ضر المصاروة (بضم الضاد)

 


 

 

fdil.abbas@gmail.com

تتصرف المخابرات المصرية إزاء الملف السوداني مثل زوجة (طبق) بعلها فوقها، أي أردفها بزوجة ثانية، فارتج عليها وطاش صوابها واخذت تتصرف بمزيج من الغيرة والطيش والبلاهة والشفتنة، بلا طائل. فالورشة المزمعة بالمحروسة هذا الأسبوع ضرب من الدبلوماسية الرعناء والتحشر والأبوية لا تأتي إلا من (الديك الما بعرف الوقت). ولقد لاذت القاهرة بصمت القبور تجاه ما يجري في السودان منذ أبريل 2019 والأحداث تنداح كما شاءت تصاريف الثورة الشعبية، والسودان يعاني من عدم الاستقرار والركود الاقتصادي والمسغبة وخراب البنية التحتية، دون أن يمد الجار بالجنب يد الإنسانية أو علي الأقل كلمات التضامن والمآزوة. ويبدو لي أن الدوائر الخديوية الامبريالية المتبقية في أرض الكنانة كانت ترقب المشهد في الجارة الجنوبية وتغط في أحلام اليقظة بانهيار السودان المحتمل حتي تستطيع الجارة الشقيقة أن تأخذ نصيبها من الحطام علي طريقة (بيت أبوك كان انهد شيل ليك منه شلية).
ولكن لله جنودا آخرين مسخرين للواسطة الإيجابية، من فرط محبتهم للشعب السوداني العريق العبقري المفعم بالخير والأفق الواعدً الوريف، بقيادة الترويكا التي ظلت تسعي بصبر وتؤده لجمع الأطياف المعنية وتوحيد كلمتها لوراثة الحكم المدني من الانقلابيين العسكريين وحلفائهم من الحركات والفلول. وأوشكت هذه الجهود أن تؤتي أكلها، ولم يبق إلا الانفتاح. علي لجان المقاومة والقوي الثورية الحقيقية مثل الحزب الشيوعي والاتحادات النقابية والشخصيات الوطنية المعروفة بنضالها المستمر ضد النظام البائد، إذا بالمخابرات المصرية تتحرك كملدوغ الحية، وتدعو للورشة اللا حوارية المذكورة آنفا. ولن تكون الورشة سوي نشاط استخباري محض وتفاصيل عبثية كالحرث في الماء، إذ كما قال الفريق عطا كيف يتحاور الشخص مع نفسه، فأنت قد دعوت المكونات الهزيلة المتربصة التي تتألف منها الكتلة الديمقراطية، ولم تستجب لدعوتك قوي الحرية والتغيير ، فمع من تتحاور؟ إنها عملية (غزونا - بتشديد الزاي - ما تنسونا) كما يقول المثل السوداني.
لا يعني ذلك أن النشاط الذي قامت به الترويكا مدعوما بزيارة أبي احمد الأخيرة هو الإكسير الدي يكمن خلفه حل المشكل السوداني. فهو ينطلق من أرضية صحيحة، أي القضاء علي الانقلاب العسكري وتبعاته، وتدشين الحكم المدني الديمقرطي الصحيح، بيد أنهم أخطأوا باستصحابهم للشخوص المشاركة في فشل حكومة حمدوك الاولي والثانيه، وهي شخوص مرفوضة من قبل الشارع جملة وتفصيلا. وما يربك المشهد ويفاقم شكوك الشارع أنهم يتجاهلون شعار الثورة الأساسي حول العدالة الانتقالية، خاصة ما يتعلق بمرتكبي مجازر فض الاعتصام وما تبعها. ولن تفيدنا دغمسة الكلام والتنظير البيزنطي الذي يحاول أن يطمس الحقائق والذي يساهم في تغبيش وعي الجماهير.
في نهاية الأمر، إن جهود الترويكا علي العين والرأس، وجهود المصاروة التخريبية سوف تتبخر كرماد تذروه الرياح.

ولكن لا بد من تطمين الشارع بكيفية تحقيق العدالة الانتقالية، وكيفية استبعاد الاشخاص الثرثارين الذين أبطلوا مفعول الثورة حينما كانوا في سدة الحكم، والذين يحلمون بالتسلل له مرة أخري رغم انف الشارع. ولكن هيهات!

 

آراء