(قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) صدق الله العظيم لقد درج المسلمون، في زماننا هذا، على صلاة التراويح بعد العشاء، في أيام شهر رمضان المبارك .. وهم بذلك، يظنون انهم يصلون صلاة القيام، ويحرصون عليها، وكأنها فريضة تابعة للصيام، أو كأنها من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وكل هذا خطأ، وقد آن له أن يصحح، حتى ينفتح أمام الناس، باب السنة المطهرة الواسع، فيلجوا منه الى حقائق الدين. جاء عن صلاة التراويح ( عن السيدة عائشة انها قالت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ليلة من جوف الليل فصلى في المسجد وصلى رجال بصلاته فاصبح الناس فتحدثوا ، فاجتمع اكثر منهم فصلوا معه ، فأصبح فتحدثوا فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة فخرج رسول الله فصلى فصلوا بصلاته فلما كانت الليلة الرابة عجز المسجد عن أهله حتى خرج لصلاة الصبح ، فلما قضى الفجر اقبل على الناس فتشهد ثم قال: أما بعد فانه لم يخف علي مكانكم ، ولكني خشيت ان تفرض عليكم فتعجزوا عنها ... فتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك) (صحيح البخاري –الجزء الأول صفحة 241). ومن هذا الحديث، يتضح ان النبي صلى الله عليه وسلم، خرج لصلاته في جوف الليل، وليس بعد العشاء، كما يفعل الناس الآن في التراويح .. وهو لم يدع لها الاصحاب، لأنه يعلم ان صلاة القيام فردية، وحين وقفوا خلفه، وصلوا بصلاته، غاب عنهم، وصلى في داخل حجرته، حتى لا تكتب عليهم .. وهو حين لم يحضر اليهم في بقية رمضان، كان يقوم الليل في داخل بيته، كما هي سنته.. وكان يتأسى به من شاء من الاصحاب، فيقوم كل منهم في بيته.. واستمر هذا الامر طوال خلافة ابي بكر رضي الله عنه، ولما جاءت خلافة عمر رضي الله عنه، قام بإنشاء الصلاة الجماعية، هذه، في رمضان، جاء عن ذلك (عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عبد الرحمن بن عبد القاري انه قال : خرجت مع عمر بن الخطاب ليلة في رمضان الى المسجد، فإذا الناس اوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط فقال عمر إني ارى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب .. ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم قال عمر : نعم البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون .. يريد آخر الليل وكان الناس يقومون اوله )( المصدر السابق ص 242) وجاء في شرح هذا الأمر بصورة أوضح ("ثم خرجت معه ليلة اخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم " .. أي أمامهم المذكور وهذا صريح في أن عمر كان لا يصلي معهم لأنه كان يرى ان الصلاة في بيته ولا سيما آخر الليل افضل ..)(الامام مالك : الموطأ –الجزء الأول صفحة 134). من كل هذا نعلم ان الصلاة التي يداوم عليها المسلمون اليوم، في رمضان، لم يصليها النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يصليها أبوبكر الصديق رضي الله عنه، ولم يصليها عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو من سماها بدعة !! وهو حين إبتدعها، إنما فعل ذلك، حين وجد الناس عاجزين عن القيام المطلوب في السنة، فرأى أن صلاتهم هذه المبتدعة، خير من أن يصلوا فرادى، ويشوشوا على قراءة بعضهم بعضاً، ثم إن عمر رضي الله عنه، لم يشاركهم صلاتهم تلك، وإنما كان يصلي الليل في بيته، تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم. ونحن حين نقرر بأن صلاة التراويح بدعة، نعّرف البدعة، بأنها ما جد من قول، أو عمل، على ما كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم، أو أمر به .. وهي نوعان : بدعة حسنة، وبدعة سيئة .. فالبدعة الحسنة، هي ما جد في أمر من أمور الدين، وهو لا يخالف أصله، ولا يهزم غرضه .. والبدعة السيئة، هي ما جد في أمر من أمور الدين، وهو يخالف جوهر الدين أو يهزم غرضه .. ومن أمثلة البدع الحسنة، إتخاذ السبح لذكر الله، وتلاوة الأوراد التي يعطيها مشائخ الطرق الصوفية، لأتباعهم ومريدهم .. ولقد عنى رسول الله صلى الله عليه وسلم