صراع المركز والهامش مقولات يجب مراجعتها

 


 

 

Capitalism is portrayed as a regime that tears down walls and expands its
dominion from the center out to the periphery
https://brill.com/display/book/9789004472693/BP000002.xml?language=en
ترجمة المقتطف ( وصفت الماركسية الرأسمالية علي أساس إنها نظام حكم يتوسع إنطلاقاً من المركز بهدف الهيمنة علي الأطراف.) في الرابط تجدون تفصيلات أكثر حول الأمر.
تَرَكُر النشاط الصناعي في الحواضر أو قريبا منها يعود بالأساس إلي فكرة إستهداف السوق و التقليل من تكاليف الترحيل و ذلك من أجل ضمان الأسعار التي يمكن أن تحقق أعلي درجات البيع. تكدس البضائع المنتجة عبر الصناعات الحديثة يدفع الرأسمالية لعمليات توسيع و فتح الأسواق و هذه العملية ليست بسيطة بل من الممكن أحيانا أن تقود للإحتلال من أجل أخضاع شعوب بأكملها لمنطق السوق. و مترتبات الأنتاج الصناعي الكبير.
منذ الستينات بدأ حديث مطول عن صراع المركز و الهامش. الصراع بين الشمال و الجنوب الجيوسياسيين. و تنشط قوي شعوبية في أوربا ( النرويج، الدنمارك ) و كندا علي حسب ما أعرف معبرة عن نفسها عن طريق مقولات صراع المركز و الهامش.
للحديث عن هذه القوي في العالم الرأسمالي الغربي لا بد من ذكر فكرة أقتصاد الموارد الطبيعية و ما يترتب عليه من بنيات سياسية و ثقافية متزمتة. لنأخذ منطقة البراري الكندية و شمال كندا كمثال. في صناعة الأخشاب و هو استثمار غابي يتركز في شمال كندا لما توفره غابات البوريال من مصدر للأخشاب. طبيعة هذا النشاط تشترط أن يكون بعيداً عن المراكز الحضرية و نتيجة لإرتفاع تكلفة الترحيل تكون تكلفة الإنتاج منخفضة لذلك يتركز هذا النشاط في الهامش. و كذلك النفط في محافظة البرتا و انتاج القمح و زيت الكانولا و عبّاد الشمس و التبغ في بقية محافاظات البراري الكندية و في اونتاريو أيضأ. مع هذه الأنشطة يوجد نشاط تعديني و نشاط آخر للإستثمار في مجالات صناعة الألبان و اللحوم علي مستوي إنتاجي كثيف. الحال مشابه في شمال اوربا نتيجة لحالة التماثل في القطاع الغابي ( غابة البوريال) و الأنشطة الأخري المذكورة في الكندية. إستخدام الآليات الضخمة قلّل من الحوجة للعمال في كل القطاعات المذكورة آنفاً.
تركيز الخدمات ( صحة و تعليم ) في المراكز الحضرية الكبري مدفوع بالإتجاه الرأسمالي العام الهادف لبناء الأسواق. معلومة مهمة 75% من موارد الأقتصاد الكندي تأتي من القطاع الخدمي. و هذا الحال شبيه بواقع الحال في اوربا الغربية، استراليا.
يطيب لي دائما وصف إقتصاديات الدولة الغربية بإقتصاديات الريع الضريبي. يتم تمويل القطاع الخدمي مباشرة من دافع الضريبة. و هذا هو القطاع الأهم في الإقتصاد الرأسمالي.
لقد كانت هذه المقدمة ضرورية لوضع الأمور في نصابها. و للجم الهترشة النظرية التي يتكلم بها منظرو مقولات المركز و الهامش في السودان. السؤال الأول أين هو إقتصاد الموارد الطبيعية في السودان؟ أين هي المراكز الحضرية التي تتركز فيها الصناعات ؟ حتي نعتقد أن هذه المقولات صالحة لتحليل الواقع الإجتماعي، السياسي و الثقافي بمكونه العرقي و الجندري في السودان. إقتصاد دولة مثل السودان لا يمكن وصفه بغير إقتصاد التبعية و مترتبات الإدماج القسري في السوق الرأسمالي العالمي و الإدماج القسري تم بالإحتلال و تم بالإستبداد السياسي في فترات حكم المنظومة العسكرية السودانية.
لو كان الأمر متعلق بالونسة لكنت قد أسهبت في تفنيد و تقييم خطاب المركز و الهامش الخطر في اوربا الغربية و أمريكا الشمالية من حيث إرتباطه باليمين المحافظ و العنصري.
لنعد لمقولات المركز الهامش في السودان. إرتبط هذا الخطاب الراحل الدكتور جون قرنق إرتباط وثيق و لقد إتضح جليا من تجربتنا نوع القوي التي تنشط في هذا المسار السياسي. إنفصال الجنوب و حرب الجنوب تقفان كأدلة ماثلة علي فشل هذا الخطاب. إدعاء النضال الثوري المسلح من أجل المهمشين الذي ينتهي بقادته في تحالف صميم مع الديكتاتورية العسكرية. أمثل عرضية مالك عقّار و مني أركو مناوي و أردول و أشباههم.
