدولي للبلد أو الإقليم الذي ينتمي إليه الشخص، سواء أكان مستقلاًّ أو موضوعًا تحت الوصاية أو غير متمتِّع بالحكم الذاتي أم خاضعًا لأيِّ قيد آخر على سيادته.}


(5)
الديّن جزء من الهوية والثقافة، وهو شأن اجتماعي حر، لا شأن له بالقوانين والدساتير التي تحكم الدولة.فلا يعقل أن يتم عرض الإعلان العالمي لحقوق الإنسان للبيع بقوانين السوق! .

في كل ثورة تتحقق كان بين المثقفين صراع في كل شيء. فمن طبيعة الثورات أنها تبيح أقداراً من الحرية المنفلتة. وهذه الحرية تمنح جدلية للفكر وتعيد بنيته إلى عناصرها الأولى، عند الدارسين وحدهم، وليس قراراً يتم على ضوئه سير عدالة الدساتير والقوانين. فالسلطة السياسية تتحكم في الميزانيات وتضبطها، ولا تقوم بإعادة صناعتها من جديد، أو إعادة هيكلة الناس.

عبدالله الشقليني
14 مارس 2019

 

آراء