البدع السيئة، حين قال ( كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار) !! يدل على ذلك، قوله في حديث آخر ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فإنه رد عليه) أي من أحدث فيه ما ليس من روحه وجوهره . ولقد كانت البدع الحسنة، وهي كثيرة، مقبولة، ومبررة، حين كانت طاقة المجتمع البشري، وحاجته، دون مستوى السنة المطهرة .. أما بشرية اليوم، فإنها مواجهة بتحد كبير، لا ينهض له، ويوفي بمواجهته، إلا مستوى التشريع، الذي يقوم على السنة .. أما في منهاج التربية الفردية، والسلوك التعبدي، فإن قامة العصر، لا تستوعبها قامة، أقل من النبي صلى الله عليه وسلم .. ولهذا اصبح حكم الوقت الحاضر، يستلزم إتباع السنة، بغير زيادة ولا نقصان .. فالسنة مطلوبة من المسلمين اليوم، ولن يقبل منهم غيرها.. قال تعالى في ذلك( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) ومن هنا فإن البدع، التي كانت حسنة في الماضي، ومقبولة، تصبح اليوم، من المفارقات لنهج النبي صلى الله عليه وسلم .. وذلك لأن الفهم الدقيق يقول إن من زاد على ما فعله النبي، فكأنما إتهمه بالتقصير، وأن هنالك عمل يؤدي الى الله لم يفعله، ومن نقص عن عمله، متعمداً، فكأنما إتهمه بالزيادة في غير موجب، وكلا الأمرين معوق لسلوك السالك الى الله. وصلاة القيام هي قيام الليل، وهي قد كانت سنة النبي صلى الله عليه وسلم، التي داوم عليها في سفره وحضره، في مرضه وصحته، إمتثالاً لأمره تعالى ( يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلاً، نصفه أو انقص منه قليلاً، أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا، إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلا، إن ناشئة الليل هي أشد وطأ واقوم قيلا) .. ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم، يصليها وحده، في بيته، لا يزيد فيها بالوتر على ثلاثة عشر ركعة، ولا ينقص عن ثلاث، لا في رمضان ولا في غيره .. ولقد سميت صلاة القيام، لأنه إنما يقام لها من النوم .. هذه هي السنة، وهي اليوم واجبة على المسلمين، لأن بالسنة يبعث الإسلام، فقد جاء في الحديث (بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء قالوا من الغرباء يارسول الله ؟ قال : الذين يحيون سنتي بعد إندثارها ). واتجاه السنة، عموماً، أن يصلي الإنسان في بيته، ما لم تكن صلاته الصلاة المكتوبة، فإنها أفضل في الجماعة وفي المسجد .. هذا عندما تكون الجماعة مذكرة بالله، وعلى طاعة له .. أما الجماعة التي تستغل المسجد للتكفير، والسب، والسخرية من الآخرين، فلا يجوز للمرء الصلاة معها، حتى ولو لم يجد جماعة أخرى، واضطر الى الصلاة في بيته وحده !! فقد جاء في الحديث (عليكم بالصلاة في بيوتكم فإن خير صلاة المرء في بيته الا الصلاة المكتوبة)(رواه الشيخان والترمزي) وجاء أيضاً (صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في مسجدي هذا إلا المكتوبة) (رواه ابوداؤود).. والصلاة المكتوبة يعني الصلوات الخمس، والتراويح ليس منها، فلماذا نرى المسلمين اليوم يصلون التراويح في المساجد ؟! وعلى بعد صلاة التراويح عن السنة، ومع أنها حسب رأي عمر بن الخطاب رضي الله عنه بدعة، فإن الناس اليوم يؤدونها وهم راضون عن أنفسهم، متفاخرون بها، يخرجون اليها في جماعات، ويتفقدون من يغيب عنها، مما يعرضها للرياء، والسمعة، ويجعلها اقرب الى المباهاة والتفاخر.. اكثر من ذلك!! يقرأون فيها القرآن بالمايكرفونات العاليةـ فلا يستطيع الكبير والمريض، والمرهق، أن يستريح في بيته، من الإزعاج، بل لا يسمع الناس في بيوتهم اصوات بعضهم، إلا ان يوقفوا حياتهم، حتى ينتهي الناس،في المسجد من هذه البدعة، التي اصبح ضررها أكثر من نفعها .. ومن البدع التي تصاحب التراويح، عندنا في السودان، أن يؤمها النساء الشابات، بأعداد كبيرة، وهو أمر مفارق للشريعة، التي فرضت على المرأة الحجاب .. فالشيوخ والائمة يدعون الى الشريعة،ولا يفهمون من الدين ما هو أكبر منها، فلماذا لم يتقيدوا بها،ويأمروا النساء بالصلاة في بيوتهن ؟! فعلى حسب