حالة التخلف الإقتصادي ، إنعدام الخدمات، إنتشار الأمّية و إنعدام الأمن و نهب الموارد تحت حراسة السلاح ( حميدتي و موسي هلال كأمثلة ) .و نعرف جميعا عن الحيازات الذهبية و المعدنية الأخري عند قيادات بعض الحركات المسلحة التي تبحث عن حليف مناسب لمزيد من النهب للموارد المعدنية. السؤال المبدئي لماذا تتركز الحروب في أطراف الوطن؟ ببساطة لقصر الظل الإداري للدولة و لضعف القبضة الأمنية و ليس لمضاءة الأطروحات السياسية عند حَمَلة السلاح . لقد بلغ الوضع مرحلة بعيدة من الفشل لدرجة أن الحركات المسلحة صار إسمها الحركات المُصَلّحة. لقد وصف برنامج الحزب الشيوعي هذه الحالة بإنعدام التوازن في عمليات التنمية و نحن في هذا المستوي فقط تنمية غير متوازنة. انظمة عسكرية فاشلة و فاسدة حرمت أطراف السودان من التنمية و حكومات برلمانية منتخبة لم تعطي الفترة الكافية في الحكم لتقوم بمهامها في البناء. حدثت انتفاضة ابريل و سقط نظام نميري و وقفت الحركة الشعبية في خانة العداء للنظام البرلماني الجديد. حدثت ثورة ديسمبر و أختار عبد الواحد محمد نور و عبد العزيز الحلو حالة الفِرْجة و الإستمتاع بالمشاهدة.
إتساع رقعة السكن غير المخطط حول الحواضر الكبيرة في الوسط جراء النزوح من مناطق النزاعات و مناطق إنعدام الخدمات يعكس فيما يعكس كفر سكان أطراف السودان للنزاع العسكري و عدم إيمانهم به و معرفتهم لعدم جدواه.
بالمناسبة يطالب الشعوبيون في أمريكا الشمالية و اوربا الغربية بمزيد من الإستقلال الإداري و مزيدا من التمثيل النيابي. فكرة الحكم الفيدرالي لا تعجبهم او الحكم الجمهوري أيضاً، يريدون درجة من الإستقلال تمكنهم من السيطرة علي مواردهم الطبيعية و هذه الحركات الحركات يقودها منتجون كبار. بالرغم من مضاءة نظام التمثيل النيابي و الحكومات المحلية. لا يتوفر كبار المنتجين علي العدد الكافي من الأصوات للتمثيل النيابي لأن الدوائر الإنتخابية محسوبة بعدد السكان و عدد النواب يتبع ذلك. في الأطراف حيث اقتصاديات الموارد الطبيعية يقل عدد السكان و مع ذلك لا يرحبون بالمهاجرين.
ما سيحل مشاكل السودان هو حكم مدني رشيد ليس أكثر. بالإضافة لإعطاء اطراف السودان مزيدا من السند المركزي لبناء سلطاتهم المحلية ذات التركيب الديمقراطي و منحهم الإعتمادات الكافية للإضطلاع بمهام التنمية و مهمة بناء المرافق الخدمية.
إنحدرت خطابات بعض المتكلمين بمقولات صراع المركز و الهامش لدرجة وصف الشماليين و سكان الوسط بالجلابة كأنما لفظة الجلابة حاطّة للقدر و الجلّابة تجارٌ جوالون جلبوا البضائع و الثقافة و نشروها. يحيلون بوصفهم الكاذب إلي النهّاضة و هؤلاء النهّاضة هم جمع متنوع فيه من كل شعوب دارفور و كردفان و جنوب النيل الأزرق و الجنوب و مجموعات من خارج هذه الأقاليم و هم من كانوا يخطفون اليافعين و يسترقونهم و يسلمونهم لتجار الرقيق في الحواضر الكبيرة بتلك المناطق. من أراد الأستزادة فعليه مراجعة كتب التاريخ. أنتهي زمن الرق فدعونا نبني وطننا كما يجب. و هنالك نفر بأئسون يفرحون بالتنكيل الذي وقع علي سكان الجزيزة و الخرطوم و النيل الأبيض و هؤلاء مرضي و كيزان فليصمتوا أو يقولوا خيراً
أمر آخر تقع مسؤلية حسم النزاعات العرقية في هذه الأنحاء علي متعلمي تلك المناطق الذين يجب أن ينشروا ثقافة السلام و أحترام التنوع بين أهلهم بدلاً عن صب جام غضبهم علي حلفائهم من سكان بقية أقاليم السودان. ببساطة لأن هذه الحملات البغيضة لن تحل مشاكل تلك الانحاء بين الزرقة و العرب أو بين الزرقة أنفسهم و بين عرب تلك المناطق أنفسهم. و ما دور الحكومة المركزية غير توفير التمويل لمشروعات التنمية و المشروعات الخدمية و في النهاية جيد ليكم بالنظام الرأسمالي إن شاء الله يحلحل مصائبكم.

طه جعفر الخليفة
كندا – اونتاريو
4 مارس 2024م

taha.e.taha@gmail.com

 

آراء