الشريعة الأولى للمرأة والأفضل لها، أن تصلي في بيتها، أو محل إقامتها، حيث لا يراها أحد، لقوله صلى الله عليه وسلم: "صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها، وصلاتها في مخدعها، أفضل من صلاتها في بيتها" رواه أبو داوؤد. وفي مسند الإمام أحمد، أن أم حميد، امرأة أبي حميد الساعدي، جاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إني أحب الصلاة معك، قال: قد علمت أنك تحبين الصلاة معي، وصلاتك في بيتك خير لك من صلاتك في حجرتك، وصلاتك في حجرتك خير لك من صلاتك في دارك، وصلاتك في دارك، خير لك من صلاتك في مسجد قومك، وصلاتك في مسجد قومك، خير لك من صلاتك في مسجدي. فدل هذان الحديثان على أنه كلما كان المكان أستر للمرأة وأبعد عن اختلاطها بالرجال كانت الصلاة فيه أفضل بالنسبة لها. هذا حكم الشريعة، فلماذا كتمه الائمة والوعاظ وهم يعلمون ؟! أما الآن، تحت حكم الإخوان المسلمين، فقد أصبحت الصلاة تجارة !! فقد جاء (وأوضح أحد الائمة أن الاسبوعين اللذين يسبقان رمضان يتزايد فيهما الطلب على الائمة مشيراً الى أن الكل يبحث عن مواصفات واحدة تتمثل في الصوت الجميل والسعر المناسب. ففي الوقت الذي يعاني فيه الائمة والمؤذنون من ضعف الرواتب الحكومية وصلت أجور الائمة النجوم الى 30 الف جنيه في رمضان ...وقالت صحيفة الأخبار الصادرة اليوم الاربعاء أن لجنة أحد المساجد في حي يثرب فشلت في الاتفاق مع أحد الائمة حيث رفض المبلغ المعروض عليه بحجة أنه لا يقل عن شيخ الزين في حلاوة الصوت والقدرة على الصلاة. وقد باءت كل محاولات اللجنة بالفشل في اقناع الامام بقبول مبلغ 5 آلاف نظير صلاتي العشاء والتراويح )!! فالإمام يساوم على الأموال، التي يجنيها ثمناً لصلاته !! فإذا منح ما أراد، فقد نال أجره على الصلاة من الناس،فكيف يرجو من الله أجراً بعد ذلك ؟! ولماذا يصلي الناس خلف إمام قبض ثمن صلاته والله تعالى يقول (اتبعوا من لا يسألكم أجراً وهم مهتدون) ؟! ولماذا يبلغ ثمن صلاة التراويح 30 ألف جنيه ؟! والشعب جائع وتتوالى عليه النكبات ؟! ولماذا لدينا مساجد فخمة، زخرفت بالملايين، وفرشت بالملايين، ولديها من المال، ما تشتري به الإمام النجم ب 30 ألف جنيه،وفي أطراف العاصمة أسر تأكل من القمامة ؟! ألا قدس الله سر الشيخ المكاشفي، فقد قال ( لقمة في بطن جائع أفضل من بناء ألف جامع) !! ومهما يكن من أمر التراويح،وما يصاحبها من إزعاج، فإنها على كل حال، تؤدى في أول الليل، والناس لم يناموا بعد، ولكن هنالك بدعة جديدة، أسوأ من بدعة التراويح، وهي ما يحدث في العشر الخواتيم في رمضان، إذ اصبحت بعض المساجد، تصلي في وقت متأخر، ما سمي بصلاة التهجد.. تتلوا فيها بالمايكرفونات العالية، ما يحرم الناس من النوم الهادئ في بيوتهم، في وقت ليس بوقت صلاة .. فبعد صيام النهار وتعبه، يأوي الطالب، والعامل، والمرأة المرضع، والحامل، والمريض الى فراش النوم، حوالي الساعة الواحدة صباحاً، فإذا المايكرفونات تصيح حوالي الساعة الثانية صباحاً، وتستمر حتى الفجر، زاعمة بأن هذه صلاة التهجد !! إن من يقوم الليل على نهج السنة في بيته، لا يستطيع أن يصلي في هدوء أو يسمع قراءته، من شدة ارتفاع قراءة صلاة التهجد المزعومة هذه !! أن صلاة التهجد هي قيام الليل، وهي صلاة فردية، ويجب ان تتم في هدوء وسكينة .. ففي الصحيحين من حديث عائشة : ( كان رسول الله إذا دخلت العشر شد مئزره و أحيا ليله و أيقظ أهله ) فالنبي صلى الله عليه وسلم لا يزعج بصلاته جيرانه، وإنما يقتصر على إيقاظ أهل بيته، ليصلوا .. فكم هي مفارقة الائمة، اليوم، حين يزعجون الحي بأكمله، بصياحهم في المايكرفونات ؟! وهكذا ينفر جهلة الأئمة الناس من الدين، ويؤذونهم باسمه، وهم يظنون انهم يتبعون النبي صلى الله عليه وسلم، حين كان يشمر تهجداً في العشر الخواتيم من رمضان، أقرءوا إن شئتم قوله تعالى (قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً ؟ الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا،وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً).